شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
 
(( كلمة ضيف اثنينية هذا الأسبوع
الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسن الدبل ))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله حمد الشاكرين وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير، محمد بن عبد الله ورسوله عليه أفضل الصلاة وأذكى التسليم، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد..
ففي هذا اللقاء الطيب المبارك، أستن سنة الصالحين وأعيب على من قال لا شكر على واجب، والصحيح الشكر على الواجب، فأشكر لزميلنا وأخينا ووالدنا فضيلة الشيخ عبد المقصود خوجه أياديه البارة بالعلم والعلماء والأدب والأدباء وأشكر لجميع الذين تحدثوا عن الفقير إلى عفو الله محمد بن سعد الدبل وأطروه إطراء وسكبوا من معين الثناء ما يسيل له اللعاب، وإن لم أكن أُهَيْلا له، فأسأل الله تبارك وتعالى أن يجزيهم على ما قالوا خير الجزاء، إما أن أتحدث فأطيل أو أقصر، فهذا راجع إليكم، ولكني واحد ممن يؤثرون الشعر على النثر، فأستميحكم وأستميح صاحب الاثنينية أخي الكريم الأستاذ في أن أنشدكم أربع قصائد، ولكن لا تخافوا كل قصيدة لا تخرج عن خمسة أو أربعة أبيات، ولا تسمى قصيدة، أعادني ابني الكريم فواز إلى أيام الصبا، وسأحاول أن أكثر بعض الحواجز لئلا يظن بعض الإخوة أن من أخذ بدين الله وطبقه بحياته يوصف بالرجل المتقوقع الذي لا حظَّ له من تمدن ولا رقي - لا والله - الإسلام والمسلم تمدن، وتحضر، ورقي، ولكن على منهج سوي:
وشاحُ الهوى صب يعانقه الشعرُ
فيذكي بقلبي ذكريات هي العمرُ
منحتَ ربيعَ الشوق كلَّ صبابةٍ
لغانيةٍ حوراءَ يحسدها البدرُ
نذرتُ لها شرخَ الشبابِ وعزّهِ
وبي مهجة ما مسها البعدُ والهجرُ
غرستُ بقلبي حبَّهها وسقيته
رحيقَ معاناة هي الغرسُ والزهرُ
نروحُ ونغدو في تضاعيفِ عمرنا
تساوى لدينا اليومُ والعام والشهر
ولما أفاق الأمس من رقدة الهوى
تحدى بريقُ الشيب أنّى له عذرُ
وليلاي لم تعرض وإن هي أنكرت
عذرت فما للشيب عذر ولا ستر
سأبقى- وإن طال الزمان - محافظاً
على عهدها والحب من بيننا جسر
أبيت -وذكراها- تجوب خواطري
بليل أعانيه يباعده الفجر
يؤرقني في الطيف همس حديثها
يذكرني بالأمس لو نفع الذكر
وتوسعني لوماً بقولة شاعر
أما للهوى نهي عليك ولا أمر
فقلت لها ليلاي عذب مهجتي
بعينك لحظ فاتر طرفه سحر
فقالت فداك العين هل أنت منصفي
فقلت لها ليلاي فالجيد والخصر
فقالت أخاف الله سراً وجهرة
لا أبق لنا حباً يخلده الدهرُ
فقلت وبي شوق يغالبه الحيا
دواعي في شيئين ضمهما الصدرُ
وخد وثغر كلما هام عاشق
شكا له الوجد والخد والثغر
فقالت مني غال أخاف تصيبه
ثمالة خد ثم ثمالة ثغر ثم يقتله السكرُ
رسمت خطاها في ظلال ثلاثة
ألا أنها الإبداع والصدق والطهرُ
حديث التلاقي كأسنا ورحيقنا
وليس لنا في الحب كاس ولا خمرُ
رأيت الجمال الغض يفسده الخنا
وكل له في وصل غادته سر
 
أنتقل إلى مقطوعة أخرى ولا أطيل، هل أطيل؟ رسالة إلى أم اللغات، إن الحسنات يذهبن السيئات، فنحن لنا وظيفة في الفكر والأدب، وفي ملتقياتنا وفي اثنينيتنا وثلاثيتنا، وفي كل حركة وسكون، وظيفتنا أن نعمر الكون وفق منهج الإسلام في القول والفعل، رسالة من أم اللغات، هذا لا يعني أني أطعن في الحداثة والتجديد لا، أرحب بالتجديد الذي يخدم الإسلام، يخدم العروبة، يخدم العروة الوثقى بين الناس أجمعين في لا إله إلا الله:
شكوت الهوى العذري مـن لوعة الوجـد
وأنت أسير في التغرب والصد .
تحل جديب الروض في عقر داره
وتهجر معـنى الطلـح والشيـح والرنـد
تصور زيف الحب في ليل غربة
وتدلي بـأن سـوزان أفضـل مـن دعـد
وهل يستـوي الضدان إن كنـت منصفـاً
وتفضل نبع الطهر آسنه الورد
فسوزان باعت عرضها وجمالها
بتعليل كأسٍ في غوائلها تردي
ودعد رعاك اللَّه صان جمالها
وقومها الشـرع الـذي للهـدي يهـدي
تلوم القوافي حين شق رويها
عليك فراح الهزل يطعن في الجد
* * *
تقول لك الفصحى وأنت غريمها
أنا الكوكب الـدرى لا القـدح بالزنـد
تعال وصاحبني فلست غريبة
أرى غربتي فيما أعاني من البعد
أيصحبني مستشرق ومقلد
وأنت أمين والوصي على عهدي
أنا لغة الأحرار من يعرب الأُلى
أصالتهم صانت كياني من المهد
سماوية قدسية وأرومتي من
الأوس علياها ومن ذروة ا لأزد
ترعرعت في أم القرى يعربيةً
وفي طيبةِ المختار حلقتُ للمجدِ
وسرتُ بآفاقِ الجزيرةِ حرةً ..
تألقَّ حجرُ اليمامةِ من نجدِ
أيرمونَ بالتعقدِ لفظيْ وما درْوا
بأني في الإبداع واسطةُ العقدِ
أمج الدخيل الأجنبي وإن أبى
سوى معدني زودت معنـاه مـن رفـدي
إذا ما نبا طوعتهُ بمهارتي
وداويتُه من عُجمة داؤها يعدي
وإن شئتَ فاضتْ بالقديم أصالتي
وإن شئتَ سايرتُ الجديدَ بلا حدِّ
أنا الضادُ يا هذا كفاني زيادةً
بأن عبابَ الذكرِ فجرتُه وحدي
وأهديتُ منـه الـدر يغـري ذوي النُّهـى
بمـا تحت أسراري مـن الفيـض والمـدِّ
وسرت بعـرض الكـون شرقـاً ومغربـاً
وأنطقت صمـتَ البكـم والطفل في المهدِ
وأُمْهرتُ بالخلدِ احتفاءً بأمة
رعتني في الترتيل بالحفظِ والحمدِ
وتمشي لغاتُ العالمين قصيرةً
ورائي لما أُخفي مـن الفضـلِ أو أبـدي
وساميةٌ سبّاقةُ العهد والخطى
فما لغةٌ في الأرض إلا أتتْ بعدي
رويدَك يا ابن العُربِ إني أبيّةٌ
تحضُّرْك المزعوم في الفكرِ لا يجدي
تنقصني من غير علم وفطنةٍ
لأنك مبهورٌ بمجلوبة ضدي
أترمي قناتي بالجمود جهالةً
وتستلهمُ الإبـداعَ مـن عبـثِ المُرضـي
عدوك يخفي مصدرَ الشرِّ
عنـده بليـلٍ وإنّ الخيرَ مصـدرُه عنـدي
عطائي في حرفي ولفظي وجملتي
وربـك مـا اخلولقـتُ مـن كثرةِ الردِ
أترمي بضعفٍ قدرتي وجزالتي
وأنتَ الـذي ألبستـني ضعفَـك المعـدي
بياني حواهُ الذكرُ في كلِّ لفظةٍ
عذوبتُها تنسابُ أحلى من الشَّهْدِ
وأقطابُ أعلامي بفضلي تحدثتْ
وما زلْتُ للأجيالِ مـن حِكَمـِي أُهـدي
ولله أسلافٌ أحلّوا مكانتي محاريبَهم
واللــيلُ يشكـو مـن السُّهْـدِ
نشيدهم الله أكبرُ كلما عدا
فارس يختالُ بالسيف والغمدِ
على صهوات الخيل هزت منابري
صناديدُ تدعو العالمينَ إلى الرشدِ
أراك.. أراك.. أراك مجدَّاً في عقوقي
ومبرِماً صدودَك إذ تَلْويه فـي الحـلِ والعقدِ
أيبكي هـُزارُ النيـل أمسـي وحاضـري
وتُسرعُ بي غدراً إلى ظلمةِ اللّحدِ
أهذا وفاءٌ للتي بِلَبَانِها غذتْكَ
وزادتْ في التعهدِ والجهدِ
عقوقي وطعني يا لبيبُ سفاهةٌ
يفوهُ بها في المنتدى زائفُ النقدِ
ملـوكُ البيـانِ استلهمـوا فيـضَ حكمتي
بخبرتهم والنّدُّ يُقرَعُ بُالنِّدِّ
أسير وتسري بي حروفي إلى النُّهى
ويمتعها مني خَيالٌ بلا كدِّ
على صفحاتِ الكونِ ريشةُ شاعرٍ
تجلِّي ربيعَ الروض يختالُ في البُردِ
وكم ناحَ قُربي طائرُ الفجرِ شده
جمالٌ دعى النيروز يُنشدُ للوردِ
إذا ما عَروبٌ نادمَتْها شواردي
فسميتها الإنصافُ والصـدقُ فـي الوعـدِ
إلى آخره. الثالثة: ديننا الإسلامي علمنا أن نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت، وأما عبارة "لا شكر على واجب" فمردودة، بل الشكر إنما هو على الواجب، فمن الواجب الذي قدمه ذلك الرجل ولا أقول هذا، ما نراه ونعايشه في كل أسبوع جزاه الله ألف خير، وأعلم علم اليقين أنه يمقت المديح، ويمقت الإطراء، ويمقت الثناء، ولكن ديننا حثنا على أن نشكر من يستحق الشكر، فهذه أبيات متواضعة أهديها إلى سعادته وآمل أن يقبلها، وألا يتحرج في قبولها، فالمديح في الشعر مسنون.. مطروق وغرض طيب، فقد أُثِرَ عن عمر رضي الله عنه: "مدحك الرجل بما فيه من مكارم الأخلاق"، ونبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم سمع المديح، ومُدِح، وأثاب على المديح.
خطراتي وملؤهن رجائي
أن يدوم الوفا لأهل الوفاءِ
ليت نبعَ القصيد يرقى لبحرٍ
يرقبُ الناسُ مَدَّهُ عن سخاءِ
صافحتني يدُ الكريمِ وقالتْ
عن أصيلِ الندى وطيبِ اللقاءِ
قُل لعبدِ المقصودِ شيخِ المعالي
أنتَ بحرُ القصيدةِ العصماءِ
أنتَ للفكرِ ألمعيٌّ وراعٍ
منصفٌ للأديب جمُّ العطاء
يستقي جودَك البليغُ وتزهو
لغةُ الضاد آيةً في البناءِ
يتغنى الإبداعُ لحناً فريداً
مُرْسَلاً من خواطرِ الشعراءِ
واختيارُ الكبير يرعى كباراً
أوفياء من أبرزِ الأدباءِ
وإ ذا العلمُ زوَّد الناسَ فضلاً
فهمو من أفاضل العلماءِ
كلهم ذو براعةٍ واقتدار
وجلالٍ من سيرة النبلاءِ
كلهم قائلٍ بحقٍ وصدقٍ
للأريبِ اللبيب أهلِ الثناءِ
كرمُ الماجدِ النبيلِ أصيلٌ
وبريءُ من سُمعة ورياءِ
 
المحتفَى به: إن شاء الله.
دمتَ عبدَ المقصود بَرَّاً وفياً
علماً في الأماجدِ الكرماءِ
يحتفي بالكرام، شهمٌ جَوادٌ
ويدومُ الوفاءُ للأوفياءِ
وإذا الجودُ باليمين تهامى
حالةَ العسر أو بحال الرخاءِ
فلعبدِ المقصود بِرٌ عريضٌ
ويدُ البِرِّ آيةُ الفضلاءِ
لم يكن بذلُه لمدحٍ ولكنْ
روحُ شَهْمٍ توَّاقةٍ لانتماءِ
ووفاءٍ لأمةٍ وديارٍ شعَّ
منها للناس هَدْيُ السماء
وولاءٍ لقادةٍ عمروها
ورعوْها بِعزةٍ وإباءِ
هكذا يُعرفُ الكرامُ إذا ما
أنعمَ الله بالرضا والنماءِ
وإذا أخلصَ الرجالُ ولاءً
فلعبدِ المقصودِ صدقُ الولاءِ
 
وأخيراً لئلا أطيل عليكم، أختم بمقطوعتين قصار، ووالله الذي لا إله إلا هو، أنني لا أتعرض للشعر الحداثي، لا من قريب ولا من بعيد، بأدنى إساءة، بل أحب الشعر المحدث، وأدعو إليه، ولكن يكن له ضوابط. (هذه مفاجأة بين مراكش وفاس "مشكلة" نخلِّيها...).
"قافية وشاعر" هذه قصيدة بمناسبة انعقاد مؤتمر الأدباء العرب الثاني، في مكة المكرمة، وإن لم أدعَ إليه، وكان قد رعى هذا المؤتمر، صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وجزاه على ما قدم للإسلام والمسلمين والفكر والأدب خيراً، فقلت:
 
(( قافيةٌ وشاعر ))
ناديتُ يا من رعى في مكةَ الأدبا
جوار كعبتِها في المنتدى خَطَبَا
أكرمتَ يـا فيصـلَ الأحرار مَـنْ حملـوا
أمانةَ الفكرِ شِعراً كان أو خُطَبا
ما جئتُ أمدحُ لكن هزَّ قافيتي
نبلُ الكريمِ إذا ناديتَه وثَبَا
يا سادةَ العُربِ إن الله حمَّلكم
أمانة الأدبِ الراقي وقَدْ مَدَدا
منْ لي بفكرٍ أصيلٍ لا يكدره
غُثاءُ مَنْ هجرَ الأوطانَ واغتربا
قولوا لمن جَلبوا سراً بضاعتهم
تباً لكم ولها تباً لمن جَلبَا
ولا يُعدُّ من الإبداع قافية
يمجها الذوقُ تمريه وقد نبضا
* * *
لا أنكرُ الفنَ والتجديدُ يأسرني
مُهَذَّباً يخدمُ الإسلامَ والعَرَبَا
ويُمهر الضاد من أغلى بدائعه
عقداً تتيهُ به الحسنا إذا انسكبَا
تراهُ إن أنشدَ الأسماعَ أطربهَا
وشدَّها بلحونٍ تبعثُ الطربا
وصدَّرَ الفِكْرَ من أرضي وأتْبعها
محاسنَ الملةِ السمحا إذا كَتَبا
إنْ صوَّرَ الحُسنَ في ثغرٍ لفاتنةٍ
أتى بسحرٍ حلالٍ ينفثُ العَجَبَا
وجسَّد الطُّهرَ حباً لا يدنِّسه
وعدُ الخدينِ على مخدوعةٍ عَتَبا
لكنما يخطبُ الحَسْنا ويكسبها
بمنهجِ الشرعِ أنعِمْ بالذي كَسَبا
يرى الفضيلةَ في أوساطِ مجتمعٍ
وينشرُ القيمَ العليا إذا وهبا
وإن روى لك من تاريخِ أمتهِ عهداً
بعيداً توخّى الصدقَ لا الكذبَا
سفيرُ قادتهِ في الأرض ما بعدت
به الخطا يستفيدُ العلمَ والأربا
يذودُ عن وطنٍ، عن أمةٍ شَرُفتْ
بملةٍ تصلُ الأرحامَ والغُربا
وظيفةُ الفنِ أنْ ترقى به رُتباً
حتى يحققَ عن صدقٍ لك الرُّتبَا
ومن رأى سمةَ الإبداعِ في عبثٍ
يرتاده عاجزاً أن يبلغَ السببا
فليسَ مَنْ ينظمُ العقدَ الرخيصَ
كَمَنْ بقدرةٍ ينظمُ الياقوت والذهبَا
يا صائبَ النقدِ إنْ أرسلتَ حَكمَاً
فلا تدع للهوى في الحُكْم مُنْتَسبَا
وإ نْ تُصانِعْ فلا الأهواءُ مبقيةً
فَحَوْمة الفكر نقداً يُعتِقُ الأدبا
أعتقْهُ من خطرِ التغريب إنَّ له
عهداً يرى العتقَ في حقٍ لهُ وجَبَا
واسمع فديتُك مني بعضَ قافيةٍ
هديةٍ منحتْ أصلاً ومُجتَلَبَا
هذه موازنةٌ والشعرُ مضربها
وشاعرٍ قلت لمَّا جاء وانْتسَبَا
بيني وبينَك روضٌ في أصائلهِ
يغارُ من شفقٍ يدنو وما انسحبا
صِفْهُ وقلْ ما تشاء إني لو أصفُه
واحكم بعدلٍ وميِّز أيُّنا غَلبا
* * *
يقولُ لمَّا سعى للروضِ في مَهَلٍ
خُفَّاشُك الحُر غنَّى يبعثُ الطربا
