عريف الحفل: نشكر الجميع على كلماتهم ولدينا من الأسئلة الحقيقة الكثير ونتمنى من شيخنا وضيفنا الإجابة عليها. |
السائل علي المنقري يقول: |
|
انتشر في الآونة الأخيرة وفي بعض البلاد العربية ما يعرف بزواج المتعة أو الزواج العرفي، فما موقف الشريعة من هذا الزواج؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى تنامي هذه الظاهرة في البلاد |
الإسلامية من وجهة نظركم؟ |
الدكتور وهبة الزحيلي: بسم الله الرحمن الرحيم، أما الزواج العرفي فهو زواج صحيح شرعاً، ويمكن أن يضم تحته ما يسمى بزواج المسيار لأنه يقوم على الإيجاب والقبول وحضور الشاهديْن، وكل ما في الأمر أنه زواج غير موثق لدى الدولة وفي هذا تفريط بحقوق المرأة فهو صحيح لا غبار عليه. أما زواج المتعة فالذي مع الأسف الشديد أشاعه في الوقت الحاضر اعتبارات معينة تعلمونها جميعاً، الانحراف، الاتجاهات الزائغة، الأوضاع، والمذاهب التي تروج لهذه الظاهرة أيضاً في بعض البلاد العربية والإسلامية ونحن نعتقد اعتقاداً جازماً أن زواج المتعة زواج باطل بإجماع المسلمين، ولا يحل شرعاً لا لمسلم ولا لمسلمة على الرغم من الشروط السبعة التي وضعها القائمون بإباحته في الوقت الحاضر ولا يطبق منها شرط واحد على الرغم من توافرها. وهذه مسألة أتتني قبل مجيئي في سوريا، فتاة قالت لي: إذا طبقنا هذه الشروط حلال أم حرام؟ قلت لها: حرام بالإجماع، والنبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه حرَّمه إلى يوم القيامة، قالت: أذن فيه، قلت لها: لم يأذن فيه، وإنما أمور وأحكام الشريعة جاءت على التدريج والتدرج ولم يكن قد تعلق به حكمٌ مثل شرب الخمر، مثل الربا، مثل كثير من الأحكام لم يكن قد تعلق بهذا الأمر حكم منزل في القرآن الكريم، فهو على أصل الإباحة، وحينما جاء التحريم القاطع أصبح هذا الفعل حراماً، ولم يأذن به النبي بمعنى أن عنده نصاً تشريعيأ، ثم أذن به مخالفاً للنص، هذا لا يصح بحالٍ من الأحوال أن يقول به مسلم، فهو من الأمور التي عبَّر عنها الشاطبي بقوله: مرتبة العفو، يعني أمور لم يكن قد تعلق بها حكم تشريعي فظلت على أساس العفو، يعني الإباحة، وتلك هي المرحلة انتهت ثم العبرة بما استقر عليه التشريع، وأما أولئك الذين يبيحونه فهم بالتأكيد مخطئون كل الخطأ، ولا يحل خلافاً لما أفتى به بعض الأساتذة، لا لمسلم في بلد إسلامي ولا غير إسلامي أن يُقدِم على هذا الزواج إذ لا فرق بينه وبين الزنا على الإطلاق. |
عريف الحفل: جزاكم الله خيراً، وليد محمد جمعة يقول: |
|
هل يجوز لمعلمة القرآن الكريم أن تدخل مُصلى نساء وهي حائض أو نفساء، وتعلِّم القرآن الكريم مع العلم أن هذا المصلى في الدور الثاني فوق المسجد؟ وهل تعتبر ساحة المسجد من المسجد؟ |
|
الدكتور وهبة الزحيلي: من بداهة الأحكام الشرعية أنَّ المسجد مسجد من أعماق الأرض إلى سابع سماوات، وكل ما هو حول المسجد سواء مكان العبادة أو صحن المسجد هو مسجد أيضاً، باتفاق الفقهاء، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: أنا لا أُحلُ المسجد لحائض ولا لِجُنُب، ومع الأسف الشديد بعض الناس يأخذون برأي ابن حزم الظاهري ويفتون للنساء في الدخول لهذا المسجد، وهذا في الحقيقة... آراء ابن حزم الظاهري فيها آراء شاذة كثيراً، فالاعتماد على الآراء الشاذة ليس من شأن المفتي، المفتي عليه أن يعمل بالرأي الراجح، والرأي الذي يتفق مع النصوص، فإذا كان نص القرآن الكريم حرَّم على الجُنُب أن يدخل المسجد إلا عابر سبيل، وكنت صريحاً مع الطالبات قلت مع أن الجُنُب لا يلوث المسجد، أما المرأة أشدُ خطراً من الجُنُب فتلوث المسجد، يعني قبل شهر عملت عمرة هنا ما بين الحجر الأسعد وباب الكعبة المشرفة أو الركن العراقي وجدنا ساحة من الدم في المطاف، كان الموفقون من الطائفين عملوا تطويقاً حول الساحة لمدة ربع ساعة حتى جفَّ الدم، هذا مِنْ مَنْ؟ من المرأة بالتأكيد، فكيف يحلُ لنا أن نلوث أماكن العبادة بهذه النجاسات، محتجين بأن وسائل التنظيف الآن تستأصل وتجُب كُل ما يلوث المساجد، فهذه أمثلة واقعية أن حرمة المسجد حرمة مقر العبادة وهي بيوت الله ينبغي أن ننزهها عن هذه الأشياء، ولا نُحِل لأحد من الحيّض أن يدخلن المساجد، الأماكن المخصصة لذلك أما إذا كان هنا جهة خارجة عن المسجد، اليوم مكبرات الصوت وإذا كانوا حريصين على دروس بعض العلماء والمشايخ والحضرات وما شابه ذلك، بإمكانهم أن يأخذوا هذا المنحى الخارج عن دائرة المسجد، والله الموفق. |
عريف الحفل: عبد المجيد الزهراء يقول: |
|
لكم نظرة منفتحة كما عبَّر عن ذلك الشيخ عبد المقصود في كلمته وأفق واسع وعلم كبير، كما وجدنا ذلك في كتابكم (الفقه وأدلته) والسؤال هو: كيف كانت معاناتكم؟ وما هي ردودكم على من اعترض عليكم تعصباً وجهلاً لإيرادكم آراءً وأقوالاً من غير المذاهب الأربعة؟ |
الدكتور وهبة الزحيلي: أحياناً أتعرض لآراء بعض المذاهب الأخرى غير مذاهب أهل السنة، وهذا لأنه يتفق مع أحد هذه الآراء، ومن المعلوم أن فقه هؤلاء الجماعات لا يختلف عن فقهنا إلا في أشياء محدودة جداً، الخلاف بيننا وبينهم خلاف مذهبي، خلاف في العقيدة، خلاف في سيرة السلف الصالح، خلاف في أصول وأسس، هذه هي التي ينبغي أن نستهجنها منهم، أما الفقهيات يعني إمامهم جعفر الصادق سبط، ويعني حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما كان هو أول المجتهدين قبل أئمة المذاهب الأربعة، فنحن ينبغي ألا نكابر الواقع، فإذا كان رأي هؤلاء يتفق مع آراء المذاهب الكبرى أحياناً أُشير إليه، ثم أحياناً أُشيرُ لبعض هذه الآراء للرد عليها وهدمها مثل زواج المتعة، وأحياناً آراء ابن حازم وأحياناً مذهب الظاهرية، وأحياناً مذهب الزيدية، فأعرضُ لهذه الأمور من أجل تفنيدها والرد عليها وعدم توريط الناس بها، لا من أجل حبها أو مثلاً نشرها مع أنه مراراً طُلِب إلي في سوريا رسمياً أن أُضيف المذهب الجعفري وأن يكون عنوان كتابي المذاهب الخمسة، قلت لهم يا أخي والله هذا غير عدل، هم لا يقيمون وزناً لمذاهبنا، أنا أُقيم وزناً لمذهبهم!! فهذه الجزئيات التي عرضتُ لها.. لها هذه الأعذار، ولها هذه الملابسات، ومن يقرأ الكتاب -ولم أجد أحداً اعترض عليَّ الحقيقة- يعني إلى الآن أنا لا أذكر أن أحداً اعترض على كتبي من الناس على الإطلاق، إنما يستمزجون أحياناً بينهم وبين أنفسهم لكن لم يصلني أي اعتراض على هذا على الإطلاق. |
|
عريف الحفل: الدكتور التيجاني الطيب محمد يقول: |
|
لقد تطرق فضيلتكم في معرض حديثكم عن زيارة الأماكن الفاضلة في كتابكم (الفقه الإسلامي وأدلته) بعد أداء الحاج لفريضة الحج زيارة مقبرة المعلاة بمكة المكرمة حيث ذكرتم أن من بين أهل المعلاة المدفونين السيدة آمنة بنت وهب والدة المصطفى صلى الله عليه وسلم، في حين أن المشهور دفنها بمنطقة الأبواء بالقرب من المدينة المنورة فما تعليقكم؟ |
|
