(( كلمة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
|
الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحابته الطاهرين، ومن تبع هداه إلى يوم الدين. |
الأساتذة الأفاضل: |
الإخوة الأكارم: |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
تجيش نفسي بأحاسيس فياضة حين أرى نفسي بينكم أسبوعاً إثر أسبوع في هذا الملتقى الذي أقمتموه بتفاعلكم مع طروحاته، وتجاوبكم مع أمسياته وضيوفه. فكيف الحال حين أراكم الآن بعد انقطاع شهور مرت بطيئة وهي تحملني بين المشافي، إلى أن منّ الله سبحانه وتعالى عليّ بالشفاء بفضل دعواتكم وتواصلكم مما كان له أعظم الأثر في نفسي، وعجّل بعودتي لأسعد بهذه الوجوه النيرة. وتزداد سعادتي مرحِّباً باسمكم جميعاً بضيف عزيز كريم تطلّعنا كثيراً للقائه والاحتفاء به، معالي الأستاذ الدكتور ناصر الدين الأسد، رئيس مجلس أمناء جامعة الإسراء الأهلية بعمّان - الأردن، رجل الأدب، والدبلوماسية، والبحث العلمي الأكاديمي.. فأهلاً وسهلاً ومرحباً به، وشكراً لتفضله بافتتاح لقاءاتنا لهذا الموسم، مضحياً بوقته وراحته وارتباطاته العديدة. |
إن المتتبع لأعمال وإنجازات ضيفنا الكبير وإنجازاته، يعجب بالتنوع الذي تزخر به مؤلفاته العديدة، فهو عندما يتناول الشعر الجاهلي تخال أنه لم ولن يكتب في أي ضرب آخر من ضروب الأدب، لأنه يمنح الموضوع كل اهتمامه ولا يدخر جهداً عن أدق التفاصيل، محللاً ومقارناً وناقداً. ويظهر ذلك جلياً في أطروحته القيمة التي نال عنها درجة الدكتوراه في الآداب بتقدير ممتاز، وطبعها بعنوان "مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية"، وهي دراسة جادّة طُبعت ثماني مرات ما بين عامي ستة وخمسين وستة وتسعين من الميلاد. وأحسب أن ضيفنا الكبير الذي وجد نفسه مفتوناً بالشعر الجاهلي لأسباب غير معللة بالنسبة له (وهذا أمر قد يحدث للكثيرين) اندفع في العطاء الخير الذي أثرى المكتبة العربية بروائع لا غنى عنها لكل دارس في هذا المجال، فأسعدنا بدراسة جادّة أخرى تلازمت فكراً مع سابقتها وإن تأخرت ولادتها عدة سنوات، وتناولت موضوعاً متمماً للحياة الأدبية الاجتماعية وصدرت بعنوان "القيان والغناء في العصر الجاهلي" طُبعت ثلاث مرات ما بين عامي ستين وثمانية وثمانين من الميلاد، والمسألة لم تكن نزهة يسيرة بين الأوتار والأنغام كما يتوقع البعض، ولكنها دراسة أسلست قيادها لضيفنا الكبير بعد أن عمل عليها سنوات طوالاً بموجب منهج علمي دقيق ألزم نفسه من خلاله بعدة قواعد رأيت أن أشير إليها لفائدة شداة الأدب، ومحبي البحث والتدقيق، وغيرهم ممن يسعون إلى تجويد أعمالهم لترقى إلى مصاف الدراسات الهادفة بكل ما يتطلبه ذلك من جهد ومثابرة، فقد خلص إلى هذا البحث بعد أن حدد بعض موجبات المنهج العلمي في الدراسات العليا منها: |
أولاً: الجمع المستقصي لمادة البحث ونصوصه. |
ثانياً: التحقيق الدقيق لهذه النصوص، مع مقابلة النص في الطبعات المختلفة، محاولة الحصول على النص في منبعه، إثبات الفروق مع ترجيح نص معين لأسباب منطقية، ذكر جميع النصوص التي تتصل بالموضوع مؤيدة أو مناقضة ومناقشتها مناقشة فيها شيء من سعة، فإذا استقامت مع ما يذهب إليه الباحث كانت سنداً يدعمِّه ويقوِّيه، وإلا ردّ عليها بما يظهر من وجوه الرأي، أو إيراد النصين وذكر مواطن الخلاف دون ترجيح إذا لم يتيسر ذلك. |
ثالثاً: دراسة النصوص دراسة تقوم على دعامتين: فهم النصوص فهماً فيه استشفاف لها وسبرٌ لأغوارها، ومحاولة التعليل والتفسير وإرجاع الفروع إلى أصولها والظواهر إلى أسبابها، ومحاولة استقاء أسباب لها من البيئة حولها، والربط بين الظاهرة والحياة الاجتماعية والاقتصادية التي انبثقت منها. |
ولا يزال العشق القديم للشعر الجاهلي يتجدد مع ضيفنا الكبير، فقد أفرد مؤخراً دراسة شائكة شائقة عن "نشأة الشعر الجاهلي وتطوره" طبعت عام تسعة وتسعين من الميلاد، وهي دراسة لا غنى عنها لكل باحث ودارس في هذا المجال. |
ونجد أستاذنا الكبير، شأنه شأن معظم الأكاديميين الملتصقين بهموم مجتمعهم يدرك أهمية الحوار في حياتنا اليومية، والحوار بيننا وبين الآخر، فعُني بذلك أيما عناية، وأفرد مؤلفين غاية في بابهما بعنواني "نحن والآخر - صراع وحوار" عام سبعة وتسعين من الميلاد، فتح من خلاله نافذة واسعة على أدب الحوار، وضرورة الانتقال به من مرحلة الفهم والإقناع إلى مرحلة التعاون على العمل المشترك بين جميع المؤمنين بالسلام الحقيقي، والعدل، واقتلاع بذور الأحقاد بين الشعوب، إنه حوار الثقافات الذي لم ينقطع قط في الواقع، ولكن المتطرفين من كل الملل والنحل يعملون جاهدين على بتره ودفنه والخروج علينا بنظرياتهم المهيضة وأفكارهم الظلامية لإشعال الفتن؛ وأردف ذلك بمؤلف آخر بعنوان "نحن والعصر" تناول فيه العديد من المفاهيم والمصطلحات الإسلامية، محذراً من الشطط، واجتزاء الأحاديث النبوية الشريفة لخدمة أهداف وأغراض غامضة، وقد نُشر هذا الكتاب عام ثمانية وتسعين من الميلاد، وكأن ضيفنا الكبير بإصداره هذين الكتابين في عامين متتالين قد استقرأ الأحداث الجسيمة التي وقعت بعدهما وهزت العالم في الحادي عشر من سبتمبر عام ألفين وواحد من الميلاد، وصارت مفصلاً مميزاً في تاريخ البشرية، قسّم العالم إلى ما قبل وما بعد هذا التاريخ. والمتأمل في الكتابين يجد أنهما يحذران ويضيئان نوراً أحمر لتحصين الأمة ضد التطرف والشطط والإفتاء بغير علم؛ وأحسب أنه من المفيد، بل من الضروري الذي يرقى إلى فرض العين، ترجمة هذين الكتابين إلى مختلف لغات العالم الحية، ونشرهما في هذا الوقت بالذات، حيث يتعطش العالم الغربي لقراءة كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين، حيث يجد فيهما القارئ صورة حقيقية لما يجب أن يكون عليه حال الأمة داخل أطرها وتطبيقاتها، ومن خلال تعاملها مع الغير ومع الأقليات غير المسلمة التي تعيش بينها. |