وطيفُ جُعلانك الوَلْها يؤرقني
وعقرباؤكَ وسْنَى ترفع الذَّنَبا
وماؤك الآسنُ الحيرانُ في بُقعٍ
يروي القنافذَ في أمعائها سَرَبا
والضبُّ في جِحرهِ من حولكَ
انفطرتْ لـه أخاديدُك الظَّلمى فمـا هربـا
بل ظلَ يرقصُ حتى قال صائدُه
ما أضيقَ الجحرَ والضـب الشجـي حبـا
هذا هو الروض في وصف لشاعره
تجري سراعاً بصوب ينظم الحببا
والورد يرقصه لحن الهزار وقد
جد الأصيل ولعاً هام وانجذبا
والليل في جوفه بدر يسامره
ما أبـدع الـروض والبـدر النديم صبـا
وشادنٍ زار والإشراق طلعته
رأى غريباً فغضّ الطرفَ واحتجبا
بين الخمائلِ إن سابقته خجلاً
بنظرة جدَّ في إغضائه وأبا
أو قلتَ مهلاً فإنَّ الشوقَ أحرقني
قالَ الوصالُ بشرعٍ يُطفئ اللهبَا
ودعته وجمالُ الروض يطلُبُني
مزيدَ وصفٍ فأوجزتُ الذي طَلَبا
فاحكمْ بِعدلكَ في الوصفين أيهما
أجـادَ واحكُـم لمـنْ بالفضلِ قـد ذهبـا
 
الشيخ الدكتور محمد بن سعد الدبل: (إن الحسنات يذهبن السيئات) مقطوعة قصيرة وأختم بها من قصيدتي (رسالة من هناك).
لا بد أن يتفاعل الأدب والأديب، والشعر والشاعر، والعلم والعالم، والحاكم والمحكوم، مع أمة الإسلام، ونحمد لله تبارك وتعالى أن جعل لنا من قيادة هذا الوطن ما يربأ صدع الأمة الإسلامية، ويعينها ويحاول تخليصها من شرورها وآثامها.
(( رسالة من هناك ))
دموعِ الأسى لا يفتديها التَجلُدُ
وجرحُ الإبا في طبهِ لا يُضَمَّدُ
ألا يا أُباةَ الضَّيمِ هذي رسالةٌ
تبيّنْتُ معناها وإني لمُقصدُ
تقولُ لكم في جَهْرها وخفائها
وتجمعُ ألوانَ المآسي وتُفرِدُ
على ضِفةِ التاريخ سيفٌ مُعَنَّدٌ
شكا غِمدَه طفلٌ بريءٌ مُشردُ
دموعُ اليتامى في تضاعيفِ حرِه
تروحُ وتغدو لكن السيفُ مُغمدُ
وأُم ٍ حنونٍ عرضُها في انتمائه
وشيخٍ يلومُ السيف مَنْ ذا يُجرِدُ
ولو هزَّهُ كفُّ المُثنّى لأذعنتْ
لـه الصـربُ والكـرواتْ مهمـا تعددوا
ولو كانَ في يُمنى عليٍّ وخالِدٍ
لأقبلت الدنيا لربكَ تسجدُ
يُكبِّرُ سعدٌ والحتوفُ تنوشُهُ
كذلك صِـدقُ العهـد والمـوتُ يُحسَـدُ
أولئك قومٌ قادَهم في جِهادِهم
وعلَّمَهم خوضَ المنايا مُحمدُ
بني أُمِّنـا مِـنْ العـار أن تجترَّ مـا كـانَ
سالِفاً ولكن لعـلّ العـودَ للأمـس أحمَـدُ
بني أُمنا في كل أرضٍ وموطنٍ
يُحكَّم فيه الشرعُ واللهُ يُعبَدُ
لقد آذنَ الكُفرُ الصراحُ بحربِكم
حِصارُ "سراييفو" لِطيبةَ يُقصَدُ
وكِشميرُ والصومال يُصْلَى بنارِها
شهيدٌ بيافا في السراديبِ يُلحَدُ
تعالوا تروْا ما كانَ أو هو كائنٌ
وما في خفاءٍ فهو أنكى وأنكَدُ
صحى الفجرُ لكنَّ الرضيعَ حليبُهُ
عُصارةُ سُمٍّ حَرُّهُ يَتوقَّدُ
وإن يكُ أُنثى جرَّعوها بِمَصلِهِ
وإن يكُ من جنس الذكور فَيوأدُ
على مَشهدٍ من أُمِّهِ وعويلُها
يُضاعِفهُ من كانَ بالسوط يَجلدُ
تَوَدّدهُم في عِرضِها وحيائها
فيهتِكُه عِلجٌ زَنيمٌ مُهودُ
وكم من فتاةٍ أهدروا عفةً لها
ومن سترِها وضحَ النهارِ تُجَرَّدُ
وأمٍ على ضربِ السياطِ تَقَلَّبتْ
ضفائِرُها بالنار تُكوَى وتُفرَدُ
وقد خَطفوا من صدرِها طفلها
الذي يصيحُ ويلوي واجِماً يَتنهَّدُ
تراهُ على عرضِ الطريقِ مُسيَّباً
على وَهَجِ الرمضاء والشوك يركضُ
له نظراتٌ زائغاتٌ وأدمُعٌ
وأنفاسهُ من فَرْطِ جوعٍ تَصعَّدُ
وشيخٍ يدبُّ الرعب في خطواتِه
علامَتُه سبابةٌ تتشهدُ
إذا أُمِروا جروا تلابيبَ ثوبه
مقامعهُم في مَنكبَيْهِ تُسادُ
بتعذيبه طولَ النهارِ تفننوا
على نارهمْ ليلاً يقوم ويقعدُ
وأما شبابُ المسلمين فشأنهم
رهائنَ في قعرِ السراديب تُجلدُ
يسومونهم ذُلاً وتُضحِي رِقابُهم
علائقَ في حبلِ المشانِقِ تُعقَدُ
وبعضُهُم يُغلَى على النارِ ساعةً
ويُسلَكُ في دَرْعِ الحديد ويُرصدُ
إذا كفروا بالله خلَّوْا سبيلهم
وإ ن آمنوا شَدوا عليهم وشدَّدوا
 
إلى آخره، ولا أحب أن أطيل، وهي ملحمة طويلة أسأل الله لي ولكم جميعاً التوفيق وشكراً.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أحسنت أستاذنا الكبير لقد أثرت فيَّ الشجن، شاء الله سبحانه وتعالى أن أعيشَ يتيماً منذ طفولتي، وكنت ولا زلتُ، ويبدو أنني سأعيشُ حرقةَ اليتم حتى قبري، منذ بدء معرفتي بالحرف والكلمة بدأ حسي بحرقة اليتم، إذ ما سمعتُ قط مديحاً أو ترحيماً على والدي رحمة الله عليه، على قدر ما شعرت بالفخر يملأ نفسي بذلك الوالد الكبير شعرت بحرقة اليتم، كَبُرْتُ وكَبُرَتْ معي هذه الحرقة، حرقة اليتم، وعندما سمعت مديحاً أول مديحٍ في حياتي لم أتذكرْ شيئاً إلا ذلك الوالدَ الكبيرَ في أخلاقه وفضله وعرفتُ إذا كان لي من شيء في هذا المديح فهو بفضله وخلقه وكرمه، وزاد إيماني أنّ هذا المديح إذا كان لي فيه ما أستحق، والحقيقة أنني لا أستحق شيئاً، فما أنا إلا مواطنٌ في صف مواطنين أقدم جهد المُقِل علي بهذا أستطيع أن أفيكم أيها الكبار شيئاً من حقكم، وأفي ذلك المسجى في قبره شيئاً مما زرع، فاللَّهم اجعلني البار به، واغفر له، واللَّهم اجعلني خيراً مما تظنون، واغفر لي ما لا تعلمون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :611  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 135 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.