(( كلمة الأديب والكاتب الكبير الأستاذ |
عبد الفتاح أبو مدين رئيس النادي
الثقافي الأدبي بجدة))
|
يتجدد الليلة، من خلال هذا الاحتفاء، وهذه الحفاوة في جدة الغالية الفاتنة، والشباب الدائم، ما شاء الله لا قوة إلا بالله. ولعل الحب أعمى كما يقال. وبعض هذا العمى ولهٌ وشوق يتقد، لأنه رؤى وعمق في الوجدان، والحب حياة، وغيابه سكون وركود وموات. وفراغ لا حدود له. |
إن مشعل الجاد في طرحه، وحتى في هزله أحياناً، هو ذلك الإنسان، الذي يؤثر تلك المصارحة، حين يكتب، وحين يتحدث على هذا المسلك الجاد.. الذي نحمده له، ونغبطه عليه، في حياة، كثر فيها الفساد، لأنه طفح فيها كيل النفاق والكذب، وغابت فيها استقامة المروءة والوفاء والحياء. |
وفرحت حين علمت من أخي الأعز صاحب هذه الدار العامرة. أن الليلة موعدنا مع المشعل. لأن الضوء نور، فشكرت المحتفي على دوره المتجدد في تقدير الرجال والاهتمام بهم. ويظل بيت أحمد شوقي هاجساً، كلما سمعت أو رأيت هذه النهدات تنداح أمامي، فأنتشى وأفرح وأسعد وأحب مجدداً، وقد قلت آنفاً: إن الحب حياة، ولست أعني ذلك الهيمان والاندفاع الشعوري المتقد، تدفعه صبوة، ويحركه طمع، ويثيره هوى لازب، وإنما أريد حب الكبار، الباقي والمشتعل واشتقاق "مشعل" باق يتردد على لساني وفي نفسي، لأنه شعاع يقود نحو النور، وذلك هو الوفاء والإيثار والاحتفاء، وليس الأثرة وجوف الكبرياء الخادع. شوقي يقول: |
إنمـا يقـدر الـكريم كرام |
ويقيم الرجال وزن الرجال |
|
|
نحتفي مع المحتفي الكبير بمشعل السديري الليلة وفي جدة، ونحن على مقربة من شهر كريم، هو رمضان، الذي يحط فيه الحق الخطايا عن عباده الآيبين، ويمحو الذنوب التي اقترفوها خلال عام مضى، وما أسعد الذين كان لهم هذا الحظ من عطاء السماء، ليدركوا رمضان مجدداً لكي يرجعوا وينيبوا إلى خالقهم، يستغفرون، لعل الله أن يعفو عنهم وهو العفو الغفور. وأمامي.. قول الحق سبحانه وتعالى: ومَاَ كَانَ اللهُ لِيُعّذِبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ ومَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. فالحمد لله جاعل هذه المواسم الغالية، ليتجاوز فيها عن حوب عباده، إن الله لذو فضل على الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون. |
في ضوء مشعل تكريماً واحتفاءً، وعبر لقاء عزيز غال، في مدينة حالمة، يسبح فيها مناخ رومانسي، يجلله سكون اللقاء، والحديث فيه همس، لأنه ملتقى حب موصول. ضامخ الشذى والهوى، أشبه بقول شاعر الجندول الحالم "خليته ذوّب في كاسي عطره". فالنور المذاب.. هو هذا الملتقى العاطر الوامق الرفاف السني. |
