(( كلمة سعادة الدكتور شاكر الفحَّام ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، أيها الحفل الكريم، أول ما أبدأ به تقديم الشكر أطيبه وأجزله إلى الأستاذ الكبير عبد المقصود خوجه –حفظه الله- الذي تفضل بدعوتي لاحتفالية الاثنينية، هذه المؤسسة الشامخة التي أرسى دعائمها وأعلى بناءها وواصل العمل فيها ليل نهار، بعزم وتصميم ومتابعة لا تتوقف حتى بلغت ما بلغت من الشأو والارتقاء، فإذا هي منارة ثقافية هادية انتشر صيتها في الآفاق وطاب أريجها، كان احتفالها الأول عام 1403هـ، وتتالت الاحتفالات حتى جاوز عددها في العام الماضي مائتي احتفال، يكفي أن يستعرضها المرء ليرى أنها سجل حافل لثقافة هذه المرحلة، جمعت من آدابها وأشعارها وإبداعاتها ودراساتها المتنوعة في التراث وعلوم العصر، ما يعبر أصدق تعبير عن صورة النشاط الثقافي والعلمي والفكري والإبداعي، فجزى الله الأستاذ المفضال عبد المقصود أحسن الجزاء، فقد وفر للمجتمع العربي بسعيه الحثيث ودأبه المتواصل واحة ظليلة من المعرفة والثقافة والآداب فيها ما تشتهي الأنفس وتقر الأعين. |
ثم أحيي أحسن التحيات وأطيبها هذه النخبة المختارة من السادة العلماء والأدباء والشعراء والمفكرين والمبدعين وأمثالهم من رجال القلم الذين أقبلوا من كل جانب، وقد تحمل كثير منهم مشاق السفر ومتاعب الرحلة، كي يشهدوا احتفال الاثنينية يشدهم إلى ذلك ما ألفوا أن يستمعوا إليه في مثل هذه الاحتفالات، من جميل القول وطرائف الإبداع والجديد من الموضوعات الفكرية والثقافية والعلمية، التي تُطرح والحوار الذي يدور، فأغلب الاحتفالات بحضورهم ومشاركة من شارك منهم في الكتابة أو الحوار وحسن الاستماع، فلهم الشكر كل الشكر وهم المرحب بهم كل الترحيب. |
وها أنا ذا أقف أمام الأصدقاء الكرام الأعزة الذين غمروني بحبهم وأفاضوا عليَّ من الثناء حُللاً سابغة فضفاضة، أملاها حسن ظنهم وجميل رأيهم وأنّى لي أن أفِيَهُم بعض حقهم وأشكر لهم نبل فعلهم، إني لا أجد في الكلمات المسعفة التي تعبر عما يخالجني من عواطف ثرَّة تجاههم وأراني أقف عاجزاً عن مجاراتهم فصاحة وبياناً، فلي صدق نيتي عن حديث لساني وتحبير قلمي. وتقضيني سنة الاحتفال وأعرافه أن أقدم أشياء هامة اعترضتني في حياتي، أكمل بها الصورة التي رسمها الأصدقاء الأحبة، ولكن إخواني المتحدثين الذين سبقوني قد أفاضوا فلم يدعوا لي في هذا الباب إلا أقل القليل، فتوقفت لا أجد إلا كُليمات يسيرة أعرض فيها لأشياء خفيفة قد يكون فيها بعض الفائدة. |
وفي الحق فإن سيرتي عادية ليس فيها باهر أو غريب نادر يلفت النظر، في بدء حياتي أسلمني أهلي إلى الكتاب فقرأت القرآن الكريم وتعلمت الخط والحساب، ثم انتقلت إلى المدرسة الابتدائية الرسمية فكنت لذلك متفوقاً بين أترابي، وأشهد أن معلمي المدرسة كانوا شديدي العناية بنا، يوالون تعليمنا بجد واهتمام ويخصّوننا على الدرس والمذاكرة ويشجعوننا بالمكافآت، وأذكر أننا حين وصلنا إلى الصف الرابع الابتدائي أصبح المعجم العربي أساسياً في الدراسة، فكتاب "مستهل الآداب" كان من أهدافه تعويد الطلاب على مراجعة المعجم وكانت عادة مستحبة رافقتني طوال عمري، ثم كان المعلمون يؤثرون الفصحى في تعليمهم فاعتدنا سماعها واستساغتها. |
وانتقلت إلى الدراسة الثانوية فقضيت فيها سبع سنوات، وكان المدرسون يُعنون بنا ما أنسى ولا أنسى ما قام به مدرسو اللغة العربية من تحبيب اللغة والتراث إلينا وتشجيعنا على المطالعة والإفادة من مكتبة المدرسة، وبلغ من حماستي للعربية مع مجموعة من رفاقي أن ألَّفنا جمعية يلتزم أعضاؤها فيما بينهم التكلم بالعربية الفصيحة، وكنا نلجأ إلى الشيوخ في المساجد نطلب إليهم أن يقرئونا طائفة من كتب العربية أو كتب الفقه والحديث، فكانوا يستجيبون لرغبتنا فنقرأُ عليهم ما نحن بحاجة إليه مما وسَّع ثقافتنا العربية. |
وكانت دراستي الجامعية في كلية الآداب جامعة القاهرة، ونلت الإجازة الجامعية في علوم اللغة العربية وآدابها، ومارست التدريس في المدارس الثانوية، ثم حصلت على درجتي الماجستير والدكتوراه لأدرس بجامعة دمشق، وقد أحببت التدريس حباً جماً، وأرجو أن أكون قد وُفقت في رسالتي التعليمية. لم يقتصر عملي في التعليم على البحث، بل أُسندت إلي أعمال أخرى لها شأنها ومكانتها، فكنت سفيراً لسوريا في الجزائر، ورئيس جامعة دمشق، ووزيراً للتعليم العالي، ووزيراً للتربية وعضواً في مجلس الشعب، وعضواً في مجمع اللغة العربية، ومديراً عاماً لهيئة الموسوعة العربية، وقد فسحت هذه الأعمال في تجربتي وساعدتني على إنجاز كثير مما قمت به، كانت الجامعة والتدريس الجامعي همي ووكدي، وعقدت الاجتماعات مع الأساتذة الجامعيين والخبراء ندرس ونناقش موضوع التعليم العالي والطريق إلى تطويره وازدهاره، وانتهينا إلى ضرورة تعديل المناهج لتكون دائماً وثيقة الصلة بمستوى التطور العالمي ولتشارك في عملية التنمية، وقامت الدولة بإنشاء جامعتين جديدتين آنذاك هما: جامعة تشرين وجامعة البعث، وعملنا على التوسع في جامعة دمشق وحلب كماً وكيفاً. |
وخطا التعليم العالي خطوات واسعة من أبرزها إنشاء الدراسات الجامعية العليا، بعد الإجازة الجامعية، وأدت هذه الدراسات بحمد الله رسالتها على أحسن الوجوه وأرضاها، وتم إدخال دراسات جديدة تطلبها العصر، يأتي في مقدمتها دراسة (المعلوماتية). |
وها أنا ذا أختم كلامي بحديث موجز أتناول فيه الأمر الذي يؤرقني ويثير همومي هو موقفنا من لغتنا العربية الشريفة (لغة القرآن الكريم) فهذه اللغة العربية وهي المقوم الأساسي للأمة العربية تحمل هويتنا وتحفظ تراثنا، وتؤلف بين أبناء أمتنا توثق صلاتهم وتعصمهم من الشتات والتفرق قد أصبحت مهددة الحصون، فكثير من أبناء الأمة العربية أخذوا يُروّجُون للهجات العامية بديلاً عن اللغة الفصيحة، وهناك بعض المحطات الفضائية التي تذيع بهذه اللهجات العامية، وكذلك الإذاعات المرئية والمسموعة قد أصبح نصيب أحاديثها باللهجات العامية المحلية يفوق بكثير أحاديثها باللغة الفصيحة. |
وقد تنادت مجامع اللغة العربية والمؤسسات اللغوية المؤمنة بالحفاظ على اللغة العربية الفصيحة والدفاع عن وحدتها وسلامتها إلى عقد المؤتمرات والندوات والاجتماعات لدرء هذا الخطر الماثل، واتخذت القرارات الرشيدة التي تصون وحدة اللغة وتحمي أمتنا من التشتت والضياع وتحفظ تراثنا العظيم ولكن هذه القرارات ما زالت حبراً على ورق لم تحرك ساكناً، ويأتي في مقدمة هذه القرارات أمران اثنان: |
الأول: فرض التعليم باللغة العربية الفصيحة، في مراحل التعليم كلها بدءاً من المدرسة الابتدائية حتى نهاية المراحل الجامعية العليا. |
ثانياً: التكلم في جميع وسائل الإعلام الفضائية والأرضية باللغة العربية الفصيحة إلا عند الضرورة القصوى. |
وأعتقد جازماً أنه لا بد من اتخاذ قرارات حازمة بهذا الصدد يتبناها أولو الأمر ومن بيدهم مقاليد الحكم لدرء الخطر الماثل الذي يهدد لساننا العربي المبين ووحدة أمتنا ونفائس تراثنا، ولم يعد الأمر يحتمل التريث والتأجيل وإذا عزمت فتوكل على الله. والسلام عليكم. |
|