شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة فارس الاثنينية
معالي الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وعلى آله وصحبه الأكرمين.
أخي الكريم سعادة الأستاذ الوجيه عبد المقصود خوجه، معالي أستاذي وأخي الكبير الدكتور محمد عبده يماني، أصحاب السعادة والفضيلة أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرى واجباً علي بادئ ذي بدء أن أتوجه بعظيم الشكر وجزيله إلى أخي سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه صاحب هذه الاثنينية الرائعة ومبدِعها، والعَلَم في محيطها الجميل على تفضله لدعوتي للحضور وتكريمي في هذا الحشد الكريم من العلماء والمفكرين فجزاه الله عني خيراً، ولقد سمعت منه كلاماً لا أستحقه، كما سمعته من أخوة كرام لكن حسن الظن يجعل المحب يتغاضى عن بعض الهنات هنا وهناك، وأظن أنني نلت من كلامهم ومن عطفهم ومن حسن ظنهم في هذه الأمسية ما أنا عاجز عن الوفاء لهم به من شكر وتقدير، فأسأل الله أن يجزيهم عما تفضلوا به من كلام بحقي خير الجزاء، وأن يجعلني دائماً قادراً على أن أقوم ولو بشيء يسير من الوفاء ومن العمل الذي يديم حسن الظن الذي تفضلوا به.
هذه الاثنينية التي تزدهي بها ليالي جدة والتي سارت بذكرها الركبان سمعت عنها كثيراً وتابعت نشاطها وأخبارها من موقعي في المنظمة الإسلامية بالرباط، وكنت أتمنى أن أكون حاضراً مع الذين يسعدهم الحظ ويسعفهم للمشاركة في أمسياتها فشاء الله سبحانه وتعالى لأن يزورنا أخونا الكريم الشيخ عبد المقصود خوجه في الرباط وأن ألتقي به، وأسعد بالتعرف عليه عن قرب، فزادني اللقاء به حباً له وتقديراً لشخصيته وطيبته وصدقه وقلت إن مثلَ هذا العمل لا يقومُ به إلا مثلُ هذا الرجل، فجزاه الله خيراً عن أمته وعن وطنه وعن الثقافة بعامة لأن مثل هذه الاثنينية قليل في عالمنا اليوم، فكما تعلمونَ كثير من الناس يضنون بما أفاء الله به عليهم وأخونا الكريم الشيخ عبد المقصود خوجه بذل ماله في نشر العلم وفي جمع العلماء وتكريمهم وهذا فضل يؤتيه الله سبحانه وتعالى من يصطفي من عباده.
أما أستاذي الكريم معالي الدكتور محمد عبده يماني فقد ألبسني حللاً من الثناء الجميل أشكره غاية الشكر على تفضله بها علي، وقد شرفت بالتعرف عليه منذ سنوات طوال وأعتبره أخاً كريماً وموجهاً حكيماً أستفيد من خبرته ومن علمه، وأدعو الله له بالتوفيق فقد ساعدنا كثيراً في المنظمة من خلال موقعه على رأس مؤسسة "إقرأ الخيرية" ولا بد أن يعاد الفضل أو ينسب الفضل إلى أهله، فأفضال معالي الدكتور محمد عبده يماني على العمل الإسلامي المشترك كثيرة وواسعة وممتدة.
أما حديثي عن الدكتور حسن الوراكلي فقد يكون فيه شيء من العاطفة نحوه لقد أمضيت في المغرب أكثر من أربع عشرة سنة، فأصبحت مغربياً بالإقامة وإن أثنيت على الأستاذ حسن الوراكلي فقد يُظَنُّ أنني انصرفت بعاطفتي نحو المغرب ونسيت بلدي، ولكنني أقول له إنه من أفضل من لقيت من الرجال عِلماً وورعاً وحباً للعمل الإسلامي وغَيْرَةً على هذه الأمة وعلى لغتها، وكما تفضل فقد شارك مع المنظمة في نشاطات كثيرة فله الشكر من كل العاملين في هذه المنظمة وندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياه لنواصل هذا العمل وأن نحقق الأهداف التي نسعى إليها.
لقد سعدت بهذه الدعوة الكريمة، وأعتبر تكريمي في هذه الأمسية تكريماً للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة التي شرفني الله سبحانه وتعالى بالعمل فيها، هذه المنظمة التي أنشئت في عام 1982م بقرار من القمة الإسلامية الثالثة، وكما تعلمون فإن الساحة الإسلامية حينئذ كانت خالية من أي منظمة متخصصة في هذه المجالات فكانت توجد (اليونسكو العالمية) والـ (الأليكسو العربية) ولكن لم يكن في محيط العالم الإسلامي منظمة تعنى بشؤون الثقافة والتربية والعلوم تخدم قضايا التنمية الشاملة في إطار العالم الإسلامي، وعندما أُنشئت هذه المنظمة استبشر المعنيون بقضاياهم خيراً، وظنوا أن العالم الإسلامي سيخطو خطوات واسعة في مجال التنسيق والتكامل بين دول العالم الإسلامي في هذه المجالات لكنكم كما تعلمون وكما رأيتم في نماذج كثيرة من مؤسسات العمل الإسلامي المشترك أن العواطف عندما تجيش تخرج أشياءً كثيرة من المشروعات ومن الآمال إلى حيز الوجود، ولكن هذه العاطفة وهذا الحماس سرعان ما يتوقف فتضعف تلك المؤسسات وينحسر دورها، والمنظمة الإسلامية مرت بمثل هذه الظروف فالتمويل قليلُ والمشاكلُ كثيرة والاختياراتُ والسياسات متباينة، وأوضاع العالم الإسلامي أوضاع غير مرضية على أقل الأحوال إن أردنا التعبير بنوع من الدبلوماسية، هناك تخلف اقتصادي وديون كثيرة متراكمة على الدول الإسلامية أو على عدد كبير منها، هناك أمية متفشية تصل نسبتها إلى ما يقارب 47% من مجموع سكان العالم الإسلامي، هناك ضعف كبير في مجال العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي ما يصرف على البحث العلمي في مجموع دول العالم الإسلامي لا يتجاوز 0.1% من الدخل القومي بينما ما يصرف في أقل الدول المتقدمة لا يقل عن 17% من الدخل القومي هناك ضعف في مناهج التعليم في مراحله ومستوياته المختلفة، هناك تخلف في إعداد المعلمين وضعف قدراتهم، هناك خلل في البنية التعليمية بكاملها من مدارس ومرافق ومناشط تربوية في عدد كبير من الدول الإسلامية، في مثل هذه البيئة لا يمكن أن تحدث نهضة تنقذ العالم الإسلامي من هذا التخلف الحضاري وتسرع به نحو المستقبل الذي تتسابق فيه الدول القوية والحضارات القوية، إذن وجود منظمة مثل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة يصبح في مثل هذه الأجواء ضرورة لمساعدة الدول الإسلامية في إيجاد التكامل بين مؤسساتها التربوية والعلمية والثقافية وفي تنسيق الجهود وفي صرف هذه الجهود نحو الأعمال المخطط لها تخطيطاً علمياً بحيث لا تُهدرُ الطاقات ولا الأموال ولا يضيع الوقت في تسابق نحو مشروعات متماثلة وأعمال مكررة.
دخلنا في العمل بحماس جميعنا في المنظمة وفي المنظمات الموازية، ولكننا اصطدمنا بعقبات كثيرة أُولى هذه العقبات أن الدول الأعضاء ليست على رأي واحد في الاختيارات الاستراتيجية فيما يخص العمل التربوي والعلمي والثقافي، هناك تباينات كثيرة، هناك أولويات مختلفة، هناك أيضاً مصالح معينة قد تحول بين المنظمة وبين الوصول إلى الأهداف التي سُطِّرتْ في ميثاقها على الرغم من أن هذه الأهداف وضعها مسؤولون رسميون من الدول الأعضاء الذين أنشأوا هذه المنظمة فيعجب المرء كيف تضع الدول منظمة وتضع لها أهدافاً ثم تأتي فلا تساعد على تنفيذ هذه الأهداف، إذن المرء الذي يعمل في مثل هذه الأجواء لا بد أن تكون له قدرات الساحر لكي يحسن التنقل من موقع إلى آخر ويقنع الأطراف المتباينة في آرائها وفي رؤاها، لا أخفيكم القول أننا مررنا بفترات عصيبة هناك تحدٍ حضاري كبير يواجه الأمة الإسلامية، الأمة الإسلامية مستهدفة من جهات كثيرة لأنها أمة لها رسالة تعتمد على دين حضاري يكوّن للإنسان عقلاً ووجداناً ويضع له منهجاً للحياة، هناك تحديات لها صبغة اقتصادية، لأن العالم الإسلامي يقع في مواقع زاخرة بالثروات الطبيعية، وفي مواقع جغرافية مهمة لحركة التجارة العالمية، لأن العالم الإسلامي ابتلى باستعمار أضعف كثيراً من قدراته وغرس في وسطه دولة غريبة عنه انتزعت هذا الجزء العزيز منه وأعطته لمن لا يستحقه، ليصبح هذا الجزء العزيز في يد عصابة تراقب العالم الإسلامي وتضعف من تحركه نحو التنمية الشاملة ونحو التطور في جميع ميادين الحياة، هذه التحديات وتحديات أخرى أفرزتها المتغيرات الدولية تجعل العمل في الساحة الدولية الإسلامية عملاً مرهقاً، وعملاً يتطلب كثيراً من الجهود وكثيراً من التمويل، فإذا نظرنا فرأينا أن التمويل قليل، ثم نظرنا مرة أخرى فوجدنا أن الآراء مختلفة متباينة فيما يجب أن يُعمل، عندئذٍ ستكون هناك إحباطات والذي يدخل في هذا المعترك لا بد أن يصبر صبر أيوب وأكثر من صبر أيوب لأنه قد يُحبط من أول لحظة لا يجد التمويل الكافي وهناك منظمات لا أخفيكم القول لا تجد مرتبات موظفيها، فكيف يمكن لمثل هذه المنظمات أن تنتج برامج ميدانية تستفيد منها الدول الأعضاء.
من توفيق الله سبحانه وتعالى للمنظمة الإسلامية أنها استطاعت أن تنشئ شبكة للتعاون مع أكثر من مائة وعشرين منظمة دولية وعربية وإسلامية، ومن خلال هذه الشبكة التعاونية استطعنا أن ننفذ أكثر من 48% من برامج المنظمة، لأننا لو انتظرنا أن تدفع كل الدول الأعضاء مساهماتها لما وصلنا إلى شيء فلجأنا إلى هذا الحل، ولجأنا أيضاً إلى طرق أبواب كثير من المحسنين وأهل الخير في العالم الإسلامي وهم كثر، نحثهم وندغدغ عواطفهم الإسلامية لكي يسهموا معنا في إنجاح هذا العمل، وقد توفقنا ولله الحمد في الحصول على دعم سخي من جهات كثيرة لمشروع تعليم اللغة العربية، ومشروع كتابة لغات الشعوب الإسلامية بالحرف العربي.
منذ إنشاء المنظمة إلى اليوم استطعنا ولله الحمد أن نزيد عدد الدول الأعضاء فيها، من ست وعشرين دولة إلى أربع وأربعين دولة، واستطعنا أن ننفذ بنهاية العام الماضي أكثر من أربعمائة وأربعة وأربعين برنامجاً تربوياً وعلمياً وثقافياً، وقد وزعنا مجموعة من المعلومات التي ترصد النشاط المنفذ منذ إنشاء المنظمة إلى اليوم، ويمكن التعرض إلى ذلك بشيء من التفصيل اليسير، أهم هذه البرامج أو الإنجازات التي تمت وضع أربع استراتيجيات رئيسة أولاهما: استراتيجية تطوير التربية في البلاد الإسلامية، الثانية: الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي، والثالثة: استراتيجية تطوير العلوم والتكنولوجيا، في الرابعة: استراتيجية العمل الإسلامي الثقافي في الغرب، كما أن المنظمة شاركت في رعاية مؤتمرات دولية لها علاقة وطيدة بقضايا العالم الإسلامي، من أهمها المؤتمر العالمي حول التربية للجميع والمؤتمر العالمي حول المعرفة، والمؤتمر الحكومي الدولي حول السياسات الثقافية، والمؤتمر العالمي حول التعليم العالي، والمؤتمر الإفريقي حول التعليم العالي، والمؤتمر الدولي حول التعليم الثقافي والمهني، والمؤتمر العالمي للفرانكفونية حول التعليم العالي والبحث العلمي، والمؤتمر العالمي للعلوم، كما رعت المنظمة الإسلامية عقد المؤتمر الإسلامي الثاني لوزراء الثقافة في الرباط عام 1998م بعد توقف دام تسع سنوات، المؤتمر الأول عقد عام 1991م، ثم توقف حتى بادرت المنظمة الإسلامية إلى عقده والسبب في ذلك أنه كانت هناك مشاحنات كثيرة، هل تعقده المنظمة أم تعقده جهات أخرى؟ وفي الأخير اقتنع المسؤولون بأن المنظمة الإسلامية هي الجهاز المتخصص في منظومة المؤتمر الإسلامي في هذه الميادين التربية والعلوم والثقافة، فلذلك لا بد أن يكون لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية من اختصاصات المنظمة، وأعدت المنظمة مشروعات وهي تنفذها في خطط عملها المتتالية، منها البرنامج الإسلامي لمحو الأمية وللتكوين الأساسي، وبرنامج التربية الأساسية والتكوين لتنمية الموارد البشرية، وبرنامج كتابة لغات الشعوب الإسلامية بالحرف القرآني الذي ننفذه بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية والذي في إطاره تمكنا من تنمية سبع عشرة لغة إفريقية لتكتب بالحرف العربي، وهناك برنامج آخر يُعنى بتطوير مناهج التعليم العلمي الفيزياء والكيمياء والرياضيات والأحياء في مستويات التعليم المختلفة الإعدادية والثانوية والجامعية، المنظمة الإسلامية تعمل منذ تأسيسها في مجالات ثلاثة رئيسة.
المجال الأول: تنمية الموارد البشرية، وهذا يتم من خلال التدريب والتكوين وإعادة التكوين في الدورات التدريبية وفي أوراش العمل ومن خلال إعداد المناهج التعليمية وتأليف الكتب الدراسية إلى غير ذلك من البرامج والأنشطة.
وثانيها: تحديث مناهج تدريس العلوم الأساسية والتطبيقية وتطوير أساليب تعليم التربية الإسلامية واللغة العربية وتجديد النُّظُمِ التربوية.
أما ثالث المجالات الكبرى التي تعمل فيها المنظمة: فهو الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمعات الإسلامية وصون ذاتيتها الثقافية من خلال نشر الثقافة الإسلامية، ومن خلال حماية مكونات الأمة الثقافية والدينية بالتوسع في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وبتحقيق التراث العربي الإسلامي ونشره، وبمد إشعاع الفكر الإسلامي وبتصحيح صورة الإسلام لدى دوائر الاستشراق ومراكز الدراسات الإنسانية، وبالحوار مع الثقافات والحضارات، وكذلك لدينا برنامج تحت عنوان (الحوار بين المسلمين) وفي إطاره يتم عقد ندوات للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
المنظمة الإسلامية تمثل طموح الأمة الإسلامية ومشروعها الحضاري وتحتاج إلى دعم كل المعنيين بقضايا التربية والعلوم والثقافة، ولذلك فإنه لكي تنجح المنظمة في رسالتها فإنه لا بد أن تتضافر الجهود، جهود الدول الأعضاء التي أسست هذه المنظمة وجهود المفكرين والمثقفين في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وجهود الخيرين والموسرين من أبناء هذه الأمة لكي ينجح هذا العمل، فالإدارة العامة لوحدها لا تستطيع أن تقوم بهذا العمل، لا بد أن تكون هناك رؤية متكاملة لكيفية دفع هذه المنظمة نحو أهدافها، ولقد تألمت كثيراً وأنا أعرف أوضاع المنظمات العربية والإسلامية، وأعرف أوضاع المنظمات التي توجد في دول الغرب، تألمت كثيراً عندما رأيت موازنة الوكالة الفرانكفونية في باريس، الوكالة الفرانكفونية تضم ثمان وأربعين دولة على رأسها الجمهورية الفرنسية المنشئة لهذه الوكالة والداعمة لها، موازنة الوكالة الفرانكفونية التي تنشر الثقافة الفرنسية واللغة الفرنسية موازنتها السنوية مئتا مليون فرنك فرنسي، تدفع فرنسا لوحدها 47%، وتدفع كندا 27% وتدفع بلجيكا 18% وبقية الموازنة تصرف على بقية الدول الأعضاء، هذه الدولة التي تريد أن تنشر لغتها وحضارتها تعرف كيف تدعم المنظمة التي تحتضنها والمنظمة التي تنشئها، العالم الإسلامي الذي شرفه الله بهذا الدين العظيم وبهذه اللغة الجميلة وبهذه الحضارة السامقة يتراجع في تعليم اللغة العربية ونشرها ويبخل على تعليم أبناء المسلمين أبجديات اللغة العربية في دورات تدريبية بسيطة كنت في جمهورية القمر الاتحادية في زيارة تفقدية لمؤسساتها التربوية، وأخذني الأخوة إلى مؤسسة تربوية صغيرة أنشأها نفر من أهل تلك القرية من المسلمين، وزرنا المدارس ورأينا الأطفال المسلمين من أبناء هذه الجمهورية بلباس عربي وقفوا في صفوف متراصة ومنتظمة ومعهم أساتذتهم يقرؤون القرآن، ويرحبون بنا بتلاوة جميلة وبلغة سليمة، وبعد أن انتهت هذه المراسيم الاستقبالية والاحتفالية ودخلنا ورأينا المدرسة وما فيها من تجهيزات، وهي مدرسة بسيطة جداً انتحى بي المدير المسؤول عن هذه المدرسة جانباً وقال: هذه المدرسة ستُقْفلُ بعد شهر إذا لم نجد رواتب المدرسين والوسائل المادية التي تمكّنا من مواصلة التدريس، قلت: كم الوسائل المادية التي تريدونها، قالوا: مبالغ بسيطة فذكر المبلغ، كان معي اثنان من الأخوة من المنظمة في مهمة لا أريد أن أمدحهم وأمدح نفسي لكني حقيقة صعقت أمام هذا المشهد، لم أستطع أن أتمالك نفسي كيف تضيع فرص تعلّم اللغة العربية لهذه البراعم المسلمة الصغيرة في هذه الجزيرة النائية في المحيط الهندي، والفرنسيون يعلمون الفرنسية والمكتب الثقافي الفرنسي يرسل الأساتذة ويدفع الأموال فأخذت ما معنا من أموال وهي بسيطة وأعطيتها للمدير، قلت: اشتري بها ما تستطيع الآن وعندما نعود إن شاء الله إلى الرباط سنرسل لكم مساعدة، وبالفعل كان لنا مكتب ولا يزال في جمهورية القمر الاتحادية يشرف على تعليم اللغة العربية وعلى إعداد المعلمين وتتولى المنظمة لوحدها دعمه من مصادرها الخاصة، وقد بذلتُ جهوداً كثيرة لكي أحصل على معونة لمثل هذا المركز فتعبت ولكن الله سبحانه وتعالى يسر الأمور في العام الماضي حيث تبرع رجل كريم من هذه المملكة الكريمة بدعم مشروع تعليم اللغة العربية لمدة خمس سنوات جزاه الله خيراً.
مَثَلٌ آخر لكي أختم هذه الكلمة ولا أريد أن أطيل عليكم، وهو أني زرت جمهورية مالي أيضاً وذهبت إلى العاصمة باماكو وذهبنا لنزور بعض المدارس التي يدرس فيها أبناء المسلمين في تلك المدينة اللغة العربية والدراسات الإسلامية وهي مدارس أهلية، لأن الحكومة المالية كغيرها من الحكومات غرب أفريقيا تدرس بالمنهج الفرنسي، والذين يدرسون اللغة العربية والتربية الإسلامية لا يحصلون على الدعم من الحكومات في تلك الدول، فذهبنا إلى مدرسة من هذه المدارس ودخلنا إلى الصفوف، هذه المدرسة يمولها رجل واحد من أهل مالي، فيها المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، شباباً وشابات ويتعلمون اللغة العربية والعلوم الإسلامية ويتعلمون أيضاً العلوم العصرية، قلت لهذا الرجل كيف تستطيع أن تنفق على هذه المدرسة؟ قال: أكثر المدرسين متطوعون، ونحن بكل جهد بسيط نستطيع أن نواصل عملنا، فدخلنا إلى أحد الصفوف فقام الأطفال الصغار بانتظام كلهم وقالوا: أهلاً وسهلاً بضيوفنا المسلمين الأعزاء، وبدأ واحد منهم في تلاوة القرآن الكريم بصوت شجي وترتيل جيد، هذه البراعم وهذه المدارس هي التي تحتاج إلى دعم المسلمين في كل مكان، لأن هذا هو الرصيد الحقيقي للأمة الإسلامية، هذه البراعم المسلمة الصغيرة التي إذا راعيناها وساعدناها في تعلم اللغة العربية وفي تعلم الإسلام الذي يبني العقل والوجدان والذي يهذب السلوك سنضمن المستقبل للمسلمين، أما إذا فرطنا فيهم فنحن نفرط في مستقبل الأمة الإسلامية.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم وأن يعيننا على تحمل هذه المسؤولية وأشكر السادة الكرام الذين تحدثوا وأثنوا على المنظمة وعلى شخصي الضعيف وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :625  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 115 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج