(( كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله المتفرد بصفات الكمال والجمال، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه الغُر الميامين، الأساتذة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
يطيب لي أن أرحب باسمكم جميعاً بضيفنا الكبير، العالِم الجليل، الأستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي، رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق كلية الشريعة، وضيفنا الكريم ممن اختصهم الله سبحانه وتعالى بخدمة العلم بصفة عامة، وخدمة كتابه العزيز بصفة خاصة منذ نعومة أظفاره، فلم يعرف غير العلم إما متعلماً أو عالماً ومعلماً، فما أشرفها منزلة تشرئب لها أعناق الرجال، وما أرفعها مكانة بين الأنام، والشكر أجزله لضيفنا الكبير على ما تكبده من مشاق السفر والتضحية بالوقت والجهد ليمتعنا بلقائه والاستزادة من علمه وفضله، والاستماع إلى تجربته الثرة، والشكر موصولٌ لرفيق دربه الدكتور بديع السيد اللحام، الذي تفضل بالحضور من دمشق الفيحاء ليساهم معنا في الاحتفاء بضيفنا الكريم، وإلقاء الضوء على جوانب مهمة من مسيرته الغنية بالعطاء والبذل في سبيل العلم وطُلابه، والمجتمع بكل فئاته، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بهما في دارهما، وبين محبيهما. |
|
لضيفنا الكريم الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي مواهب فكرية متعددة، فهي تشمل ولا تتوقف على الخطابة وإجادة تقديم الأحاديث الإذاعية، وجلد على الحوار وتمكن من أدواته التي تعينه على التركيز في منهجه العلمي، فحاز -ولله الحمد- ثقة كل الدوائر الأكاديمية التي عمل فيها أو تعاون معها في كثير من الدول العربية والإسلامية، ولا نزكي على الله أحداً. |
|
لقد كان علماء السلف -كما تعلمون- يطلقون على اللغة العربية لغة "الآلة"، باعتبارها الوسيلة التي تعينهم على إدراك غايتهم في طلب العلم، ومن ثم توصيله إلى المتلقي، ولا شك أن حصول ضيفنا الكبير على إجادة التدريس من كلية اللغة العربية في مقتبل عمره قد أهَّله للتبحر في طلب العلوم الشرعية، وصولاً إلى ذروة سنامها، شهادة الدكتوراه في الحقوق في الشريعة الإسلامية، مختصاً في الفقه وأصول الفقه، وقد امتاز عالِمُنا الجليل بدراسة الحقوق كما أسلفت الأمر الذي أتاح له لاحقاً التنبيه من مزالق عملية التجديد. |
|
وقد أعجبتُ كثيراً بالنظرة المنفتحة لضيفنا الكبير، على كثير من القضايا التي تهم المسلمين في تعاملاتهم اليومية، فحيث أعاد إلى ذهني بمجموعة الكتب التي ألفها ونشرها تحت سلسة بين الأصالة والمعاصرة، ذكريات عزيزة عن السلسة الرائدة التي أبدعها أستاذنا الكبير المرحوم عبد العزيز الرفاعي، تحت مسمى (المكتبة الصغيرة)، والتي كانت وما زالت كبيرة حقاً بما حوته من معارف وآداب، وستظل إن شاء الله نبراساً للأجيال القادمة. وقد أحسن ضيفنا الكبير بتناول تلك القضايا الساخنة ومعالجتها في كتيبات صغيرة الحجم، بعضها لا يتعدى عشرين صفحة فقط، وهي رسائل في غاية الأهمية بالنسبة للشباب، وبعض الدارسين الذين يتوخون الدقة العلمية، وفي ذات الوقت لا يتيح لهم الوقت التفرغ لأمهات الكتب وصولاً إلى معلومة صغيرة، ولكنها قد تكون ذات أهمية محورية لبعض البحوث. |
|
وفي هذا السياق لا بُدَّ من وقفات سريعة مع بعض محطات ضيفنا الكريم، وأبدأها باهتمامه بأمور الدعوة، وهي من أجلِّ وأخطر المهام التي يأخذها كثير من العلماء الأفاضل بعين الاعتبار عند تشريحهم لمجتمعاتهم وما يدور حولها، فقد اهتم أستاذنا الدكتور بموضوع الدعوة الإسلامية وغير المسلمين، مبيناً المنهج والوسيلة والهدف باختصار غير مخلٍ وشرح غير ممل، بما يعين الدعاة إلى جانب الأخذ بأسباب النجاح والتوفيق، وسط هذا العالم الذي يعجُّ بمختلف الأيديولوجيات والخطط والميزانيات الضخمة التي تنفقها بعض الدوائر الغربية لخدمة أغراضها التنصيرية، وآمل أن نصل في يوم من الأيام إلى تخصيص جزء يسير من مثل تلك الإمكانيات المهولة لخدمة الكتاب العزيز. |
|
والوقفة الثانية التي لفتت انتباهي في إبداعات ضيفنا الكبير إبرازه لكثير من المواضيع الحديثة التي تشغل الناس في حياتهم اليومية فتطرق إليها في مؤلفاته المختلفة، وحللها على ضوء الكتاب والسنة مثل: (خطابات الضمان)، و (بيع الدين في الشريعة الإسلامية) و (بيع التقسيط) و (عقد التأمين) و (التضخم النقدي من الوجهة الشرعية) و (بيع الأسهم) و (أحكام التعامل مع المصارف الإسلامية) و (التمويل) و (سوق الأوراق المالية) (البورصة) و (حكم المصنفات الفنية)، وعشرات المواضيع الشائكة التي يحاول كثير من المسلمين التعامل معها في ضوء الكتاب والسنة، فعمل ضيفنا الكريم جزاه الله خيراً على سد ثغرة ملحوظة في هذا الجانب، ويكفيه فخراً أن يجد طالب العلم والباحث مراده في دقائق معدودة بمجرد التدقيق في قائمة هذه المؤلفات القيِّمة، متمنياً أن نراها مستقبلاً على أسطوانات مدمجة بما يسمى (السي دي) تعميماً للفائدة وتسهيلاً للحفظ، والاسترجاع بموجب فهرسة موضوعية يسيرة. |
|
وأمام هذه النظرة المنفتحة على الآخرين والعالم من حولنا أجد من واجبي الإشادة بدور كثير من الجامعات التي تمنح أساتذتها الفرصة للتحاور والتواصل مع أفراد المجتمع، وعلاج مشكلاتهم بمقتضى ما تفرزه التطورات التي تفرض نفسها مع إشراقة كل يوم، ولا شك أن ضيفنا الكريم قد شاهد بصدق وحق رغم مهامه الجامعية الكثيرة فأوجد لنفسه مخرجاً من تلك الارتباطات المتعددة، وضرب لنا مثلاً لريادة الأستاذ الجامعي في تواصله مع مجتمعه، وكل المجتمعات العربية والإسلامية التي تتشابه مشاكلها وتحاول قدر المستطاع التعامل معها وفق ما يقتضيه الشرع الحنيف، وأتطلع مع غيري من المراقبين لمزيد من التلاحم والتواصل بين هذه الفئة الخيِّرة المستنيرة من أبناء الوطن العربي، وأعني أساتذة الجامعات مع مواطنيهم في آمالهم وآلامهم بما يعود بالنفع العميم مادياً وثقافياً وتقنياً مع السعي الدؤوب للتطبيق العلمي للنظرات العلمية التي من شأنها الارتقاء بهذه الأمة وصولاً إلى آفاق التطور والنمو التي سبقنا إليها العالم الغربي بأشواط طويلة، وما ذلك على الله بعزيز إذا توفرت الإرادة القوية والعزيمة الحقَّة. |
|
وختاماً أرجو أن يوفق الله عز وجل ضيفنا الكريم في سعيه المستمر وجهوده المقدرة في استخدام قواعد الشرع الكلية، وأصوله القطعية أو الظنية في مجال المقارنة بين الأديان السماوية والقوانين الوضعية، حتى يتسع ميدان أصول الفقه وتظهر ثماره يانعة في مجال التشريع العالمي المقارن، وحل المشكلات الاجتماعية والأزمات المتعلقة بالعقائد، كما عبَّر عن ذلك من خلال مؤلفه القيِّم (أصول الفقه الإسلامي). |
|
مجدداً الشكر لضيفينا الكريمين، على هذا التواصل الذي نعتز به متمنياً لكم أمسية ماتعة في صحبتهم الماجدة. آملاً أن نلتقي الاثنينية القادمة بمشيئة الله للاحتفاء بسعادة الأديب والشاعر الدبلوماسي الأستاذ أحمد محمد السقَّاف من دولة الكويت الشقيقة، والذي أثرى المكتبة العربية بعدد من المؤلفات المعروفة منها: (المقتضب في معرفة لغة العرب) في ثلاث طبعات، و (أنا عائد من جنوب الجزيرة العربية) في أربع طبعات، و (الأوراق في شعراء الديارات) في ثلاث طبعات، و (ديوان شعر أحمد السقاف) في ثلاث طبعات، بالإضافة إلى عدد من المؤلفات الأخرى، آملاً الالتفاف حوله والاحتفاء به بما يستحق من تكريم وإعزاز، شاكراً لجمعكم هذا التجاوب الطيب مع اثنينيتكم التي تستمد منكم العون والسند من بعد الله سبحانه وتعالى، للاستمرار والتطلع إلى الأفضل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
عريف الحفل: والآن الكلمة لسماحة الشيخ الجليل الحبيب ابن خوجه أمين عام المجمع الفقهي بجدة. |
|
|