والحديث عن مشعل الليلة في جدة، لأن الرجل يبحر في أرض الله الواسعة بأخلاقه ورؤاه ومشاعره المتدفقة بروحه الوارفة؛بحب الوطن والناس والحياة. مشعل وجدة وتكريمه الليلة، يقودني إلى فرحة عشتها منذ يوم الثلاثاء الماضي، حين أفضل رجل الثقافة وراعي الأدباء، والحفي بالمعرفة، ورائد الأندية الأدبية ومنشئها، سمو الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز، الرئيس العام لرعاية الشباب، بالموافقة على إقامة المؤتمر الثالث للأدباء السعوديين.. في النادي الأدبي الثقافي بجدة، وبذلك يتحقق غنم وكسب لأدباء الوطن قاطبة، لأن المؤتمر لهم. وجدة حين تضم رموز المعرفة.. بعد عامين إن شاء الله، فإن هذا المهرجان تتويج لها لتكون عروس الثقافة، في أبهى طلعتها وزينتها ورونقها وجمالها ودلالها، فتنتشي بما أتيح لها من عطاء سمو الأمير فيصل بن فهد، وحق لها أن تفاخر بهذا التجلي الرائع في يوم عرسها، في وقت تتخذ فيه "الرياض" عاصمة ثقافية عام "2000". |
هذا التزامن، انعقاد مؤتمر أدبائنا تحت سماء جدة، في رحاب النادي الأدبي، يرعاه أمير الثقافة المبجل، هذه البشرى بالأمس؛ وهي غالية، وقد رافقها مزيد الدعم للأندية الأدبية والثقافية، وإقامة صندوق للأديب في بلادي، كمتكأ أمان له من غوائل الأيام. عشنا تلك اللحظات الغالية يوم الثلاثاء الماضي، في رحاب جامعة أم القرى، بجوار البيت العتيق، حيث انعقد فيها المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين، وقد كان المؤتمر الأول عام 1394هـ. ويأتي مؤتمر جدة القادم، بحول الله وقوته فوراً.. بعد الثاني الذي انتهى بالأمس. |
واهتممت بهذا الربط، بين عطاء سمو الأمير فيصل بن فهد بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، مد الله في عمره وأعزه، راعي المعرفة والثقافة، وهذه اللفتة الكريمة، تقديراً للأديب المثقف في بلادي، واحتفاء به واهتماماً بدوره وعطائه، فالأديب الحق "مشعل" يستضاء به، واسم مشعل المحتفى به، يقودني المجاز في الربط اللفظي، بين هذه المعطيات، التي وددت مشاركتي فيها بمشاعر، تحب الخير والانتقاء والصفاء، والإيثار والحنو والود، في حميمية حانية، نابضة واعية وفية ودودة، شامخة كالطود الأشم، وهذا الاحتفاء برجل حقيق بالتقدير والتكريم والحديث الذي يليق به. |
وحين أشيد الليلة بالتكريم من المكرَّم إلى المكرِّم، وأعرج على إحاطة الأديب بما يحفظ له ماء وجهه، واهتماماً بفكره، وتجديد ملتقيات الأدباء والمثقفين، أذكر باعتزاز صاحب هذه الدار العامرة، الأخ الوجيه الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه، مواقفه مع ناديه الأدبي الثقافي بجدة، وهي مواقف شجاعة كريمة، عطاء ودفاعاً وذوداً عنه، وهذه المواقف.. تحسب للرجال، وهو الباقي إن شاء الله، لأنه حق وصدق ومروءة ووفاء. وكلها خصال غالبة. ولا أنسى مواقف شجاعة واسهامات في النادي، من أخوة أعزة، منهم الأستاذ محمد سعيد طيب، والمهندس الأخ محمد سعيد فارسي، والمرحوم السيد علي فدعق، ووجهاء من البلاد، لعل في مقدمتهم الشيخ إسماعيل أبو داود. |
أردد.. فرحتي وغبطتي الليلة بتكريم المشعل، في هذا المحفل، لأن صاحبي ذو حظ، ما شاء الله، وزاده من فضله، وهو أهل لما نال وينال، لأنه امرئ سمح، صادق إذا أحب، ولا تسألوني من يحب؟ ولكني أستطيع القول.. إنه يحب الإنسان الشجاع والصادق والقوي، ويحب الوفاء؟ وجميع الخصال الحميدة. |
|
|