(( كلمة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أمرنا بالحديث عن نعمه التي يغمرنا بها بقوله: وأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ كما أمرنا سبحانه وتعالى بالصلاة والسلام على خير خلقه مبتدأ بذاته عز وجل، ومثنياً بملائكة قدسه: إِنَّ اللَهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ يآ أَيُّها الذينَ أمنُوا صَلُّوا عليهِ وسَلّمُوا تَسِليماً، لبيك اللَّهم لبيك، والخير كله بين يديك، عليك أفضل الصلاة وأزكى السلام يا سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد وعلى آلك وصحبك ومن والاك. |
الأحبة الأكارم، الأساتذة الأفاضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سعادتنا كبيرة هذه الليلة بالاحتفاء بالأديب والشاعر ورجل الأعمال الشيخ عبد العزيز سعود البابطين، رئيس جائزة "عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري"، كما نرحب برفيق دربه الأستاذ عبد العزيز السريِّع، أمين عام الجائزة، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بهما بقلوب ممتدة قبل الأيادي ونفوس مفتوحة قبل الدور، حللتما أهلاً ونزلتما سهلاً. |
إن ضيفَنا الكبير غني عن التعريف، وهل يحتاج النهار إلى دليل؟ قامة سامقة في ميدان الشعر والأدب، وأعمال البر والخير، وساحات العطاء الإنساني الذي يتفجر بين جنبيه وينثال شلالات فرحٍ ومواكب نورٍ، وجَدَ السعادة الحقيقية في إسعاد الآخرين، وأدرك أن الإنسان بلا رسالة يعتبر كائناً فارغاً ومشوهاً في هذا العالم الذي يمقت الفراغ، وقد مكنته نشأته الكريمة في بيت علم وأدب من الإطلاع مبكراً على أمهات الكتب في التراث والشعر والتاريخ، فتعمقت ثقافته وتأصلت حنجرته وتجذرت مشاعره مع ذلك التيار العميق الضارب في الأصالة. |
ولم يقف ضيفنا الكبير موقفاً سلبياً تجاه هذه المقومات، بل مارس حقه الطبيعي في التعبير عن مكنون ذاته ووجد في نفسه ميلاً إلى الشعر، كيف لا وقد كان والده شاعراً نبطياً، وعمه الشيخ عبد المحسن بن إبراهيم البابطين قاضياً وشاعراً في ثلاثينيات القرن العشرين، كما تربطه الخؤولة نسباً بالشاعر العملاق محمد بن لعبون أمير شعراء النبط في الجزيرة والخليج 1790 - 1831م فكان امتداداً طبيعياً لهؤلاء النوابغ. |
إن شاعرنا المبدع مُقِلٌّ في دفع ما تجود به قريحته لدور النشر، ولا يعني ذلك أنه مقل في العطاء غير أنه مثل كثير من الشعراء يؤمن بأن ما يسطره لا يتعدى الترجمة عن مشاعره الذاتية، وقد أعرب عن ذلك في مقدمته لديوانه الوحيد "بوح البوادي" حيث أشار إلى قصائده قائلاً: "أعتقد بأن تلك هي مشاعري وأحاسيسي وحدي، ولا حاجة للآخرين بالاطلاع عليها، فهي من خصوصياتي اللصيقة بي، والتي هي ليست بالضرورة نتاج تجربة شخصية" وليسمح لي ضيفنا الكبير أن أختلف معه في جزئية من هذا التصور، فهذا الإبداع الذي توارثتموه عبر الأجيال وأحرقتم حوله الشموع وحشاشة صدركم لأكثر من أربعين سنة، يشكل في الواقع ثروة قومية، لكل عاشق للشعر نصيب فيها بمقدار حبه وتذوقه لهذا الفن الرفيع، وبالتالي فإن حجبكم لها إلا لسببٍ فني محض لا يتفق مع عالمية الكلمة والإبداع وملكيتهما المشاعة لخير البشرية على امتداد الزمان والمكان. |
وقد أحسن ضيفنا الكبير بنزوله عند رغبة بعض محبي شعره بالموافقة على نشره في الديوان الذي أشرت إليه آنفاً، وأرجو أن يردفَه بأشقاء يزينون بيادر الشعر بالأنغام والأهازيج وشفافية الروح التي تحلق في عالم الكلمة اللانهائي، كما أحْسَنَ الأساتذة الأفاضل الذين تناولوا إبداع ضيفنا الكبير بالدراسة والنقد ضمن كتاب "دراسات نقدية في ديوان بوح البوادي" الذي أعده للنشر وقدم له الدكتور فوزي عيسى، وهو مجموعة دراسات أكاديمية متخصصة وجادة ألقت حزم الضوء على النصوص وشرحتها، وقرأت ما بين السطور بما لا يدع زيادة لمستزيد، فلهم الشكر على هذا الجد القيم، وأتمنى أن تمتدَّ مثل هذه الدراسات النقدية الجيدة لتغطي أكبر قدر ممكن في ساحة الإبداع الشعري بالمكتبة العربية. |
وبما أن ضيفنا الكريم مثلُ المنشورِ الماسي بأوجهه المتألقة، وعطاءاته المتنوعة، فسأتوقف قليلاً عند جائزته الشهيرة التي طبقت الآفاق، وكُتِب عنها الكثير، وهي تمثل واحدة من نقاط الانطلاق في الثقافة القومية، أنشأها عام 1989م، فأحسنت المجتمعات العربية استقبالها، وحبذا لو أحسنت المؤسسات الثقافية الرسمية استثمارها، إضافة إلى التواصل والتعاون معها فقد أصبحت تصنع الفعل الثقافي القومي من خلال برنامج كل دورة لها، إضافة إلى المطبوعات القيمة من الكتب والصحف التي تخصها فضلاً عن الجوائز المادية التي تُوزعُ من خلالها، إلى جانب الجوائز الأخرى العديدة التي توزعها المؤسسة على المبدعين العرب والمسلمين الذين يستخدمون اللغة العربية في إبداعاتهم، بالإضافة إلى معجم الشعراء العرب الذي تكرر إصداره، وكل هذا يتكفل ضيفنا الكبير بجميع نفقاته خدمة للشعر العربي، ومساهمة منه في دفع عجلة تنميته، وأملاً في أن يستعيد مكانته الأدبية السامية كرافد حضاري نعتز ونفتخر به بين الشعوب. |
أما الأعمال الخيرية التي تتحدث عن نفسها، فقد سعى ضيفنا الكبير لمنحها أكبر قدر من طاقته ووقته وثروته، فتكاملت لديه ألوان الطيف التي شكلت رسالته الإنسانية العظيمة، كان دائماً يتلمس احتياجات مجتمعه ويعمل على سد الثغرات، لم ينغلق قط على نفسه ويتحول إلى حاوية للمادة والعملات المختلفة، بل أحسب أن المادة لم تستحوذ على أدنى جزء من تفكيره إلا بالقدر الذي تساهم به في خدمة رسالته التي نذر لها نفسه فوضعها في مكانه الصحيح كوديعة لابد أن تُستردَّ يوماً ما، وعمل على توظيفها بالشكل الحضاري الذي يسطر اسمه واسم أعماله بأحرف من نور على امتداد التاريخ، ولمثل هذا فليعمل العاملون.. ولمثل هذا فليتنافس المتنافسون. |
ويجدر بالذكر أن ضيفنا الكريم لم ينس نصيبه من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليه، وتحرك في دائرة مترامية الأطراف، فوفاه الحق سبحانه وتعالى خير هذا التحرك الإيجابي في دروب الحياة، فأدار بكفاءة نادرة مجموعة أعماله المتنوعة والمترامية في كثير من بلدان العالم الصناعي في أمريكا وأوروبا واليابان، والملاحظ أن كثيراً من الأعمال الخيرية التي يمولها ضيفنا الكريم تتعلق بالتعليم، سواء عن طريق إنشاء مدارس أو تغطية تكاليف منح دراسية لأعداد كبيرة من طلاب الدول النامية، ولا شك أن فلسفته العميقة، وصفاء الصحراء الذي أزكى روحه وفكره قد ألهمه هذا التوجه الخيِّر، لأن العلم هو خميرة المجتمع، ونبوغُ عالِمٍ واحد في أي مجال قد يؤدي بمشيئة الله إلى انتشال أمة كاملة من براثن الجوع والفقر والمرض. |
إن الحديث عن ضيفنا الكريم ذو شجن، ولا نملك إلا أن نزجي له الشكر والتقدير والامتنان على ما تفضل به من جلائل الأعمال الرائدة في مجالات الاقتصاد والتجارة، والأدب والشعر، والعمل الخيري والتعليم، فله منا كل التحية والإعزاز ونشد على يديه متمنين له التوفيق والسداد، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يُكلل على طريق الخير خطاه، ويحفظه ويحفظ به، يمتعه بالصحة والعافية ويكثر من أمثاله أعلاماً للهدى، ومنارات للخير والعطاء والرسالات السامية. |
أيها الأحبة، هذه الأمسية مسك الختام لهذا الفصل وعلى أمل أن تتواصل لقاءاتنا بعد عيد الأضحى المبارك إن شاء الله، وكل عام وأنتم بخير. أحب قبل أن أختتم كلمتي أن أُهنئ زميل دربي وصديقي محمد الصبيحي المعروف لكم جميعاً. الذي تسنم مركزاً حساساً وهو الإذاعي والإعلامي المعروف فقد عُين مؤخراً كرئيس لرابطة الإذاعات العربية والإسلامية فاللهم اجعله خير خلف لخير سلف، ليس بيننا في هذه الأمسية وقد تعودنا أن نرى الزميل الأستاذ حسين عسكري فلنا كلمة شكر صغيرة للدور الطيب في الفترة التي قام بها بعمله، فقد أدى الأمانة على خير ما تؤدى، وأدى الرسالة على خير ما تؤدى على قدر الإمكانيات المتاحة له فشكراً له والله ولي التوفيق للجميع. |
والسلام عليكم رحمة الله وبركاته. |
|
عريف الحفل: كما ذكر سعادة الشيخ عبد المقصود بأنه يشاركنا هذه الليلة الأديب والمفكر وأستاذ الدراسات والأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سعادة الأستاذ الدكتور المحبوب الحقيقة محمد سعد آل حسين فليتفضل. |
|