شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك حبيبك وصفيك سيدنا محمد المصطفى الأمين وعلى آل بيته الطيبين وصحابته الطاهرين. وبعد.
أيها الحفل الكريم من سيدات وسادة، أرحب بكم باسم "الاثنينية" أجمل ترحيب في هذه الليلة غير العادية، والتي سنخرج بها عن النمط، الذي اعتدناه منذ ثلاثة وثلاثين عاماً، إذ دأبت "الاثنينية" منذ ذلك التاريخ وحتى "الاثنينية" الماضية، أن تكرّم الأعلام والرواد من رجال الفكر والأدب والفن في جميع أنواعه على مدى هذا العمر الطويل من الأحياء، وفكرنا لماذا تنسى"الاثنينية" الرموز والأشخاص الذين قدموا خدماتهم لهذا الوطن. لقد حان الوقت بعد تقصير منا -أعترف به- أن نبدأ، وفكرنا أن خير ما نبدأ به معالي الراحل الشيخ محمد سرور الصبان، فإذا قيل الشيخ، نقصد الشيخ محمد سرور الصبان ولا غيره ولا سواه. وقد أوضحت المنحى الجديد، الذي سنسير عليه بعد الآن تباعاً وسنرى كل من يستحق التكريم. وتطرح "الاثنينية" أمسية مع الرجال الذين نقدّرهم ونحترمهم، هذه الأمسية، لن يكون "للاثنينية" فيها إلا المقعد الذي أجلس عليه، فبعد كلماتي والمعلومات التي سأقولها وأستعرضها، أجير كل الأمسية من أولها إلى آخرها للأخ الكريم سعادة الدكتور محمد سالم سرور الصبان، فهو الذي سيدير الأمسية ويختار المتكلمين والتنظيم الذي سوف يتبعه في هذه الأمسية.
بالنسبة إلى الشيخ محمد سرور الصبان، لا أود أن أذكر سيرته الذاتية، ومن هو الشيخ محمد سرور الصبان، ولكن لديّ بعض المستندات التي وجدت أن أستعرضها معكم لأنكم على ثقة أنه لا يعلمها أي أحد أو ربما يعلمها القليلون، أمامي هنا وثيقة ممهورة بنائب الملك فيصل في سنة 1344هـ، 1 رجب موجهة إلى الشريف شرف رضا المحترم.

 
تقول: حضرة الفاضل الشريف شرف رضا المحترم. أتشرف أن أفيدكم أنه قد صدر أمر جلالة الملك بتعيينكم لوكالة المالية، فعليه أرجو مباشرتكم العمل من تاريخ باكر السبت الموافق ثاني رجب 1344هـ، وبمعيتكم رئاسة الكتاب الشيخ محمود شهلوب ورئاسة المحاسبة الشيخ عبد المقصود خوجه، وينبغي تبليغهم من قبلكم لحضورهم في الوقت المقرر، ولإشعاركم بذلك. نلاحظ أن نائب الملك يوجّه الرسالة إلى الشريف شرف رضا، ومرفق الرسالة بتشكيلات المالية، وقد كتب على طرف الرسالة أن الرواتب الشهرية باعتبار الجنيه يساوي عشرة ريال وخمساً وعشرين هلله.

 
لن أذكر الأسماء كلها، والأشخاص الواردة أسماؤهم ولكني سأذكر فقط شخصين (رئيس الكتاب كوظيفة محمد شهلوب ويتبع له رئيس أموال المدينة المنورة وكتابة إدارتها، وراتب رئيس المحاسبة 1500 قرش، ورئيس المحاسبة خوجه عبد المقصود راتبه 1200 قرش، -ويعدّ خوجه بالنسبة إلينا أستاذاً (معلم)- وقد عيّن مدير أموال مدينة جدة وكتاب دارته، وبشكل متتالي بعد ذلك عيّن كـ (أمين الصندوق، كاتب المعاشات، اليومية، الموازنة، مقيد الأوراق، كاتب الصندوق، مبيض، كاتب المعاشات، فراشين، مصاريف متفرقة) ووكيل المالية 3500 قرش.
وقّع هذا الخطاب من وكيل المالية الشيخ محمد سرور الصبان (وهنا نعرض توقيعه للأخ محمد سالم ليتعرّف بالتوقيع، الّذي أعرفه وهو توقيع الشيخ محمد سرور الصبان، والكتاب موقع من الشيخ محمد سرور الصبان تحت مسمى وكيل المالية، ويلاحظ أن الخطاب لجلالة الملك، ويقول: صاحب الجلالة ملك الحجاز المعظم وفقكم الله للسداد، أعرض لجلالتكم ما ظهر لداعيكم العاجز من تشكيل دائرة المالية وملحقاتها لشموله بصدور الإرادة بتصديقه من لدن جلالتكم، إذا وقع موقع الاستنساب والقبول ليكون العمل بموجبه. والمولى يديم توفيقكم مولاي، 3 رجب 1344هـ (وكيل المالية محمد سرور الصبان).
الأمر الذي يطرح علامة استفهام هنا أنه في سنة 1344هـ كان الشيخ محمد سرور الصبان وكيل مالية، وبالأمر الذي أمر به نائب جلالة الملك فيصل للشريف شرف تعيينه بهذا المنصب، فهل هذه الوظيفة محصورة على شخصين، أم كانت للشيخ محمد سرور الصبان بعد ذلك وظيفة أخرى؟ في الحقيقة، هذا السؤال ليس عندي الإجابة عنه، ولكن كأمانة تاريخية، رأيت أن أستعرض هذه الورقة والمستند بعدما وجدتها من ضمن أوراق والدي، وأظن كثيراً منكم لا يعلم عن هذا الأمر أو بهاتين الوثيقتين، ووجدت من ضمن أوراق الوالد برقية ليس عليها تاريخ وإنما يتضح من السياق أنها سنة خمس وخمسين.

 
ويقول صاحب المعالي وزير المالية الأفخم: اطلعت إدارتنا على بيانات الحج للعام 1355هـ، التي طبعت بالمطبعة الشرقية بجدة حالة كونها لم تعرض على إدارتنا، ولما كانت هذه البيانات توزع في الخارج فقد كان الأولى أن تكون بطبع جميل، وشكل أنيق لهذا أكون ممتناً إذا تفضلتم بإفادتي عن أسباب ذلك. في الحقيقة، من يستطيع أن يتكلم مع عبد الله السليمان في ذلك الوقت على أمر كهذا، وما كان للأمر عندي تفسير، كما وجدت وثيقة أخرى لكن بعد هذه الوثيقة، التي استدللت برقمها (799)، بينما الوثيقة الثانية (872) ولكن عليها تاريخاً وهو 10/9/1355هـ، للنيابة العامة، أرفع لمقامكم أن إدارة أم القرى كتبت لوزارة المالية تسألها عن الأسباب التي حدثت بها في طبع بعض بيانات الحج بالمطبعة الشرقية، وحين مراجعة قلم تحريرات الوزارة عما تم في تلك المعاملة، أفادوه بأنها حفظت، ومن حيث أن المادة الثالثة من قرار مجلس الشورى رقم (246) تاريخ 21/11/1354هـ والمصدق من مقامكم السامي رقم 1801 بتاريخ 16/2/1355هـ تقضى بعدم طبع أي مطبوعات رسمية في أي مطبعة أخرى، ومن حيث أن مطبعة أم القرى هي المطبعة الرسمية للحكومة، لذا أسترحم إصدار أمركم على المالية بتنفيذ قرار مجلس الشورى وبالتعميم للدوائر الرسمية كافة بذلك حفظاً للمصلحة العامة.

 
أجد من واجبي أن أستعرض بعض النقاط. نعرف جميعا أن الشيخ محمد سرور الصبان ولد في سنة 1316هـ، هناك كتاب صدر عن دارة الملك عبد العزيز، والمفروض أن يكون اطّلع عليه كثيرون، والكتاب تحت السادس عشر للدارة وهو كتيب صغير يحمل ما يسمى يوميات حسين عبد الله باسلامه،

 
ورد في الصفحة (31) في الهامش عن دارة الملك عبد العزيز تعريف بالشريف شرف رضا،

 
ويقول من ضمن الشرح الطويل: تولى الشؤون المالية بعد توحيد الحجاز وكانت تسمى وكالة الشؤون المالية ولثقة الملك عبد العزيز في كفاءته فقد تنقل في مناصب مهمة عديدة، إذاً الشخص المسؤول عن تولي الشؤون المالية في سنة أربع وأربعين هو الشريف شرف، وأنا أمام مفارقات عجيبة فالشيخ محمد سرور وكيل مالية، والشريف شرف وكيل مالية، فالشريف شرف كما تقول دائرة الملك عبد العزيز هو المسؤول عن الشؤون المالية بعد توحيد الحجاز، وكلها أسئلة ليس لها إجابة عندي نطرحها ليقول الجمع منكم من يعرف أي إضافة قد تفيد.
كان لدى الوالد والشيخ محمد سرور الصبان بعض الحساسيات، وسببها أن مركز رئاسة تحرير جريدة أم القرى يعدّ مركزاً ذا أهمية تعاقب على رئاسة تحريره كما نعرف الشيخ أبو علي الشيخ يوسف يس رئيس الشعبة السياسية، وبعده كان معالي الشيخ رشدي ملحس، وكما نعرف الأول من سوريا من اللاذقية بينما الشّخص الثّاني التحق بالملك عبد العزيز والشخص الثالث ليكون من ضمن المستشارين ولم يستطع الاستمرار في جريدة أم القرى؛ فأتى بالشيخ الرشدي الذي بعد ذلك التحق بالشعبة السياسية نائباً لها ووضع الوالد، فكانت صباحيات أم القرى هي الجمع الذي يجمع الكثير من أدباء الحجاز ومن الضيوف، الذين يأتون إلى المملكة. فكانت تعقد صباحيات في جريدة أم القرى ويطلعون فيها على ما يسمى المبادلة، والمبادلة في عرف الصحافة هي أن أرسل لك جريدتي أو مجلتي، وأنت ترسل لي بالمقابل ما تصدر، فكانت الجهة الوحيدة التي لديها عدد الإصدارات عن الخارج من المجلات والجرائد هي جريدة أم القرى، لذا كان ينعم بقراءتها من يزور هذا المجلس ويتعرف إلى كبار الحجاج من زعماء وكتاب وأدباء. وفي الليل كانت تقام أمسيات في دارة الوالد سببها وجود المذياع، وكان عندنا في البيت مذياعان أو ثلاثة "أتاريك" -على حساب الدولة- وليست على حساب محمد سعيد عبد المقصود خوجه، وكانوا يجتمعون لسماع الأخبار، وتعارف بعضهم إلى بعض. وكان الوالد حينما يذهب إلى مصر يرحب به وتكتب عنه الصحف، وهي عادة المصريين في الكرم والترحيب. ووجدت بعد سنين طويلة، ومنذ عشرين سنة، تلقيت رسالة من الشيخ كمال أدهم يقول:
 

 
عزيزي الأخ عبد المقصود، حفظه الله. تحية أخوية، مرفق صورة قديمة منقولة من إحدى المجلات المصرية، أرجو أن تحوز على إعجابكم، وإلى لقاء قريب. أخوك كمال أدهم. هذه هي الرسالة والصور المرفقة (النحاس باشا يزور مدير مطبعة الحجاز، صوره للنحاس باشا يصافح الوالد وهو "بالروب" ويقول صاحب المقام الرفيع النحاس باشا في أثناء زيارته زعيم الشباب الحجازي الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود مدير مطبعة الحكومة الحجازية بالمستشفى الإسرائيلي بالقاهرة، والصورة تمثل رفعته وهو يصافحه عقب انتهاء الزيارة.

 
في الحقيقة ليس هناك زعامة ولا شباب حجازي يحتاج إلى زعيم وإنما قضية ترحيب وكلمات تلقى على عواهنها. تركت هذه الأشياء نوعاً من الحساسية بين الشيخ محمد وبين الوالد ورأيناها في الوثيقتين (الشكوى لوزارة المالية، الشكوى للنيابة العامة)، وهي ليست شكوى لوزارة المالية بقدر ما هي شكوى ضد الشيخ محمد سرور، وكانت العلاقات بين الاثنين هي علاقات كبار ولا تتعدى هذا الأمر. للتاريخ تمضي الأيام والسنون وبعد ثمانين سنة من هذه الحادثة يزورني صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز في 8/10/18/1433هـ، ونشرت الصحف آنذاك هذه الصور وأنا أقابل الأمير بالروب، يعني التاريخ يعيد نفسه، ونشرت في جرائد الوطن، عكاظ، الرياض، الجزيرة والبلاد.
 

 
أما الزيارة الثانية في 1/9/1455هـ وآنذاك كنت أحسن صحة وبثيابي الكاملة، وقد نشرت الجرائد عن هذه الزيارة ومن ضمنها عكاظ، كتبت الترويسة هذه هي المملكة، وهذا هو الأمير سلمان، بعد هذا في سنة 1924 هـ في الشهر التاسع يوم 9 وردتني رسالة وهي تقول سعادة الأخ الأستاذ /عبد المقصود محمد سعيد خوجه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يطيب لي أن أرسل لكم نسخة من وثيقة اطّلعت عليها في أرشيف وثائق الدارة ورغبت اطّلاعكم عليها، وتقبلوا تحياتي وتقديري.

 
 
 
الأمين العام الدكتور فهد بن عبدالله السماري.
 

 
والوثيقة المرفقة عبارة عن خطاب من وزارة المالية والاقتصاد الوطني، ومكتب الوزير بتوقيع وزير المالية والاقتصاد الوطني آنذاك الشيخ محمد سرور الصبان برقم 4618 وتاريخ 10/5/1375هـ، هذا الخطاب لوكيل الوزارة على الرغم من أنه يخصني لم يسبق أن اطّلعت عليه باعتباره رسالة بين الوزير ووكيل الوزارة، ويقول حسب الأمر الشفوي الصادر لي من جلالة الملك المعظم، اعتمدوا تخصيص 1000 ريال عربي شهرياً لعبد المقصود محمد سعيد عبد المقصود الخوجه تصرف له عن طريق يد الشيخ حسين العويني في بيروت اعتباراً من شهر جمادى الأولى 75هـ وقيدها من الرواتب الشخصية، ودمتم.
وزير المالية والاقتصاد الوطني الشيخ محمد سرور الصبان صورة لدولة الشيخ العويني،

 
رقم الموضوع يخصني ولم يسبق أن كان عندي له صورة وهذه الصورة أرسلها إليّ الدكتور فهد السماري، كما يبدو أنه وجدها ضمن أرشيف وزارة المالية ضمن الوثائق، التي يعتنون بها، وكان حسين العيوني يقوم بالدور، الذي قام به فيما بعد رفيق الحريري لأنه لم يكن عندنا أكثر من مفوضية وحتى أنه لم يكن بها وزير مفوض تابعة للسفارة في دمشق، عندما كان السفير لها الشيخ عبد العزيز بن زيد وإنما جميع الأمور السياسية والصحفية والخدمات الخاصة بالأمراء وغيرهم من الشخصيات كان يقوم بها مكتب الحاج حسين العويني، الذي كانت له علاقات كبيرة ووطيدة بالمملكة وخصوصاً مع الملك عبد العزيز ومعروف عندنا هنا في الأوساط التجارية قبل أن يصبح نائباً للبرلمان اللبناني ومن ثم وزيراً لمرات عدة، فكان يسمى دولة الرئيس حسين العويني. قصة هذه الرسالة أن الشيخ عبد الله بلخير عينني كاتب الشفرة والطابع بتقارير الحاج حسين العويني لأنه كبر في السن والأشياء كثرت عليه، وتساءلت، لماذا يختار سعودياً؟! فالحس السياسي للرجل وخشيته من أن تتسرب الأخبار أو أن الشخص الذي يمكن أن يكون بعد ذلك قد يتكلم على المواضيع التي كانت تدور، فأحب أن تتحمل هذه المسؤولية المملكة العربية السعودية وهي تعيّن من قبلها، والشيخ عبد الله بلخير اختارني فاشتغلت عند الحاج حسين العويني ثلاثة وأربعة أشهر ولم أقبض راتباً، فاتصلت بالشيخ عبد الله بلخير فطلب مني أن آتي إلى المملكة في الرياض، فذهبت إلى هناك، وشكوت له ما يجري معي، فأنا لا مورد آخر لدي، ولم يصرف لي أحد راتباً، فقال لي هذا الأمر يحلّه الشيخ محمد سرور، وأنا لا أحب أن أراه لأنّ له موقف غير ودي من والدي، أتيت سنة 73هـ مع وفد رابطة علماء دمشق، الذين أتوا يومها لمناصحة الملك سعود وتهنئته، ونزلوا في جدة وكانوا خمسة (الشيخ محمد أبو الخير الميداني رئيس الرابطة، محمد حسن الكتاني نائب رئيس الرابطة، عثمان قويدر، حسن حبنكه، والشيخ محمد الأشمر) وكنت أنا سادسهم كسكرتير للوفد وتلميذ للشيخ السيد محمد مكي الكتاني نائب الرئيس، فأتى الملك سعود آنذاك وكان في زيارة إلى المنطقة الشرقية، وأرسل الشيخ مجمد سرور ليرحب بالوفد ويرسلهم له في المنطقة الشرقية فكان سلامي على الشيخ محمد سلام بارداً لا يليق بمثلي مع مثله، وعندما قابلت الشيخ محمد سرور قابلته على استيحاء، وشرح له الشيخ عبد الله بلخير الموضوع، وصار يود أن يخصص لي راتباً، فسمعت من الشيخ محمد سرور ألف ريال ولم أصدق نفسي لأن ألف ريال بمفاهيم تلك الأيام مبلغ كبير، ورأى الدهشة في عين الشيخ عبد الله بلخير وفي عيني، وقال هذه لمحمد سعيد وهو يستحق ذلك، ثم قال لي: يا بني، لم يكن بيني وبين والدك أي شيء يوم طلعت من مكة إلى الطائف لحضور دفنه، كن رجلاً مثل أبيك، أبوك لو عاش لكان مصطفى كامل الحجاز. في الحقيقة، ما كنت أعرف ماذا يعني مصطفى كامل الحجاز، أتيت بعدها لأقرأ سيرته وعرفت من السيرة هذه أن هناك شبهاً في نقاط عديدة، وأن الرجل كان زعيماً وطنياً معروفاً للجميع وأنه كان يكتب مقالات ملتهبة وطنية. وتوفى وهو صغير بمرض السل، المرض نفسه الذي مات به الوالد وهو في صغر سنه أيضاً، وذهبت فرحاً مسروراً بالراتب ونبّهني بعض الأشخاص الذين لهم من العلم ما هو أكثر مني، أن الرواتب من هذه الشخصية ستنقطع عندما يدفعونك إلى ترك العمل أو تترك العمل، فرجعت مرة ثانية للشيخ عبد الله بلخير أشكو، فقال لي: "علينا أن نذهب إلى الشيخ محمد سرور". فرحت ومعي الشيخ عبدالله بلخير وبعد ما شرحت له الموضوع وشرح له الشيخ عبد الله، قال له: "أبداً، سنزيده 200 ريال ونضعه من ضمن الكادر". كنت يومها أصغر موظف دولة يأخذ هذا الراتب في هذه السن، كل هذه من مآثر الشيخ محمد سرور الصبان وبقي هذا السر وأنا لا أملك له أي مستند إلى أن توفرّت بعد هذه السنين كلها تلك الوثيقة في سنة 1429هـ (هذه الوثيقة معها خطاب معالي الشيخ محمد سرور الصبان لوكيل الوزارة). الشيخ محمد سرور الصبان له لفتات غريبة، لقد كان أنيق العبارة، وانتقائياً لها. مثلاً، عرفت من الشيخ عبد الله بلخير كما روى لي أن السيد علي فدعق كان أحد المبتعثين في العراق يدرس الشؤون التجارية والمالية والتحق بالعروة الوثقى المعروفة، التي نشأت في الجامعة الأمريكية في بيروت وكانت المملكة لا تنظر إليها بعين الرضا، فبلغها أن السيد علي فدعق له اتصال بالعروة الوثقى وكان يخشى عند عودته أن يسأل، فتوسط عند الشيخ عبد الله بلخير في الموضوع، فرأى الشيخ أن الموضوع أكبر منه - كما يروي الشيخ عبد الله بلخير- خبّر الشيخ محمد سرور بالموضوع. فقال له: إن أحسن شيء (أن نغسل أوساخ العراق بصابونة مصر)، وفعلاً أرسل الشيخ علي فدعق بدلاً من أن يكون مبتعثاً في العراق إلى مبتعث في مصر، وأكمل السنة وعاد وهو في أمان واطمئنان، روى لي ثقة أن الشيخ محمد سرور كان حوله وهذا من الطبيعي في أيامها أن الذي يقوم بأمور الدولة من كتابة وغيرها هم الأدباء. وكان حول الشيخ محمد سرور آنذاك في وزارة المالية (الشيخ محمد حسن فقي، حسين زيدان، عبد الوهاب آشي، السرحان، السيد حسن كتبي) وغيرهم.. فأرسل له يطلب سلفة فكتب عليها: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ]لقمان: 34[ فأخذها الكتبي واستغرب، في اليوم الثاني، ألقوا القبض على السيد محمد حسن كتبي، والشيخ محمد سرور عنده الخبر على أساس أن الموظف لا يمكن أن يؤخذ إلا عن طريق رئيسه وكان لم يبلغ السيد حسن كتبي بعد، فلما رأى الرسالة كانت هذه العبارة الجميلة التي وضعها. ووصل الشيخ محمد سرور إلى مرتبة تعيين وزير دولة وكانت تربطه صداقة بالشيخ إبراهيم السليمان العقيل وبحسب العلاقة طلب من الشيخ محمد سرور أن يسعى عند الملك سعود إلى توظيفه كوزير دولة فأعطاه اللقب، وأبو حسن (الشيخ محمد سرور الصبان) نفّذ الأمر وأصبح الشيخ إبراهيم السليمان وزير دولة، فالملك فيصل حينما اطّلع عليها وكان نائباً للملك في الحجاز شكّ بأن الشيخ إبراهيم السليمان على صلة غير القنوات (قنوات الملك فيصل) فقال له: "يا إبراهيم مبارك لك، لكن أنا لا أستطيع أن يكون مدير مكتبي وزيراً، مرتبتي لم تصل إلى هنا". فعرف الشيخ إبراهيم أن قضيته انتهت مع الملك فيصل وأصبح خارج الشغل فرجع إلى الشيخ محمد سرور وشكا له، فقال له: "اترك لي الموضوع". فقام بترتيب الأمر مع الملك فيصل وعين سفيراً في القاهرة.
أما الشيء الثاني، فقد روى لي ثقة ويعرف هذه الثقة الأخ محمد سالم محمد سرور الصبان -لكن لم يصرّح لي بذكر الاسم- أن الشيخ محمد سرور عندما عيّن.. هنا لا بدّ لي من ذكر مقدمة صغيرة للشيخ محمد سرور الصبان، مات الملك عبد العزيز سنة 1373هـ في الثاني من ربيع فلم يعيّن وزير المالية إلا في 1/1/1374هـ وفي هذه المدة الطويلة كان قد صدر بعد وفاة الملك عبد العزيز بخمسة أيام لقب وزير دولة للشيخ محمد. ولم يعيّن أول وزير دولة ولم يعين آنذاك قبله وزير دولة، ولا عيّن وزير مالية، وكانت الناس تنتظر أن يصير الشيخ محمد وزيراً للمالية في أول يوم يأتي الملك سعود، وفي الحقيقة كان هناك انقلاب أبيض (دعونا نسميه هكذا) يعدّه الملك سعود كان طرفه الشيخ عبد الله سليمان. استمر في العمل في المرحلة التي صار فيها الانقلاب على عبدالله السليمان الذي كان حوله برامكة الأمس (أحمد موصلي، محمد باحارث، عبد الرحمن مؤمنه) وكان الشيخ عبدالله والجماعة حوله مستأثرين بمناصب المالية، وإذا قيل وزير المالية فهذا يعني أنه لا يوجد سوى عبد الله السليمان، وكان في أيامها الملك فيصل -في آخر أيامه- وتوفي وهو وزير الخارجية. ويوجد الأمير منصور وهو وزير للدفاع ولكن إذا قيل (وزير) فهو عبد الله سليمان، لأنه الملك غير المتوج نائبه أي مساعد وزير المالية كان الشيخ حمد السليمان، ومساعده السليمان الحمد وأحمد موصلي مدير مكتبه، وأتى بالأخ محمد باحارث وكان من دهاة الرجال وسلمه المكتب، ووجد أنه على الرغم من أن هذا (خاله) يجب أن يكون بعيداً عن دربه، ولما أتى به محمد السليمان كان وكيل وزارة مساعد، أتى له بعبد الرحمن مؤمنه وهو أيضاً ابن أخت الشيخ أحمد موصلي، محمد باحارث أحب أن يزيل أحمد من طريقه تماماً، فاختاروه مسمى وزير الاقتصاد الوطني، والحقيقة أنه لم يكن هناك اقتصاد، ولم تكن هناك وزارة، وإنما هذا المنصب لإخراج أحمد موصلي من مكتب وزير المالية وكان مكتب وزير المالية في شركة (كوفنكو) فأخذوا له شقة في بناية الكهرباء، التي كانت أعلى البنك الوطني آنذاك أمام بيت (زينل) وسموها وكالة وزارة الاقتصاد، وعبدالله السليمان لم يوقع قط على ورقة باعتباره وزير المالية والاقتصاد الوطني، وأول من وقع تحت هذا المسمى الشيخ محمد سرور الصبان. روى لي ثقة أن الشيخ محمد سرور الصبان استمر في الوظيفة –على ما أعتقد- إلى 77هـ وأظنه الشهر الثامن من هذه السنة، أيامها لم يكن هناك إعفاء بناء على طلبه، وأول أمر يصدر بناء على طلبه للعلاج في الخارج، وعين بديلاً عنه الشيخ عبد الله بن عدوان كوزير مالية، واختار الشيخ محمد سرور أن يذهب إلى مصر. في بيت قصر العروبة، الذي زرته ورأيته في شارع العروبة في مصر الجديدة، وكانت له جلسة كل يوم أربعاء يأتي إليه كبار الرجال من زعماء وكتّاب ومقيمون في القاهرة، وكان الشيخ محمد سرور دائماً كالقمر يحوم حوله الأشخاص كالنجوم وله شخصية، وله حديث وعلى درجة كبيرة من الثقافة والفهم والإدراك، أتاه اثنان من المقرّبين لفيصل يدّعيان أنهما يريدان الرجوع إلى الحجاز، فقال لهما بلغا الأمير فيصل أنني أحب الرجوع إلى أهلي، فلما وصلا بلغا الأمير فيصل آنذاك أن الشيخ محمد سرور يريد الرجوع إلى بلده وأهله، فكان أن قال لهما ومن قام بمنعه، أو أجبره على الخروج من بلده أصلاً؟ فرجعا إلى الشيخ محمد سرور الصبان وعلى إثرها عاد في العام 81هـ، وعين أميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي.
في الحقيقة، أعطى للرابطة وزناً وثقلاً لم تمر به إطلاقاً، ولا يمكن أن يمر بها شخص بوزن الشيخ محمد سرور الصبان كياسة وسياسة من النواحي كلها. بعد وفاة المفتي العام الشيخ محمد إبراهيم، عيّن الملك فيصل الشيخ عبد العزيز بن باز لكن تحت مسمى أن لا يتكرر المفتي العام تحت مسمى الدعوة والإرشاد والإفتاء حتى لا يكون هناك مفتى عام ولم يكن يومها فيصل قد نزل، وكان وقتذاك موسى الصدر قد نزل إلى المملكة وهو أحد أعضاء الرابطة، وكنت أيامها في المديرية العامة للصحافة والإذاعة والنشر انتقلت فيها بعد عملي مع الحاج حسين العويني والمكتب الصحفي في بيروت وحينها لم تكن هناك وزارة إعلام فكنت موجوداً كمندوب للمديرية العامة للصحافة والإذاعة والنشر، فبدأ موسى الصدر كلمته كما أذكر (يا عيون الإسلام). وبدأ يتكلم على العموم بما يفيد (إننا نتقرب إليكم كشيعة وإنكم بعيدون عنّا) فلماذا هذا التباعد؟ وبدأ يتكلم في هذا الموضوع. فقام واحد كبير وقال للذي معه: " قم فقل لفيصل عبر الهاتف ما يجري"، فاتصل بالأمير فيصل فكانت التعليمات أن يتركوه ليقول كل ما عنده، لكن فهّموا الشيخ محمد أن لا يرد عليه، والشخص الذي تلقى المكالمة شخص معروف بصلته مع فيصل، وكان لبقاً فلم يخبر الشيخ الرسالة لأنه على المنصة، وكان هناك مَنْ يرافق الشيخ محمد سرور دائماً وهو (عمر نجار) يحط الغبانه على كتفه الشمال ويلبس كوفية جاوي، فقال هذا الشخص لعمر نجار: "قل للشيخ محمد سرور الرسالة كذا.." فقالها، والشيخ محمد تركه يتكلم ويسترسل إلى أن حان وقت آذان الظهيرة، فقال حان الآن وقت الصلاة، نختتم الجلسة وأنتم بخير وأنهى الموضوع. وقد حضرت قبل هذا موقفاً بين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد سرور الصبان ومفتي عمان أباضي، فقد اختلف الرجل وعبد العزيز بن باز، حينما قال: "أنتم سلفيون وليس على النهج القويم"، وأذكر أن الرجل كان صغير السن نحو (40 سنة) فرد على الشيخ بن باز بشراسة، وقال له: "أنت ليست لديك هذه المكانة ولا القول وإذا كنت على الصراط المستقيم فتعال لتناظرني وأناظرك، أما أن تتكلم مثل ذلك فهو مردود عليك". والشيخ محمد سرور بكل بساطة قال: "نحن الآن على العموم سمعنا للطرفين فدعونا نكمل الجلسة وبعدها سيصير كل الخير، وحدّد مفتي عمان انسحاب عمان من الرابطة فطيّب الشيخ محمد خاطره وترك الموضوع إلى آخر الاجتماع، وبعد ذلك اجتمع مع مفتي الأباضية واعتذر له عن المملكة وجعل الشيخ عبد العزيز بن باز يعتذر وانتهت القضية وامتصّ الأمور. وأظن أن شخصية مختلفة عن محمد سرور الصبان لا تستطيع وقف أمور كهذه وصدّها بأي شكل من الأشكال.

 
لدي هنا كتاب الدارة، وربما كثيرون لم يطلعوا عليه، وقبل أن أقرأ ما ورد في الصفحة 53، أود أن أوضح كيف تمت طباعة هذا الكتاب، أتاني الدكتور عبدالله باسلامة ومعه مذكرة صغيرة، أعطاني إياها وذلك بسبب ورود اسم جدي في نص سأذكره الآن فشكرته ومررت المذكرة إلى الأمير سلمان لأنه دائماً معني بمثل هذه الأمور ولما رأى الكلام المكتوب والمحصور بين صفر 44هــ إلى القعدة، فقد كان والد الدكتور عبد الله باسلامة الشيخ باسلامة دقيقاً. يقول مثلاً: (ركبنا السيارة الساعة العاشرة وخمساً وعشرين دقيقة، ركبنا سيارة فلان، نزلنا عند فلان، طلعنا عند فلان) فالأمير سلمان لما رأى النوتة فأحالها إلى دارة الملك عبد العزيز، التي وضعت لها حواشي كثيرة. وقد أمر الأمير السليمان أن تطبع هذه النوتة فصدرت في الكتاب وفي الصفحة 52 يقول فيها الشيخ حسين باسلامة: "تكرر انتخاب سبعة أعضاء لهم خبرة بالأمور المالية وهم الشريف حسين عدنان، فهد عدنان، السيد على كتبي، محمود شلهوب، عبد الوهاب عطار، عبد المقصود خوجه، محي الدين حلمي) ثم تقرر أن أكون معهم الشخص الثامن لنصير ثمانية أشخاص، وعبد الوهاب عطار هو جد الشيخ سراج عطار، ومحمود شلهوب هو ليس من عائلة شلهوب النجديين، إنما من عائلة موجودة عندنا في القرارة تحت اسم محمود شلهوب، وقد تتبعت جذورها فعرفت أن محمود شلهوب قد توفي ولم يرزق بذرية وبهذا انتهت عائلة محمود شلهوب الحجازية.

 
وفي الصفحة 53 ورد خبر بتاريخ 11/رجب /1344هـ يقول الشيخ توجهنا من مكة المكرمة إلى جدة بالسيارة الساعة التاسعة وخمس عشرة دقيقة ووصلنا البحر الساعة العاشرة وسبعاً وعشرين دقيقة، وقمنا من البحر الساعة الحادية عشرة، ووصلنا جدة الساعة الثانية عشرة تماماً، ثم واجهنا جلالة الملك في بيت محمد نصيف وتعشينا معه، وبعد العشاء أخبرنا أن المهمة التي دعينا لها هي عمل ميزانية لمالية الحكومة الحجازية عموماً. نشرت هذا الكلام كما أوردت الحاشية في الدارة صحيفة أم القرى في العدد 58 السنة الثانية يوم الجمعة 22 رجب سنة 1344هـ، هذه المذكرات في الحقيقة تحوي نقاط عديدة، ولا بدّ لكل من يعنيه الأمر أن تكون عنده نسخة، وأنا عندي منها، لأن أيام صدوره طلبته منه، فأعطاني مائة نسخة وزعت كثيراً منها ولا يزال عندي بعض النسخ وأنا مستعد أن أعطي أي واحد يطلبها، والمستندات كلها التي أشرت إليها مستعد أن أعطيها لأي أحد يطلبها من سكرتارية "الاثنينية" لأنها ملك للجميع، وليست ملك لي. ولكن ما زال لدي علامات استفهام عديدة أولها ما ذكرته في سنة 1344هـ أمام اثنين من وكلاء المالية، ففي ترجمة الشريف شرف أنه كان هو المسؤول عن الوكالة، إذاً، الشيخ محمد السرور لما أتى مسؤولاً في سنة خمسين كان قبلها معاوناً لأمين العاصمة من أيام الأشراف، ترقى من البلدية فوصل أمين العاصمة في العهد السعودي أول ما استطعت الوصول إليه، عيّن رئيساً لقلم التحريرات بوزارة المالية ثم مديراً عاماً لإدارة وزارة المالية ثم مستشاراً عاماً لوزارة المالية، والحقيقة لم يكن عبد الله السليمان ومن حوله يريدون لمحمد سرور الصبان أن يكون مساعداً لوزير المالية أو وكيلاً، فبقي طول عمره في هذه الوظيفة ولكنه كان هو الذي يدير وزارة المالية وهو الرجل المفكر، والدماغ الذي كان عنده جميع الحلول للمشاكل التي كانت تمر بها المملكة آنذاك المادية. كما لفت نظري في الكتاب هذا أنه توجد مبالغ نراها كثيرة بحساب ذلك الزمان وكنت أعدّها بالقرش لكن وجدت مثلاً اللجنة هذه قد قررت (11. 666 جنيهاً) دعماً للخزينة العامة لمصاريف الدفاع، وبلغ هذا المبلغ نحو ( 000.150جنيه) في السنة ورأيت هنا ضمن الأشياء المكتوبة أن (3000) للمحاسبة (50.000) في القعدة للمالية للتوقيع عليها. فهل كان الشيخ باسلامة مكتوباً عنه بأنه مسؤول عن الأمور المالية كمؤسسة النقد ولهذا ترسل له الأموال؟ هذا سؤال أنا لا أقدر أن أجاوب عليه، وأعتقد أن الذي قلته حتى الآن فيه الكفاية، على الرغم من أنني أمتلك أشياء أخرى، ولكن طلب مني المسؤول عن الأمسية وهو الأستاذ محمد سالم سرور الصبان أن لا آخذ أكثر من 15 دقيقة وأظن أنني تجاوزتها.
 
طباعة
 القراءات :1801  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 192 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.