والمتأمل لمسيرة ضيفنا الكبير يجد أنه قد عمل في معترك السلك الدبلوماسي سفيراً لبلاده لدى المملكة العربية السعودية، وأكاديمياً حظيت عدة جامعات بمشاركته أستاذاً، وعميداً ورئيساً، وسياسياً تولى حقيبة وزارة التعليم العالي في الأردن، ومن بين كل هذا الزخم استوقفني تأسيسه الجامعة الأردنية في عمّان، والتدريس فيها ثم رئاسته خلال الفترة اثنين وستين من الميلاد إلى ثمانية وستين. أقف معكم أيها الأحبة أمام هذا الإنجاز ونحيي أستاذنا الكبير، لأن تأسيس جامعة بالمعنى المعروف ليس عملاً يقابلنا كل يوم، فعملية إنشاء الشركات، والمؤسسات والمصانع والمزارع والبنوك والمستشفيات على أهميتها، لا تساوي شيئاً بالنسبة لإنشاء جامعة، لأن الجامعة رسالة علم، وهي في رسالتها تتعامل مع مستويين: عالم نذر نفسه للعمل الأكاديمي، وطالب تفرغ لتحصيل العلم على أسس ومناهج تختلف تماماً عن الأساليب التي تعوّدها طوال سنوات دراسته السابقة، وخلف هذين المستويين جيش من الإداريين والفنيين والعمال، ينسق بين جميع هذه الأطراف عشرات من النظم واللوائح والقوانين، حتى تبدو الجامعة منذ بزوغ فكرتها وحتى اكتمالها، مشروع مدينة صغيرة ذات أطر مختلفة يصعب التعامل معها بموجب ما هو معروف ومتوارث في إنشاء وإدارة سائر النشاطات الأخرى. |
التحية والتجلّة مجدداً لأستاذنا الكبير وضيفنا الكريم على ما أنجز وقدم لأمته، ولمثل هذا فليتنافس المتنافسون. لقد أبدع معاليه في كل ما عُني به من أعمال، وتميز دائماً بالدقة والحرص على بلوغ أقصى درجات الإتقان والإحسان، ولن نستطيع إيفاءه حقه من الشكر والتقدير والعرفان والامتنان، ونحن نراه يجوب الأرض من سفر إلى سفر، ناشراً علمه وفضله وفكره المستنير بين أبناء وطنه العربي الكبير، مؤمناً بتطلعاته وقضاياه المصيرية، مدركاً بعين البصر والبصيرة ما يكتنف مستقبل الإسلام والعروبة في ظل نظام عالمي لا يقبل الحياد والوقوف على ضفاف الأحداث والمتغيرات التي تتشكل كل يوم، سعداء أن نستمع إلى معاليه في هذه الأمسية نستهل بها نشاطنا لهذا الموسم، والاستنارة بآرائه وأفكاره البناءة. |
يسعدنا أيها الأحبة أن نلتقي في الاثنينية القادمة بالأستاذ عبده خال، القاص والصحافي المعروف، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم وبكل محبي الحرف في هذا الملتقى الذي يزهو بكم. وأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم جميعاً مرة أخرى وبضيفنا الكبير. |
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
عريف الحفل: كما تعلمون أيها السادة برنامج الاثنينية، بعد قليل سنحيل الميكروفون إلى أصحاب السماحة والمعالي والسعادة المتحدثين في حضرة ضيفنا الكريم، بعد ذلك تُعطَى الكلمة لفارس الاثنينية، ومن ثَمَّ يُفتح باب الحوار بينكم وبين معاليه، فنأمل بالتكرم بموافاتنا بأسئلتكم، ولو تكرمتم يكون سؤالاً واحداً لكل شخص حتى نستطيع أن نتمكن من حصر الوقت. كما نتكرم من أصحاب السماحة والمعالي والسعادة أن يختصروا في كلماتهم. |
إذن، يُعطى الميكروفون ويتحول إلى صاحب المعالي الدكتور محمد عبده يماني المفكر والداعية الإسلامي المعروف. |
|
|