(( كلمة الأديب والكاتب الصحفي الكبير والمفكر المعروف |
السيد عبد الله جفري ))
|
أيها الأخوة يعيدني الحب إلى هذا الملتقى الأدبي التكريمي الاثنينية المقصودية، وعندما يقودنا الحب إلى الأمكنة فذلك لأن الأمكنة تصدر الراحة للنفس وتشيع الألفة في الصدر، ولأن الأمكنة موجة لحركة المشاعر وصدى لارتداد كل موجة... |
وصاحب هذا المكان -الاثنينية - الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه... تواصلَ بالحب لينسفَ البغضَ، وتمسكَ بالحب ليلغي قَفْرَ الجحود... فجاءت (اثنينيته) وفاءاً وتكريماً وناقوس ذكرى جميلة تسجل للغد من أرشيف الحاضر وقفة محبة في موقف وفاء... |
أشكر الأستاذ عبد المقصود لأنه أعاد استقبالي في اثينيته وما عدت إلا لأنه له ذلك الحب لحركة المشاعر في نفسي - وهو حب لم يستطع خلاف الرأي ذات يوم أن يوصد بابه، ولم تنجح القطيعة في الانفراد بالغضب لتجعله المستقوي الظلوم على الصداقة، ولا على المحبة خاصةً وأن أبا محمد سعيد يمتلك موهبة إطلاق (الطيارات) الورقية المزخرفة في سمائنا فتحلق حول رؤوسنا وتمطر علينا فرحاً وعطراً... |
في ليلة الوفاء هذه ليلة الفرح وعطر التكريم نحتفي بحبِّ رجل، أو برجل يستنبت كفاحه محبة المحبين ومحبة كل من لا يبخس الناس أشياءهم، أراه الآن أمامي بشعره الأبيض الذي يخفيه بصيغة من الواقع، أو بشباب عزيمته وخوض غمار الحياة ببياض نفسيته وبكل صراحة أقواله التي ما تبدلت منذ كنا صبيانا وفتيانا... حتى صرنا رجالاً شديدي المناعة ضد التلون والنفاق... مثلما نحن سنبقى ضد عبثية التسلي بألعاب المهارة المؤقتة، نتمسك بأبعاد كلمة تقول (الموسيقى المفضلة تتجلى)... |
في ليلة الوفاء المقصودية هذه... ليلة الفرح وعطر التكريم الطيب نحتفي برجل سميناه يوماً (قولاً طيباً) ووصفناه يوماً (قارئاً نهماً) وتابعناه يوماً (مبدأ يعرف طريقه) نحتفي برجل لم ننس اسمه ولكننا استمزجنا كنيته ابنته البكر فناديناه أبو الشيماء أو أبا الشيماء حتى لا يحتج صديقنا أسامه السباعي... |
أبو الشيماء مسيرة عمر، ورفقة أصيلة راسخة برسوخ جذورنا العائلية الإنتمائية في تربة هذا الوطن المعطاء معطرة هذه الجذور بأعماق أرض مكة المكرمة التي نتشرف بالانتماء إلى قبلتها وإلى عروبتها وإلى أمنها وأمانها... |
وإذا كانت هذه الكلمة (رفقة) قد سبقت كل الكلمات... فذلك لمبلغ إعتزازي بها مع (أبي الشيماء) فهي ليست رفقة هلامية ولا رفقة بضع سنين... لكنها رفقة العمر كله منذ قادتنا أيدي آبائنا وولاة أمرنا من دلع البيت إلى بدء التلفت في المدرسة... تعارفنا هناك في المدرسة (الرحمانية) بمكة المكرمة وتجاوزنا في فصل واحد، وكنا ندرس على الأرض فوق الحنابل... من هناك ابتدأت (رفقة العمر) لتبقى أقوى من عوامل التعرية ومن الخدوش ومن محاولات المشائين بنميم... لتكبر وتنضج وتصبح رفقة عظيمة بما غرسناه فيها من: مبادئ وقيم وانتماء وعشق لهذا الوطن وعشق أهلنا فيه جذورنا فيه وأحلامنا فيه وعرقنا فيه، وتعبنا له ومن أجله. |
فمن هو محمد سعيد طيب؟! |
لن يكون أحد المفردات التي لا رابط بينها أحسبه جملة مفيدة، هذه الجملة المفيدة تأتي أحياناً واضحة كل الوضوح بكل أبعادها ورموزها وتأتي أحياناً كالنص الإبداعي الذي يعجب النقاد فيحاولون سبر المزيد من معانيه ومراميه. |
وتأتي أحياناً فكرة سلسة سردية... الهدف منه كما قال أحد المثقفين (تصويب وعي المثقفين وعقولهم) وأعاننا الله على عقول بعض المثقفين الذين نجدهم يحرثون في البحر... |
ومحمد سعيد طيب صاحب أسلوب ساخر عندما يكتب لكنه يصر أن لا يعترف لنفسه بهذه الموهبة... وكنت أحاول أن أقنعه ذات مرة واسترجعت معه عبارة قالها (أدونيس): ونصها أنا معروف بشكل خاص في أمريكا واليابان والسويد واسمي معروف أيضاً على نطاق واسع في الألمانية والأسبانية!! |
فأصغى محمد سعيد ثم قال لي: فهل هذه المعرفة هناك أقنعتنا به هنا؟ |
ومحمد سعيد طيب يذكرني برمزين كبيرين عظيمين في مسيرة عمرنا معاً أحببناهما معاً أيضاً، وتأثرنا بهما معاً وبقيا في أفكارنا ووجداننا معاً، الأول هو محمد عبد الصمد فدا، المربي المميز والمثقف الذي كان يتواضع أمامنا رغم قوة شخصيته وقوة منطقه وبيانه وخطابه … وقد كان مديراً لمدرستنا (الرحمانية) ولكننا مع نخبة من – كنت ومحمد سعيد طيب نتشرف باختيارنا فيها كان مع هذه النخبة معلماً، مربياً، موجهاً، صديقاً، يهمه أن نبصر قبل أن نرى، وأن نصغي قبل أن نتكلم، وأن نفكر قبل أن نخطو... وبكل أبعاد هذه النهضة الخليقة أو السلوكية في شخصية محمد فدا رحمه الله كنا نقف أمامه نحترمه ولا نخافه نحاوره ولا ننافق له. |
الرمز الآخر كان حمزة شحاته في شعره وقوته وجزالته وفي كنوز عقله التي صمم هو رحمه الله بوصيته لابنته شيرين شفاها الله أن يضع لها عنوان (رفات عقل) فلم يكن شاعراً فحلاً فقط ولا مبدع عبارة نثرية حافلة بالشفافية بل كان أيضاً غارس أفكار وفلاح مبادئ من هنا تنامت في فكره ونفسيته حتى في شخصية محمد سعيد طيب أبعاد وصفات ومميزات هاتين الشخصيتين حتى أن أبا الشيماء يصدر أحياناً بحركات يديه وتعبيرات وجهه ما كنا نفتش به في شخصية محمد فدا وهو يعتز بهذا وإنْ حاول البعض أن يقلّد محمد سعيد طيب ولم يفلح. |
لكن سن النضج عند محمد سعيد طيب بلورت هذه الشخصية الاستقلالية في وهي بالطبع ليست سن النضج عند سارتر ولا عند كولن ويلسون وأظن سيزعل مني لو قلت ولا عند (لويس عوض) ذلك أن حصاد قراءات محمد سعيد طيب ومخزونه ثقافته قد شكلا قناعات وتأملات وحتى (رؤى) أبو الشيماء بعين الناقد تارة وبإحساس الإنسان الذي يعاني تارة أخرى وبتمرد الإنسان الذي يبقى دائم التطلع إلى الاعتبار... |
أعتذر إليكم فقد أطلت والمحبون لضيفنا الليلة يشكلون بلا شك: الموسيقى المفضلة التي تتجلى كما أسلفت. |
لكن المشاكس المشاغب الضاحك الباكي والكاتب (الجذاب) بكلماته محمد عبد الواحد أجده قد سبقني إلى رسم ملامح شخصية محمد سعيد طيب وكأنه رسم له (بورتريها) وأعجبني فقال عنه: |
إنه يتحدث بثقافة العقاد وبلاغة طه حسين وبلهجة عمدة أجياد وشجاعة أبناء الشبيكة وعذوبة ماء زمزم فتشعر مع كلماته أنك قد شفيت تماماً من الورم... |
بقيت نقطة هامة في حياة أخي (محمد سعيد طيب) أحسبها كانت البذور والتربة والسقيا لحياته المديدة إن شاء الله الذي يفاخر ويجاهر به ويسود المحافل اليوم وهي: القراءة... له أن يفخر بمرجعه الأعظم في ثقافته وهو (الكتاب) عِشْقُه ورفيقه في السفر وحتى سرير النوم... وعبارة محمد سعيد الدائمة: "القراءة هي اللي تخليك بني آدم"... |
ويُحْسَبُ لمحمد سعيد طيب أنه أصر على إصدار سلسلة (الكتاب العربي السعودي) عن مؤسسة تِهامة برغم تكلفتها وقلة حصادها في المبيعات وذلك بهدف خدمة الكتاب وجذب الشباب إلى القراءة وتعريف الجيل الجديد بكتاب روادٍ ومبدعين. |
وفي هذه الليلة حين يحتفي صديقنا ومعزبنا بالزاي لا بالذال - عبد المقصود خوجه بصديقه المميز محمد سعيد طيب إنما يحتفي أيضاً بالكتاب الذي أحسبه صديقنا جميعاً ويحتفي بالقراءة ومن على هذا المنبر ندعو أبناءنا وبناتنا شبابنا إلى التوجه نحو الكتاب إلى القراءة التي تجعل الشخص بني آدم بحق كما قال أبو الشيماء والتي تفتح آفاق المعرفة وتجعل الجميع يحسن الكلام على الأقل... |
أهلاً بأبي الشيماء في ليلة المحبة والوفاء وشكراً لأبي محمد سعيد على لياليه المشرعة بأضواء العرفان... |
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته... |
عبد المقصود خوجه: سيدي السيد عبد الله جفري ستبقى دائماً سيد النفس وسيد هذا المكان، مكانك دائماً سويداء قلبي فقد أُمرنا بحبكم آل البيت رضا ومحبة وأمتن من الذوابة، سيداً كريم الخلق والنفس بذرتَ وتعمل على بذر الحب دائماً فليس لي أن أمد الرموش لتسير عليها - أيا السيد - المالك لقلوبنا حباً بحب وطيباً بطيب، وأحب أن تعلم أن مكانتك في نفسي دائماً الحب وسيبقى ذلك ما تردد في النفس نفس وأهلاً وسهلاً ومرحباً بك دائماً وأبداً... |
|
|