(( كلمة عبد المقصود خوجه ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون والصلاة والسلام على نبي الخيرات، سيدنا وحبيبنا، وقدوتنا، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين. |
الأساتذة الأكارم: |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
يسعدني أن أتقدم إليكم بخالص التهاني في هذه الأيام المباركة والليالي الزاهرة، ونحن نستشرف قنديل الشهور الذي سيهل علينا بعد أيام قلائل، بفيوض خيراته، ووافر رحماته، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا إياه، ويجلعنا من عتقائه.. وأن يعيده عليكم وعلى الأمة الإسلامية دوماً بالخير والسعادة والنصر. |
ويسعدني أن أرحب في هذه الاثنينية بضيفنا الكبير، الأستاذ الدكتور محمد علي الهاشمي، وصحبه الكرام، ونحن إذ نحتفي بالأستاذ الدكتور الهاشمي، إنما نكرم في شخصه الكريم نموذج الأديب والمفكر الذي عمل وفق مفاهيم السلف في تأسيس بنيانه على قواعد متينة من الاطلاع وطلب العلم والمعرفة، فقد كان الأديب لا يبدأ طريق العطاء إلا بعد أن يجيد اللغة العربية نحواً وبلاغةً وصرفاً، وكانت تسمى علوم الآلة، باعتبارها الأداة التي تمكنه من إجادة عمله، فلا يقفز من مؤخرة الصفوف إلى الكتابة والتأليف والتصنيف قبل أن يشتد عوده، ويقوى على مقارعة خصومه، ويثري الجانب الذي يتحدث عنه بإضافة تفيد القارئ، وترفد المكتبة بعمل يبقى منارةً على مدى الأجيال. |
والمتتبع لكتب ضيفنا الكبير يلاحظ أنه قد أخذ بنصيبٍ وافر في علوم العربية، وانعكس ذلك إيجاباً على مؤلفاته القيمة التي وردت في ترجمته، ويمكن تقسيم مؤلفاته إلى جزأين رئيسيين: أولهما كتابته في الأدبِ العربي، والشعر، والتحليل الأدبي.. والأخر كتابته في المواضيع الإسلامية من منظورٍ اجتماعي، وقد أجادَ على المسارين، وغذى المكتبة العربية باثني عشر مؤلفاً، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها، ويجعلها في ميزان حسناته. |
وينصبُّ الاهتمام بمؤلفات ضيفنا الكبير في تصوري لأنها تعالج مواضيع اجتماعية ذات علاقة مباشرة بروح العصر.. فنحن للأسف نعيش في عالم تكالبت فيه معظم قواه لقهر المسلمين، وتشويه صورة الإسلام كدين وكعقيدة من خلال تشويه صورة من ينتمي إليه، وكل ما يتعلق به، ولا يخفى على أحدٍ الحملاتُ الجائرة التي تمولها مختلف الجهات المشبوهة، والعناصر التي تستفيد من هذه الحملات، والضجة التي خلَّفتها بعض الكتب الهابطة مثل كتاب "آيات شيطانية" لسلمان رُشدي، والحفاوة التي لقيتها الكاتبة البنغالية المغمورة المدعوة "تسليمة" في كثير من الدول الغربية، ومحاولة نشر وتلميع كل ما من شأنه الإساءة للإسلام والعرب والمسلمين بصفة عامة.. وهناك جهات تعمل بميزانيات خرافية بغرض إبقاء هذه الحملة مستعرةً، ولن يكون الفيلم السينمائي الذي أنتجته هوليود مؤخراً خاتمة المطاف.. ولن يستسلم المرجفون والذين في قلوبهم مرض.. مصداقاً لقول الحق سبحانه وتعالى ولَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ ولاَ النَّصَارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى ولئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم بَعْدَ الذي جَآءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ الله مِنْ وَليٍ ولاَ نَصِيرٍ. فالحرب مفتوحة على كل الجبهات، عسكرياً، ثقافياً، وحضارياً، إن الأمم قد تكالبت علينا تكالب الأكَلَةِ على قصعتها.. وليس هذا بمستغرب، ولكن الغريب أن تظل رؤوس كثير من المسلمين في الظلام، تتلمس أطرافهم طريقها دون روية، والبعض يضرب رقاب إخوانهم دون وازع، تشتت الجمع، واختلفت القلوب، وارتجت الكلمة التي لم يعد هناك صدى لها بعدما كانت تخرج من فم واحد، إذ تشرذمت وخبا أوارها، واختل توازن المجتمع، وكثر المنظّرون، والمتفلسفون، والمتعالمون، وأصبحت الفتيا مطية كل مبتدئ، وسامها كل مفلس، لقد تشابكت الخيوط، واختلط الحابل بالنابل، واتسع الخرق على الراتِق، فأين المفر؟ ومن أين نبدأ؟ |
عشرات الأسئلة تهل علينا كل يوم تضرب رؤوسنا كالمطارق، والناس ساهون، ساهمون، يتجاذبون متاع الدنيا، ولا يترفعون عن الدَّنَايَا.. وبالتأكيد لن يكون هناك مخرج، ولن يصلح أمر الدنيا والدين إلا بالرجوع إلى المنابع الصافية الأصيلة، والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم التخلص من حب الدنيا الذي سيطر على قلوب العباد، ولا يعني ذلك التخلي عن إعمار الأرض، بل نحن مطالبون أكثر من أي ملَّةٍ أخرى بإعمار الأرض، ونبذ التفرقة، لأننا على هُدى، وعلى نور، وعلى صراط مستقيم، فالخلل يكمن في الممارسات الخاطئة التي أصبحت شبه قاعدة لدى كثير من المسلمين، فصرفتهم عن عدوهم الحقيقي، وجعلتهم يذبحون إخوانهم، ويشطحون في التأويل، ويتمسكون بالقشور، ويتباعدون عن اللب، ويتنازعون حول الفروع بينما ينأون عن الأصول، هكذا صار الحال، وأعجب منه سهولة التفكير، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. |
وعندما نجد عالماً مثل ضيفنا الكبير، يضع يده على مكمن الداء في محاولة جادة لمعالجة بعض مشاكل المسلمين، فإننا نحرص على الاستفادة من علمه وفضله، ونشد على يديه متمنين له دوام التقدم في مسيرته، مساهماً في دحر ظلاميةِ الفكر، وخواء الروح، فنحن وسط معركةٍ حقيقةٍ نقف فيها أمام أنفسنا، وكما قال الإمام الخليفة علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه "ميدانكم الأول أنفسكم، فإن انتصرتم عليها.. كنتم على غيرها أقدر، وإن خذلتم فيها.. كنتم على غيرها أعجز، فجربوا معها الكفاح أولاً".. بهذه الكلمات البليغة أوجز لنا الخليفة الفقيه، الداء والدواء.. وعندما نستقرئ حاضرنا، نجده مجسماً بين سطور هذه الحكمة، فليتنا نعي الدرس.. وأتمنى على علمائنا الأفاضل مضاعفة الجهد والبذل، وحمل مشاعل التنوير لننتصر على أنفسنا أولاً، وسنكون على ما سواها أقدر بمشيئة الله. |
|
أيها الأحبة: لقد ظلت إثنينيتكم عنواناً للوفاء بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم التفافكم حول ضيوفها، ومن قامت دعائمها على أكتافهم، ومنهم أستاذنا الكبير السيد هاشم زواوي، رحمه الله، الذي لبى نداء ربه مساء الاثنين الماضي، بعد صراع طويل مع المرض، وقد كان الفقيد من أوائل الأساتذة الذين شرفت "الاثنينية" بتكريمهم، وكم حظيت أمسياتها بحضوره، وطيب معشره، ونبل أخلاقه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وإنا لله وإنا إليه راجعون. |
أيها الأحبة.. ستكون هذه الأمسية مسك ختام فعاليات ما قبل شهر رمضان الكريم، على أن تعاود الانعقاد بمشيئة الله في منتصف شوَّال، وسيتم إشعاركم قبل وقتٍ كافٍ بالمحتفى به، على أن نلتقي مجدداً وأنتم بخير. |
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
هاتفني أخي معالي الدكتور محمد عبده يماني الذي كان يسعده الحضور في هذه الأمسية إلا أن ظرفاً طارئاً مرضياً ألم به فمنعه من حضور هذه الأمسية التي كان يحرص على حضورها لما لضيفنا من تكريم في نفسه وتقدير له، وكان معداً كلمة أو بالأصح دراسة عن ضيفنا ليلقيها في هذه الأمسية حرمنا منها فنسأل الله له العافية والشكر على ما قدم وساهم. |
|
|