شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به ضيف الاثنينية ))
- بسم الله الرحمن الرحيم وأصلي وأسلم على نبيه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: أحييكم بتحية الإسلام وتحية الإسلام السلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لست أدري كيف أشكر سعادة الأخ الأكبر الأديب الفاضل المفضال الشيخ عبد المقصود خوجة على دعوته الكريمة لي لهذه الأمسية المباركة، هذا الرجل الذي سن سنة حسنة في هذا البلد الطيب ندر أمثالها في عالمنا العربي والإسلامي فجزاه الله عن من أفاد واستفاد في هذه الاثنينية المباركة إلى يوم الدين خير جزاء، واللسان يعجز والكلمات ترتجف ولا تجد وسيلة للتعبير عما يجيش في النفس من مشاعر التقدير لهذه الكلمات التي سمعتموها، ولتلك المشاعر النبيلة والكلمات الفياضة التي منَّ علي بها هؤلاء الأساتذة الكرام الذين هم بحق أساتذتي في مدرسة الحياة، وأي مدرسة أعظم من مدرسة الحياة؟ هؤلاء نظروا إلي جميعاً بعين المحبة وعين الرضا وستروا عيوبي وأفاضوا علي ما لا أستحق منه إلا النزر اليسير والله سبحانه وتعالى هو خير الساترين وكما يقول الشاعر:
أحسـن الله بـنـا
أن الخطايا لا تفـوح
فـإذا المستور مـنا
بـين ثـوبيه تفوح
 
والله إني كنت أتهيب أن أجلس في هذا المكان فمن أنا حتى أجلس على هذا الكرسي الذي طالما جلس عليه كبار العلماء وعظيم الأدباء وأساتذة أجلاء، صدقوني يا إخوتي ما أنا إلا طبيب عادي أخلص لله عمله فوفقه الله، كان الرجل من الصالحين إذا مدح قال اللهم اغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون واجعلني فوق ما يظنون، اللهم آمين، اللهم آمين.
ولا بد في حياة الإنسان من وقفات فقد تغير مجرى حياته وقد تأخذ به إلى طرق معينة، والوقفة الأولى التي أريد أن أحدثكم عنها أنني نشأت في بيت ليس فيه كتاب سوى كتاب الله، كان والدي رحمه الله تاجراً وكان يريدني أن أكون تاجراً مثله، كيف لا والتاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء، كنت أحب التجارة ولكن حبي للعلم كان أعظم، كان علي أن أذهب إلى محل والدي خلال فترة الصيف مذ كنت في العاشرة من عمري وكنت أتحين الفرصة للقراءة ما بين زبون وآخر، كان علي أن أجلس في دكان والدي منذ السابعة صباحاً وحتى السادسة مساءً ومع ذلك فقد استطعت بفضل الله تعالى أن أقرأ مئات الكتب وأنا في دكان والدي رحمه الله، وما أن يحل المساء حتى أهرع إلى بائع كتب في بلدتنا كانت دكانه صغيرة جداً وكنت أقف هناك أقرأ الكتب حتى العاشرة مساء.. وهكذا اتخذت القراءة لي منهجاً وديدن حياة، وفي ذلك تذكير للشباب أن يغتنموا تلك الفرصة من العمر فهي من أخصب سنوات الحياة وأكثرها فسحة لنهل المزيد من الثقافة، كنت أنفق جل ما يعطيني والدي رحمه الله من مصروف الجيب في شراء الكتب، كنت أحصل على خمس ليرات سورية في الأسبوع في تلك الأيام، أنفق منها أربع ليرات ونصف على الكتب وأصرف نصف ليرة خلال أسبوع كامل، بدأت بإنشاء مكتبة في البيت وأنا في الثانية عشرة من عمري، وكنت أخفي الكتب في خزانة الحائط في أعلى الرفوف كما ذكرت لكم وكنت أتسلق الرفوف حتى أصل إلى الكتب وفي كل مرة أفعل ذلك أتذكـر الجاحظ وكيف مات تحت الكتب وكنت حقيقة أخشى أن أكون الجاحظ الثاني ولكن الله سلم، وما إن بلغت الخامسة عشرة من عمري حتى حفظت أكثر من أربعة آلاف حديث، وخمسة آلاف بيت من الشعر وعدداً من أجزاء القرآن الكريم بفضل الله تعالى، وكتبت وقتها عشرات المقالات.
حين كنت في الخامسة عشرة من عمري كتبت لنفسي ما يسمى بروتوكولات الحياة، كان البروتوكول الأول بعنوان رضا الله والوالدين، وكان البروتوكول الثاني بعنوان إسعاد الآخرين، وحين وصلت إلى آخر المرحلة الثانوية حرت في أمري أشد حيرة ماذا أدرس في الجامعة؟ أدرس الآداب؟ والأدب محبب إلى نفسي وقد ملك علي جوارحي ووجداني أم أدرس العلوم؟ وكان وقتها صعود الإنسان إلى القمر وعلوم الذرة تشده الآفاق، أم أدرس الطب؟ وقد هزتني آية في القرآن الكريم ومَنْ أَحْيَاهَا فَكأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعَاً فكان حلمي أن أرسم على مريض بائس بسمة أمل بالشفاء، أرى المريض يدخل بيته سليماً معافى بعد أن غادره في لحظة هلع وخوف، كانت هذه المشاهد تدفعني إلى أن أدرس الطب وفيه أحقق البروتوكول الثاني من بروتوكولات الحياة وهو إسعاد الآخرين.. فإذا كنتم ترونني يا إخواني اليوم جالساً على هذا الكرسي فبفضل من الله أولاً وبرضى الوالدين ثانياً وبدعوات المرضى لي ثالثاً، والحقيقة أنه وللآسف الشديد ابتعدت بعد ذلك عن اللغة العربية مدة تسعة عشر عاماً، فدراستي للطب كانت باللغة الإنجليزية ثم دخلت الدراسات العليا وكنت أقضي الساعات الطوال أقرأ باللغة الإنجليزية آلاف الصفحات من كتب الطب ومن ثم أضاف سفري إلى بريطانيا بعداً آخر عن اللغة العربية فكانت أبحاثي الطبية في أمراض القلب باللغة الإنجليزية، ومن ثم كان هناك في نفسي حنين دافق للعودة إلى جذور اللغة العربية، إلى الأدب، إلى الكتابة باللغة العربية ولكني كنت أتهيب جداً الكتابة باللغة العربية بعد هذا البعد الطويل عنها، فكنت أعطي زوجتي ما أكتب فتصحح تارة وتعدل تارة أخرى، وكان هدفي دوماً أن تصل المعلومة العلمية إلى القارئ مبسطة واضحة.. بدأت الكتابة عام 1987م بكتاب بعنوان "غيث الرحمن من فيض السنة والقرآن" جمعت فيه آيات وأحاديث وحكماً وأشعاراً تحت مواضيع محددة، وكان في ذلك الكتاب فصل عن آية العسل يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس وهنا كانت الوقفة الثانية فقد زارني صديق كريم أحترم رأيه وعلمه وسألني عما أكتب فأخبرته فقال لم لا تكتب كتاباً علمياً في المواضيع التي وردت في الطب النبوي على غرار ما تكتب من أبحاث علمية موثقة في أمراض القلب.. كانت تلك نقطة تحول في حياتي، فجمعت الأحاديث التي وردت في الطب النبوي وبدأت يومها بإجراء مسح على الحاسوب لكل ما ورد في المجلات العلمية التي صدرت منذ عام 1966 وحتى وقتها في المواضيع التي وردت بها الأحاديث النبوية الصحيحة، استوقفتني آنذاك دراسة نشرت عام 1985م أستعمل فيها العسل في علاج 169 طفلاً مصاباً بإسهال نتيجة التهاب المعدة والأمعاء، عولج نصفهم بالمحاليل المعتادة وعولج نصفهم الأخر بنفس المحلول مضافاً إليه العسل فشفي الذين عولجوا بالعسل في وقت أقصر، فتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما جاءه رجل فقال إن أخي استطلق بطنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسقه عسلاً، فسقاه، ثم جاءه فقال إني سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقاً، وهكذا حتى جاء في الرابعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، صدق الله وكذب بطن أخيك، فسقاه فبرأ. وهذا ما يذكرنا بالمضادات الحيوية التي تعطى في الطب الحديث فلا يمكن لمريض أن يأخذ حبة من البنسلين مثلاً ويقول إن التهاب اللوزات لم يشف عنده، إنه يحتاج إلى جرعات متكررة وفي أوقات محددة وفي دراسة أخرى نشرت في المجلة البريطانية للجراحة عام 1988م أستعمل فيها العسل الطبيعي في علاج 59 مريضاً مصاباً بالجروح أو القروح وكان العلاج المعتاد بالمضادات الحيوية قد فشل عند 80% من هؤلاء بعد علاج مكثف ومديد، فأظهرت الدراسة اختفاء الجراثيم تماماً بعد أسبوع واحد من العلاج بالعسل ثم شفيت تلك الجروح شفاء تاماً وتوالت الدراسات ونشر عدد منها خلال السنين الماضية.
حديث آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، استوقفني كثيراً، حديث كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة، والطريف أن موسوعة مارتن ديل الصيدلانية الشهيرة قسمت استعمالات زيت الزيتون إلى قسمين وكأنها تتبع ما جاء في الحديث الشريف، الاستعمال الداخلي عن طريق الفم،"كلوا الزيت" والاستعمال الخارجي عن طريق الجلد كالدهون "وادهنوا به" فحتى عام 1986م كانت كل الكتب الطبية الأمريكية والإنكليزية تذكر أن زيت الزيتون مادة دهنية ينبغي على المصاب بارتفاع كولسترول الدم تجنبها والابتعاد عنها وأن زيت الزيتون يزيد أو على الأقل لا ينقص الكولسترول، ولكن في ذلك العام نشر طبيب شهير من أمريكا يدعى استيف قراندي، نشر دراسة وكانت تلك هي الدراسة الأولى في تاريخ الطب أثبتت أن زيت الزيتون يخفض كولسترول الدم ولا يزيده أبداً وليس هذا فحسب بل إنه لا يخفض الكولسترول المفيد، وهنا لا بد من إيضاح بسيط فكولسترول الدم نوعان: كولسترول ضار يترسب على جدران الشرايين فيضيقها ويصلبها مما قد يؤدي إلى الذبحة الصدرية وجلطة القلب، ونوع مفيد وهو يكنس الشرايين من الكولسترول المترسب على الشرايين، وكلما ارتفع هذا النوع من الدم كان أفضل.. وقل احتمال حدوث جلطة في القلب، والحقيقة أن الأميركيين الآن يغبطون سكان حوض البحر الأبيض المتوسط على غذائهم الذي يشمل الخضروات والفواكه وخاصة استعمال زيت الزيتون في الطعام، فقد لاحظ الباحثون قلة حدوث مرض شرايين القلب عند سكان حوض البحر المتوسط، بالمقارنة مع أمريكا وأوروبا، وفي دراسة تسمى دراسة الدول السبع تبين أن سكان جزيرة صغيرة في البحر المتوسط تدعى جزيرة كريت كان سكان هذه الجزيرة أقل الناس في العالم إصابة بمرض شرايين القلب، والحقيقة التي أذهلت الباحثين آنذاك أن 44% من السعرات الحرارية عندهم كانت تأتي من زيت الزيتون.
حديث آخر استوقفني أيضاً كثيراً، الحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم "يا علي كل الثوم ولولا أنني أناجي الملك لأكلته" وكلنا يعلم أحاديث النهي عن دخول المسجد لآكل الثوم والبصل ولكن هذا الحديث حديث جليل في موضوعه، والحقيقة أن الاهتمام قد تركز خلال العقدين الماضيين على الثوم وفوائده ونشر أكثر من ألف بحث ومقال باللغة الإنجليزية عنه خلال عشرين عاماً، وقد تأكد للعلماء أن الثوم يخفض كولسترول الدم ويزيد من سيولة الدم ويخفض من ضغط الدم، ولا تنتهي قصة الثوم عند هذا الحد، بل تذهب إلى أبعد من هذا فللثوم أيضاً خواص مضادة للجراثيم والطريف أن في الثوم مادة تسمى إلالين، هذه المادة خاملة عاطلة لا عمل لها ولا رائحة ولا فائدة ويشبهها العلماء بأنها مادة ميتة ولكن بمجرد أن يسحن الثوم أو يقطع إلى قطع تتحول هذه المادة وخلال ثوان فقط بفضل خميرة تدعى اللينيز إلى مادة فعالة جداً تسمى الليسين، هذه المادة الأخيرة هي التي تنقص الكوليسترول وتحارب الجراثيم وتعطي فوائد الثوم، وهذا ما يذكرني بآية في القرآن الكريم (تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) فالمادة الخاملة والخميرة موجودتان في الثوم يحجز بينهما حاجز فلا تؤثر الخميرة على المادة الخاملة إلا عند سحق الثوم.. حديث آخر فإن كان لا بد آكليهما فأميتوهما طبخاً.. والحقيقة أنه في عام 1984م اكتشف عالمان أحدهما مسلم يدعى سليم أحمد والأخر أمريكي اسمه إيريك بلوك، اكتشف هذان العالمان مادة تسمى إلاجوين في الثوم هذه المادة لا تتحرر إلا أثناء طبخ الثوم، فأميتوهما طبخاً، حديث آخر في صحيح البخاري لم يذكره ابن القيم أو البغدادي أو الذهبي في كتبهم عن الطب النبوي هذا الحديث يقول فيه عليه الصلاة والسلام "أول طعام أهل الجنة زيادة كبد الحوت" أي القطعة الزائدة من كبد الحوت، فماذا في كبد الحوت؟ نحن نعلم أن كل ما في صيدليات العالم من حبوب وعبوات زيت السمك إنما تأتي من كبد الحوت ومنذ أوائل الخمسينات لاحظ الدكتور سنكلير أن أمراض شرايين القلب يندر حدوثها عند سكان الإسكيمو وغذاؤهم الأساسي هو السمك والحوت، ومن هنا انطلقت الدراسات لتؤكد الفوائد العديدة لزيت السمك فهو ينقص اللسريدات وهي إحدى دهون الدم كما يقلل من تجلط الدم ويخفض الضغط وأذكر أننا حين كنا أطفالاً قبل أكثر من أربعين سنة كنا نصطف في طوابير في المدرسة ونعطي ملعقة من زيت السمك في كل صباح، كان سبب ذلك أن زيت السمك به مادة أو فيتامين "د" الذي يقي من الكساح.
أما الحديث عن الحبة السوداء فحديث طويل ولا أريد أن أخوض فيه فقد أثبتت الدراسات الأولية أن في الحبة السوداء ما ينشط جهاز المناعة ويثبط نمو الجراثيم إلخ...
بقي أن أقول كلمة صغيرة عن ماء زمزم، أيضاً هذا الحديث استوقفني كثيراً، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول "خير الماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام طعم وشفاء سقم" والحقيقة أن مجموع الأملاح الذائبة في ماء زمزم تصل إلى حوالي 2000 ملجم في اللتر الواحد، في حين لا تتجاوز كمية الأملاح الذائبة حتى في مياه مكة المكرمة والتي بالقرب من مياه زمزم لا تتجاوز مقدار 250 ملجم في اللتر الواحد، فتخيلوا كم الفرق بين ماء زمزم والمياه المعدنية الأخرى، أيضاً مياه زمزم مياه عسرة وهناك أدلة علمية تقول إن المياه العسرة أفضل بالنسبة للقلب، وشيء ثالث في مياه زمزم أنها مياه غازية فتحتوي على 363 ملجم/ لتر من البيكربونات في حين لا تزيد كمية البيكربونات في مياه أفيان الشهيرة على 357 ملجم/ لتر، لا أريد أن أطيل عليكم في هذه المواضيع ولكن أريد أن أتيح المجال للسائلين إذا أرادوا أن يتفضلوا بالأسئلة.
مرة أخرى أشكر معالي وسماحة الأساتذة الفضلاء الذين تحدثوا عني هذه الأمسية المباركة وأخص بالشكر سعادة الشيخ عبد المقصود خوجة فجزاه الله عنا جميعاً خير جزاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :496  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 105 من 139
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج