(( كلمة سعادة الأستاذ الشاعر الكبير محمد هاشم |
رشيد رئيس النادي الأدبي الثقافي بطيبة الطيبة ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ما أروع أن نلتقي في هذه الليلة ونحن نحس بهذا الدفق الوجداني وهو يغمرنا جميعاً ونحن نستمع إلى هذه الكلمات المضيئة لأديبنا الكبير الدكتور محمد عبده يماني، نحس بهذه الكلمات وهي تتدفق من أعماقه كما تتدفق في أعماقنا ذلك لأن الكلمة الصادقة المحبة إنما تنطلق من أعماق القلب لتصل إلى أعماق القلب. |
أيها الأخوة، معذرة كنت أتمنى لو استرسلت في شرح عواطفي ومشاعري في الحديث عن إحساسي، الإحساس الغامر الذي جعلني أحس بأنني أعيش في جو روحي ممتاز متفرد متميز، أنني في الواقع في هذه الصحبة الطيبة المباركة مع أديبنا الكبير الدكتور محمد عبده يماني، ومع هذه الصفوة من الإعلام إنما هي ساعات ينتزعها المرء انتزاعاً من الدهر، ذلك لأنهم يبعثون الحياة في القلوب الميتة، ولأنهم يغمرون الدنيا بالعبق والنور والعبير، واسمحوا لي بعد ذلك أن انتقل إلى الكلمة التي أعددتها بهذه المناسبة: |
بسم الله الرحمن الرحيم، وخوفاً من أن يسحب مني الميكرفون سأحاول أن أقرأ بسرعة: |
أيها الأخوة الأحبة ونحن في أحضان هذه الأمسية الرائعة نستروح عبق الفن وأريج الإبداع، أجد لزاماً عليَّ أن أفتتح كلمتي هذه بتقديم أصدق مشاعر الحب والتقدير إلى الأديب الكبير الأستاذ عبد المقصود خوجـه راعي هذه الاثنينية المتميزة لهذا الجهد المتواصل والعطاء المتفرد الذي يواكب به حركة الثقافة العربية في كافة مجالاتها، وحيثما وُجدت الموهبة المتفتحة على امتداد الوطن العربي كله، فقد استطاع الأستاذ عبد المقصود خوجه - حفظه الله - أن يجعل من هذه الاثنينية المعطاءة منبراً لكل المواهب العملاقة التي تستحق كل التكريم، ومركز إشعاع وضاء تلتقي فيه ومن حوله خفقات الأجنحة ونبضات القلوب، فله الشكر أولاً أيها الأخوة ثم لكم أنتم أيضاً لأنكم تبلورون معه الصورة الحقيقة لهذا الوطن الغالي الذي يعتز بقادته الأفذاذ وتراثه العريق وحاضرة المشرق، وما احتفالنا الليلة بفارسنا المغوار الدكتور عبد الباسط بدر خير دليل جديد على ما تحققه الاثنينية كل يوم من نجاح متواصل تجاوز كل حدود الثناء والإطراء، فالدكتور عبد الباسط بدر يذكرني كلما رأيته بالمتنبي حين قال: |
وإذا كانت النفوس كبارا |
تعبت في مرادها الأجسام |
|
لقد كان أستاذاً في الجامعة الإسلامية حينما التقينا في النادي الأدبي منذ بداياته، ودهشت يومها لهذا الأستاذ الكبير والأديب المتفوق الذي يجد الوقت لأداء رسالته الجامعية، ورعايته النابهين من طلبتها، والإسهام في أنشطة النادي وكأنه هو المسؤول وحده عن الحركة الأدبية والثقافية، وعرفت بعد حين واسمحوا لي بأن أقولها بصراحة عرفت مع ذلك كله أنه عاشق صبابة كما يقول التعبير الشعبي الجميل، وبمن؟ بالحبيبة التي نحبها جميعاً "طيبة الطيبة"، أشفقت يومها على هذا العاشق الذي حمل كل هموم العشق على كتفيه إلى جانب هموم الأدب والثقافة ورعايته المتواصلة لأبنائه الطلبة في كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية، وسيطول بي الحديث لو استعرضتُ كل جوانب التفوق والشموخ عند الدكتور عبد الباسط بدر، فما أكثر هذه الجوانب، وما أكثر الحديث عنها ولكنني سأركز على بعض التضاريس اللافتة في خارطته الوجدانية والثقافية وهو يحاول إرضاء الحبيبة والتعبير عن مشاعره تجاهها، ثم أعرج على علاقته الحميمة بالنادي، لقد كانت المدينة المنورة كما هي الآن شغله الشاغل، والحلم المتوهج الذي ضم عليه صدره وأطبق جفنيه، وما فتئ يجوب سهولها وحرارها وشعابها وجبالها ويناغي حدائقها ووديانها، ويغوص في كتب السيرة والتاريخ والآثار ليعيش الماضي في ظل الحاضر، والحاضر على مشارف المستقبل، ولكن يعرف كيف كانت هذه الغادة المكتملة النضج وهي في مطالع صباها وبواكير حسنها وتفتحها للحياة من حولها، وكما قال أحد شعراء المدينة المنورة وهو يؤكد لحبيبته أن كل تجاربه السابقة لم تكن غير تمهيد لحبه الكبير: |
جداولاً كنت قد تخطيتها |
إلى الخضم المزبد المغرق |
وبعض أزهار بدرب الشذا |
تركتها تغفو على مفرقي |
|
فإن عبد الباسط بدر ألقى بعض المحاضرات في النادي الأدبي والجامعة الإسلامية عن مظاهر حبه ولواعج هواه وهي بحوث جتده عن تاريخ المدينة المنورة وعن بعض المواقف والأحداث التي عبرت بها، ثم استبد به الشوق وعصف الوجد، فعكف على كتابة التاريخ الشامل للمدينة المنورة، وهو كتاب موسوعي يقف الجميع على أنه جهد متميز وأطروحة نادرة... ولكن بعض الباحثين يأخذون عليه أنه ركز على بعض الجوانب وأن التاريخ الشامل يتطلب عدداً أكبر من الصفحات، وقد كنت وما زلت يشغلني كل ملمح من ملامح الجمال عن التطلع إلى الملمح الآخر أو إمعان النظر إليه، فتلك طبيعة البشر، أما الإيجاز والاكتفاء بعدد أقل من الصفحات فتلك خاضعة لظروف معينة، أرى ضرورة الاقتناع بها، وأنا في ذلك على مذهب الشاعر عمر أبي ريشة رحمه الله حينما قال: |
وما علينا إذا ما الدورة اختصرت |
بعض الربيع ببعض العطر يختصر |
|
ولكن الشوق الملح والحنين الجارف قذف بعبد الباسط بدر إلى أعماق اللجج المتلاطمة فأنشأ منذ أعوام مركز البحوث والدراسات للمدينة المنورة ليستقصي كل جوانب الحضارة على امتداد العصور وليقدم بالصوت والصورة كل القسمات والملامح المتميزة عبر القرون والأزمان، وكان من الطبيعي أن يضم المركز كل ما كتب عن المدينة المنورة في القديم والحديث وأن يلم شتات الوثائق النادرة بمختلف اللغات حينما وجدت وحيثما وجدت هذه اللغات، وأكبر أمير العاشقين لطيبة الطيبة صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز هذا الجهد الفريد والعمل المتميز، فتبنى هذا المشروع الثقافي العملاق وسار به خطوات واسعة إلى الأمام ليهيئ له كل وسائل الدعم الذي يجب أن يقوم عليها ليؤدي رسالته في التعريف بهذه البلدة الطيبة والدور الذي اطلعت ولا تزال تطلع به في بناء الإنسان وتشييد الحضارة وقيادة البشرية، وها هو ذا المركز يحتضن نادي الأنترنت ويصدر الكتب الوثائقية والأفلام المصورة ويشترك مع كبريات المؤسسات والجمعيات العالمية باستكمال الصورة الدقيقة الشاملة للمدينة المنورة منذ بداية التاريخ إلى اليوم وإلى الغد بإذن الله. |
أيها الأُخوة اسمحوا لي أن أكتفي بهذا القدر من الحديث عن عشق الدكتور عبد الباسط بدر فهو حديث طويل لأنه يلامس جزيئيات حياته الشخصية والعملية لأتحدث عن علاقته الحميمة بالنادي فهو وثيق الصلة به إلى أبعد الحدود، وبحسبي أن أشير إلى أننا كنا نلجأ إليه قبل استكمال البرامج في بعض مواسمنا فيبادر إلى الإسهام في افتتاح الموسم أو اقتراح أحد الأسماء التي يعتمد عليها للقيام بهذه المهمة ريثما يكتمل استكمال البرامج، ولقد كنا كما تصنع الأندية الأدبية نطرح مسابقاتنا الثقافية عن أحد الشخصيات المعروفة حسان بن ثابت مثلاً أو عبد الله بن أبي رواحة رضي الله عنهما مثلاً فتنهال المشاركات، ولكننا بعد وفاة الأستاذ عبد العزيز الربيع - يرحمه الله - آثرنا طرح المسابقة عن حياته وأدبه فلم يتقدم إلينا أحد وتحدثت إلى الدكتور عبد الباسط بدر وسألته عما إذا كان من الممكن أن تطرح أسماء بعض الشخصيات في المدينة المنورة لتكون موضوعاً لرسائل التخرج في كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية فرحب بالفكرة وبدأ - حفظه الله - في تنفيذها، وكان حصا ذلك رسائل عن عدد من الأعلام في مقدمتهم السيد عبيد مدني والأساتذة ضياء الدين رجب ومحمد سعيد دفتردار وعبد العزيز الربيع والسيد ماجد الحسيني والأستاذان عبد الرحمن رفا وحسن مصطفى الصيرفي. |
إن الحديث عن عبد الباسط بدر هو في الحقيقة الحديث عن الشموخ والوفاء والحب والاعتزاز بالعروبـة والإسلام، الحديث عن الرجل الذي أتعب نفسه ولا يزال يتعبها، لا ليكون له صوته المسموع المتميز بل ليحسن التعبير عن وفائه وحبه واعتزازه، وتكريمه هذا المساء تكريم لكل هذه القيم والمعاني والمبادئ، فشكراً للرجل الكبير عبد المقصود خوجه، وشكراً لكم جميعاً أيها الأخوة فالفضل لا يعرفه إلا ذووه، أو كما يقول المثل الصيني، ومعذرة فقد جاء في الأثر: اطلبوا العلم ولو في الصين، يقول هذا المثل: إن الوردة تترك بعض شذاها في يد مهديها فكيف والأمر كما يقول الشاعر: |
قامت تظللني من الشمس |
نفس أعز إلي من نفسي |
قامت تظللني ومن عجب |
شمس تظللني من الشمس |
|
فالأفق كله شموس وأقمار والحقل كله ورود وأزهار والشذا يعبق في كل مكان، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات... |
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
عريف الحفل: الحقيقة لا أعرف ماذا أقول ولكن طالت الكلمة من محمد هاشم ولم نقطع المايكرفون، إذن الأمر مايزال قائماً على أساس أصحاب السعادة المتحدثين أن يختصروا أكثر خاصة إذا ما التزم المتحدث بكلمة مكتوبة، فنأمل من الأساتذة أن يختصروا حتى وإن كانت مكتوبة حتى نعطي الفرصة نحن لأنفسنا نسمع فارس الاثنينية، نسمعه ونتحاور معه. |
الكلمة التالية لسعادة الأستاذ الدكتور عبد القدوس أبو صالح أستاذ الأدب الإسلامي بكلية المعلمين بالرياض. |
|