شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ جهاد الخازن ))
- أصحاب المعالي والسعادة الإخوة الحضور الكلمة الآن لفارس الاثنينية سعادة الأستاذ جهاد بسام الخازن:
- بسم الله والسلام عليكم جمعياً.
أخي الأستاذ عبد المقصود والإخوة الآخرون كالوا لي من المديح ما لا أستحقه، هذا النوع من المديح لا يستحقه الأحياء، اعتقدت أني مت، ثم فكرت أن المحتفى به شخص آخر، وأن أخي عبد المقصود حتى يضمن حضوري هنا قال إنني أنا المحتفى به، على كل حال ما قيل هو فوق حقي ودون فضل الإخوان.
سأحاول أن أغطي مجالات كثيرة من عملي الصحفي ولكن أريد في الوقت نفسه أن أترك وقتاً كافياً للرد على الأسئلة، لذلك أبدأ بعملي الصحافي، كان هناك ما يكفي عنه في النبذة التي بدأنا بها ما أزيد عليه هو أنني ولدت في 24/6/1940م فيكون عمري الآن 57 سنة وسأكون 58 في حزيران وأرجو أن تتذكروا 24 حزيران إذا أحد أحب أن يرسل لي هدية مثلاً. عادة الدبلوماسي هو من يذكر يوم الولادة وينسى السنة، وأرجو أن تكونوا كلكم دبلوماسيين.
عندما دخلت الجامعة لم يكن في ذهني أن أعمل في الصحافة، كان في ذهني ألا أدرس علوم، لم أكن مؤهلاً لدراسة العلوم مع أن عمي كان عميد كلية الهندسة في الجامعة الأمريكية، الدكتور فؤاد الخازن، حاولت ولكن فشلت وتحولت إلى العلوم السياسية لمجرد أنها لا تضم أي مادة علمية، وعندما انتقلت إلى الأدب العربي في الماجستير كان أيضاً من الأسباب الرئيسية ألا يكون هناك أي مادة علمية، كانت دراستي في الماجستير على الطريقة الأمريكية هناك مادة أساسية ومادة ثانوية Major & Minor كانت دراستي الأساسية الأدب العربي ودراستي الثانوية هي الدراسات الإسلامية، كان هذا طبعاً قبل ثورة النفط ولم يكن له علاقة بأي تطور لاحق كانت هواية ورغبة شخصية مني كان هذا حوالي 68 إلى حوالي 75 وأنا في الجامعة كنت لا أعرف ماذا سأفعل عندما أتخرج، ولكن كنت بحاجة إلى مصروف جيب، وكنت أعرف صحافياً في بيروت، بيروت كانت كما تعرفون في تلك الأيام، قال لي إنه يعمل في رويترز وقال لي يوماً أنهم يبحثون عن مترجم، كنت دائماً أفضل أقراني في اللغات العربية والإنجليزية، ذهبت إلى رويترز وقلت أجرب حظي وكان عمري 22 سنة، ونجحت في الامتحان وكانت هذه بداية المشوار الصحافي، عملت سنة مترجماً، سنة محرراً ثم أصبحت ما يسمونه رئيس نوبة، طبعاً قائد نوبة بدون عسكر، كان معي مترجم أو محرر، كانت تجربة غنية مر علي فيها اغتيال الرئيس كندي سنة 63، سنة 64 أعتقد كانت القنبلة النووية الصينية، سنة 65 كان هناك سقوط خرتشوف، كنت رئيس النوبة في 5 حزيران 1965 عندما وقعت حرب حزيران، النوبة كانت ليست ساعات، أذكر أنني قضيت في المكتب ستة أيام، كلنا بقينا في المكتب حتى استقال الرئيس عبد الناصر ثم عاد عن استقالته، طبعاً في حين الحدث أنت تهتم بمتابعته بأن تخرج بأفضل خبر بأن تنهي يومك على سلام ولكن عندما أتكلم عنه بعد عشرين أو ثلاثين سنة تشعر بأنك كنت جزءاً من تاريخ المنطقة ومن تاريخ شعبك.
في 16 أيار (مايو) 1966م كنت في "الحياة" عندما اغتيل مؤسسها الأستاذ كامل مروة، كان صحافياً فذاً لا أستطيع أن أمدحه بما يكفي والواقع أنه عندما اغتيل لم نسمع صوت الرصاص لأن المسدس كان مجهزاً بكاتم صوت، ولكنه ضرب القاتل بالهاتف وكسر زجاج كبير على الشرفة فسمعنا صوت كسر الزجاج، طبعاً طفنا بالبناية نفتش عن أثر الصوت وأخيراً فتحت أنا وشخص اسمه محمد الملاح أبو مصطفى لا يزال يعمل معي في الحياة الآن في لندن، فتحنا الباب مع بقية الموظفين كان مروة ملقى على ظهره، لا أعرف إذا كان مات في تلك اللحظة أم لا ولكن كان لونه تحول إلى داكن لأن الرصاصة - رصاصة واحدة - أصابته في قلبه. وكان ما كان من أمر "الحياة"، أقول هذا لأقول إنني وزميلي وصديقي مصطفى الملاح حمل كامل مروة بين يديه لا أزال أذكر المشهد كما أراكم اليوم، كان هناك بقعة دم من قميص كامل مروة على قميص محمد أنزله لسيارة الإسعاف. هذا الحادث بالإضافة إلى علاقتي بآل مروة كلهم تركت لي علاقة مع "الحياة" كأنها ملكي، وآل مروة كأنهم أصحابي.
أتوقف قليلاً لأعود إلى - عندما كنت في الحياة لم أكن رئيس تحرير "الحياة"، كنت رئيس تحرير ديلي ستار - عندما كنت في المملكة العربية السعودية كنت رئيس تحرير عرب نيوز، عملت بالإنجليزية في الوطن العربي وعندما ذهبت إلى بريطانيا عملت بالعربية، لا أدري إذا كان لهذا مغزى، حدث في سنة 75 أن تعرفت على السيدين هشام ومحمد علي حافظ، كانوا طلبوا من الديلي ستار أن تتولى أمر عرب نيوز في بداية صدورها الاتفاق لم يتم ولكن كانت فرصة لكي أتعرف عليهما، سنة 76 ذهبت إلى لندن وجاء السيد هشام وأتصل بي، لقيته في فندق باك لين هلتون، وعرض علي أن أتسلم رئاسة تحرير عرب نيوز في جدة، قال لي لا تعطيني جواباً الآن تعال معي إلى جدة وشوف الموضوع، جئت معه إلى جدة ونزلت في أوتيل كندرة كان من أهم الفنادق في البلد، لكن لم يعجبني الوضع، أنتم الآن في جدة مدينة عظيمة مدينة جميلة، عندكم الكورنيش عندكم البحر، المباني الجديدة، الماء، الكهرباء، التلفون، هذه كلها في سنة 75 لم تكن موجودة في كل البلد، كانت المدينة تنتهي عند المطار القديم ودوار الملك فهد لم يكن دواراً كانت تقف عليه حمير وعربيات يجروا ماء للبيوت.. أنا فوجئت بمنظر جدة في تلك الأيام لكن هشام أخذني معه بالدرجة الأولى في الطائرة وأنزلني في فيلا بالكندرة وخجلت منه أقول ما عايز شغل وعلى طريقة الما بدو يزوج بنته يغلي مهرها عملت عليه ما اعتقدت أنه شروط معقدة جداً، ونظر محمد بهشام وهشام بمحمد شو تقول يا خوي شو تقول يا خوي قالوا على بركة الله، على بركة الله إيه؟ قالوا وافقنا، طبعاً كانت فرصة طيبة لي، كان الاتفاق لسنتين ما كنت حابب أشتغل أكثر من سنتين، السيد هشام طلع بمشروع الشرق الأوسط في لندن وهو المسؤول عن اللون الأخضر، أنا اللون الأخضر قاومته في البداية ولكن هو أصر عليه وهو رئيس مجلس الإدارة، رحت على لندن اتفقت مع الموظفين وأكثرهم أعرفه من بيروت بحكم تجربتي في بيروت، كانت تجربتي في بيروت بالإنجليزية وفي جدة بالإنجليزية، ما كنت أعرف زملاء كثير باللغة العربية إلا من زملائي في "النهار" و "الحياة" حيث عملت.
أتوقف لأرد لسؤال للأستاذ الغامدي عن عملي أعتقد أني عملت في الصحافة سبعين سنة إذ بدأت سنة 62 أو 63 هذه 35 سنة لكن كنت باستمرار أعمل في مكانين معاً.. في رويتر والديلي ستار، والنهار، في الديلي ستار والحياة، في الشرق الأوسط والمجلة، في الحياة والوسط، فأنا أعتبر أني عملت سبعين سنة وأنه حان الوقت أن أتقاعد أرجو أن أترك العمل قبل أن أبلغ الستين لأنه في حسابي أكون قد بلغت 130 سنة.
المهم اتفقت مع الموظفين، عملت في لندن، كان أفضل ما حققت الشرق الأوسط بالإضافة إلى أنها كانت فكرة جديدة أن الطباعة بالأقمار الصناعية، لم تكن هناك طباعة بالأقمار الصناعية إلا داخل الولايات المتحدة، لم يكن هناك خارج الولايات المتحدة، لم يكن هناك من بلد لبلد، كنا في الشرق الأوسط أول من بدأ مشروع الطباعة بالأقمار الصناعية، أنا عقلي على عداء مع التكنولوجيا إنما بعد هذا الإنجاز الذي أعتبره تكنولوجيا، وعندما بدأنا الحياة في لندن كنا أيضاً أول جريدة بدأت الطباعة بالكمبيوتر 100% طباعة على الكمبيوتر، نحن عملنا ما يسمونه السوفت وير، ونحن نطوره الآن عندنا شركة وكل الصحافة العربية تستعمل السوفت وير الذي طورته الحياة في لندن سنة 1988 الواقع أننا لم نعرف أن هذا النظام سيعمل وأذكر أنني ذهبت في لندن لزيارة فؤاد نصر رئيس مجلس الإدارة السابق لشركة طيران الشرق الأوسط. وهو خريج كامبريدج، عرضت عليه أنا وجميل مروة ما عندنا وسألناه هل تعتقد أن هذا سيعمل؟ فحصه ودرسه وأخذه على غرفة الكمبيوتر التي عنده وفي النهاية قال أعتقد أنه سيعمل، وكانت أسعد عبارة سمعتها حتى صدور "الحياة".
"الحياة" يمكن كانت خطوة متقدمة في الصحافة العربية، لا أريد أن أتحدث عن "الحياة" لأن الزملاء حكوا عنها فوق ما تستحق، ولكن كانت عندنا فرصة لنعرف قيمة "الحياة" عندما تلقينا الرسائل المفخخة في مطلع السنة الماضية، فوجئت أن كل الجرائد العالمية، نيويورك تايمز والواشنطن بوست، الهيرالد تربيون، الورلد ستريت جورنال، اللوس انجلوس تايمز، في صفحاتها الأولى، طبعاً كل هذا موجود، ذكرت أن الحياة أهم جريدة عربية وأنها أكثر الجرائد العربية مصداقية.. في الوقت نفسه قد تكون الحياة مهمة جداً وقد تكون مسموعة في العالم الخارجي ولكن "الحياة" لا تطمح أن تكون الجريدة الأولى في أي بلد عربي، الحياة أملها أن تكون الجريدة الثانية لأي قارئ، القارئ في جدة سيقرأ عكاظ ثم الحياة، في الرياض سيقرأ الرياض ثم الحياة، في بيروت سيقرأ النهار ثم الحياة، لا يمكن للحياة أن تنافس أي جريدة عربية في بلدها.
طبعاً هناك فارق أيضاً بين الحياة والشرق الأوسط، ففي الحياة سمو الأمير خالد بن سلطان الذي فوجئت باهتمامه بالحياة، كنت اعتدت أن أزوره في مكتبه في وزارة الدفاع القديمة، أنا آتي من أميركا وأحدثه عن السياسة الأمريكية، هو صديق قديم ونتناقش في السياسة الأمريكية لأنه عمل ماجستير علوم عسكرية وماجستير علوم سياسية من أميركا، ومرة ضمن الحديث قلت له من ضمن المشاريع أن جميل مروة جاءني على لندن لنفكر في إعادة إصدار الحياة، أهتم بالأمر ودخل في البداية شريكاً ثم استأجرنا الرخصة لمدة عشرين سنة، بعد ست سنوات اشترى سمو الأمير خالد الرخصة، والحياة الآن ملك له كاملة، طبعاً سمو الأمير خالد من العائلة الحاكمة يهمه أن يروج لبلده، وأن يدافع عن بلده لكن بطريقة ذكية، بطريقة غير مباشرة، حتى لا نرهق القراء، هناك جرائد سعودية قادرة على أن تدافع عن بلدها، نحاول أن نعالج الأوضاع بطريقة غير مباشرة ونهب لنجدة السعودية ليس كل يوم ولكن عندما يكون هناك حاجة، سمو الأمير خالد هو في الواقع أقولها بكل صراحة هو سبب نجاح الحياة، لو لم يكن بهذا العناد في الدفاع عنها وبهذه الجرأة في إخراجها وفي استمرارها وفي حمايتنا عندما نقع في مشاكل لما كانت الحياة بهذه القوة.
أريد أن أنتقل من الحياة إلى جزء يهمكم كثيراً، كنت أتمنى لو كان الدكتور محمد عبده يماني معنا، أريد أن أتكلم عن الصحافة بعد أن تحدثت عن تجربتي في الحياة والشرق الأوسط أريد أن أتحدث عن الصحافة العربية بشكل عام، وخصوصاً من منطلق الرقابة لأنها هي تعكس ما نعاني منه، الصحافة العربية تعاني من نقصين: نقص في المال ونقص في الحرية.. أبدأ بالحديث عن المال، يمكن لأنه أحب إلى قلبي.. ولكن لأنه الحديث قصير.. أعطيكم مثلاً، دخول الصحافية العالمية كلها، الإعلام العالمي كله، كان دخله السنة الماضية حوالي 360 أو 370 بليون دولار، دخول كل الصحافة العربية من المحيط إلى الخليج، كل الإعلام العربي تلفزيون وجرائد كان 1.7 بليون دولار، نحن أقل من ثلث 1% من الصحافة العالمية، لا يمكن إلا أن نطمح إلى أن نكون أكبر من هذا الحجم، نحن جرائد دول نامية، جرائد تحتاج إلى كثير لتلحق بركب الصحافة العالمية، أعتقد أنه لحقنا بالركب في مجال التكنولوجيا ولكن لم نلحق بالركب بعد في مجال المهنة نفسها، الإنفاق على الصحافة للفرد في الدول العربية في أفضل الدول العربية لا يتجاوز 80 أعتقد أن هذا ربما في الإمارات أو في الكويت، في المملكة العربية السعودية لا يتجاوز 16 إلى 17 للفرد الواحد، في إسرائيل 200، وفي سويسرا 500 للفرد، تصوروا إنفاق الفرد في المملكة العربية السعودية 15، إذا أخذنا حداً وسطاً للدول العربية كلها20 وفي إسرائيل 200، قلت إن دخول الإعلام العربي كله 1.7 بليون وفي إسرائيل وحدها 1.1 بليون، إسرائيل بخمسة ملايين نسمة تعادل ثلثي الوطن العربي كله، فالصحافة العربية فقيرة، لا تصدقوا تهم الثراء التي نسمعها، كل مرتبات الصحافيين وهذه درستها وليست أرقاماً من رأسي، في الجرائد السعودية أقل من مرتبات مقدمي نشرة أخبار المساء في الشبكات الأمريكية الذين منهم من يتقاضى 5 ملايين في السنة وأعلاهم يتقاضى 9 ملايين في السنة أجراً، هذا الجانب المالي.. والآن نصل إلى جانب الحرية، الحرية نسبية، لا توجد حرية في أي بلد، تحدثت عن القدرة المالية للإسرائيليين هناك رقابة رهيبة في إسرائيل، هناك رقابة على الأمور العسكرية. هناك رقابة شؤون النفط، ممنوع أن تذكر الصحافة الإسرائيلية دخول ناقلة إلى ميناء حيفا أو خروجها منه، هناك رقابة على الحدود بالنسبة لما يحدث في الحدود فإسرائيل ليست حرة كما يدعون، وليست الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط إطلاقاً ولكن في نفس الوقت هناك حرية في إسرائيل أكثر مما عندنا، في العالم كله حرية أكثر مما عندنا، نحن في الحياة في لندن، نحن بعيدون عن المنطقة العربية وقريبون. لأننا محتاجون لأن نبيع في المنطقة العربية ولذلك لا نستطيع أن نخرج من بلدنا وجلدنا، يجب في كل يوم نراعي حساسية كل الدول، عندنا كل يوم ملف للمنع نجمعه كل سنة، نمنع في السنة في الدول العربية مجتمعة حوالي 150 مرة، قد نمنع في تونس خمسين مرة قد نمنع في الأردن 16 مرة وفي السعودية 5 مرات، وفي قطر والإمارات مرة أو مرتين، مشكلة المنع والرقابة معقدة جداً لو كان هناك خبر واحد يمنع لكنا ألغيناه، خلينا نحكي بالأخبار الباقية، إنما كل بلد عربي عنده خصوصياته، وعنده حساسياته، في المغرب عندك بلوساريو، في الجزائر الإرهاب، في تونس المنظمات الإرهابية، ليبيا لا نبيع فيها بسبب مشاكلنا مع النظام هناك لأن النظام نفسه مشكلة، في مصر والسودان هناك مشكلة حلايب، في المملكة العربية السعودية هناك أمور كثيرة من النسوان وسائقي النسوان وخصوصاً يجب أن نكون حذرين جداً في الأمور الدينية، حتى بلاد مثل الإمارات لم تكن هناك مشاكل إطلاقاً ثم جاءت قضية بنك الاعتماد والتجارة، في بنك الاعتماد والتجارة كان يرد اسم سمو الشيخ زايد، فجأة صرنا نمنع في الإمارات، بين قطر والبحرين في خلاف على الجزر، في الكويت مشكلة العراق، يعني في كل بلد عربي مشكلة، ولو تجاهلنا هذه الأمور نطلع مثل ماء بطارية السيارة، مكررة ولكن بلا طعم ولا رائحة ولا لون، الشطارة أنك تصل إلى حافة الهاوية بدون أن تقع فيها، أحياناً نقع، الوقوع أن تمنع يوماً واحداً، مفيد للجريدة، يثبت مصداقية الجريدة وأنك لست تابعاً لهذا النظام أو ذاك وغيره، إنما المنع الطويل الأجل يضرها اقتصادياً، طبعاً المنع في المملكة أخطر كثيراً من المنع في السودان، في محبة للسودان ومحبة للمملكة كلنا عرب إنما لو منعت في السودان أوفر فلوس لأن العملة السودانية مالها قيمة، إنما إذا منعت في المملكة تخسر إعلانات من خمسين إلى مائة دولار في اليوم بالإضافة إلى مبيعاتك، فيجب أن تكون حذراً، السنة الماضية منعنا مرتين متعاقبتين في المملكة أعتقد مرة بسبب مقابلة مع أسامة بن لادن ومرة بسبب مقابلة مع وزير النفط العراقي، ثم منعنا مرة ثالثة، غضبت وجمعت المحررين وقلت لهم إذا كان في منع أنا الذي أقرر المنع لأن هذا قرار اقتصادي، ونحن متفقين على ذلك، في غضون ذلك جاءت السكرتيرة وأعطتني برقية المنع، طلع السبب أنا الذي كتبته، فأنا رغم كل معرفتي بالمملكة العربية السعودية كتبت مقالاً اعتقدت أنه جيد، كان فيه إشارة لخادم الحرمين الشريفين، كان بقي لي مدة لم أذكر عنه شيء، إنما الذي حصل كتبت مجلة أمريكية عن 67 شخصاً صنعوا العالم في هذا القرن ووجدت أن الملك فهد ورد اسمه ثلاث مرات كملك وكرئيس دولة وكبليونير، أنا كتبت المقال لأرضي الملك فهد لأني لم أكتب عنه من مدة طويلة، في حين أن الملك فهد لا يحب أن يذكره أحد بصفة بليونير، ورغم كل معرفتي بالمملكة غلطت وكانت النتيجة منعت الجريدة، أحرجت مع الزملاء الذين جئت أوبخهم بسبب المنع وكانت النتيجة أن المنع بسببي أنا، طبعاً بعدين سألت وعرفت أنه كان الأفضل أن أتجنب هذا، أقول حتى عندما تقصد تعمل عمل طيب أنك تكسب يعني صداقة جديدة أو تكسب بعض Credit مع خادم الحرمين الشريفين طلعت الشغلة أزعجته، في بلدان صعبة مثل تونس، الحرب الدائرة على ما يعتقدونه الجماعات المتطرفة، لو نحن كتبنا عن مؤتمر إسلامي في روما يمنعوا الجريدة في تونس، يا أخي ماله علاقة فيكم، هذا مؤتمر للجماعات الإسلامية في أوروبا!! النتيجة إننا نمنع في تونس أكثر من أي بلد عربي ثاني، الملك حسين مندفع في عملية السلام، منعت نستعمل كلمة الهرولة لأنهم حساسين لكلمة الهرولة، وكل ما نحكي عن اندفاع الأردن بالنسبة لعملية السلام نمنع في الأردن، في الشهرين الأخيرين يمكن منعنا حوالي عشرين مرة في الأردن ولكن هذه قضية أساسية لا يمكن تتجاهلها وليست قضية عارضة أو قضية خلاف نقابي أو قضية معلمين مدرسة أضربوا، هذه القضية العربية الأساسية التي نحكي فيها اليوم، طبعاً أطرف منه حصل سنة 91 على ما أذكر ولا يزال ما حصل مثله وأظرف قضية مع الرقابة، حصلت في آخر الـ91 نشرنا خبراً في الحياة في 23 ديسمبر 1991م كان الخبر الرئيسي في الحياة يقول إحباط محاولة انقلابية في ليبيا تلاه اعتقال عشرات العسكريين، ثاني يوم وصلت المكتب الصباح وجدت فاكس من مكتبنا في القاهرة ومعه صورة لعدد الجريدة، بلاقي أنه عدد الجريدة في ذلك اليوم الصدر تبعه يقول الإمارات تطلب من الوزارات تقليص مصروفاتها في ميزانية عام 1992م، من أين جاء الخبر؟ اكتشفت أن الرقيب المصري يظهر أنه عنده تعليمات ما يهاجموا ليبيا، شاف الحياة وفيها خبر عن ليبيا، يظهر أنه ما عنده تعليمات يمنع "الحياة"، فاحتار شو يعمل؟ دار فتش بالحياة لقي بالصفحة الاقتصادية خبر بنفس الحجم شال الصفحة الأولى عندنا ووضع الخبر من الصفحة الاقتصادية، حطه الخبر المناشيت حقنا وحط أذكر إعلان محل الخبر الشاله من هذي وحرر الجريدة هو!! اتصلت فيه أقول له يا أخي كيف تعمل هيك؟ قال أنا اشتغلت طول الليل أنقذ لك الجريدة، قلت له أنت ما انقذتنا أنت بهدلت الجريدة، تصور جريدة في الصفحة الأولى عن اجتماع لمجلس وزراء التعاون - مجلس التعاون الخليجي - الجيش الموحد إعطاء ظهره لإيران وطغيان أعمال قمة الكويت، خلاف غورباتشوف ويلتسن، حرب في مقديشو، حرب في جنوب السودان، وإحنا ما اخترنا صدر الأولى إلا أنه تقليص بعض الوزارات مصروفها في الإمارات، فأنا قلت للرقيب سأرفع عليه دعوى، فهو مسكين صدم، يقول سهرت طول الليل أنقذ لك جريدتك وتكافئني هيك؟ عقل الرقيب مثل عقلنا.. مصر هو عمل معي خدمة وما كان يعرف أننا فضحنا بين الناس، أنه الناس سوف يعتقدوا أنه في قصة.. إذا كان في هامش لهذه القصة الله يرحمه الدكتور فايز بدر كان من قراء الحياة الخطيرين ويعتبر حاله سيد من قرأ بين السطور ويظهر أنه كان بالقاهرة ورجع للمملكة وتلفن لي وقال لي أنا Gave up أنا سلمت، شو قصة هذا الخبر الذي نشرته؟ هل في مشكلة بالإمارات، فلما حكيت له الخلفية وأن الرقيب غير الجريدة قال الحمد لله ارتحت، افتكرت أنه في حاجة ما أعرفها.
طبعاً لازم أختتم بشكل إيجابي، موش كل معاركنا مع الرقابة خاسرة، أخطر قارئ بالمملكة وأذكى قارئ باتصور أنه سمو الأمير سلمان، وما بعرف إذا كنت باكشف سر بس أنا بدي أحكي قصة حصلت معه كأذكى قارئ في المملكة، بعد ما انتهت الحرب في اليمن - الحرب الأهلية - كان سموه على ما أعتقد في ماربيا، فأتصل في يوم قال لي الحياة فاتت اليوم على المملكة؟ قلت له بتصور فاتت، قال لي أكيد فاتت على المملكة؟ قلت له فاتت وقبل نصف ساعة كنت بحكي مع مكتبنا ولو منعت كان أول شيء يقولوه لي، قال لي أنت قريت الجريدة؟ قلت له قرأتها.. قال لي قريت خبر اليمن؟ قلت له قريته، يعني بعضه.. قال لي اقرأ التتمة تبعه آخر فقرتين في آخر الصفحة السادسة.. اقرأهم.. قريتهم.. بقول في التتمة أنه الضباط الهاربين من جنوب اليمن موجودين في قواعد حول اليمن، قال لي يعني إيش حول اليمن؟ يعني إحنا حاطينهم عندنا عم بتقولوا، قلت والله يا سيدي بركي بعمان.. قال لا موش بعمان.. إنت عم تقول عندنا، بعدين في اسم شخص إنه هو الذي جمعهم، قال تعرف مين هذا؟ قلت له ما بعرف مين هو، اسمه ما يحضرني الآن، قال هو الملحق العسكري السعودي في صنعاء، كيف الرقيب مشاها؟ قلت والله يا سيدي موش كل الناس يقرأوا مثلك، يعني إنت أمير الرياض - عشان أخفف الموضوع - كان المفروض تقرأ بس العنوان وبس فقرتين ثلاثة شو خلاك تقرأ الخبر لآخره. طبعاً هو كان غضبان قلت له أرجوك ما حد يعرف غيرك يعني خلي هذا السر بيني وبينك، وقعدت على أعصابي طول النهار، والرقيب ما شاف الخبر والجريدة فاتت، وطبعاً الأمير سلمان غضب ورضي علينا وغفر لنا، لكن دائماً في المملكة أكثر واحد يقرأ وأدق واحد في القراءة هو سموه.
أرجو أني ما أكون أطلت، وأترك الكلام للإخوان كلهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :639  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 94 من 139
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.