(( كلمة معالي الدكتور عبد اللَّه بن بيه ))
|
الحمد لله رب العالمين، اللَّهم صلِّ وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. |
كنت أعتذر عن الاثنينية وعذري العجز، لا قيلاً ولا بغضاً لهذه الاثنينية المباركة، لكني قلت الليلة لا عطر بعد عروس، ما دامت هذه الاثنينية تكرم أخي وصديقي الدكتور عباس الجراري، وتكرم في شخصه المغرب كله تاريخاً وإنساناً وحضارةً لا بد أن أتجشم وأن أسعى إلى الاثنينية في هذه الليلة. كلمات قليلة سأحاول أن أشترك بها في هذه الأمسية التي يُكرَّمُ فيها عالم وأديب ومثقف وجامع بين الأصالة والمعاصرة في مغربنا الحبيب. أول هذه الكلمات شُكْرْ: |
سأشكر عمراً ما تراخت منيتي |
أيــادي لم تمنـن وإن هي جلَّتي |
فتىً غـير محجوب الغنى عن صديقه |
ولا أظهر الشكوى إذا زلتي |
|
|
الشيخ عبد المقصود خوجه توالت عليه بعض المآسي في هذه السنة والآلام أنا أعرفها ولكنه يلملم آلامه وجراحه ليسعد الآخرين، فهو لا يظهر الشكوى نشكره على هذه الاثنينية التي أصبحت ملتقى الرواد كرمت رعيلاً أعرف منهم الكثير قد درجوا والباقي ينتظر، طبعاً الشيخ عبد المقصود من المعروف عنه أنه غواص يستخرج الدُرر، لكن قد كنت أقول في نفسي مرة مع أنه كرمني وكرم غيري أنه قد يستخرج الدرر من هذه البحار القريبة من المشرق، درر المشرق، وليسمح لي أن أقول أننا في المغرب عندنا عقدة صغيرة ليست كبيرة من المشرق قبل ثلاثين سنة، وهذا لا يقربني من الشباب كنت بمؤتمر لوزراء خارجية الدول الإسلامية، فتكلمت حسب ما أتكلم وكما أتكلم الآن، فأحد المندوبين قال لي: لا شك أنك خريج الأزهر، إنما أنا خِرِّيج المعاهد في بلاد شنقيط وخِرِّيج الصحراء، لأنه يرى أن اللغة العربية الفصحى هي لغة الأزهر ولا توجد خارج الأزهر، طبعاً نحن لا نتنكر للأزهر، عقدة قديمة جعلت أبا محمد بن حزم، وهنا نرى أبا تراب الظاهري -حفظه الله تعالى- يقول: إنه شمس. |
أنا الشمس في جو العلوم منيرة |
ولكن عيبي أن مطلعي الغرب |
|
|
ونرى أهل المشرق في بعض الأحيان بحسن نية ينمون هذه العقدة، فابن الصلاح في دمشق عندما يطَّلع على كتاب القاضي عياش (مشارق الأنوار) يقول مشارق أنوار تبدت بسبتة فيا عجباً من المشارق كون المشارق أو أن المشارق في الغرب، الغرب في مشارق نتجاوز هذه العقدة بتكريم معالي الدكتور عباس بن العلامة البركة عبد الله الجراري، الليلة نرى أن الشيخ عبد المقصود جزاه الله خيراً مدَّ يده إلى المحيط الأطلسي وإلى المغرب كما قلت التاريخ الجغرافي ممتد من طرابلس الغرب إلى المحيط الأطلسي ومن شمال الأندلس إلى السنغال، هذا هو المغرب كنا في القديم نقول: أصحاب مالك المغاربة وهي تطلق على الأندلسيين وعلى كل من يكون في هذه المنطقة، طبعاً مصر يوجد أصحاب مالك مصريين وهم ليسوا من طبقة المغاربة. |
|
بتكريمه كما قلت نُكرِّمُ التاريخ، نُكرِّم الحضارة، نُكرِّم رجلاً نافح وكافح عن التراث ضد المستشرقين الوقت قد لا يتسع لكثير من الاستشهادات، لكني سأقتصر على بعض الاستشهادات السريعة التي راقت لي وأحببتها في كتبه التي أهداها إليَّ مشكوراً على هامش الحسنيَّات، أو الدروس الحسنة، هذا الاستشهاد يتعلق بدفاعه عن الدولة المرابطية وهي دولة ننتمي إليها جميعاً، بل ننتمي إليها بالدم فأنا من الملثمين من هؤلاء، الآن ليس عليّ لثام لكن إذا ذهبت إلى الصحراء قد أتلثم. فقد دافع وردَّ على المستشرقين بقوة وببرهان وحجة وبيان، وقال في دفاعه أنه يرد الحق إلى نصابه، وأن هذه الدولة التي حاول المستشرقون أن يجعلونها همجية، وحشية، جاهلة، وصفوها بكل الأوصاف وذلك لحاجة في أنفسهم دافع عنها دفاعاً أعجبني كثيراً وتذكرت قول الخطيب: |
وطلعت بمغرب لمْ تُونَ دولتهم ميمونة مصونة تضم ديناً وعفافاً لكرم لم يدر قدر فضلها حتى اليوم منهم أبو بكر حليف الدين ويوسفٌ وابن تاشفين. |
|
هذا موقف يُحمَد بجانب كل المواقف التي أحيا فيها التراث الأندلسي، وأظهر أن المغرب العربي له ثقافته الشعرية وثقافته الأدبية التي لا تقلُّ في كثير من الأحيان -حتى لا أبالغ- عن الثقافة العربية في المشرق العربي، يجب أن نتذكر شيئاً آخر وهو أن الدكتور عباس الجراري هو من المدرسة السلفية، قد يعجب البعض يقول هل هناك سلفية في المغرب؟ نعم مدرسة سلفية في المغرب، ورثها عن والده المرحوم عبد الله الجراري، وهذا أخذَ عن شيخه أبو شُعيب الدوكالي، الذي كان خطيباً هنا بالمسجد الحرام في أوائل القرن الماضي، هذه السلفية جددت ورجعت إلى أصول الدين للكتاب والسنة، ونبذت الخرافات والشعوذات، طبعاً هي سلفية متكيفة مع جو المغربِ، قد تمتازُ قليلاً أو كثيراً عن السلفية في المشرق، لكنها تتفاعل معها من حيث أن المصدر واحد، طبعاً ويبدو أنهم بدأوا يذكرون وأنا متذكر: |
وغداً يذكرني عهوداً بالحمى |
متى نسيت العهد حتـى أذكـره |
|
وأنا عادة (ذِكِّير) وأرجع إلى بيتي بسرعة وكما يعرف الشيخ عبد المقصود، لكن أريد أن أقول باختصار أنه ورث هذا العلم وهذا التجديد عن والده وعن أسرته المباركة، لكنه لم يعتمد على الوراثة، بل ضمَّ إليه الكسب لقد تجنب قول الشاعر: |
|
فما الحسب الموروث لا درَّ دره |
بمحتسب إلا بآخـر مكتسب |
إذا الغصن لم يثمر وإن كان شعبة |
من المثمرات افتده الناس بالحطب |
|
|
بل عمل بقول الشاعر: |
لسنا وإن كرُمَتْ يوماً أوائِلُنَا |
قِدْمَاً على الأحساب نَتَّكِلُ |
نبني كما كانت أوائِلنا تبني |
ونفعل مثلمـا فعلــوا |
|
|
فشكراً لكم، وشكراً للشيخ عبد المقصود. والسلام عليكم ورحمة الله. |
عريف الحفل: العلاَّمة الشيخ أبو تراب الظاهري لديه بعض الأبيات فليتفضل. |
|
|