شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة لفضيلة الشيخ محمد بدر الدين ))
- بسم الله الرحمن الرحيم، نحمده ونستعينه ونصلّي ونسلّم على خاتم أنبيائه ورسله ونستفتح بالذي هو خير، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.
أيها الأحبة لا أستطيع أن أعبر عن تلك الهزة التي أخذتني من أعماقي يوم أن أخبرني معالي الدكتور يماني بأن هذه الليلة سيكون فيها الصديق الحبيب والشاعر الأديب والرفيق الذي عشنا معاً حياة الشعر والشعراء والأدب والأدباء في مصر عقوداً، ندور فيها معاً بين مدن أقاليم وندوات القاهرة، لا تكاد تمضي ليلة أو ليلتان دون أن تكون لنا ندوة هنا أو ندوة هناك، وكانوا يضيفون علينا من الألقاب ما أستحيي أن أذكره، وانقطعت تلك الأيام منذ جئت إلى المملكة منذ ست وعشرين عاماً لم أحضر فيها ندوة في القاهرة ولم ألتق فيها بالأخ الحبيب الأستاذ الشاعر محمد التهامي فكأنما أعاد لي الشباب من جديد عندما علمت بهذا النبأ، وجئت أتنسم روح الشباب ورياحين الماضي، وأمجاد أيام كنا فيها كما عبر بعض الشعراء.. ضياء القاهرة، تجمعنا رابطة شعراء العروبة، وكان أيامها يقدم ندواتها الشاعر المرحوم خالد الجرنوسي، ونتتابع على المنبر في ندوات الشبان المسلمين، وقاعة الغوري وقاعة ناجي، والقاعات الثقافية في القاهرة كلها ويذكر أخي التهامي ليالي قضيناها في الزقازيق ولها طرائف، وليالي قضيناها في شبين الكوم ولها طرائف، استعدت ذلك الماضي كله عندما هزني هذا الخبر فلما جئت كدت أنا وإياه أن نمثل دور عاشقين باعدت بينهما الأيام لأكثر من ربع قرن، ثم التقينا فجأة فكاد هو وكدت أنا أن يأخذنا طرب اللقاء إلى ما لا يقول به واجب الشيخوخة، وهدوء تلك الكبرة من السن بعد ربع قرن أو أكثر من الفراق.
الشاعر التهامي كان معروف النبرة واضح الوجهة، ثابت الخطوة، يذكر وأذكر معه يوم كنا معاً في عام 1959م في مؤتمر الاتحاد القومي في جامعة القاهرة ويوم حضر معها أيامها نائب رئيس الجمهورية وألقى هو وألقيت أنا قصيدتين في موضوع واحد، وكنا المتحدثين الوحيدين معه وكيف اهتزت جماهير القاعة بما جرى وما كان، أذكر معه قصائده الرائعة عن الوحدة وعن قضايا الإسلام، أذكر معه برنامج شعر الثوار الذي كان كثيراً ما يسجل في بيتي وتأتي أجهزة الإذاعة إلى البيت، وكان هو أحد نجومه وأبطاله العظام، وظل حوالي عامين يذاع يومياً صباحاً ومساء.. أذكر معنا الشاعر إبراهيم عيسى أمد الله في عمره، وأذكر معنا الشاعر محمد العزب، وأذكر معنا الشاعر محمود الجرف، وأذكر معنا الشاعر محمود جبر شاعر آل البيت، وكيف كنا نقدم هذه البرامج وهذه النشاطات وكيف كنا أحياناً في شهر رمضان نسافر إلى الأقاليم قبيل العصر وقد نصل عند الفطور أو بعده، نقوم للناس بعد التراويح نسمعهم حتى يكاد يأتي وقت السحور فننصرف إلى القاهرة ونصلها أحياناً مع الفجر أو قبيل الفجر، ويذهب كل منا بعدها إلى عمله ولم ينم من الليل ساعة، ولكنه يذهب إليه نشيطاً قوياً متوثباً لأن ما كنا فيه كنا نقوم به من القلب، كنا نقوم به لأننا نحس بأننا نؤدي دوراً كان يجب علينا أن نقومه، وأذكر معه تلك المواقف الرائعة في مواجهة فتية مالوا إلى أفكار لا نحبها ومذاهب لا نرتضيها، وكيف كنا في كل ندوة يقوم واحد منا فيوجه إليهم سهاماً من الشعر ليصون روح هذا الشعر الإيمانية الإسلامية وقد كانوا كما سماهم عباس العقاد في تلك الأيام قرامزة، يذكر هذا ويذكر أولئك الذين نوجه إليهم سهامنا وكيف كانوا يتخاذلون من حولنا ولا يستطيعون أن يقفوا معنا، وأذكره يوماً ما، يوم كنا في مقام وقال هو وقال آخرون وهو يحفظ ما قال وأذكر مما كان في ذلك اليوم:
 
دعني بربك لا تفسد موازيني
دعني فمـا الزيـف مـن عرفـي ولا ديني
دعني إلى فطرة لم تعد شائبة
في نهجها أو تكن من وحي تلقين
ما قيمة الفن إن كانت نتائجه
بنت الظلام ومن نسج الشياطين
يا صاحبي والنعيم الحر
موهبة لم يهد يوما
يسير إليه من به شمم
ولا يميل إليه غير مأمون
سلني فمنه رحيقي عشت أنهله
مبرأ الكأس لم يخلط بمظنون
يا صاحبي ما عرفـت الشعـر صعلكــة
ولا اتجاراً بأهواء المساكين
ولـو سلكـت بـه مثـل الذي سلكـوا
لكنت في قمة ما نالها دوني
لكنني عفت ما حازوه من قمم
هي القمامة تعلو في ثرى الهون
وهم عليها ذباب في وضاعته
يطن في غفلة أو تيه مفتون
وحددت منهجنا الذي كنا نترابط به ونتواصى به ونتآخى عليه ونرتحل في كل مكان من أجله.
الشعر عندي إيمان وعاطفة
صادق الحس لا لهو المجانين
والشعر عندي آيات يفيض بها
نور من الله لا وحي الشياطين
من وحي كل نبي في مشاعرنا
لمزعة شعثت من عالم الطين
في لفظة حرة آباؤها عرب
لا لكنة من بقايا الغرب تلهيني
وواقعي كل ما يحيا بعاطفتي
إن كان من صبـوة أو كـان مـن ديـن
وآية الفن عندي أن يُرى وجهاً
من صولة الحق لا في خدمة الدون
جعلت من شعري المفطور مئذنة
أصب من فوقها وحي وتلحيني
وقمت في غمرة الإظلام أنشدهم
والنور ملء هتافاتي وتدويني
ناديت بالفجر في علياء مظلمة
وصحت بالركب أن هبوا أطيعوني
فما سمعت سوى الأصداء ترجع
لي والناس في النوم غرقى لم يجيبوني
فما يئست وما نهنهت من أملي
والريح تعصف من حولي وتطويني
وتنشر الشوك حولي وهي دائبة
ولا يزال شذاها من رياحيني
 
ومن هذا كثير وإنما ألقيت هذه لأذكره بعض ما قال كي يتحفنا به ليتضح نهجه الذي تحدث عنه المتحدثون.
أيها الأحباب، والشعر في العدوتين عدوة الجانب العربي الشرقي من البحر الأحمر. وعدوة الجانب الغربي من البحر الأحمر إنما هو كما يقولون تفاحة وقسمت نصفين، كما أن التغيرات الجيولوجية جعلت هذا الأخدود العظيم الممتد الذي صنع البحر الأحمر باعدت ما بين العدوتين ولكنهما في الأصل كانتا ملتئمتين، والفكر ما زال ملتئماً والوجدان ما زال واحداً واللغة ما زالت هي هي، الأصالة هنا والأصالة هناك، والصدق هنا والصدق هناك، والشعر هنا والشعر هناك، إن وجدنا في مصر التهامي والماحي وفلان وفلان نجد هنا الفقي وعواد وغيره.. لو وضعت هذا وهذا في ميزان الذوق العالي ستحس أن الفطرة هنا هي الفطرة هناك وأن الهاجس هنا هو الهاجس هناك، وأن المعاني الرائعة التي يقولها شاعر تربى بلبان القرآن في تراب مصر هو هو النغم العالي الذي تربى به شاعر من الجزيرة، تربى في حضن الوحي وعلى آثاره وأنغامه وآياته وأحاديثه، تجد النبرة الإسلامية هنا وتجد النبرة الإسلامية هناك، تجـد الفطرة العربية هنا والفطرة العربية هناك، تجد الجزالة والقوة التي لا تحبس الرقة ولا تميتها وتجد الرقة والشفافية التي لا يمكن أبداً أن تطفئ قوة الجزالة ولا عظمتها.. تجد بنياناً راسخاً من الفكر والفن يتقدم هنا ويتقدم هناك كأنما هما جناحا طائر هو الشعر أو الفن يحلق يمد جناحيه هنا على هذه الضفة وهذه الضفة فيجمع الشقيقين أو الأخوين أو الشيء الذي امتد هنا وامتد هنا وما تفرق على مدى الأيام والدهور.. أنا لا أحب أن أطيل ولكني أحب أن أحيي هذا الحشد الموجود ببعض أبيات كتبتها وأنا في الطريق من القاعة الداخلية إلى هنا أحيي فيها صاحب هذه الاثنينية وروادها وضيفنا، أبيات عجلة قد لا يكون فيها النبرة العالية للشعر، ولكن فيها الصدق والحب لهذه الاثنينية رائدها وضيفها.
 
فعـجباً لبـدور الاثنين
في أفـق صاف كلجين
في دار الخوجة تلمحها
في الفـن هـنا قرة عين
جمـعتنا الليلة بتـهامي
تـاج للشعر بـلا مين
جـددنا فيـها أيـاماً
كادت تنسى من عقدين
يا حـيا الله كـواكبها
والضيف وأهـل الفنين
والخوجة الجامع صفوتها
دومـاً في يـوم الاثنين
 
أما تحيتي لأخي التهامي فهي أبيات بعنوان الشاعر.. وهو الشاعر.. دعني بربك لا تفسد موازيني وجهناها لمن لا نحب أن نسمعه ولكني أقول لمن نحب أن نسمع:
في روضة الشعر حوم خالداً فيها
وسابق النجم في آفاقها تيها
وأيقظ الحسن في أعطافها ثملاً
لولاك ما ألهب الأشواق داعيها
لولاك ما غردت للروض أفئدة
ولا أحست جمالاً في مغانيها
ما فتنة العين إلا ومضة سنحت
لشاعر فمضى بالشعر يحيها
ما لوعة الحب إلا من مشاعره
ما سبحة الروح إلا من مجاليها
والشاعر الحق إحساس يضئ له
ويستشف من الآفاق خافيها
فاعزف لحونك مزهواً وأحي بها
ميت القلوب ونغم في قوافيها
وصبها أكؤساً صرفاً مبرأة
شوائب الغرب لم تفسد خوابيها
 
أشكر الله تعالى أن أتيح لي أن أحيي الصديق العزيز وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يمتعنا بما نسمع منه وما يعرضه علينا والسلام عليكم ورحمة الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :882  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 35 من 139
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل