شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الأستاذ الدكتور أبو بكر باقادر))
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسلين، وبعد، أستاذي "عبد الوهاب بوحديبة"، أولاً مرحباً بك في منتدى من أكبر منتدياتنا الثقافية، منتدىً يحتفل بالوفاء والتكريم النبيل، وحقيقة، في هذا المقام لا يسعني إلا أن أقول إن ما قدمه ويقدمه صاحب "الاثنينية" الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه، هو حقيقة ظاهرة فريدة تستحق منا كعلماء مختصين في العلوم الاجتماعية أن ندرسها وبتحليل، وأتمنى أن تصل إليكم مجموعة "الاثنينية" حتى تأخذوا فكرة عن تاريخ هذه المسيرة، ففي هذه "الاثنينية" كُرِّم التاريخ للفكر العربي في أشخاصه وشخوصه، الذين أبدعوا. أود أن أتحدث وأرجو أن تسمح لي بالقليل كيف تعرفت إلى الأستاذ "عبد الوهاب بوحديبة"، وكيف أعترف بأنه ذو تأثير كبير وأستاذية وفضل عليّ كبير، عرفته من خلال الكتب، وكنت أرغب في التعرف به، ولم تسمح لي الفرص بقدر ما حاولت، وفي يوم من الأيام كنت أحاضر في درس في الجامعة التونسية، الجامعة التي يدرس فيها، كلية الآداب تسعة ابريل، وأطلت وكانت في ندوة مع الطاهر لبيب، وهو يتذكر هذا، وأستاذنا بوحديبة رجل من الوهلة الأولى لا يمكن أن تتخيل من هو وما حجمه وكذا، ويبدو أنني أطلت الكلام وزدت بنحو ربع ساعة، وحينما فتحنا الباب وجدت أستاذاً واقفاً بصبر كامل، ينتظر حتى يدخل هذه الصالة المقفلة، فإذا بحبيبنا الطاهر لبيب يسلم عليه ويقول أستاذي "عبد الوهاب بوحديبة"، قلت له: "هو هذا؟" قال لي: "نعم هو هذا"، ثم بعد ذلك تتالت المعرفة، وكثرت اللقاءات في ندوات ومحاضرات في الإطار الجامعي، وكانت النقلة الكبيرة بالنسبة إليّ. وأقول إن المؤسسات تعرف برجالها، وليس بما يرصد لها سواء من مال أو إمكانيات إدارية، بيت الحكمة، صحيح مؤسسة ثقافية مهمة في تونس، لكن أعتقد لمن أراد أن يكون منصفاً، ولمن أراد ألا يكون منصفاً، حقبة الأستاذ "عبد الوهاب بوحديبة" كانت متميزة، ومتميزة بامتياز، من أراد أن يقابل علماء العصر، من أراد أن يناقش قضايا العصر، وسأذكر بعضها، فكان بيت الحكمة مكاناً يذهب إليه، ولبيت الحكمة تراث عظيم، ولكن قبل أن أدلف إلى ذلك أيضاً جاءنا الأستاذ "عبد الوهاب بوحديبة" بدعوة كريمة من معالي السيد أمين مدني، ويبدو أنه كان يعرفه، كتبت الدعوة وطلبته، فجاء أستاذنا وحضر الندوة وكان صامتاً طوال الوقت، "ندوة الحج الكبرى"، فأنا وقع فيّ الحال – كما يقول المغاربة- فقلت أريد أن نسأل حكيماً صامتاً أن يذكر لنا ما لديه، فإذا به يكون، كان يقوم بتحليل إحدى الأوراق عن أستاذ له كبير مشهور اسمه "بول ريكور" وفق ما أتذكر، وبعد سنوات عند اتصالي به، وجدت تقريظاً طويلاً عريضاً على ندوة الحج، وذكر كيف لفت نظر "بول ريكور" في مقدمة أحد الكتب التي نشرتها بيت الحكمة، عن أنه كان في مكة وهو البروتستانتي العتيد، يناقش قضايا الحج من زاوية تحليلية، أستاذنا بوحديبة له علاقة حقيقة مع الثقافة العربية والثقافة السعودية على وجه الخصوص، وأنا أعتقد ما ذكره معاليه عابراً هو أن أمثال بوحديبة لا يأتون لأجل دبلوماسي، ولا يأتون لأجل صداقة تكون فيها هنة، لكن بالصداقة الشخصية بيت الحكمة انفتح على الثقافة السعودية، فقمنا بالتعاون مع أستاذنا الحبيب "عبد الوهاب بوحديبة" معرضاً، وطاف هذا المعرض في العديد من الدول الأوروبية، ومازال باقياً وله مكتبة خاصة، عن مقولات ابن خلدون إذا يتذكرها، وكان احتفاء بيت الحكمة بخطاطين من مكة، في أيام الخط، وجعل لوحاتهم لها مكانتها، وجعل الاهتمام بهم، حتى وصلوا إلى مكان لا يعرفون ما يقولونه حينما عادوا، أيضاً جمعنا بوحديبة ليعرف بالثقافة السعودية الحديثة، وكان أن عمل ندوة تتكون من سبعة أو ثمانية نقاد، من المملكة العربية السعودية، عن النقد الفكري والأدبي الحديث، ونشرها كتاباً، ونشر مقولات ابن خلدون اللوحات، ونشر أيام الخط العربي، هذا التعاون البيني الذي للأسف يبدو أنه توقف. أيضاً كان لدينا برنامج لتكريم المثقفة السعودية وتمكينها، فما أن سمع بذلك السيد "عبد الوهاب بوحديبة"، حتى أقام لنا ندوة كبيرة جداً عن الروائيات السعوديات. كنت إذا أريد أن أتعرف إلى الأسماء اللامعة سواء في أمريكا أو في بريطانيا أو في فرنسا، عن كثير من القضايا الحديثة، أنتهز الفرصة لأذهب وأحضر ندوة وكان السيد "عبد الوهاب بوحديبة" حقيقة يكرم تلاميذه، وكنت ممن كرمت كثيراً، وحضرت كثيراً، فنناقش موضوعات لا نتخيلها، يعني الذاكرة، العنف، الجمال، التمثل والتصورات، والوطنية.
كانت منشورات بيت الحكمة من أعز المنشورات وأهمها، التي كنت كل ما ذهبت إلى تونس أعود محملاً بشنطة منها، فتطلع على كتاب في الحديث عن علماء تونس "القرين" وهو من عيون الدراسات التاريخية الانثروبولوجية، وتطلع على أمهات كتب تاريخ العلوم الإسلامية في الطب وغيرها، كما تطلع على كتاب "عظوم" وهو النسخة المفقودة بتحقيق أستاذنا أبو العيلة، التي يتكلم فيها من خلال النوازل على مرحلة زمنية مجهولة في تونس، وهنا يأتي دور المثقف حينما يكون رئيساً، كيف عرف "عبد الوهاب بوحديبة" أن هذا الكتاب مهم، لا أدري. بطبيعة الحال لأنه مثقف، كيف نشره وقُدِّمت له المقدمات، أيضاً شيء آخر.
فتحت أبواب كثيرة مع آسيا والحكمة الآسيوية، من منظور عالمي، يعني حينما تنظر إلى ما تم من العلاقات العربية الكورية، والعلاقات العربية اليابانية، والعلاقات العربية الصينية، سواء في التنمية، أو في الفلسفة أو في العلوم، أو في النظرة إلى التنمية، تصبح مطبوعات بيت الحكمة في تلك الحقبة علامة بارزة، ومن مطبوعات بيت الحكمة أحد الكتب النادرة، التي احتفت بها ليس اليونسكو وإنما احتفى بها العالم، الترجمات الأولى المبكرة لقصائد المعلقات الشعرية، ولعلمكم من يجيدون الفرنسية يعدّون هذا من أمهات الكنوز، فمن التفت إليها؟ ليس الفرنسيون، وإنما بوحديبة وبيت الحكمة. أود أن أقول إننا قد ذكرنا كتب أستاذنا بوحديبة، لكن أود أن أتحدث عن ثلاثة كتب بشكل سريع جداً، قرأت وتعلمت كثيراً من الفرنسية ومن الحكايات الشعبية التونسية، وظُرف سيدي بوحديبة ليس فقط في تقديم الحكايات وإنما ما تنطوي عليه، وما يقع خلف الأكمة، أيضاً حينما تقرأ "خطى ابن خلدون" تصبح كما قال معاليه، وكأنك تعيش مع ابن خلدون، وتناقشه، وفي بيت أستاذنا وهو بيت تقليدي تونسي ومع ذلك معاصر، قال عنه "جرانق جو" حينما كنت أتكلم عليه وهو بروفيسور كبير في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية، قال الآن سينطلق نهر بوحديبة، لهم تجربة في داره في أيام رمضان يستمعون القرآن، وقد كتب كتاباً في ذلك، لذا أتمنى مع مجيء رمضان أن نسعى ونطلب من الأستاذ صاحب "الاثنينية" لو يطلب نسخاً منها ويعاد تصويرها وتوزيعها، لكي تتحول تلاوة القرآن والاستماع إليه في فترة رمضان طقساً جميلاً. في دار تونسي يمكن أن نقول إنه غربي مائة في المائة ولكنه تقليدي مائة في المائة، إسلامي بمعنى أنه يعطينا نموذجاً كيف نكون ونعيش عصرنا، معظم الأسماء الكبيرة "بول ريكو" "ميشيل فوكوه" حدد أي واحد تريده، إذا أردت أن تتعرف إليها، فجأة تجلس مع الأستاذ بوحديبة فإذا بك تتحدث مع من تتحدث عنهم، يعرفهم على المستوى الشخصي، كما يعرفونه، أتوا ليحاضروا. بالإضافة إلى، "داريدا" كم مرة حضر إلى بيت الحكمة، كم مرة جاءوا للنقاش. أتمنى-لأني لم أعد أسمع عن بيت الحكمة– أن يعود له ألقه، وإن شاء الله يكون ألقه موجوداً. حينما كان السيد بوحديبة كنت دائم الرضاعة من هذه الدار ومن هذا البيت الجميل، وبيت الحكمة لعلمكم بيت أحد آخر "البايات" التونسيين، وهو يقع على البحر، ومنظره جميل، كانت فيه وما تزال إن شاء الله. وتمكن السيد بوحديبة من المجيء بنوادر الكتب، يقول إنها هدايا لبيت الحكمة، ولكن لو لم يكن بوحديبة في بيت الحكمة، أشك أنها كانت ستأتي، وهي الآن جزء من هذا البيت، ويعلم الله كم أنا سعيد بذلك، و"اثنينية" عبد المقصود خوجه اليوم، أتت برجل فعلاً هو أبو العلوم الاجتماعية، كان يحرر مجلة العلوم الاجتماعية الدولية –ربما ما زال- التي يشرف عليها الكونغرس الخاص بعلم الاجتماع، السيد بوحديبة علم، والأعلام الكبيرة لا تحتاج أن تعمل ضجة، لأنها تعتقد أن من لديه الإحساس بمعرفة الرجال سيعرفها وسيعرف علمها، أمسية جميلة مع هذا العالم، الذي إن رأيته في الشارع، أو في الجامعة، لن تتعرف إليه إلا إذا قرأت أو اطلعت أو استمعت أو تحدثت مع غيره، وهذا من الأنواع النادرة التي لا تعمل ضجة حتى تكون، وشكراً سيدي لسماحكم لي بأن أتكلم عليك.
الأستاذ محسن العتيبي: شكراً لسعادة الدكتور أبوبكر باقادر المفكر الاجتماعي المعروف، والكلمة الثالثة والأخيرة لسعادة الأستاذ محمد علي قدس الكاتب المعروف وعضو مجلس إدارة النادي الأدبي بجدة.
 
 
طباعة
 القراءات :414  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 206 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.