شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( الحوار مع المحتفى به ))
عريف الحفل: الأسئلة أو الاستفسارات التي وردت لسعادة ضيفنا، هذا سؤال من الأخ غياث عبد الباقي يقول:
تجتاح الساحة الأدبية العربية نظريات وافدة في الأدب والنقد، وأكثرها تتعارض مع منهج الأدب الإسلامي، بل أحياناً أخرى تتعارض مع عقيدة هذه الأمة فما هو السبيل لتوعية شباب الأمة بفساد تلك النظريات الوافدة تستغل شعارات برّاقة؟
- الدكتور محمد سعد الدبل: جيد، لأن ما في إلا عقيدة إسلامية، من المعروف أن الأدب غير موضوعي، سواء كان أدباً عربياً أو غير عربي، يخضع للأهواء والتزلفات والأحكام السريعة، ونظراً إلى أنه غير موضوعي لا بد وأن ينطلق إلى الحدود وإلى ما وراء الحدود، حدود الأرضية أقصد، وأدبٌ لا ينطلق خارج الحدود أدب متقوقع، ولا بد أن نطل بأدبنا ونطل بفكرنا. لأننا لنا وظيفة في هذا الكون (كنتم خير أمة أخرجتْ للناس)، لكن ماذا تصنعون؟ تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله. هذه وظيفتنا، فلا شك أن ورود النظريات الأدبية أو التيارات المعاصرة الوافدة من خارج حدود الوطن العربي والإسلامي، لا شك أنها ذات خطر، وعلى الأمة أن تنتبه لهذا السيل الجارف، سواء على مستوى الحكومات أو الأفراد أو الجماعات، ولا شك أن على الأديب العبء الأكبر في تحمل هذه المسؤولية، وصيانة هذه الأمانة وصد هذه التيارات المغرضة، هذا هو حصيلة الجواب والموضوع متشعب ويحتاج إلى محاضرة.
عريف الحفل: المهندس عبد العزيز بن علي الكريدا يقول:
سوف تلفظ كثير من اللغات البشرية أنفاسها خلال العقود القليلة القادمة، وفي مقدمتهم اللغة العبرية وكثير من اللغات الهندية والفارسية وباقي اللغات المحدودة الانتشار، وبالمقابل سوف يكون هناك إقبال منقطع النظير على اللغات العالمية من بينها اللغة العربية، ماذا أُعِدَّ لهذا الإقبال؟
- الدكتور محمد بن سعد الدبل: جميل.. يا أخوان لنا مصدران، إذا التزمنا بهما فهما العدة المتكاملة، كتاب الله جل وعلا، وحديث نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، هذان المصدران إذا أعددناهما إعداداً متكاملاً بمعنى أفدنا منهما وفق ما أُمرنا، فقد أُمرنا بتدبر كتاب الله وتطبيقه، لا أن نقرأه هرْذمة وشرْذمة، وقد أُمرنا أيضاً باتباع سنة رسوله بقدر ما نستطيع من حيث تطبيق ما حثت عليه السنة، "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" هذا في جانب الخير، بعض الناس يحمل الحديث على أنه في كل شيء، لا.. إذا أمرتكم بشيء، في جانب الخير، فأتوا منه ما استطعتم. لأن جانب الشر لا يأمر به، ينهي عنه، فعملية تقويض اللغات وانتهائها، هذا أمر مسلم به، لكن تقويضها وانتهائها، يعني حدثاً معيناً، وهي أنها ما دامت تعادي لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، فهي ستلفظ أنفاسها في يوم من الأيام، لا تستطيع أن تقاوم ما كان أصلاً سماوياً، هذه قوة من عند الذي سمّى نفسه القوي، هذا أمر معروف لا يختلف فيه اثنان، له قاعدة.. لا يدوم إلا الحق ولا يصح إلا الصحيح مهما طال الزمن، فهي ستنكمش بلا شك في حدود ما هي معادية لهذه اللغة، أما أنها ستنقضي وستنتهي وستُقوّض ولم تعد صالحة للعطاء هذا يعني يحتاج إلى نظر، كل لغةٍ ما أُنزلت من عند الله تبارك وتعالى إلا ولها وظيفة (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير)، (وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه) هذه لا نختلف عليها، غير أن اللغة العربية شئنا أم أبينا، شاء غيرنا أم أبى، هي أم اللغات السامية، وهي لغة أهل الجنة، وهي لغة كتابه الكريم (القرآن).
عريف الحفل: طبعاً نحن لا زلنا نستقبل الأسئلة والاستفسارات الموجهة لضيفنا الكريم، ونتمنى أن يكون سؤالاً واحداً حتى نترك الفرصة لعدد أكبر من حضراتكم. كذلك الحقيقة بالنسبة للجوالات تؤثر على تسجيل هذه الاثنينية، نتمنى أن تكون بعيدة عن الميكرفونات..
سؤال من الدكتور عبد الغني أنس عبد اللطيف يقول: ألستم معي أن أدب الطفل يحتاج إلى نظرة الكونيات والفضائيات بجانب أدب الجذور، طبعاً حتى يواكب هذا الأدب، الأدب العالمي للطفل، فعالم الطفل أرحب مما نتصور؟
- الدكتور محمد بن سعد الدبل: جميل... رائع هذا السؤال، أسأل الله تبارك وتعالى أن يعينني على الإجابة عليه في محدود طاقتي وقدرتي، لا شك أن الاختراعات الحديثة كلها نفع للإنسانية، وكلها أيضاً ذات جوانب سلبية، والمسلم والعربي بخاصة لا أقول ذلك متحدثاً عن عنصرية أو قبلية لا.. إنما الله جل وعلا وزَعَ في عباده البشر وغرز فيهم فطر متباينة وذكاء متباين، ليسوا سواء، فالعربي المسلم لبق، ولذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمن كيِّسٌ فطن"، لا بد أن نكون على حذر وحيْطة من التعامل مع هذه المخترعات الحديثة، في كل ما يتعلق بجوانب حياتنا، فكرياً وعلمياً وأدبياً، في كل ما له علاقة بالكبير والصغير والذكر والأنثى، لنا يا أخوان منهج بَيِّن معين، (قل هذه سبيلي أدعو الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) وأن هذا صراطي -ليس الفضائيات- (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه، ولا تتبعوا السبـل)، الفضائيات وغيرها كل ما هو جديد لم يأتِنا بعد يُعَد سبيلاً، سبيل ينهجه من ينهجه، لكن لنا نحن رب واحد، ونبي واحدٌ، ومنهجٌ واحد، ودين وحد. فلا نتعامل به في الفضائيات وفي غيرها من عالم الصناعات نفيد منها.
فيما يتعلق بالطفل هذا أخطر، وأشق بلا شك ولا يخالف في هذا إلا مكابر معاند، أو جاهل أحمق متسرع، ويريد أن يظهر علينا بثوب حضاري مزركشٍ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، بلا شك أن الطفل أشد خطورة في التعامل مع الفضائيات، فنحدد موقفنا، نُهدىء من روعنا، ننتظر ما السلبيات التي تحصل من هذه الفضائيات نعالجها، نعطي فرصة للإيجابيات نأخذ بها، المسلم يا أخوان هو البشر الصالح للحياة، لا نأخذ الأمور دائماً بعنجهية، وتسرع وتصلب وذا لا يصلح وهذا لا يجوز، لماذا يا أخي؟ انتظر وناقش، كن قوي، "المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير" ما يكون المؤمن مثل الريشة في مهب الريح، أينما الريح تميلها تَمِل، أقول نتعامل مع كل مخترع جديد فيه منفعة لمستوى الفرد والجماعة، الصغار والكبار، الذكور والإناث وفق منهج إسلامي، وما حظر ديننا علينا أن نخترع فضائيات، يا أخي نحن عالم الصناعة، شيء عجيب، (ويصنع الفلك وكلما مر عليه قوم سخروا منه، قال إن تسخروا منا فإن نسخر منكم كما تسخرون)، (وأرسلنا له عين القطر وألنا له الحديد) منهج إسلامي يعلمنا أننا نشتغل ونعمل، أما والله نجلس نستورد ونلقي باللائمة على إسلامنا، فيا أخي الكريم الإسلام شيء، والمسلمون شيء آخر، هذا الذي عندي في هذه المسألة.
عريف الحفل: الأستاذ عبد الحميد الدرهلي يقول:
العلاقة بين الأدباء والنقاد ليست وطيدة، لذلك فإن كثيراً من التهم كانت تستنهض هِمم الأدباء عندما يلدغهم ناقد بعد ولادة كتاب، وأسألكم الآتي: هل النقد علم أم فن؟ وهل الأسبقية للعمل الفني أم للنقد؟ هل هناك تلاقي بين النقد الأدبي ومناهج العلوم الاجتماعية؟
- الدكتور محمد بن سعد الدبل: تمام، أيضاً سؤال رائع، وهو سؤال قديم حديث، الأدب كله في جميع أجناسه فن، ومن الصور الجميلة فن جمالي -الأدب- سؤال كان قصة أو أقصوصة أو مسرحية أو أحجية أو رواية أو بلسان النثر أو بلسان الشعر أو.. إلى آخره، فن جميل من الفنون الجميلة الراقية، أقدم بمقدمة صغيرة حول النقد والأدب وحول وظيفة الناقد، وتحمل المنقود إن صح التعبير، نظراً إلى أن الأدب لا يخضع للأهواء والعواطف أقصد أنه غير موضوعي، آسف يخضع للأهواء وللعواطف وللتزلف وللتأثر السريع ولملاقاة ما في النفس البشرية موافقاً لما تسمع، يعني شاعر يلقي قصيدته وبيت من المعاني يوافق معنىً في ذهن واحد من المتلقين، تراه يطرب له ويصفق ويستعيده، لكن ثلاث أو أربعة أو عشرة لذلك لا يحرك فيهم ساكناً، هذه المسألة غير الموضوعية جرت بين ابن الأعرابي وعدد من الشعراء في مجلسهم، حينما أنشد شاعرٌ أرجوزة أبي تمام:
وعـاذلٍ عـذلتُـه مـن عَـذلِــه
فظنّ أني جاهلٌ لجهله.. إلى آخـره
وكانت تربو على سبعين بيت، فكان يستحسنها "ابن الأعرابي" ويصفق لها ويتراقص، ولكنه يكره أبا تمام، فقال بعد ما انتهت، هذه والله هي الديباج الخسروان استكتبوها لي، كتبوها، انتهت. قالوا: تفضل، فقال أحد الحاضرين: لكنها لأبي تمام، قال: ومن أجل ذلك رأى عليها أثر الصنعة والكُلفة، في دقائق ديباج خسرواني وبعد ثوانِ عليها أثر الصنعة والتكلف، الأدب يا إخوانا الكرام غير موضوعي، يخضع دائماً للأهواء والعواطف والتزلفات والتأثر، فسؤال الأخ الكريم يقول ما مدى الصلة بين الناقد وصاحب العمل الأدبي (الأديب)؟ الصلة قائمة إلى أن تقوم الساعة ووثيقة، وإن كانت من جانب الطرفين مُرَّة، لكننا لا ننكر وظيفة النقد، لأن النقاد هم حملة لواء المعرفة، رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي، لا في ذلك شك إنه يؤثر الذي هو النقد، في المأثور الأدبي للأديب، لكن أيضاً يحصل على سلبية أخرى وهي أن الأديب يكره الناقد ولكن ليس الناس جميعاً، الناس يختلفون كما قلت لك قُبيل، في الذكاء، والتحمل، والصبر، والأناة يختلفون، ومدى الاستفادة تجد إنساناً سريع الانفعال، سريع الغضب، حينما يقرأ مقالاً كُتب عنه في إحدى الصحف نقداً عن قصيدة له أو عن ديوان، يصيح ويدعو بالويل والثبور، واحد له مثل أبرد من طين الشتاء، ما يتأثر بشيء، هذا يستفيد، فالخلاصة الصلة قائمة بين الناقد والأديب، مهما تخللها من سلبيات وإيجابيات، والنقاد حملة لواء المعرفة.
الشيخ عبد المقصود خوجه: ألا توافقوني أن هناك شق آخر لهذا الموضوع، لأن الناقد ليست وظيفته دائماً إظهار العيوب، الناقد من الممكن أو واجبه بالأصح في الكثير من الأحيان أن يظهر جماليات القصيدة أو النص الأدبي أو أي نصٍ كان، لكن يبدو باعتبار أنه في الأغلب تطغى الصفة التي تنقد النص سواء شعراً أو نثراً، إظهار العيوب أخذتْ كلمةُ النقد هذا المنحى.
- الدكتور محمد بن سعد الدبل: شكراً يا أستاذنا الكريم على هذا الاستدراك فعلاً النقد ذو شقين أو ذو ميزانين، ذلك العلماء القدامى، النقاد القدامى كثيراً ما يعنونون عناوينهم بمثل هذه التعابير "موازين النقد" "الموازنة بين الطائيين" وهكذا، خلاصة النقد في مفهومه عد المحاسن وذكر المساوئ، هذا أمر معروف وشكراً على هذا الاستدراك.
عريف الحفل: الأخ محمد سعد العرابي الحارثي يقول:
ما مدى إسهاماتك الشعرية في أدب الطفل؟
- الدكتور محمد بن سعد الدبل: الحقيقة الكتابة لطفل فيها صعوبة أكثر من الكتابة للكبار، لأنك كاتباً كنتَ بلسان النثر، أو كاتباً كنتَ بلسان الشعر، تحتاج إلى أدوات، من هذه الأدوات مراعاة المراحل الزمنية أو العمرية للطفل، ففرق ما هنالك بين أن تكتب للطفل في سن السابعة أو في سن العاشرة أو في السن الغلامية الرابعة عشرة، قبل وصول سن البلوغ، تحتاج إنك مزوّد في ذاتك بمهارات فنية تستطيع أن تزاملها وَفْقَ خيال الطفل، تجري كثيراً من المعادلات في الخيال، لأن المعادلة في الخيال مطلوبة، لا تجنح به إلى أن تخرجه من الجاذبية، يعني خيالك، ولا أيضاً أن تنزل به إلى الحضيض فتضل، مطلوب المعادلة في الخيال، يعني لا يطغى جانب الخيال على جانب الحقيقة، ولا يطغى جانب الحقيقة على جانب الخيال، وهذا كثيراً ما نلحظه في شعر المتنبي والبحتري وأبي تمام، لذلك يصعب جداً أن تكتب للطفل بلسان النثر أو بلسان الشعر دون أن تُزَوَّدَ بمهارات ذاتية أصيلة في نفسك في قدراتك تعينك على السير في الشوط إلى مداه، وما لم توظف هذه الطاقات والقدرات توظيفاً سليماً يتجانس مع قدرات هذا الطفل وهذا الطفل وهذا الطفل ومع مراحله الزمنية، لذلك صَعُبَ عليَّ وقد أُوْكِل إلي متابعة وإشراف أمانة أدب الطفل، صعب علي أن أجمع بين هذا العمل وبين التأليف، وصدقوني أني حينما عزمتُ على أن أجربَ حظي في الكتابة للطفل بلسان القصة عملت أعمالاً ظن أهل بيتي بي سوءاً، مثل ما حصل للخليل بن أحمد، اضطررت إلى أن أجمع أبنائي الصغار وأبناء أخواني وأبناء أخواتي وأبناء الجيران، وكم كنت أشقى وأتعب في جلبهم والمجيء بهم إلى البيت للبدء في العمل، أعطيهم حلاوة وأعطيهم كل شيء إلى آخره، فأجعلهم على شكل "الماصات" هذه مجموعة هنا، ومجموعة هنا، ومجموعة هنا، ثم بعد ما أكتب لي صفحة ونصف صفحتين، ثلاث، أقعد بين المجموعة هذه، وأقرأ ولا أشعرهم أني أقرأ عليهم شيئاً، وأنا ألاحظهم، واحد يتنبه ومصغي شَدّهُ الكلام، وواحد يعبث ويضربني ويروح ويجي، ثم أروح للمجموعة الأخرى، أجد فيها ثلاثة، أجد فيها أربعة، وعملت هذه التجربة ونجحت فكتبت قصة "شهداء مؤتة"، "عبد الله بن رواحة"، و "جعفر بن أبي طالب"، و "زيد بن حارثة"، لمن سنهم دون الغلامية بسنة يمكن أن يقرأ هذه القصة ويفيد منها، ثم أحجمت عن الكتابة لأنها تريد أهلها بصراحة.
عريف الحفل: الأخ أشرف السيد سالم يقول:
نلاحظ أن مبدعي الشعر العربي الأصيل لم يدافعوا عن أصالتهم كما ينبغي في الوقت الذي جيّشَ فيه شعراء الحداثة كتائب من المناصرين وثبوا على المنبر الثقافية ليخنقوا كل أدب أصيل جميل، حتى إن ما نراه من انحياز للحداثة لا يرجع لتصدي الغيورين لها بل لما تحمله هي من عوامل اندثار تتمثل في الطحالة والغرابة والقبح، نرجو التعليق.
- الدكتور محمد بن سعد الدبل: جميل.. قل ما شئت عن أدب الحداثة، قل ما شئت من خير وشر، فيها جانب خير وفيها جانب شر، قل ما شئت عن هذا الشيء، لكن هذا السؤال أيضاً سليم نلاحظ أن تيار الحداثة له مشجّعوه وله مناصروه وله ما يذود عنه وله.. وله، لكن الشعر الأصالي القديم الذي يسميه الحداثيون بالتقليدي ما عندنا شاعر تقليدي وشعر تقليدي "أصالي"، هذا اللون الواقع أهله لا أقول أنهم أهملوه أو قصروا في القيام في حمايته، أو لم يعملوا شيئاً لينقذوه إن وقع ويؤصلوه وينشروه لا.. عملوا ولكن بقدر استطاعتهم هذه واحدة، ثانياً: الكثير منهم يعتمد على أن الشعر الأصالي يحمي نفسه، لأنه بلسان الصدق، ولا يدوم إلا الحق ولا يصح إلا الصحيح، وبعضهم يحامي ضد هذا التيار الأصالي ويقف دونه وينادي به ولكن أيضاً على غير هَدْي وبصيرة، ليه يستغل سب الحداثة وسب الحداثيين وسب الشعر الحداثي لا.. هذا لا يعد قيام لصد تيار، هذا تجنّي وتسرّع، أنا أنادي دائماً وأبداً بأن أعذوا لهؤلاء الشباب زمناً ننظر في ما قالوا، إن كان هذا التجديد فيه منفعة وتسلية ومتعة دون أن يسيء إلى الأصيل وإلى لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف فيؤخذ به، ثم أقول لكم وأنتم لا تحتاجون إلى مثل هذا القول، معلوم أن التجديد في الشعر قديم، ليس بحديثٍ اليوم، كل قديم لما قبلنا يُعدُّ حديث لمن بعدنا وهكذا، يعني القرون الأولى التي قبلنا القرن الأول يسمى قديماً بالنسبة للقرن الذي يليه وهكذا، فهل هذه القرون ما مرَّ فيها تجديد في الفكر والأدب؟ كيف ذلك وقد مر فيها تجديد على حياة الناس أجمعين في كل شيء ما عدا العقيدة؟ العقيدة واحدة لا تتغير، فهناك وُجِدَ الدوبيت والموالي وكان وكان والموشحات والأراجيز والأشطار وكل هذا من التجديد لكن هل ظلت هل بقيت؟ أين هي؟ تجربة مرت تجربة شعورية أدبية مرتْ بزمن وانتهت، والذي حلَّ محلها ولم يزل هو الشعر الأصالي، كذلك هذا اللون من الشعر الحديث الذي هو شعر التفعيلة والذي هو الشعر المرسل، أنا أسمي الشعر المحدث أو الحديث المعاصر هو المرسل، أما ما كان ينحو منحى التفعيلة فهذا سليم أصالي موزون مقفى، أنا لست ملزَماً كشاعر أن أقول من البحر الطويل وانتهى، أو أقول من البسيط أو من الوافر أو أحافظ على العروض والقافية في هذا البحر لا.. ليّ أن أخرج أُغتفر للمولَّدين ما لم يُغْتَفَرْ لغيرهم، فقط لا تسيء إلى أصالة اللغة فهذا تجديد، فشعر التفعيلة موزون وأصيل وتجديد، لكن الشعر المرسل الذي لا تعرف أول القصيدة من آخرها ولا تفهم منها شيء هذا الذي فيه خطورة كله متسم بالغموض والرمزية الطافحة في الخيال، وتحس فيه أنه يتتلمذ على المدارس الأدبية الغربية القديمة، ولا تشعر فيه بنكهة أدب وبنكهة الشعر، حتى مثلاً وإن كان مرسلاً لو كان فيه نكهة من شعر وأُفيد منها ممكن أعتبره تجديداً، لكن لا أفهم شيئاً ألغازاً، فهذا الذي عندي أيضاً في مثل هذا السؤال.
عريف الحفل: الأخ حزام العمري من جريدة "المدينة" ملحق الأربعاء يقول:
سبب خمود جذوة أدبنا الإسلامي في خطابنا الشعري أهو عدم امتلاك وهج التأثير الفاعل؟
- الدكتور محمد بن سعد الدبل: أولاً لا ينبغي، أو ما كان ينبغي أن نقول شعراً إسلامياً أو أدباً إسلامياً أو أدباً عربياً ما في تفرقة، يا أخي الكريم الإسلامي موجود على ظهر الأرض منذ أن شرعت شريعة محمد، بل الأدب الإسلامي سابق فقد احتضنته الأمة العربية قبل إسلامها، ألم يدعوا إلى الأمانة العرب؟ ألم يصونوا الذمم والعهد ألم يكونوا كراماً؟ ألم يقوموا بحق الجار؟ ألم يزوج بعضهم بعضاً؟ ألم يدعوا إلى العفة والطهر؟ ألم يعيبوا على الشاب وغير الشاب التعرض للمرأة؟
شاعرٌ جاهلي وازنَ بين الشعرين:
داري ودارُ الجارِ واحــدةٌ
وإليـه حُبَّــا يُنــزَلُ القـــدرُ
 
"إيثار".
أعمـى إذا مـا جــارتي بـرزتْ
حتى يـواريَ جـارتـي الخِــدْرُ
 
انظروا إلى النكهة الإسلامية:
ثنتـان لسـتُ بنـاظــرٍ لهمـا
زوجُ الخليـلِ وصـاحـبُ الجَنْبِ
أمـا الخليــلُ فلـسـتُ فاجعهُ
والجــارُ أوصـاني بـه ربــي
فهذه أمور تكاد تكون مسلماً بها، أعد لي السؤال لو تكرمت بدون أمر.
 
عريف الحفل: سبب خمود جذوة أدبنا الإسلامي.
- الدكتور محمد بن سعد الدبل: أي نعم، فأعني من هذا إن تسميتنا للأدب تسميتين أو مصطلحين: الأدب الإسلامي والأدب العربي هذا مردود.. فقد اُصطلِحَ على تسمية الأدب "بالأدب الإسلامي" من باب الدعوة إلى القيم والإصلاح في لسان الأدب بلسان الأدب، وإلاّ هل تعد قصائد امرئ القيس أو غيره أو قصائد زهير بن أبي سلمى أو قصائد النابغة قبل إسلامه، فيها قيم وفيها أخلاق ومُثُل عُليا هل تعدّها ظاهرةً أو خارجة أو تطعن في الأدب الإسلامي لا.. من صميم الأدب الإسلامي من روحه، فهذا المصطلح فقط ليميز الأدباء به هذا العطاء عند الأديب، قالوا أدباً إسلامياً وإلا هل معناه أن الأدب من مَعين "العجمي" يعني على لسان العجم وهو يدعو.. للقيم والمثل العليا التي جاء بها الإسلام على الأديب أن يتوخاها في عطائه الأدبي، ما توخاها فهو حرٌّ في أدبه ليس فيه إلزام فيه التزام وشكراً.
عريف الحفل: الأخ أحمد العبادي يقول:
هل تقبلون بهذا التعريف المختصر "الأدب الإسلامي" إنه الأدب المقيّدُ بضوابط الشريعة الإسلامية مثل الاقتصاد الإسلامي وماذا يمكن أن يفرق عن الأدب العربي إذا كان مكتوباً بالعربية؟
- الدكتور محمد بن سعد الدبل: نفس العملية ونفس الإجابة التي قلناها ونفس السؤال المتكرر، ما ينبغي أن نناقش عملية الفصل بين المصطلحين لا، أيُّ أدبٍ يخلقُ القيمَ والإبداعات في ظل الشريعة ويجسد المثل العليا والأخلاق الطيبة فهو من الأدب الإسلامي سواء كان بلسان العرب أو بلسان غيرهم، أما عملية صلته بالعقيدة وبنيان المجتمع اقتصادياً كما تفضل "اقتصاد إسلامي" هذا كونه اقتصاد إسلامي ممكن أقيد هذا الاقتصاد، فأقيده بإسلامية وأقول اقتصاداً إسلامياً لأنه في ذاته وعمقه يعرو مما حُرِّم ويستجلب بما أُحِل، فيعرو من الربا ويعرو من القمار ويعرو من السرقة ويعرو من الاغتصاب حسبناه اقتصاداً إسلامياً ويكلل بنعوت الشريعة الإسلامية فحلال وليس بحرام، سَلَم وليس بربا، هذا مفهوم الاقتصاد الإسلامي وإن لم أكن متخصصاً بهذه الناحية فهذا ينطبق عليه المصطلح وتسمّيه لأنك تقيده في حلالٍ أو حرام، أما الفكر والأدب فلا يمكن أنْ أخضعه لمصطلح معين فأقول أقيده مثل ما أقيد الاقتصاد الإسلامي وأقول أنه الأدب المقيد بحدود الشريعة، في صعوبة وأقول كل ما يدعو إلى القيم الرفيعة والمثل العليا بين الناس فهو من الأدب الإسلامي هو ماهية الأدب الإسلامي، أما أن تقيده مثل ما تقيد الاقتصاد الإسلامي والفقه الإسلامي فهذا صعب، لا داعي له، فقط خلعنا عليه هذه التسمية لنميزه عن غيره نعم أدب إسلامي.
عريف الحفل: الحقيقة الأسئلة كثيرة ولكن سنكتفي بهذا السؤال ونعتبره السؤال الأخير حتى أن الجو الحقيقة ازداد برداً ويبدو أهل الرياض بردهم ليس كبردنا، سؤال من الأخ عبد المجيد الزهراني يقول:
عُرف بعض الفقهاء طرقهم لجانب الغزل فيما عُرف بغزل الفقهاء لماذا لدى البعض برأيكم حساسية تجاه هذا النوع من الأدب وهل نستطيع أن نطلق على هذا النوع أدباً إسلامياً؟ طبعاً له تهميشاً هنا وقد ألف فيه الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، وكذلك جمع فيه الدكتور غازي القصيبي كتاباً.
- الدكتور محمد بن سعد الدبل: والله يا أخي السؤال ليسمح لي سائله سأصف السؤال بالخبث لا سائله، هذا أذكر موقفاً طريفاً هو يريد هو سائل السؤال يريد أن أقول الكلام الذي ستسمعونه وسأقوله، كنت مدرساً في معهد الرياض العلمي بزمالة وصحبة أخي الكريم الدكتور حمد وكنا نقيم نادياً أدبياً على رأس كل أسبوعين وكنت ممن كلف بالإشراف عليه وفي سنة من السنوات دُعي أحد الأمراء إلى رعاية هذا الحفل من غريب الصدف أننا كلَّفَنا شيخنا الكريم وأستاذنا الفاضل محمد بن سعد بن حسين تتلمذنا عليه وأنا والدكتور وكان مدرساً معنا، طلبنا إليه أن يُعِدَّ قصيدة لهذا الحفل، فأعد قصيدة، ثم طلب الطلاب إليّ أن أُعِد قصيدة أو أشارك بها، وطالبٌ آخر أعد قصيدة ومن عجيب الصدف أن تأتي القصائد الثلاثة على رويٍ واحد وبحر واحد وقافية واحدة، دون أن يعلم بعضنا بعضاً لكن الطلاب قالوا لي: نحن نراهنك رهاناً أن تقول قصيدة تشارك بها في الحفل وتكون تستهلها بالغزل وتسلم من "الخيزران" فقلت إن شاء الله أعد قصيدة وأبدأها بالغزل ولا يكون إلا خير، فجاء الأستاذ الأول أستاذنا الفاضل محمد بن سعد بن حسين وألقى قصيدته ولم يكن فيها غزل، لكنها ميمية وبحر واحد وقافية واحدة، ثم جاء الطالب وكذلك بقيت أنا الأخير، القصيدة فيها غزل والعلماء كُثُر كنت راعيت في هذا المقام ما يحرك شجون الفقهاء ووصفته بهذا الوصف قلت هذا شعر أو غزل الفقهاء، يعني ما يتسقطون للمناطق الخطيرة في المرأة لا، يبدأ من الثديين إلى الجيد إلى الشعر إلى العينين فقصرته على هذه، المناطق هذه مع أني قادر أن آتي على.. إلى آخره فقلت تريدون تسمعونها؟ فواز لو تذكرني بالمطلع (نحن والماضي) حضارتان.
سمعتُ صوتاً يناجي القلب في الظلمِ...
