(( كلمة الأستاذ ناصر الحميدي، مدير الإعلام والنشر |
في جمعية الثقافة والفنون بالرياض ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يسعدني جداً أن أكونَ متحدثاً في اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه، التي قدمت لنا نماذج من رجالات الأدب والفكر في المملكة، وأسعد أن أكون أحد المتحدثين عن شيخي الفاضل، الأستاذ عبد الكريم الجهيمان، الذي لازمته فترة من الزمن وكان لي شرف إصدار كتاب عن سيرة حياته ومسيرته وجهوده ورياداته المتعددة، وهذه بعض الجوانب التي اخترتها من الإصلاح الاجتماعي في مقالات عبد الكريم الجهيمان. |
أقول إن شيخنا الرائد عبد الكريم الجهيمان، رجل صادق النظرة، ثاقب الفكر، يتمتع بحس دقيق، وإحساس بما يقع قبل أن يقع، وما ذلك إلا لفراسة عُرِفَتْ عنه وإيماناً اشتُهِرَ به، كان شيخنا طوال حياته ينذر إذا اقترب الخطر، ويحذر أن يعشى البصر، يقول ما تربى عليه جيل الآباء والأجداد وما كان يعتقد أنه الصحيح، كان يكتب بجرأة ويتحدث عن ثقة، وينطق برأيه بعد إعمال فكر، إذا نطق برأيه لم تأخذه في مقالة الحق لومة لائم، وإن حدثك جاءك بما كنت في حيرة أنت منه ليجلو لك ما حل في صدرك من ضيق وما لزمك من هم، كانت عيناه تستشرفان آفاقاً بعيدة، وعقله يستنبط أدق الأفكار، أمام عينيه تتماوج دائماً مشكلات الوطن والمواطنين فيعمل فيها أستاذنا مِبضَع الجراح ليتعرف على الداء ويصف الدواء بلهجة الأديب وإحساس الأريب وحكمة النطاسي الطبيب، هذا هو شيخنا الأديب.. والمفكر.. والكاتب المصلح، الأستاذ عبد الكريم الجهيمان، رائد المقالات الإصلاحية الذي عاصر الكلمة الوطنية ولا يزال يعطي. |
لقد عرفت المقالة الاجتماعية على امتداد الساحة العربية كُتَّاباً برزوا في هذا اللون، يأتي على رأسهم: أحمد أمين والعقاد والزيات والمنفلوطي وأحمد زكي. كما عالج كتَّابُنا المعاصرون مشكلات الوطن حين نظروا إليها بدقة وعمق، فحددوا الأسباب وتعمقوا في الجذور والخلفيات ورسموا سبل العلاج وأخذوا بيد أبناء مجتمعهم إلى أقوم طرق الإصلاح، ونادوا بإنشاء الجمعيات ودور العناية للذين عثرت بهم الحظوظ وخرجوا عن جادة الصواب، كان من بين هؤلاء حسن آل الشيخ -رحمه الله- وحسن القرشي وعبد العزيز الهزاعي وزيد بن فياض وعبد الكريم الجهيمان وإبراهيم فيلالي ومحمد سرور الصبان ومحمد سعيد عبد المقصود خوجه وحسن الشنقيطي وغيرهم كثير. وكان أبو سهيل أحد أولئك النفر الأعلام الكبار أصحاب الإسهامات المخلصة في الإصلاح الاجتماعي، لعله في هذا الجانب من أهم وأعلى الأصوات المبكرة التي حملت مشاعل النور والضياء، وأسهمت في التأسيس لثقافة اجتماعية سعودية متوازنة وراقية، كما ارتبط اسم شيخنا بذاكرة الأمة بمجموعة من القيم التي نادى بها ودعا إليها بفكر نير وعقل واعٍ ونظر ثاقب. |
لقد عرفنا أبا سهيل مصلحاً اختار طريق الصحافة أو اختارته لينشر على صفحاتها ويعلق على أعمدتها عصارة فكره الإسلامي، وخالص حبه للوطن والمواطنين، ومنذ أكثر من نصف قرن من الزمان حيث ولد مع ولادة الصحافة، ونشأ معها وتدرج في مملكتها إلى أن استوى على قدميه، واستوت -أي الصحافة السعودية- كصحافة متميزة يشار إليها بين الصحافة العربية بالمصداقية والنزاهة، خلال هذا الزمن خاض شيخنا في كثير من القضايا وتطرق إلى موضوعات متعددة، لعلَّني أذكر منها بعضها على سبيل المثال: منها دعوته إلى الاهتمام بشؤون البادية والقرية، كان ذلك في عهد الملك سعود -يرحمه الله- وطالب أبو سهيل بإنشاء وزارة تهتم بشؤونها وتجعل للإصلاح نصيباً فيه، كما في مقالة له نشرتها جريدة القصيم المحتجبة، ودعا إلى إنشاء وزارة تعنى بالشؤون الاجتماعية والتي نشرها أيضاً في القصيم، ودعا إلى قيام جمعيات وطنية في كل منطقة من مناطق المملكة لمساعدة الفلاح في إنتاجها ومساعدته في تصريف غلته بسعر يفيده ويقويه ولا يضر بالمستهلك، كما دعا إلى الاهتمام بالأمور الضرورية الثلاث وهي: الغذاء والكساء والدواء، وأنه لا بد لكل أمة حية من أن تجعلها نصب عينيها، ونُشِرَتْ مثل هذه المقالات في جريدة القصيم أيضاً، كما كتب أبا سهيل مقالاً ضمنه دعوته إلى المحافظة على ثروات البلاد والابتعاد عن التوسع والإسراف في الكماليات لأنه لا يوجد ناحية من نواحي الإسراف إلا وبجانبها حق مضاع، ولا تتوسع أمة في الكماليات إلا على حساب الضروريات، ودعا عبر نفس الجريدة وزير التجارة إلى وضع تعليمات وقوانين لحماية البائع من كساد البضاعة، والمستهلك من استغلال المستغلين. |
ومن جوانب الإصلاح في مقالات شيخنا دعوته الواعية إلى التوسع في إنشاء مدارس المعلمين للمراحل الثلاث، ليكون معلمو الوطن من أبناء هذا الوطن، ولأنه لن يخدم البلد مثل أبنائه، كما دعا إلى الاعتدال في المهور، وذلك ضمن مقالات ضمنها في أول كتاب صدر له وهو (دخان ولهب)، بالإضافة إلى أنه كان يوجه نقده للشباب المثقف الذي يرفض الزواج من بيئاتهم بحجة جهل النساء، كما يتضح ذلك في مقالاته في كتابه السابق الذكر، ومن آراء أبي سهيل الإصلاحية، نقده الخـلل في بعض الدوائر الحكومية، كوضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب، وقد جاء في كتابه (آراء فرد من الشعب) عدد من الأمثلة لكنه يضرب مثالاً على ذلك بمهندس بترول يُعيَّن مديراً للمستشفى، دعا أبو سهيل أيضاً إلى الاهتمام بأيام الشجرة والنظافة، وأنهما من المظاهر الحضارية عند الأمم. |
وبعد، لقد كانت هذه الفقرات التي صحبتكم فيها مع أبي سهيل لا تمثل إلا جوانب موجزة وسريعة، من بعض أهم القضايا التي برزت على السطح في مقالات أبو سهيل التي تجلت فيها روح المصلح والصحفي والداعية إلى تقويم المجتمع وتخليصه من علله وأضراره ليسعى به نحو آفاق من التقدم والازدهار ولعل شهرة قلمه كانت بسبب أنه يأخذ موضوعات مقالاته من معاناة الناس، وهموم أبناء الوطن ويطالب بالإصلاح ويدعو إلى النقد البنّاء القائم على مصلحة الوطن والمواطن قبل كل اعتبار. |
ولم يكن شيخنا يألو جهداً في مخاطبة أولي الأمر يدعوهم إلى إصلاح المجتمع ويوجِّه أنظارهم نحو ما يؤلمه ويؤخره ويعيق تقدمه، وحسبنا أن نذكر أنه وَجَّهَ عدداً من الرسائل المفتوحة إلى ولاة الأمر الذين عاصرهم وإلى الوزراء والأمناء الذين يتسنمون أعلى المراتب والذين بيدهم العقد والحل، وقد نشرها في جريدة القصيم وفي مجلة (اليمامة) فيما بين عامي 1379 - 1380هـ. |
ولقد كان شيخنا في أسلوب إصلاحه الاجتماعي هادئاً رصيناً متزناً، ينظر بتأمل ويدفق برفق، ويدرس القضية بعناية ليضع لها الحل بعيداً عن كل عسر أو تزويق، رائده الإخلاص وصدق النية والوطنية وإخلاصه للواجب وهو القائل بكل وضوح في أكثر من مناسبة أو مقال (علمتنا الأيام أن رصيد الإنسان من الإخلاص والوطنية وعمل الخير هو الشفيع الوحيد الذي يحفظ للمرء توازنه). |
وفي خاتمة المطاف، نسأل الله أن يمد بعمر شيخنا أبي سهيل وأن ينفع الناس بعلمه وفكره وأن يثيبه عنا جزاء ما صنع وضحى خير الجزاء، إنه سميع مجيب، وشكراً لجمعكم الكريم، وشكراً لاستماعكم. |
|