الدكتور وهبة الزحيلي: والله هذه القضايا التاريخية والأحداث التاريخية، أنا لم أقلها من بنات ذهني ولا فكري، وإنما وجدتها في كتب فقهية مرموقة ومعتمدة، وهذه أغلب قضايا التأريخ للأموات فيها خلاف، أما الراجح فجزاه الله خير الجزاء عني، فيعني نستفيد من هذا لكن أنا لم أقل هذا من عند نفسي، وإنما هو موجود، كثير من تواريخ وأماكن الذين سبقونا إلى رحمة الله مختلَف فيها، فأنا ناقل ومتبع ولستُ بمبتدع. |
عريف الحفل: ملهم الدروبي يقول: |
|
ما حكم رجل حائز على بطولة عالمية في رياضة السباحة مرَ على طفل يغرق في بركة ماء صغيرة فتركه حتى يموت غرقاً دون أن يحاول إنقاذه رغم أنه لم يكن هناك أي مانع يمنعه من مرض أو ضرورة، هذا سؤال طُرِحَ عليَّ من قِبَلِ طالب حقوق في إحدى الجامعات الأمريكية؟ |
الدكتور وهبة الزحيلي: الجواب واضح كما تعلمون جميعاً أن نصوص فقهائنا نصّوا على أن مثل هذا الإنقاذ يصبح فرضاً عينياً على هذا السّباح، فإن قصّر في ذلك فهو متسبب في الموت، وأنه يأثم ولا يحل له شرعاً أن يقصر في القيام بهذا الواجب، الحمد لله فقهنا فقه حيّ متطور يحفظ حقوق الإنسان، يحفظ حقوق الجميع، نصّوا على هذا صراحة أنه إذا قصّر فهو آثم، ويُعد متسبباً في إحداث الوفاة لهذا الطفل. |
عريف الحفل: أشرف سالم كاتب صحفي يقول: |
|
نلاحظ أن مجامعنا الفقهية تتأخر عن البث في النوازل وما أكثرها في عصرنا، فتُرك الناس في بلبلة قبل حسم القضايا، كما نلاحظ غلبة التنظير والتقعيد على أعمالها، وأخيراً نلاحظ غياباً كاملاً للفقه السياسي. |
الدكتور وهبة الزحيلي: أبدأ بالكلمة الأخيرة هذا هو الأصل الأول الذي أدعو إليه وهو الفقه السياسي والعمل السياسي ووضوح الرؤية السياسية لدولة الإسلام، هذا بالتأكيد أمر ضروري، والحقيقة لعلَّ سماحة الأمين مع رئيسه الدكتور بكر أبو زيد حفظهما الله تعالى يستجيبان لهذا التطلع، أما ما يخص التأخر في إعداد الدورات الواقع هذا مرجعه قضايا اقتصادية وتمويلية ويعاني سماحة الأمين العام الأمرّين، ويعاني معاناة شديدة من أجل الظفر بموافقة دولة لاستضافة المجمع، والحقيقة حُمِّلَ أكثر مما يطيق في هذا المجال، وأحياناً تُجيبُ الدولة بالموافقة وقُربَ انعقاد الدورة تعتذر لأسباب سببها الأساسي هو عدم التمويل، فمشكلة المجامع هي مشكلة اقتصادية في الدرجة الأولى، ونحن العلماء جنود حينما نُدعى إن شاء الله إذا توافرت الإمكانات أن نُدعى شهرياً، أو كل ثلاثة أشهر، أو كل ستة أشهر للقيام بهذه المهمة، أما قضية التنظير والتقعيد قلت لكم نحن نفخر وأنا أُعلن كلمة حق وكلمة إنصاف أن توجّه مجمع الفقه الإسلامي الدولي في هذه البلدة المباركة دائماً محافظ على الأصالة، والرجوع إلى النصوص الشرعية، وإلى اجتهادات الفقهاء، وإلى القواعد الفقهية، فهذا مرتكز أساسي له في كل ما يقرر فهذا ليس عيباً وإنما هو واجب عليه، ولكنه من خلال هذه الأصول ينفتح على القضايا المعاصرة ووفّق المجمع توفيقاً عظيماً، كما أن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي نفس الإشكال، كل سنتين أو أكثر حتى يعقد دورة، وأنا عضو أيضاً في هذا المجمع في مكة المكرمة، القضية قضية تمويل وليست قضية عجز من العلماء أو أنهم عازفون عن هذه المهمة. |
الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلَّى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، إن هذا السؤال الذي أُلقي من وقت قريب وقليل، لأطمع أو يحملني على أن أطمع من كل السادة الحاضرين ومَنْ وراءهم إلى تقديم الاقتراحات بالنسبة للموضوعات التي يريدونها، فنحن قد درجنا من اليوم الأول على الاستفتاء في هذه القضايا والبحث عنها ومن غير شك يختلف الوضع من رجل إلى آخر ومن جماعة إلى أخرى، فبعضهم يقول هذه أَولى وبعضهم يقول الأخرى أَولى، ولذلك كوَّنَّا شعبة تسمى (شعبة التخطيط) هي التي تتلقى جميع المقترحات وتضعها في حينها في الموعد الذي ينبغي أن يُبعث فيها، فأنا أرجو من إخواني الذين يريدون تحقيق هذا الغرض السامي الشريف، أن يتقدموا بالكتابة إلى مجمع الفقه الإسلامي الشريف باقتراحاتهم حتى تتناول شعبة التخطيط وضع هذه القضايا في محلها وفي موعدها، على أن كثرة الموضوعات المتشابكة والمختلفة تجعل الناس في حيرة، نحن لا نستطيع في دورة واحدة أن نبحث عشرة موضوعات، ولهذا فإن ما نقوم به الآن لا أراه توفيقاً، هو التعجيز لأن الناس لا يجدون من أوقاتهم ما يعينهم على حل المشاكل التي تعرض عليهم، ولذلك فإننا اقترحنا في جلسات ماضية أن نكوِّن لهذه الموضوعات الجديدة ندوات تستقل ببحث هذه الموضوعات وتُنشر بين الناس ويأتي الخير، وشكراً. |
عريف الحفل: جزاكم الله خيراً، السؤال لعثمان مليباري حيث يقول: |
|
هناك مثل يُردَد في دواوين المعاهد من حفظ المتون حاز الفنون، ولكن الملاحظ أن بعض عبارات المتون والمختصرات الفقهية أشبه ما تكون بالألغاز، مما يؤدي إلى ضياع وقت المدرس والطالب في حل المقفل أو الغامض وبيان المجمل، وبالمناسبة هل هذه المتون وتلك المختصرات تساعد في تكوين الملكة الفقهية عند طالب الفقه الإسلامي وأصوله؟ |
|
الدكتور وهبة الزحيلي: من المؤكد أيها الأخوة أنني منذ الصغر كما درستُ ورتلتُ القرآن الكريم في مبدأ حياتي عند الكتاتيب، وعند شيخة.. امرأة في بلدتي، حفظت أكثر هذه المتون، في الفرائض في الأصول في اللغة العربية، ألفية ابن مالك في النحو ألف بيت، في الفقه الشافعي، في المنطق، في العقيدة، في أمور كثيرة لكن الحافظ ينبغي أن يكون فاهماً لما يحفظ، فيحفظ دون أن يفهم هذا تقصير منه، فتأكدوا تماماً أن حفظ المتون يساعد على تكوين ملكات أصيلة وعريقة تساعده إلى آخر حياته، حتى إن الشيخ محمود شلتوت -رحمه الله- شيخ الأزهر قال: دخلت على شيخ سابق للأزهر فوجدته وهو يكاد لا يرى إلا الأسطر القليلة، يعود إلى المتون الأولى التي درسها في الابتدائية، فالمتون مفيدة جداً لكن بشرط أن نفهمها لا أن نحفظها دون وعي ولا فهم، ومع ذلك تخطاها الزمان الآن لم يعودوا يهتمون بالمتون مما أدى إلى انحدار المستوى العلمي، وضعف المعرفة، وعدم التركيز، وضياع كثير من المعارف بسبب التكوين الأصيل للعلوم الأولى التي هي علوم الأدوات والوسائل، هذه أنا استفدت منها ولله الحمد في حياتي، وإلى الآن نرجع إلى هذه المتون، فحبَّذا أن نعود إليها، وهي كانت طريقة الأقدمين إلى الربع الأول من هذا القرن، بل النصف الأول من هذا القرن. |
عريف الحفل: عبد الله مكي يقول: |
|
لِمَ اعتبر أعلام الأئمة الفقهاء عمل أهل المدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- من الأدلة الفقهية في الشريعة الإسلامية؟ |
|
الدكتور وهبة الزحيلي: الإمام مالك –رحمه الله-، إمام المدينة والذي نودي في عصره ألا يُفتى إلا برأي الإمام مالك، كان يعتبر إجماع أهل المدينة حجة، واختلف أصحابه هل إجماع أهل المدينة في القضايا النصية والاجتهادية هو حجة؟ فالمعتمد في مذهبه أنه سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالنصوص أو ما يتعلق بالمقادير والأوزان وتعيين موضع الروضة الشريفة والقبر والبقيع وأمور كثيرة، أهل المدينة أعرف بها من غيرهم ومع ذلك لم يأخذ به قال بأنه لم نجد عليه عملاً لأصحابنا يعني أهل المدينة، فإذاً هو يفترض هذا طبعاً رد عليه أستاذه الليث بن سعد ورد عليه تلميذه الإمام الشافعي، وأن من أهل المدينة من خالف في هذه المواضع، ثماني وأربعين مسألة، في موطأ الإمام مالك ثماني وأربعين مسألة أخذ بها بإجماع أهل المدينة، اجتهاد رحمه الله منه لقناعته وتأصيله وقربه من البيئة التي نُسج فيها الوحي وطُبِّقت فيها الشريعة مهبط الوحي، وأساس التشريع ومنطلق الإسلام لكل ديار العالم، يفترض أنها صبغة وصورة أصيلة وصادقة للتشريع، فاعتبر هذا الاتفاق بين أهل المدينة بمثابة إجماع مقدم على خبر الواحد، هذا اجتهاد. |
عريف الحفل: وليد محمد جمعة يقول: |
هل يجوز للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها أمام الرجال الأجانب؟ |
الدكتور وهبة الزحيلي: هذه المسألة أيضاً فيها آراء مختلَف فيها بين الفقهاء لكن الرأي الراجح والمعتمد أن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة، هناك رأي يقول هما عورة، لكن الذي دلت عليها النصوص (ولا يبدين إلا ما ظهر منها) وقالت السيدة عائشة وكثير من المفسرين (ما ظهر منها) الوجه والكفَّان، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: "إذا بلغت المرأة المحيض فلا يحل لها إلا أن تُظهر هذا وهذا"، يعني الوجه والكفين، وُجد عندي أنا مؤلفات ومنها قول القاضي عياض: أجمع العلماء والإجماع حجة قطعية على أن للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها في غير الصلاة أمام الرجال الأجانب، وعندي كتاب أيضاً لعالِم كبير مغربي يقول فيه سجع الآن أن القول الفاصل فيما يُنظر إليه بحاسة النظر لوجه المرأة ويديها، فهذا هو الرأي الراجح والمعتمد ولكن الأخذ أحياناً بالاحتياط والورع ومراعاة البيئات والأعراف كما قلت في كتاب حديثٍ لي الأسرة المسلمة في العالم المعاصر يجب أن تحترم أوضاع البيئات والأعراف والعادات، لكن لا يصح أن نسفِّه آراء الآخرين، وأنا سمعت فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع في تلفزيون المملكة أنه يقول: لا يصح أن نتسرع في تخطئة العالم الإسلامي، فالموجود في السعودية شيء نحترمه وهو على رأي القائلين بوجوب ستر الوجه والكفين، لكن لا يصح أن نحكم بالفسق وارتكاب المعاصي في أهل الشام ومصر إذا أظهرت المرأة وجهها وكفيها فالقضية مختلَف فيها، فالذي يأخذ بالرأي الأسلم والأورع نحترمه ونقدره، ولا نعمل على كما يظن بعض الناس.. ضرورة محاربته وأيضاً الرأي الآخر ينبغي أن لا نتسرع بالاتهام والتخطئة، فهو رأي قديم بل هو عند العلماء هو الراجح والمعتمد وعليه رأي جمهور العلماء. |
عريف الحفل: بندر بن عبد الله نقيثان جامعة الملك عبد العزيز يقول: |
منهجنا الدراسي في قسم القانون بجامعة الملك عبد العزيز لا يفي علم الفقه الإسلامي حقه، وعندما أذهب إلى المكتبة وأتجه إلى قسم الفقه أجد نفسي مرتبكاً ومحتاراً من أين أبدأ، فأرجو أن تتفضل بإعطائي منهجاً معيناً أو طريقة معينة لتلقي هذا العلم؟ |
|
الدكتور وهبة الزحيلي: بالتأكيد يعني عدم الإحاطة بالعلوم القانونية لأن ما تدرسونه نذر يسير من علم القانون، هذا علم استقر قبل الإسلام، وهو مستمد من القانون الروماني والقوانين اللاتينية وطرأت عليه تعديلات كثيرة، فالإحاطة بعلم القانون يتطلب أيضاً دراسة مكينة، وأنا استفدت من هذه الدراسات القانونية فائدة كبرى، خصوصاً في قضية المنهجية والتصنيف والتأصيل وبسط المعلومات، فقهنا كما تعلمون فقه متعب جداً، ولذلك أنا حرصت على تذليل هذه الصعاب كأننا نريد أن نضع طاقة ذرية في تفتيت كثير من الصعوبات والكلمات والمصطلحات، ولذلك حرصت وأخذت على نفسي العهد بأن أذلل هذه المشكلة فكان ذلك سبباً في ولادة هذا الكتاب، فإذن كثرة الإطلاع والإحاطة بالكتب الجيدة في هذا الموضوع تفيد القارئين، ولا تيأس أيها الأخ فإن الفقه أيضاً بحر واسع كذلك علم القانون علم واسع، مجرد أن تمسك كتاباً أو كتابين لا يكفي، لا بد من المتابعة والدراسة والصبر، ولا مانع من أن يصبح تخصصاً في شعبة القانون عندئذٍ تستمتع بهذا العلم. |
عريف الحفل: عبد الحميد الدرهلي يقول: |
|
في هذا الجو العربي الخانق المفعم بالانقسام والاستبداد والخنوع والخذلان والانهزام والتخلف، هل يحق للأمة العربية في مثل هذه الحالات المزرية أن توصف بأنها خير أمة أخرجت للناس، رداً على وصف اليهود لأنفسهم أنهم شعب الله المختار؟ وماذا علينا أن نتداركه للخروج من هذه الحالة؟ |
الدكتور وهبة الزحيلي: هذه الآية الكريمة نزلت فيمن يستحقها من السلف الصالح الصحب الكرام، التابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، هم الذين نزلت في حقهم هذه الآية، أما نحن الآن فعلاً لسنا على مستوى الخيرية بصفة بالجملة، لكن ولله الحمد ما تزال فينا أشعة تؤكد لنا أننا خير أمة أخرجت للناس بشرط أن نطبق معايير الإسلام وأحكام الإسلام ومفاهيم الإسلام عندئذٍ نحن المقصرون، نحن أقل من المستوى الذي تريده لنا الآية، كنتم: أي الشأن فيكم، إذا طبَّقتم تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، هذه أصول ينبغي مراعاتها حتى نستحق هذا الوصف. |
عريف الحفل: محمد فهد يقول: |
لماذا لم تصل الثقة بالمصارف الإسلامية إلى كمالها؟ ولماذا تدور حولها الشبهات إلى الآن؟ |
الدكتور وهبة الزحيلي: هنا أستاذنا الجليل الأستاذ نبيل ناصيف كان مديراً تنفيذياً لمصرف فيصل الإسلامي في البحرين، ومرة كلفني بمحاضرة استقدمني من سوريا إلى جدة ثم إلى البحرين، وألقيت محاضرة في هذا الموضوع لأني أشغل عدة مناصب في شؤون المصارف الإسلامية رئيس هيئة رقابة، رئيس لجنة دراسات، الواقع هناك عدة عوامل أولها: أن أصحاب البنوك التقليدية أو الربوية يروجون الإشاعات الباطلة ضد حركة المصارف الإسلامية، وهذا من أجل عمل مصلحي، لأن المصارف الإسلامية حدَّت من وجودهم ومن نشاطهم، والأمة الإسلامية ولله الحمد على الرغم من هذا التخلف ما يزال الكثيرون منهم يحرصون على الامتناع من التعامل بالربا مع هذه البنوك، فإذن هناك حركة دعائية ضد هذه المصارف من أناس لا يريدون لها النجاح. |
ثانياً: هذه المصارف التي اكتسحت العالم وأصبحت أكثر من مائة وتسعين مؤسسة مصرفية إسلامية بعد أن بدأت في سنة ألف وتسعمائة وستة وسبعين بنك دبي الإسلامي، في الواقع ينبغي ألا نتعجل بالحكم على بعض تصرفاتهم، إما بسبب عدم تكوين الكفاءات المطلوبة لتطبيق الإسلام تطبيقاً سوياً وسديداً ودقيقاً فقد يخطئ الموظف، فأنا أؤكد لكم أن البنوك الإسلامية كان لها فضل على الفقه الإسلامي لأنه انتعش وتحرك وكان ملقىً في الأدراج ولم يُعمل به، هذه البنوك أحْيَت الاجتهاد في عمل المصارف الإسلامية وحقَّقت الخير الكثير، فإن أخطئوا.. يعني إلى الآن أنا أقدِّر لكم أن حوالي عشرة بالمائة أو خمسة عشر بالمائة ما تزال فيها بعض الشبهات والمخالفات، وهذا لا يصح لنا أن نرفع الفؤوس ونحطم هذه البنوك، هذه أكبر جريمة لأن في ذلك خيانة لأمانة العلم وإضاعة لأصول الإسلام، الرجل المريض نحاول علاجه وإصلاحه لا أن نجهز عليه ونميته، فلذلك هذه حركة مباركة وقوية وممتازة وحققت خيراً كبيراً للعالم الإسلامي وأثبتت أن الاقتصاد الإسلامي يستطيع أن يحتل الساحة لو تُركت أمامه الأمور بحرية دون مضايقات، فلذلك استغلال بعض السلبيات هذا لا يصح أن نأتي ونعادي هذه الحركة وبعض الناس يجهلون عملية المصارف الإسلامية، مثلاً: المرابحة للآمر بالشراء لأصحاب البنوك التقليدية يقول لك: هذه من أين أُذُنُك؟ فيُجيبنا من الخلف، يقول لك هي مثل عملية الفائدة. خطأ كبير الله سبحانه وتعالى يقول: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا، فإذن الجهل بمعرفة أحكام الإسلام وأحكام الفقه الإسلامي قد يجعل البعض يوجه بعض الانتقادات، وهذا سواء كان بحسن نية أو خبث نية هذا في غير مصلحة الإسلام، فهذه البنوك بنوك ممتازة ويجب تنشيطها والعمل على تفعيلها ويحرم التعامل مع غيرها، ويجب أن نعمل جميعاً على مساندة هذه البنوك، نعم لها بعض الأخطاء منها مثلاً: إيداع بعض رؤوس أموال هذه البنوك في البنوك الأجنبية، نحن لا نريد ذلك لأننا نقوي الغرب (العدو) وهو في النتيجة يقوي إسرائيل والصهيونية العالمية، ينبغي أن لا تكون هذه الإيداعات في بنوك أجنبية، وبعضهم قد يخالف الحكم الشرعي، وإذن عملية الإصلاح ممكنة وسهلة وممكن تجنيب هذه البنوك بعض هذه العثرات أو السلبيات ونريد أن نحافظ عليها لأنها تجربة رائدة وطيبة ومفيدة جداً. |
الشيخ عبد المقصود خوجه: أحب أن أضيف على ما تفضل به علاّمتنا أن البنوك الربوية الآن في المملكة العربية السعودية أخذت منذ سنتين كما ألاحظ أو ثلاث سنوات بقضية المرابحات الإسلامية وصناديق الاستثمار الإسلامية، وهذا دليل قاطع بأنها وجدت أن الطريق على الفئة التي تعاملتْ مع البنوك الإسلامية لا سبيل للتعامل معها إلا عن الطريق الإسلامي، فأخذت هذا الطريق، وهذا يفتح أمامنا آفاقاً كبيرة بأن التعامل على الطريقة الإسلامية سيكون أكثر فأكثر. |
الدكتور وهبة الزحيلي: إن شاء الله. |
عريف الحفل: هناك سؤال أخير، ولكن عذراً إن كان الاسم غير واضح، سلمان أبو غدة، السؤال يقول: |
ما رأيكم فيمن يتتبع الرُخَص ويفتي بها ولو كانت خارج المذاهب الأربعة أو من شواذ العلماء تحت زعمه الإفتاء بالأيسر إن ورد به قول؟ |
الدكتور وهبة الزحيلي: لي كتاب الآن تحت الطبع (المعاملات المالية الحديثة والفتاوى المعاصرة) في مقدمة كتابي رددت على هذا التوجه، قضية الأخذ بالأيسر والتسهيل على الناس وأخذ الرُّخص من أجل تشجيعهم في الإسلام، هذا في الحقيقة اتجاه اقتنع به بعضهم، أنا لا أوافق عليه على الإطلاق. الأخذ بالرخص الشرعية جائز بشروط وضوابط، ولا يجوز تتبع الرخص ولا يجوز العمل بالرخص إذا أدى إلى التحلل من أحكام الشريعة أي التنصل من واجباتها أو العصف بمبادئها، أو القضاء على مقاصد الشريعة، كل هذا في الحقيقة لا يجيز الأخذ بالرخص الشرعية، فنحن نجيز الأخذ بالرخص الشرعية للضرورة أو للحاجة، بشكل مؤقت، إما بحجة التسهيل والتبسيط والتيسير على الناس ونفتيهم أحياناً بالآراء الشاذة أو الآراء... فقهنا ما من مسألة إلا وفيها خلاف وفيها آراء، وكل مسألة فيها قولان، لكن المفتي ينبغي أن يكون ورعاً أميناً ولا يفتي إلا بما يتفق مع أصول الشريعة ومقاصدها، لا أن ينجر لمسايرة أهواء الناس بحجة التبسيط والتيسير، فهذا مسلك أنا رفضته في مقدمة كتابي الذي سيصدر إن شاء الله، ورددتُ على هذا التوجه وعلى بعض هذه الفتاوى أو أكثرها، قرأت كل ما صدر من فتاوى لعلماء معاصرين، كلها قرأتها، وأخذت وأقررت ما أجده متفقاً مع أصول الإسلام وبيَّنت وجه الخطأ في بعض هذه الفتاوى، وهي محدودة، أيضاً لا نسيء الظن أو هم الله يجزيهم الخير يعملون بحسن نية، لكن حسن النية أحياناً يؤدي إلى المهالك ويورط الناس ويؤدي إلى الانحلال التدريجي من تطبيق الأحكام الشرعية، فهذا مسلك غير سليم، الكتاب الآن يطبع (المعاملات المالية الحديثة والفتاوى المعاصرة)، حتى تأتيني الفتاوى لي موقع على الإنترنت، يعني من القارات الخمس تأتيني الفتاوى، كل أسبوع تُجمع هذه الفتاوى وأجيب عنها، فهناك أكثر من مائتين وخمسين فتوى في قضايا معاصرة بالإضافة لعرض قضايا المصارف الإسلامية والتعامل معها، والقضايا الحديثة.. الاقتصادية وغيرها، فالواقع يجب نحن دائماً.. ما كل ما قاله عالِم بصراحة يعتبر هو الحجة واليقين، آراء علمائنا على الرأس والعين، والله خالفتُ بعض مشائخي، هناك بعض الآراء وهذا ليس عيباً، إنما ينبغي دائماً أن نكون مع الحق ومع رجحان الدليل، وحمل الناس على اتباع أحكام الشريعة الأصلية، وأما فتح الباب... والله إننا نسمع فتاوى في الفضائيات ما أنزل الله بها من سلطان، والناس يتأففون حتى العامي أصدق من يتمثل الإسلام بفطرته هم العوام، والله بمجرد ما يسمعك يقول لك هذا منافق، هذا كاذب، هذا دجال، وهو لا يعرف ولكن هكذا بحسه وفطرته يقول لك هذا الكلام الباطل، الإسلام لا يعرفه، فيكفينا هذا الحس الصادق في الفطرة الإسلامية عند عوام الناس مسلمين ومسلمات صغاراً وكباراً أن يكون رداً على مثل هذه الفتاوى الجانحة، والجائرة والمميّعة والتي اخترقت كل الحدود وتجاوزت أصول الاجتهاد. |
عريف الحفل: السؤال الأخير أو آخر الأخير كما قال شيخنا الفاضل، الأستاذ عدنان فقي محامي ومستشار قانوني يقول: |
أفتونا أثابكم الله هل يجوز للأحفاد أن يحلّوا مكان أبيهم المتوفى في نصيبه من ميراث أبيه، وبمعنى آخر هل يحق لهم أن ينصِّبوا ورثة شرعيين لكل ما يخص أباهم المتوفى ويناصفوا أعمامهم الأحياء في كل ما كان سيؤول إلى والدهم كما لو كان ما زال على قيد الحياة؟ |
الدكتور وهبة الزحيلي: هذه القضية تسمى في قوانين الأحوال الشخصية في مصر وسوريا "الوصية الواجبة"، وهي ليست معروفة في المذاهب الأربعة، لكن أُخذ هذا الموضوع من بعض الاجتهادات، المذهب الظاهري وبعض المذاهب الأخرى وقالوا يسمونه (ابن المحروم)، يعني مع أنه فقد والده أيضاً نحرمه من ميراث والده فكان الاجتهاد في لجنة وكان منها بعض شيوخ الأزهر في قانون مصر وسوريا قلدتْهم في هذا أن هذا يُعطى نصيب ابن والده، أو البنت تعطى نصيب والدها الذي مات في حياة والده على أن لا يزيد عن الثلث، فأنتم أظن في المملكة هنا لم يؤخذ بهذا القانون أو هذا النظام، فلذلك لا مانع من أن يدخل هذا النظام فيه عدالة ورحمة وتيسير هذا من التيسير المطلوب، ليس كل تيسير جائزاً وإنما هذا من التيسير المطلوب وفيه عدالة وفيه إنصاف وفيه رفق.. |
|