(بس الصوت الكلام ما جيت بشيء)
سمعـتُ صوتاً يناجـي القلبَ فـي الظلم
صداهُ في رَجْعه أحلى من النّعمِ
نجواهُ دغدغتِ الآمالَ في خَلدِ
فاستعذبَ القلبُ نظمَ الشعـر فـي الحِكَمِ
وكلما غَفتْ العينان قال ألا
تستذكر العهـدَ هـا قـد جئتُ لا تَنَـمِ
وقفتُ بين يديْ عذريةٍ عُرِفَتْ
بوافِر العرض والأخلاقِ والقيمِ
مـن سَوْح يافـا شكتْ للشعـر مَظْلمـةً
وهي الظلومُ لقلبِ العاشق الشهمِ
حديثُها مسَّ قلباً لا يعلله
إلا العفيفات في شرعٍ لِمعتصمِ
ريحانةٌ ملكتْ مني نواعسها فيض
الحديثِ وقد أطرقتُ في الكلمِ
 
اختصرت يعني نسيت البيت.. نعم.
ألا أحدثها إلا على نَسجٍ
خلفَ الستائر في بُعدٍ عن التهمِ
وذاك أن طباعي لا توافقها
أرخَـتْ قناعاً وغضُّ الطـرفِ مـن شِيمي
أستغفر الله ما نفسـي بنابيـةٍ عـن طبعها
فنسير الشعر من قامِ
إذ كعبُ أنشدَ طه من قصائده
هيفاءَ عزَّاءَ في الإدبار والقُدُمِ
فيخلع البردَ فضلاً من شمائله
إذ يعجبُ المصطفى مـن حكـمةِ الكلـمِ
 
هذا هو المختصر للإجابة على هذه المسألة، فما في يا أخي عندنا غزل فقهاء، وغزل شعراء، وغزل فساق وغزل.. لا الغزل واحد، لكن إذا توخيت فيه الصدق صدق اللسان، صدق الكلمة، العفة، البعد عن التفحش والعهر هذا هو المطلوب منك كمسلم، والله إن أردت تنزل بالشباب وغير الشباب إلى إشارة المرور أنت حر بشعرك وأدبك (وش نصنع بك يعني) نحمّلُ هذا التصرف منك نحمله الأدب الإسلامي نحملك إياه أنت.
الشيخ عبد المقصود خوجة: شكراً لأستاذنا الضيف الكبير، في الحقيقة كما قال زميلي عريف الحفل أن الأسئلة كثيرة ولكن الوقت تأخر فعذراً لمن من بعثوا إلينا بأسئلتهم، وإذا اكتفينا بما مضى لئلا نرهق أيضاً ضيفنا أكثر مما أرهقناه، ولي كلمة صغيرة الأخ عبد الحميد الدرهلي بعث إليَّ قائلاً: هل نسيتم فلسطين الجريحة والقدس الشريف والمسلوب أم هما في الذاكرة؟ يا أخ عبد الحميد أتمنى أن يكون كل فلسطيني الأصل مثلك فاذكر دائماً في كل سؤال وفي كل شاردة وواردة فلسطين القدس، كل عربي منا يحمل هذا الهم في سويداء قلبه، ولكن لكل مقالٍ مقام كما يُقال، فتأكد دائماً أنا في الحقيقة كنت أود أن أقول هذا الكلام بيني وبينه ولكن هذه فرصة أن أقولها أمام هذا الجمع "فلسطين والقدس هي قضية ليست كل عربي بل كل مسلم، والأمور ليست قولاً وإنما إن شاء الله عملاً فلا تعتبر إذا كان ما ذكرناه هذه الأمسية أو ما ذكرها ضيفنا ربما هو يريد إضافة، لأن الأستاذ عبد الحميد على فكرة أفضح سر بيني وبينه دائماً أجد سؤال الجميع أو أسئلة الجميع إذا وضعتها في كفة ووضعت سؤاله في كفة من حيث عدد الأسطر ربما كفته زادت عن كفة الآخرين، ودائماً مليئة بكلمات الحماس عن فلسطين والقدس، وهذا ليس بالغريب عليه ولا أذكره بقصد إلا قصد إيمانه بالقضية وكلنا معك.
ولكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتـي علـى قـدر الكرام المـكارم
- شكراً يا دكتور.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :552  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 136 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.