شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأديب والكاتب الكبير المعروف
الأستاذ السيد أمين عبد الله قرقوري ))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحمد الله تعالى حمد إيمانٍ وشكرٍ ورجاء، وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صلاة إيمانٍ وحب وإتباع، إيمانٍ برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وإيمانٍ بعظمة محمد صلى الله عليه وسلم، تلك العظمة التي تجاوزت حـدود إيمـان المسلم واخترقت بإيمان المسيحي وغير المسيحي، مما يؤكد أنه شخصية جديرة بالإعجاب والإكبار والتقدير ممن آمن به كرسول، وممن عرف مكانته كإنسان وكمصلح، ولعلَّنا جميعاً نذكر أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان هو البطل في كتاب الأبطال للأديب الإنجليزي كارل، وكان هو العظيم الأول في كتاب أعظم مئة رجل في التاريخ الذي ترجمه أنيس منصور رغم أن المؤلف من المسيحيين، ولكنه حين قدّمَ محمداً صلى الله عليه وسلم قدمه لأنه كما قال الوحيد الذي أكمل رسالته وأداها خير أداء، وأعتقد أننا جميعاً نذكر ديوان الشرق لشاعر ألمانيا الكبير جوتا فقد تغنى فيه بالإسلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم حتى أن بعض المسلمين يذهبون إلى أنه قد توفّي مسلماً، ولعلَّنا جميعاً نذكر أيضاً أن العالم الفرنسي موريس بوكاي ألف كتاباً قارن فيه بين الكتب السماوية في ضوء العِلْمِ انتهى وهْوَ المسيحي إلى أن أصح الكتب وأقربها إلى العلم هو القرآن، ولقد تجاوزتْ عظمة بعض صحابة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى غير المسلمين أيضاً، فقد حدثني العّلامةُ الشيخ أبو تراب الظاهري حفظه الله قبل قليل أن نابليون حينما جاء إلى القاهرة فاتحاً ومحتلاً ذهب لزيارة السيدة زينب ابنة علي بن أبي طالب وحين سُئل عن ذلك قال نابليون لقد كان أبوها رجلاً عظيماً. ونحن نعرف أيضاً أن أديباً لبنانياً مسيحياً كتب كتاباً من ثلاثة مجلدات عن علي بن أبي طالب، ومن هذه المجلدات مجلد عن عليٍ والعدالة الاجتماعية وعن عليٍ وسقراط مما يؤكد أن رجالنا وقادتنا وشخصياتنا وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم هم مثلٌ عليا لكل متصفٍ ولكل متدبرٍ ومتأملٍ لتاريخهم. حتى ولو لم يكن مسلماً. صلى الله وبارك على عبد الله ورسوله وعلى من آمن برسالته واهتدى بهديه.
وبعد فليست المرة الأولى التي أتحدث فيها عن فارس من فرسان الصحافة وعاشقٍ من عشاق الكلمة وصانعٍ من صناعها فقد سبق وأن تحدثت من هذا المنبر عن الأستاذ عماد الدين قبل سنوات، وكان الحديث يومها كهذا الحديث الليلة دون إعداد ودون تدبر سابق، ولكن الفكرة التي يحملها الإنسان عن أعلام الفكر تتيح له أن يتحدث في أي وقت. وأحسب أن الكثيرين يستطيعون أن يتحدثوا وأن يطيلوا الحديث عن أهل القلم لأن الحديث يتسع للكثير من الثناء وللكثير من التقدير وللجم من التعبير. وحين نجتمع اليوم لنكرم فارس هذه الأمسية فنحن نكرم فيه رجل حرف مضيء مشرق ورجل كلمةٍ تبحث عن الحقيقة وتبحث عن مصلحة الأمة وعن الشعب، ونحن إذ نذكر دون شكٍ أن لبنان قدم للأمة العربية رواداً مبدعين في مجال الصحافة وفي مجال الأدب والتاريخ وفي مجال اللغة العربية، فنحن مدينون للكثيرين من رجال لبنان بما قدموه للغة العربية وبما قدموه للأدب العربي وللصحافة، بل وبما قدموه أيضاً للفن على مسارح القاهرة، وكان دورهم في هذا دوراً رائداً وعظيماً، والكلمة ولعلَّ أصدق كلمةٍ في الإنجيل تلك الآية التي تقول في البدء كانت الكلمة، فالكلمة هي في الحقيقة البداية لكل شيء، وإنْ كان الماركسيون يذهبون إلى أن الحالة الاقتصادية هي التي تشكِّلُ الحياة وتكوِّنُ الإنسان، ولكن التاريخ يأبى هذا ونجد رداً قاطعاً على هذا في قول الله تبارك وتعالى: إنَّ اللهَ لا يُغِّيُر مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغيُرواْ مَا بِأَنُفسِهمْ والتغيير بالنفس هو تغيير فكري عقلانيٌ عقائدي، ولذلك فإن العرب الذين مارسوا الفروسية وخبروا الحروب ظلوا قابعين في جزيرتهم هذه لا علاقة لهم بالعالم ولا بالتاريخ ولكن حين جاءتهم كلمة الله اندفعوا فغيروا العالم وغيروا التاريخ، لم يتغير في العرب شيء شجاعته وفاؤه، مروءته، نخوته، ولكن الذي تغير فيه أن الكلمة الحديثة قد جعلت منه إنساناً آخر، إننا جميعاً نذكر قول عمر بن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، الناس يقولون قال عمر وأنا أقول لا، قال الإسلام إن عمر لو ظل جاهلياً لما قال هذا الكلام ولَمَا وصل على هذا المستوى الفكري الرائع، هذه تربية الإسلام وهذه أثر لآثار الإسلام في الإنسان الكلمة هي التي تغير الحياة، وحين زعم الزاعمون أن التفسير المادي للتاريخ هو السبيل الوحيد لإنشاء حياة حديثة، وأرادوا بهذا الزعم وبهذا التفسير أن يواجهوا الإسلام الذي استمر أربعة عشر قرناً يكافح ويجادل ويجاهد، ولكنهم وجدوا أنفسهم بعد سبعين سنة يقفون أمام المأساة حين انهار الاتحاد السوفيتي الذي كانوا يتصورون أنه سيكون البديل عن الإسلام وعن كل الأديان الأخرى، نحن نكرم الكلمة التي نؤمن بأنها تصنع الحياة الفاضلة الكريمة ونكرم رجلاً من رجالات الكلمة المبدعة الخلاقة، نكرم فيه حياده، ونكرم فيه سماحته، ونكرم فيه بُعدهُ عن الدائرة الضيقة للإقليم أو للعنصر، نحن في عصر المعرفة التي تجعل الكون كله قرية صغيرة، فكيف يعود الإنسان يتخلى عن هذا المبدأ العظيم ليعود كما كان في حياته البدائية قومياً أو أي نوعٍ آخر يتصل بالأرض أو يتصل بالمصلحة، إننا نكرم رجلاً يؤمن بحرية الكلمة، ونحن أيضاً نؤمن بحرية الكلمة نؤمن بها كمسلمين قبل أن نؤمن بها كبشر، والإسلام هو الذي كرّمَ العقل، ورسول الإسلام هو الذي قال (من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) إن تاريخنا مليء بتقدير الكلمة وإكبار صناع الكلمة والله تعالى يقول: هَلْ يَسْتَوِي الَّذين يّعْلَمُونَ واَلَّذيِنَ لا يَعْلَمُونَ، نحن نكرم كاتباً ونكرم كلمةً مضيئةً مشرقةً، ونكرم وسيلة حديثةً من وسائل الدعوة إلى الخير والخُلُقِ الفاضل وإلى الحياة الكريمة المستقرة السعيدة، ونتمنى أن نجد الكثيرين كهذا الكاتب الكبير الخليق بالتقدير على طريق المعرفة وعلى طريق الكلمة الحرة المسلمة، الكلمة الحرة الصادقة الصريحة الكلمة الحرة المحايدة التي تبحث عن الحقيقة وحدها.
لا أدري هل يحق لي بعد هذا أن أكرر ما سبق أن قلته من قبل ولعلي أكرره بحضور هذا الضيف الكبير عن هذه الاثنينية لقد قلت سابقاً أن الاثنينية تمثل ريادة فكرية على امتداد العالم العربي كله، ولن أكون مبالغاً إذا قلت على امتداد العالم كله، فلقد عرف العالم كثيراً من الصالونات الأدبية وعرف العالم أنواعاً من التكريم ولكنه لم يعرف مثل الاثنينية تكرم في كل أسبوع رجلاً من رجالات القلم والعلم والفكر، أتمنى لنا جميعاً كل خير ولهذه الاثنينية التقدم والازدهار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :458  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 103 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.