((الحوار مع المحتفى به))
|
نازك الإمام: شكراً أخ محسن. |
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
أصحاب المعالي أصحاب السعادة السيدات والسادة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ضيفنا الليلة هو شخصية فذة، جمعت بين مختلف الثقافات الشرقية والغربية، فهو الناقد، والباحث، والمشرف، وهو علم بارز يشرق اليوم في إثنينيتنا، فمرحباً بفارس هذه الأمسية، سعادة الدكتور معجب بن سعيد الزهراني، مكرماً بيننا، ونبدأ في طرح الأسئلة، بداية مع الأستاذة سميرة سمرقندي، ناشطة اجتماعية، فلتتفضلي. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستاذنا، كتابك عن الحرية لشقة الحرية عند غازي القصيبي، ماذا أضفت، أو غيرت، أو نقدت، في كتاب غازي؟ خصوصاً وأن الكتاب لقي صدى واسعاً ما بين ناقد ومادح وحتى جارح، وشكراً. |
الدكتور معجب الزهراني: شكراً يا عزيزتي على هذا السؤال الماكر أو الذكي جداً، كتبت عن شقة الحرية أول ما ظهرت قبل أن تتحول إلى نص منتشر بقوة، وقبل أن تتحول طبعاً إلى فيلم، وكتبت عنها كما هو واضح من العنوان، أعجبتني كثيراً هذه اللغة المنطلقة، هذه اللغة الحرة، هذه اللغة الصادقة، وهذه اللغة التي تصل أحياناً إلى حد الجرح أو الفضح، من دون أن تجرح أو تفضح، ومن مسؤول كبير في مؤسسة الدولة الرسمية، ومن أستاذ جامعي قدير، فقد كنت في الجامعة وكان عميد لكلية التجارة، فاحتفيت أو الحقيقة حاولت أن أبرز هذا الجانب، كيف أن إنساناً في لحظة من اللحظات، وهو في هذا الموقع الرسمي، وحوله من الخصوم الكثير الكثير، من خصوم الشخص، ومن خصوم الفكر، ومن خصوم الأدب ومن خصوم التنمية الوطنية، أذكر أنني أشرت غير مرة إلى أن الرواية الجديدة في المملكة العربية السعودية، فتح بابها على مصراعيه غازي القصيبي وتحديداً في نص شقة الحرية، فمن هذا الباب دخلت يا عزيزتي سميرة، وأرجو أن تدخلي منه، لكي تقرئي غازي الذي ظل طوال أربعين سنة صامتاً عن ذاته العميقة، ذاته المليئة بالتجارب، بالأفكار، وبالأطروحات، ثم انفجر مثل سد مأرب، لأن العصفورية، "أبو شلاخ البرمائي"، وبقية الروائيات، كلها في اعتقادي شخصياً، قلبت صورة غازي القصيبي في ذهني، وبالتالي أرجو أن نقرأ غازي القصيبي باحترام كبير، وبمحبة أكبر، لأنه يستحق أن يُقرأ في كل ما كتب، وخصوصاً في رواياته. |
عريف الحفل: السؤال الآن للدكتور زيد الفضيل. |
شكراً جزيلاً، دكتور معجب إذا كنت تذكر معرفتي بك تعود إلى بدايات عودتك من الخارج، إلى أرض الوطن، في تلك المرحلة كانت يجمعنا على الأقل في بداياتي في الرياض الحداثة، أفتخر كثيراً عندما شاركتك قبل أشهر بنقاش حول البعد الفلسفي في ثقافتنا وحياتنا، في المجلة العربية، أنا أريد حقيقة أن استغل السؤال الذي أنت طرحته على أستاذك لأسألك، وأنت أيضاً الآن في موقع المسؤولية، أين نحن من سؤال المعرفة؟ كيف يمكننا أن نستنطقه في أذهاننا ووجداننا؟ أرجو أن تقدم لي رؤية مختصرة وأنت الآن في موقع المسؤولية في جامعة اليمامة، شكراً جزيلاً. |
الدكتور معجب الزهراني: شكراً صديقي العزيز، ولو أردت التخلص لقلت ما المسؤول بأدرى من السائل. أعرف أنك مثقف كبير، ولديك الكثير مما يستحق أن ينصت إليه، ولكن كاجتهاد شخصي أو رأي شخصي. في العام الماضي طلب مني أن أشارك في ندوة، في إحدى الجامعات الأردنية، وأخذت محوراً عن حضور العلم، فاشتغلت على حضور العلم في الثقافة العربية الراهنة، ويشهد الله وأشهد لكم هذا المساء، أنني لم أتألم من بحث سابق كما تألمت من هذا البحث، لماذا؟ لأن حينما ندخل في لغة الأرقام، والإحصائيات التي لا تكذب، سنجد أن ثلاثة أرباع العالم متجهة حقيقة إلى طريق المعرفة والعلم، لأنه يسمي الأشياء بأسمائها، ولكن معظم هذه الدول لحسن الحظ ليست كلها، يعني ماليزيا، وتركيا، وربما الآن أندونيسيا وأرجو أن تكون السنغال على الطريق، ربما مضت في طريق المعرفة الذي تسأل عنه، أما بقية مجتمعاتنا، ومن خلال إحصائيات دقيقة تصدر من الغرب ومن الداخل، وحتى من داخل المملكة العربية السعودية، مؤسسة الفكر العربي، فهي محزنة، ومخجلة، ومخيفة، لماذا؟ لأن العلم لدينا إلى اليوم ليس له علاقة، مفهوم العلم السائد عندنا ليس له علاقة بالعلم، والمعضلة ليست هنا فقط، المعضلة أن الناس لا يدركون هذه المصائب لا على مستوى القيادات السياسية، ولا القيادات الأكاديمية، ولا القيادات الاجتماعية، نحن نتخبط في فوضى العنف، والجهالات، والحماقات، لا يدركون أن العلم يمكن أن يشكل منقذاً حقيقياً من هذه الفوضى، ومن هذا التخلف، الذي كما يقول صديقنا إبراهيم البليهي: "الإنسان متخلف ومغتبط، مرتاح، ويكابر، فحينما نشاهد أو نقرأ عدد الأبحاث التي تنشر في إسرائيل مثلاً، لا تقارن بكل ما ينشر في المجتمعات العربية، حينما يدرك العالم كله أن الرهانات اليوم وغداً هي تمر من طريق العلم، بمعناه الحديث، ولا نأخذ بهذه الرهانات، فالأمر مخيف، حتى أنني وصلت في نهاية هذه الورقة، وقد اعتمدت كثيراً على عبد الله عروي، في أحد بحوثه وأضفت إليها بعض الشيء اليسير، لأنه مفكر محترم. وقد وصلت في النهاية إلى أنه إذا استمرت هذه المجتمعات في هذا الطريق عقدين أو ثلاثة، لن نتحدث عن الدولة الفاشلة، كما يحصل الآن في الصومال وربما بعض الدول العربية الأخرى، لا، سنتحدث عن الثقافة الفاشلة، فمن دون أن نستعير منظومة التفكير العلمي وليس التقنيات، وحينما لا ننتج هذه التقنيات، وننخرط في رهانات العالم الحديث، الحقيقة أن الجهل والفقر والمرض والعنف، سيزداد، هذه بالنسبة إليّ علاقة سببية، كلما أدخلت هذه الطاقات الخلاقة في مجتمعات ملايين البشر وخصوصاً من قبل الشباب، كلما أدخلتهم في طريق التقدم العلمي، والرهانات العلمية، والبحث العلمي، والاختراعات التقنية، والاستثمارات العلمية، كلما أخذت المجتمع إلى الطريق الصحيح، كلما حاصرت أو تجاهلت هذا الطريق، فأنت توصل الناس إلى ما أسميه بالضلالات المعرفية، وهو مفهوم استعرته من الطب النفسي العيادي، يعني حينما يأتي شخص ويقول لك هذه الشجرة ناقة، ويجبرك على أن تصدق أن هذه الشجرة ناقة، ومجتمعاتنا العربية خصوصاً، والإسلامية عموماً لكن العربية بشكل خاص، خاضعة خضوعاً مطلقاً أو شبه مطلق لهذه الأوهام والضلالات المعرفية، وللأسف الشديد باسم الدين، أنا أعدّ الدين والفن من أجمل وأرقى ما تنتجه الثقافات البشرية، لكن حينما توظف الدين ضد المعرفة، وضد العلم، وضد الحرية، وضد الكرامة، وضد كذا وكذا، نصل إلى ما نحن فيه، ويأتي كما قلت قبل قليل وعاظ موهوبون، لديهم طلاقة لسان ويتقنون اللغة العربية، لا يخطئون في اللغة العربية، ويكتسحون الجامعات كلها، يعني أحد وعاظنا يمكن أن يؤثر في مجتمعنا، ويقوده إلى الهاوية أو يساعد أكثر من الجامعات كلها، وهذه وضعية شاذة، الجامعات هي التي ينبغي أن تقود المجتمعات، هي العربة التي تقود القطار، وإذا حوصرت أو فرغت من وظائفها لا تؤثر، وهذا ما جعلني أقول بأسى كبير قبل قليل إن هذا الوضع في كل أنحاء العالم العربي، وليس فقط لدينا، ولكن أتحدث عما أعرفه أكثر، أن عدد حملة الشهادات العليا يزيد، والإنتاج العلمي والمعرفي الجاد ينقص، هناك إحصائية، أجراها أحد الفرنسيين عن مصر، أظن قبل خمس عشرة سنة إن لم تخني الذاكرة، يقول إن عدد العلماء المتخصصين في المجالات العلمية الحديثة في مصر، يوازي ألمانيا، ويقاربها، وإذا نظرنا إلى الثقافة السائدة هنا وإلى الثقافة السائدة هناك نجد الفرق، هذا السؤال الذي وصفته بالماكر، علينا أن نكون أكثر شجاعة، وأن نفكر في الأجيال القادمة بطريقة أكثر إنسانية، وأكثر أخلاقية، شكراً. |
عريف الحفل: سؤال من قسم السيدات، تفضلي نازك. |
نازك الإمام: السؤال من الأستاذة دينه أسعد، سكرتيرة في قنصلية لبنان العامة، فلتتفضلي. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نشكر سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه على هذه "الاثنينية" التي تجمع الأدباء والمثقفين، وسؤالي للأستاذ معجب، بما أنك ذهبت إلى فرنسا وتعلمت اللغة الفرنسية عندما كنت كبيراً، وهي لغة صعبة في أفعالها وتصريفها، لماذا لم تحضر اللغة الفرنسية إلى المملكة العربية السعودية لتدرس في مدارسنا الحكومية؟ وتساعد طلابنا وتنشئة الجامعات هنا، هذا السؤال أريد أن أطرحه على الجميع، لِمَ لا تحضر الجامعات الأجنبية ليدرس طلابنا هنا بدلاً من إرسالهم إلى الخارج؟ وشكراً. |
الدكتور معجب الزهراني: أولاً أشكرك يا عزيزتي على نطق الاسم والأستاذة سميرة بشكل أجمل، المُعجَب، حينما سألني الشيخ الأستاذ عبد المقصود أول ما وصلت، أنت مُعجِب أو مُعجَب؟ فأنا أقول دائماً مع من هم أجمل مني وأكرم مني أنا دائماً مُعجَب. فيما يتعلق باللغة الفرنسية لا تراهني كثيراً عليها، اللغة الفرنسية غريبة حتى في أوروبا، وهي في المستوى الثقافي ربما تكون بعد اللغة الإنكليزية، لكنها من الناحية العملية والعلمية اليوم ليس لها هذه الأهمية كلها، وحتى في فرنسا الباحثون الكبار إذا لم يكونوا يتقنون الألمانية واللغة الإنكليزية لا يوثق فيما يطرحون، وأنا أتمنى أن ندرك الفرق بين جاذبية اللغة الفرنسية أو إشعاعها، لأنها اتصلت بعصر التنوير، وبالثورة الفرنسية، وبقيم العدالة، والحرية، والمساواة، ببعض كبار الأدباء، كما تطرق إليها الصديق عبد الله مناع، لكن من الناحية العملية أنا أزعم أنها ليست مطلباً، ربما تكون لغة "برستيج" نوعاً ما، لكن اللغة العملية التي أناشد طلابي بالدراسات العليا وطالباتي أن يتقنوها، وأناشد الشباب كلهم، الذين يريدون أن يدخلوا في صيرورة العالم الحديث، العصر الحديث، هي اللغة الإنكليزية لسوء حظ اللغة العربية، ولسوء حظ اللغة الفرنسية أيضاً. |
عريف الحفل: السؤال للأستاذ مشعل الحارثي، الباحث الإعلامي. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة، معطرة بشذى الحب والإعجاب والإكبار، لمضيفنا المفضال الشيخ عبد المقصود خوجه، ولضيفنا الكريم الدكتور معجب الزهراني، ونحن نلتقي هذه الليلة مع أريج فكره الصافي، وعقله النير، ودأبه المطمئن، على البحث والتنقيب والدراسة الجادة، وحرصه على الإبداع المتمكن، وكم نحن بحاجة إلى المزيد من الناشطين أمثاله ممن يفتحون لنا النوافذ، على أدب الغرب والشرق، وما يثرينا به من الجديد والمفيد، المنسجم مع الحياة الثقافية المعاصرة، أعذرني ضيفنا الكريم، إن أخللت، وأوجزت فيما أنت جدير به، ولكن خير الكلام ما كان قليله يغني عن كثيره، واسمح لي أن أتوجه لك بالسؤال التالي: في رأيك إلى أين تتجه الثقافة السعودية خصوصاً والعربية عموماً، وهل توافق من يرى أن الثقافة العربية سوف تذوب في ظل الثقافة الكونية العالمية؟ شكراً لكم. |
الدكتور معجب الزهراني: شكراً يا صديقي، وصديقك من صَدَقَك لا من صَدَّقَك، أنا لا أود أن أكون متشائماً أكثر مما ينبغي، أنا مع مقولة لأحد الفلاسفة الألمان، أظنه نيتشه إن لم تخني الذاكرة، لست أدري، يقول أنا مع تشاؤم العقل، وتفاؤل الإرادة. الشائع في المنطقة العربية وخصوصاً في منطقة الخليج، هي ظاهرة مثيرة للقلق، وقد كتبت عنها في إحدى الملتقيات في الإمارات على ما أذكر، في دبي التي تعدّ النموذج الأعلى، قلت إننا مندفعون كثيراً في تنمية العمران وتخريب الإنسان، لماذا؟ لماذا؟ قد تكون هذه من رغبات المثقفين غير الضرورية. لا أقصد أبداً هذا، أي تنمية أو نهضة لا تنبني على عقول أبناء البلد وعلى سواعدهم، فهي مشكوك فيها، وبالتالي الثقافة السعودية التي تسمح لنا جميعاً، أنا لا أدين جهة معينة أو أحد، أن يكون مئات الآلاف من الشباب عاطلين عن العمل، وأكاد أقول ملايين عندما أدخل المرأة، ولدينا سبعة أو أكثر من سبعة مليون شخص وافد من الخارج، وفي تصريح لرئيس الغرفة التجارية في الرياض قبل شهر ونصف، ثلاثة مليون منهم من الجاهلين، والأميين الذين لا يقرؤون ولا يكتبون، تخيل هذا العبء على مجتمع يحاول التنمية مثل مجتمعنا، ثقافة تسمح لنصف المجتمع أن يظلم نصف المجتمع الآخر، ولا أتكلم على المرأة، أتكلم على أمي، وأختي، وابنتي، وحفيدتي، هذه ثقافة ظالمة، ينبغي أن ندرك ذلك، ونتخلص من هذه المسلمات الساذجة التي تربينا عليها، وأحياناً والله حتى في ثقافتنا التقليدية كنا أرقى في تعاملنا مع المرأة، لأن ثقافة تسمح بغبن وظلم نصف المجتمع الآخر، ليست ثقافة جيدة، ثقافة كما قلت قبل قليل تتجاهل نايف الروضان وأمثاله وهم يتسابقون عليه في جامعات العالم الكبرى، هي ثقافة غير سوية، ثقافة معتلة مختلة، ثقافة كل ما طلعت نظريات جديدة في هذا المجال أو ذاك، يخافون والله هذه موجودة عندنا، وكأن القرآن الكريم كتاب في النظريات العلمية الحديثة، وهو كتاب أجل وأرقى من كل كتاب آخر لكن ينبغي أن نقدسه وأن نحترمه، وأن لا نتخذه مصدراً للتكسب باسم هذه الثرثرة. وأقول بكل صراحة يا صديقي، ثقافة لا تسمح للشباب بأن يشاهدوا السينما في كل مجال، في كل حارة في حارات المدن، وفي البلدات السعودية، ثقافة غير سوية، وأقولها لأن في مجتمعاتنا كنت أول مرة أشاهد سينما في حياتي في الطائف، وبالصدفة في حوش من الأحواش، وكنت في الثانوية لا أعرف شيئاً عن السينما، فقد كان يوجد في جدة، محمد السباعي رحمه الله، استأذن من الملك سعود وأنشأ مسرح قريش في مكة المكرمة عاصمة العالم الإسلامي وقلبه، ولم يمانع الملك، ثم عطل المسرح إلى الآن، لو لدينا الآن صناعة سينمائية ومسرحيات هل سنستورد كل هذا الغثاء من الخارج ونقول أولادنا يقلدون الأمريكان، أولادنا يقلدون الهند، أولادنا يأخذون من الأفلام المصرية؟ انتبهوا صارت الخسارات كثيرة جداً، أرجو أن يكون في نوع من أنواع التغيير، لا أدري كيف ذلك، فأنا لا أحب اسم الثورة لكن نوعاً من أنواع التغيير الجذري في نظرتنا إلى الأمور، وإلا سنظل نكابر ونغطي، إلا أن تنهار السقوف، وحين تنهار السقوف لا تختر الضحايا. شكراً. |
عريف الحفل: في الحقيقة للمرة الأولى من خلال عملي في "الاثنينية"، نصل إلى هذا الوقت، كنا لا نتجاوز الحادية عشرة، وقد نمددها إلى الحادية عشرة والربع أو النصف على أقصى حد، ولكن الآن نحن على مشارف الثانية عشرة، ولم نمل من هذا الزاد الذي أتحفتنا به أيها المُعجِب، وليس المُعجَب، أنا أُصِر على أنك مُعجِب، أيها الدكتور مُعجِب، سنكتفي كما ذكر الإخوان بسؤالين نختم بهما هذه الأمسية، نظراً إلى امتداد الوقت، لأننا لو مددننا حتى وجه الصباح لن نكتفي من هذا المعجب. |
الشيخ عبد المقصود خوجه: قبل طرحك للسؤال، أو للسؤالين، "الاثنينية" تبحث دائماً عن المثير والجديد في الثقافة، كان ضيفنا الأسبوع الماضي الأستاذ معيض البخيتان، البدوي الظريف كما تسميه جماعته من البدوان، ولم أتوقع في الحقيقة حنجرة شعرية، عربية فصيحة، كحنجرة هذا الرجل، وأطربنا في الحقيقة، ولذلك وعدنا أن تكرر "الاثنينية" حضوره، والسؤال الذي سيطرح نفسه الليلة، نحن فتحنا الأسبوع القادم كوة أو منفذاً جديداً بالاثنينية لتكريم الرجال العظام، الذين ذهبوا إلى ربهم ولم يُعطَوا حقهم، فبدأنا بالأمسية القادمة بمعالي الشيخ محمد بن سرور الصبان، الرجل الذي كان قمة في أدائه الأدبي، والسياسي، والاقتصادي، والعلمي، فستفتح "الاثنينية" باباً جديداً بدعوة المبدعين كأمثال الأستاذ مُعجِب، للمرة الثانية، ونكمل الحوار، ولا نكتفي بأمسية واحدة، كهذه نبترها، لأن الوقت قد داهمنا. لا. أنا أعدكم بدعوة الأستاذ معجب الزهراني مرة أخرى وإن شاء الله سيلبي، وسنجتمع مرة أخرى به، لماذا لا تكون ليلتان للأستاذ معجب الزهراني؟ ولماذا لا تكون ليلتان للأستاذ معيض البخيتان؟ الأصوات والحناجر الخاصة تحتاج إلى دأب، واحترام، وتقدير، وذلك بالحضور والاستماع إليهم والأخذ بما عندهم، لا نكتفي بهذا الحضور السريع جداً، كنت أتمنى لو يطول الوقت وأستمع أكثر وأكثر، فهذا وعد مني أن نجدّد دعوتنا إلى أمسية أخرى نقيمها معك إن شاء الله ولن تكون بعيدة. |
عريف الحفل: إن شاء الله، إذاً بما أنه فتح الأمل في استضافات أخرى سنكتفي إن شاء الله بهذين السؤالين، على أمل أن تكون هناك أمسيات قادمة، والسؤال الأخير من قسم السيدات، تفضلي أستاذة نازك. |
نازك الإمام: اسمحوا لي بطرح هذا السؤال نيابة عن جميع الحاضرات، السؤال الأخير، دكتور معجب أشرفت على المادة الثقافية في الموسوعة الشاملة عن المملكة العربية السعودية، وذلك في سبعة عشر مجلداً، السؤال: ماذا وضعتم في السبعة عشر مجلداً؟ وكيف نصل إلى معرفة ذلك؟ وأين نجده ونبحث عنه؟ وشكراً لكم.
|
الدكتور معجب: شكراً يا عزيزتي، كانت الموسوعة مخططة لأن تكون في سبعة عشر مجلداً، ولكن أظنها تجاوزت العشرين مجلداً الآن، والمحور الثقافي هو أحد المحاور الأخرى، هناك محور عن الجغرافيا، التاريخ، الاجتماع، الاقتصاد، والمحور الثقافي الذي شرفت بالإشراف عليه، هو محاولة، أن يُستكتَب من كل منطقة باحث أو باحثون، في المنطقة الغربية سيُستكتَب باحثون لأنها منطقة كبيرة، ومن الوسطى ومن الشرقية، وبقية المناطق استكتِب باحث من أهل المنطقة، لكي يقدم ما نسميه بمفاتيح أساسية للحراك الثقافي. الحركة الثقافية خلال فترة معينة، تمتد إلى مائة سنة نجدها حيناً أقصر، وأحياناً أطول، وبالتالي هي موجودة في الموسوعة يا عزيزتي فأرجو أن تعودي إليها، ولا أظن مكتبة حكومية مهمة ليس فيها نسخة من هذا العمل، الذي أعده من أهم الإنجازات الثقافية، وللأسف الشديد قد لا يعني شيئاً لأن هذه الموسوعة، موسوعة الأدب السعودي الحديث، أو موسوعة التقاليد الشعبية، أو موسوعة الثقافة الشاملة، إذا ظلت محفوظة في هذه الأدراج الأنيقة وفي هذه المباني الفخمة، لا تنفع. استطراد صغير، وآسف على الإطالة، لقد كنا نتسابق يوم السبت ويوم الأحد في الإجازة الرسمية، في فرنسا، نتسابق على المكتبات الكبرى لأن من يصل بعد الثامنة والنصف لا يجد له أي مقعد، ولدينا مكتبة أنيقة في جامعة الملك سعود من ستة إلى خمسة أدوار، كل ما أذهب إليها أشعر بالحزن، عندي مكتبة ثرية في بيتي، لكن حينما أذهب من وقت إلى آخر إلى هذه المكتبة، أو مكتبة الملك فهد أو مكتبة الملك عبد العزيز، لا نرى أحداً، وهنا أعود إلى مسألة التعليم الذي يعلم الإنسان الحقائق، بدلاً من أن يعلمه محبة المعرفة. شكراً. |
عريف الحفل: سؤال أخير، وليعذرني بقية الأخوة، والذين لم نتمكن من طرح أسئلتهم، السؤال الأخير للأستاذ وائل سعود، تفضل وائل. |
السلام عليكم، دكتور معجب أنا أحيي فيك شجاعتك، أنا لم أرَ في حياتي شخصية علمية تتكلم بهذه الشجاعة عن قرب مثلك، سؤالي لك يتعلق بطرحك الذي طرحته الذي كان في جدة التاريخية، في احتفالات جدة التاريخية ارتفع شعار باللهجة الحجازية "قلنا كده"، وأنت طالبت بالعودة إلى ثقافات ما قبل النفط، سؤالي هنا: ما هي العوائق والموانع برأيك؟ شكراً لك. |
الدكتور معجب: شكراً، والله لا أطالب أحداً بالعودة إلى ما قبل النفط، هي كانت أرحم في بعض القضايا يا صديقي، ربما أسأت التعبير، لا أقل ولا أكثر، لكن الذي أعرفه وأرجو أن يتحقق في مجتمعاتنا، أن ينجز كل جيل ثقافة معينة، أي في نوع من أنواع ما يسمى بالتراكم، فرنسا التي أعود إليها هذه السنوات، ليست فرنسا التي كنت فيها في الثمانينيات، أو في التسعينيات، فما قلته وربما أسأت التعبير عنها ولم أحسن إيصال الفكرة، أننا تراجعنا في بعض القضايا، لكن الذي أتمناه وأدعو إليه، وأشجع عليه، هو أن يكون كل جيل أفضل من الجيل السابق، هذه النظرة إلى الماضي باعتباره يحوي على النماذج العليا في العلم والفكر والأدب والشجاعة والكرم، هذا وهم، هذه واحدة من الضلالات المعرفية التي ننشأ عليها في مجالس الرجال، وفي المدارس الرسمية، وفي الإعلام، وبالتالي نحن ضحاياها، لا أريد أن أكون شجاعاً أكثر من اللازم، وإلا لقلت لو جردت تاريخ الجزيرة العربية كلها لن تجد شخصية مثل ابن رشد أو ابن سينا، لا يا أخي، فنحن لا نطالب بالعودة إلى الماضي إلا لاستلهام بعض الرموز العظيمة والجميلة، والتي فتحت أمام الإنسانية كلها آفاق، شخصية كالرسول صلى الله عليه وسلم، أو عمر بن الخطاب، وغيرهما... هؤلاء نستلهم منهم ولكن لا نتخذ من هذه العقيدة سبيلاً أو وسيلة أو لعبة لأنه لا بد أن نعود بالدولة إلى عصر الخلافة. أعجبني ما قاله مرة فقيه مغربي عندما كنا في ندوة في الرباط، وهو فقيه ضليع، نسيت الآن اسمه، قال إن الديانات مثل الفنار على الساحل، تهدي السفن، ولكن لا تتدخل في عملها، فهذه الرؤية السلفية التبجيلية، تليق بمجتمعات بسيطة جداً، أو حتى أقول بدائية، وإلا فعلاً يجب أن يكون ابني أحسن مني وحفيدي أفضل من ابني ومني، وإلا لا نستطيع أن نعمل شيئاَ، فمعذرة يا صديقي إذا كنت أسأت التعبير، شكراً. |
|