شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الأستاذ معيض بن علي البخيتان))
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قبل أي شيء أشكر الشيخ الأستاذ خوجه الرجل الفاضل، أنا لا أمدحه هنا لكونه فعل ما فعل، ولكن الرجل له ذكره وعلمه ومن سلالة رجل عرفت المنطقة وخصوصاً الجزيرة العربية مواقفه الفكرية، وتعلمون حفظكم الله أن بلادنا مرت بأطوار وأننا اعتمدنا على مدرسي المناطق القريبة منا، أنا أشكر الأستاذ عبد المقصود وأشكر الزملاء الذين تحدثوا عني وأنا أقل من هذا، وأما مسيرتي فأنا ابن تثليث، وتثليث كما تعلمون وادي من أودية السراة، تثليث وبيشة وهذه تنحدر من السراة مُشَرِّقة، وتثليث له تاريخ عريض هو وادٍ وأكثر ما فيه أشجار، العرب يأتون إليه من أول، يقول شاعر العامة:
 
سامعني ثلاث سنين ما دام تثليث زِفا مرعاه
 
إلى آخر قصيدته، فكانت تسكنه زُبيد، زُبيد من مدحج، وجُلّ من يسكن تثليث مَدحج، على أي حال كان والدي –رحمه الله- مطوِّعاً كما تحدث الدكتور جزاه الله خير، والمطوع عند العرب يفسر أحلامهم ويزين شغلهم، ويزوج بناتهم، ويدعوهم إذا أرادوا أن يروحوا أو يغزوا وأنتم تعلمون ذلك، فالشيخ هو الّذي يعلمنا كل شيء، فتعلمت عنده أنا وزملائي، وبعد ذلك عندما فُتحت المدارس فعلاً في ذلك الزمان. فتحت في التسعينات المدرسة الابتدائية في تثليث والتحقت بها أنا وزملائي، وكان ذلك الوقت عام 1394هـ، لأنّ عام 1390هـ لم يكن يوجد متوسطة في منطقة الجنوب الغربي إلا في أبها، ولم يكن بإمكاننا أن نذهب إلى أبها، فقط البريد هو الّذي يذهب إلى هناك. بعدما كملت المتوسط مع أحد زملائي الّذي هو الآن موجود في القاعة، الأستاذ محمد مؤمن، ذهبنا من أبها إلى الرياض، لأنّه لم يكن يوجد معلم إلا في الرياض، درسنا في المعلمين ثم انتسبنا إلى الجامعة، وقطعناها، لكن علاقتي بالصحافة منذ زمن، منذ كنت شاباً صغيراً، فكتبت فعلاً في العديد من الصحف كما تحدث الإخوان في "اليمامة" وفي "الرياض" وفي "الجزيرة" ثم كنت في "المسائية" أشرف على الصفحة الأخيرة، وعلى الملحق الأدبي ثم الملحق الأدبي (بالجزيرة)، عملنا في الكلام فلم يكن عندنا إلا هذا، نخدم جماعتنا جزى الله الأستاذ الأديب عبد المقصود خيراً، ما كنت أظن أني سآتي وأرى هذه الوجوه الطيبة، نعم هذه رحلتي العلمية، بعد ذلك عدت، وجئت إلى الرياض وسكنت فيها، وكنت قريباً من الإعلام. والآن، إن أردتم شيئاً من شعري لألقيته عليكم، لأنّ عندي قصائد عديدة، قصيدة في مصر، وقصيدة في صنعاء، وقصيدة في الرياض، وقصيدة في بغداد، كل البلدان التي مثّلنا المملكة فيها، وعندنا الغزل، نحن قحطانة نحب الغزل ونحب مثلما ترى الدكاترة وكما تحدث الأستاذ، فأية قصيدة تريدونها لكن من المفروض أن نبدأ بقصيدة "جدة" وهو الأفضل.
أحد الحضور: تثليث ما لها نصيب؟
الأستاذ معيض البخيتان: نعم عندنا سلمك الله، على ذكر تثليث في موقعتين في الجاهلية من معارك الجاهلية بين سُليم وبين تثليث، وذُكرت في قول الشاعر:
وما هاج هذا الشوق إلا حمامة
دعت ساق حرٍّ ترحة وترنّما
إذا شئت غنت لي بأجزاء بيشتنا
والنخل من تثليث أو بيبمبما
 
ما بين تثليث وبيشة 90 كم أو 80كم والشيخ حمد الجاسر الله يرحمه، يبحث عن "يبمبم" ويدوِّر على هذه المنطقة، أي على تثليث، حيث قضى فيها يومين من أيام العرض الجاهلية، أما جدة فأحببتها، وهل يوجد مثل جدة؟ البحر والحضر وكل شيء لها جار، أي نعم، وفيها هذا الرجل الطيب الذي يحب الأدب ويقدره:
"جدة"
ما أروع البحر
الذي في جدة!!
والبوح والرمل
الذي في جدة!!
وأنعم الألوان فيها والتي
تصب في السحنات
مثل الزبدة!
قيثارة الإعجاز من إلهامها
والنار والعطار
يكوي نده!!
والسلسبيل العذب
محروق الشذى
والحس
والمغزولة المعتدة!!
والمترفان الشعر
رهوا والهوى
والنغمة
الخضراء والمشتدة!!
مجدولة كالنجم
خلق راعش
مع حكمة الأيام
يجلو خده!!
السحر منها لم يزل
في شرفة
من طينها
أو موجة مرتدة!!
وأروع العشق
الذي سارت به
قوافل الدنيا
وأعلت مده!!
وطوح الآفاق
وجهاً أسمر
قد كان جلد
الممطرات جلده!!
والبرعمان الشمس
-تتلو عندها-
والبدر..
عذرياتها الممتدة!!
النور والمخضل
من نبت الهوى
والنغمة..
الشهاء والمنهدة!!
محمومة الأنفاس
حتى ورَّدت
من ما بها
من كبرياء جدة!!
مغموسة في العشق
من قبل المدى
ترف فوق
الماء مثل الوردة!!
المارد العنقود
يدني ثغره..
والشره العصفور
يفني حقده!!
والعاطفات الحُمر
من ألف مضت
لما تزل ترغو
الخوابي حده!!
دوت بها الشطآن
صوتاً أشقرا
يضج بالآهات
حر الوقدة!!
الله ما أزكى
وما أطرى الهوى
فيها وأحلى
ما حوت من عهده!!
يا ثغرها المنقوش
فيما يلتقي
وجه حليبي
عتيق السدة!!؟
في رأسه غيم
وفي أطرافه
جداول غيطانها
مسودّة!!
لي في الحجاز
أنشودة لم تضطرم
أوتارها
ومدهشات نهده!!
لم أدر إلا..
أنني مستسلم
للفتنة الكبرى..
التي في جدة!!
 
نعم هذه قصيدتي في "جدة".
وتوجد قصيدة غزلية أيضاً، أألقيها؟
الشيخ عبد المقصود خوجه: تكلم، ما أحلى الشعر!
 
"شكوى"
دع الأدب الخلاق، يختار من يهوى
ويروي لعشاق الطلاقة ما يُروى!!
ما أنبل الشكوى تكون بريئة
وما أعدل الإنسان يحترم الشكوى!!
شكونا وللشعر الجميل رسالة
مهذبة من نبعة الطهر والتقوى!!
ولكنه حب يلجّ بأضلعي
وهل كان صدق المخلصين لهم بلوى!!
صبرنا ولا ندري لأيّة غاية
نُمنّي، ولا نرجئ ونعطي، ولا نقوى!!
وهل كانت الدنيا سوى سد حاجة
وما زاد عن سد الضرورة لا يسوى!!
ركضنا مع الأحلام حتى تغضنت
سويعات سلوانا ولم نبلغ الشأوا!؟
فصارت أمانينا حديث خرافة
صغار وفطريون لا نحسن السطوا!!
ولدنا بحضن الحب من غير آدم
ومن غير أن تدري بميلادنا حوا!؟
وحيدان في عيد السنابل لم نزل
وفي كل منقار يهيم بها حسوا!!
أليفان في وجه أنيق؛ وضحكة
ترن بأعصاب إلى دفقها نشوى!!
كأني وإياها مهفة ساحر
تطير على متن الغمام ولا تُطوى!!
معلقة فوق الأثير، رشيقة
على صهوات الريح تعدو بها عدوا!!
أغاريد لون أخضر وبضاضة
ألذ من اللّذات في صحوة السلوى
أمرِّغها طرفي، وأمحضها دمي
وأملأ جامات الشباب لها شدوا!!
وأفرغ إلهامي لها في صحيفة
قطعت بها عمر الزمان بلا جدوى!!؟
وجبت بها الدنيا رصيفاً، وخيمة
ومرمرة محفورة تشبه القبوا!!
أجامل والثعبان يلعب داخلي
ويشرب من محروق نبضي ولا يروى!!
وتقطع آثاري الشمال ومعطفي
على الظهر قبل العام يلوي فلا يلوى!!
لصيق بجواب الضياع كأنه
ولبّادة - حلس على ناقة عشوا!!
وعدت ومن أشكو عنيداً، ومعبري
كسيح يلت الهم والشيب والشجوا
يقهقه كالمرعوب في كل لحظة
له وجه شيطان ورفض بلا دعوى
أحبك والشكوى تماوج نغمة
وإن شئت مثل النار في نهم الأغوى!!
متى تنصف الشكوى لديها وصبوتي
تذوب ولا عطر لديّ ولا حلوى
ولا مسكن تأوي إليه حبيبتي
سوى القلب، هل ترضى بقلبي لها مأوى
أموت ولا أشكو الهوان وكيف لا
ومنعتق الفنان في العدوة القصوى!!
 
الشيخ عبد المقصود خوجه: صح لسانك.
الأستاذ معيض البخيتان: الله يطول عمرك نجيب ثانية، حسناً، هذه قصيدة في صنعاء، أو من دون صنعاء.
الشيخ عبد المقصود خوجه: لمِ لا؟
الأستاذ معيض البخيتان: هذه في صنعاء أنا لا أكتمكم سراً، الأدباء كانوا يمثلون معنا في الخارج أدباء اليمن، فكانوا إذا جاءوا الجنادرية جاءوني قبل الغداء وقبل العَشاء، الله يهديكم نحن قحطانة، فعملت قصيدة والله يقولون ما قيل مثلها ونُشرت في الصحف، وكان الإهداء إلى صنعاء، إلى مأرب، إلى الأرض التي شهدت أقدم الحضارات وأطهرها على الأرض.
"يا ابنة التَّبَّعِ"
يا ابنة التَّبَّعِ كم تفني الإحن
كل ما في عالم اليوم إحن!!
كم عروق في حقول غضة
وحقول في دماء لم تسن!
فأحضني ما شئت من رابية
واسندي الظهر إلى سد اليمن!
يا ابنة التبع كم من غارة
تحت جفنيك وكم هم سكن!!
هذه اللوحة في حسي كما
ركض الطيف على هدب الوسن!
سافرت والشوق محموم وفي
داخلي عرس وبعد وكفن!
وبقايا مهرجان صعقت
عندها الأرواح من أنس وجن
وضلوعي مثلما ألمسها
تتوارى في قلاع من شجن!!
يتلوى القار فيها مثلما
تتلوى في ضياع ووهن!!
لوحة فيها خطوط حرة
وخطوط باهتات لم تبن!
وفروع وعروق ذبل
ونوى في الظل لا أدري ابن من!
منظر لو صح فيه مقلة
ووعت حين المناجاة الأذن!
لتسامت عبر منفوثة
بالأساطير الأولى فيما كمن!
حدثت (سلحين) (1) عن موروثها
ومن الموروث تنقاد السنن
ذاك (عيبان) (2) وهذا (نقم) (3)
مطلق لحيته فوق الزمن!
يهمس الأفق ثغوراً في الثرى
فلقت بالشعر والطلع اللدن!
ويناجي حكمة الجو بما
نال من معجزة أم المدن!
فوق رجليه تنامت برج
في السواري الحمر وانهارت قنن!!
وتمشّى عبقر من فيض ما
مسحت نهديه من خضر المنن!!
شاهداً ذكر عريض لم تزل
فجأة الميلاد فيه لم تحن!!
ترقب الدهر وتطوي سره
مثلما يطوي نفوساً ودمن!
من رأى (بلقيس) (4) في هيكلها
والقوارير وعرشاً من فتن!
وسماوات من الطير متى
كان هذا؟ كان مما لم يكن!!
من رأى الجن وتاجاً عريت
عنده الشمس ولم تبرح ولن!
ضفروا غرة مجد باذخ
وحواريون من سحر اليمن!
العناقيد الحبالى.. والسنا
والعقول الألمعيات الفطن!
ودماء الهدي مما روضت
فطرة الأفذاذ في حب الوطن!!
من رأى بنت الهدى يمرح في
وجهها نوران زيد والحسن
وعهود لم تزل مقروءة
منذ أن كبّرت الدنيا علن
(تُبَّعُ الأقرن) يتلو عندها
حكمة الشيخ الوقور المطمئن!
والقصور البيض تعلو حيثما
حل والتاريخ روحي الثمن!
وجموع سبحت واغتسلت
من سلاف الخلد في صنعا اليمن!!
فإذا الكون نشيد مسرج
أبيض الراية عدني البدن!
والثرى سفر ومهر أبلق
وجهه عند الثريا مرتهن!!
كلما حمحم دوّت شرفة
وعلت أخرى لها خلق وفن!
والسواقي تتناغى مثلما
يتناغى الأفق طيراً وفنن!
وسفور فجره الزاهي كما
بارك الرحمن.. والبحر سفن!
ألهمت حين الدنى موبوءة
سورة العرفان والنهج المرن!
ووعت تسبيحة الحب فيا
بسمة الضوء ويا سحر الجنن!!
يا ابنة التبع فيما حدثوا
عن مواويل اليمانين اللسن!
وعن الغربة في أحداقهم
وامتقاع البن في تلك الهتن!!
وعروق شفقيات ورا
تلكم الأحداق من نشو اليمن!!
وبنو (ماء السما) (5) كم بنوا
من مداميك وكم قادوا رسن
صبوات لونت أجسادهم
وسفار يغتلي فيها الحزن!!
يا ابنة التبع من أي الثرى
ذو رعين (6) ولمن أين دفن؟!
إنها تربة نور ودم
وكفى هذان من ذكر حسن!!
حدثوا ما حدثوا عن حبه
غير أن السبئيات سلن!!
جثة سجت بتين أخضر
وبماء من عريش ولبن!!
وإلى الآن كما قيل لنا
ومن القول عروض تمتهن!!
فلماذا العشق يبدو تارة
في بني الأقيال كابي كالوثن!!
سالف شدت هنا أضلاعه
بصخور جلبت لم تمتحن!!
وبشيء أفرز الدهر له
صدأ يهمي وطيناً من عفن!!
غابر يجري بعيداً مثلما
تنهب الريح وتنثال المحن!!
لوحة من خنجر معقوفة
وجذوع في جوابٍ لم تلن!
ورتوش من حضارات كما
يعبث الإزميل في بعض المهن!
يا ابنة التبع ميراثي هنا
من أب حر وأم لم تخن!!
وبنو الديان (7) في قافلتي
مذحجي وابن عمي ذو يزن!!
ولشعري نكهة من دمهم
كالتماع البرق في نحر المزن!!
يا ابنة التبع ماذا تركت
دعوة الأسفار من عقل يزن!!
ولمن تلك المحاريب التي
غادروها في عراء لم تصن!!
حدثينا عن مواضي وجدهم
ولماذا قلبوا ظهر المجن!!
 
هذه قصيدتي، والله يسلمك.
 
الشيخ عبد المقصود خوجه: اذهب أيها القحطاني.
الأستاذ معيض البخيتان: الله يسلمك.
الشيخ عبد المقصود خوجه: فلك حنجرة ولك قوافي وصور رسمتها فأطربتنا.
الأستاذ معيض البخيتان: أحسنت، الله يطول عمرك، جمّل الله حالك.
الشيخ عبد المقصود خوجه: والله أنا عندما أقول هذا الكلام، فأنا عند قولي، لقد أطربتنا أيّها القحطاني، وأحسنت إلينا.
الأستاذ معيض البخيتان: الله يسلمك، والله يطول عمرك.
الشيخ عبد المقصود خوجه: واكتشفنا فيك رجلاً والله، لم نكن نعرف هذا الفضل والعلم، لكن إن شاء الله دائماً سنكون معك، والله معك قبلنا كلنا، فربنا سبحانه وتعالى إن شاء الله يعطيك من عطائه ويزيدك.
الأستاذ معيض البخيتان: الله يسلمك، جزاك الله خيراً.
 
(أنا يا ضياء البعد)
قسماً برب النور يعمر كونه ويجل خلقه
ويحيطه جملاً، يروّب نؤه ويرج برقه
سبحان من ملأ الوجود لمنتهاه وضم فتقه
حتى العوالق بالسديم الغائرات المستدقه
والدودة العذراء والهدب الضعيف يسوق رزقه
ويصب فطرته، ويبني عضوه ويلف عرقه
أني فرشتك عمق أعصابي وجن الليل حرقه
ولثمت خطوك هازئاً
باللائذين من المشقه
والممتلين من العيا
عن كل ملفتة وخفقه
أنا يا ضياء البعد من
دربي ولدت بغير طلقه
وحملت وحدي في منام الحب ملفوفاً بخرقه
وأموت في جسدي المعذب كل يوم ألف خنقه
أرمي على الترحال جثماني الترابي كي يدقه
أقتات أشرب ماء وجهي شرقة أو شبه شرقه
عار من الدنيا سوى
تعويذتي الأولى وربقه
حتى أتيت إليك ملهوفاً تدحرجني الأزقه
"تثليث" هاك تميمتي
نفثاتها عزف وجوقه
خوف الضياع وربما
كان الضياع أقل صفقه
في بلدة تصم النبوغ بكل منقصة وفرقة
إني لأرحم عاذلي
وأقول بعض العذل أبقه
حتى إذا لم ينتبه
فوضت بابن الحمق حمقه
أمشي فتتبعني الشوارع، والعصافير المزقَّه
وأصوم عن ذكر الخنا
بنوافذ عقف متى ألقه
ما هان من بعث الجميل بدقة أو غير دقه
بل هان من مسح الشوارب من متاع ثم عقه
ما بين عيشك والفنا
يا طالب الحاجات شهقه
فاغنم لذيذك واحترس
أن تهضم الإنسان حقه
إني برئت إلى الجمال وطبعه وهج ورقه
من أن يقيِّد لذَّتي
ويميت في الإبصار شرقه
ويكسّر الرعشات في
قلب السراج وكنّ عشقه
يا بسمة الشفق الخفوت وعزفه الأبدي وودقه
إني ترصدت النجوم إليك في ظل وزرقه
حتى دنوت كما تري
للساحر العذري أفقه
ما بين عمري والخلاص، وبين بابك غير دقة
يا خشعة هبطت لدنياي الجديبة مثل غشقه
نفذت بكل شريحة
في الأرض ترضع كل دفقه
وغدت لها جن الجبال، على المشارف مسترقه
ردي الحياة إلى دمي
أو غسّلي بالنور عتقه
ما العيش إلا رشفة
وفراغ محتلم ونشقه
وطبيعة تجني الفصول، وتسبق الرمان فلقه
وتخالس النحل الكروم حليبه اليمني ومذقه
أنا لا أريد دعاية
أو محفلاً يغتال ورقه
أنا قانع بدفاتري
بالحب أسبر فيه عمقه
كالطير ينهب فجره
عن نغبة عجلى ولعقه
حسا أسوّره الغيوم وأنفض الأجيال نسقه
وبرب محبرتي أجل لعابه وأصون صدقه
وأنا ومحض إرادتي
بسعادتي أدرى وأفقه
حتى ولو كان المطاف ورا المحيط يمد عنقه
 
هذه هي قصيدتي، أطال عمرك، وهناك قصيدة عن مصر ولهت عليها، وهل تريدون أن ألقي قصيدة جدة أو ألقي غيرها؟
الشيخ عبد المقصود خوجه: لا، سنستمع لك.
الأستاذ معيض البخيتان: حسناً، اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم، أنت تعلم، وأقرب ما إلينا مصر. دعاني الأدباء المصريون وكان فيهم أساتذة لنا ومنحوني. أقول: وادي النيل وجزيرة النور، الجزيرة البلد التي أنتم فيها آية من آيات الله في الكون، يقول سعيد بن المسيب عالم المدينة لما خلق الله الأرض اضطربت فضربها بهذا الجبل الأسود "السروات" وقال لملائكته ابنوا البيت هنا، بنت الملائكة من ثلاثة أجبل قبل خلق آدم تطوف به، فأنتم في شيء ولا في الكون كله، على أية حال "وادي النيل وجزيرة النور".
 
((وادي النيل وجزيرة النور))
حييت وادي النيل من متكبر
خلد الدنى للظاهر المتكبر
تمشي الحتوف إلى الحتوف كأنها
قنن "السراة" وأنت لم تتغير
يا صفحة الود العظيم وخلقه
بلج على منحوت كرم أحمر
جسد تشب المفتنات شموعه
من ألف "فرعون" وألف "اسكندر"
متفجر الأعضاء نشوان الهوى
دانِ الوضاءة مستحرّ الأشقرِ
مزرورق العطش الشهي سياجه
سحر يذر على منادل مجمر
تتناسل الأرواح عند ظلاله
ما بين منعتق وبين مسوّر
هذا الأديم وإن بدت أطرافه
تبلى مهاد للبديع الأندر
وتمور أحجية القرون وتنتهي
للآن في تمثيله المتمور
تبدي الحوادث كل يوم حكمة
مما تصفق حوله من كوثر
ما أعجب الدنيا وأعجب عجبها
من هذه ((الحفلى)) بكل مغير
يا شامخ ((الأهرام)) كم من نهدةٍ
في فيك من ثدي الغمام الأطهر
وكم انتضى مما يلف صعيده
((وادي الملوك)) من النفيس المكبر
يا غنوة الإنسان في "كرناكه"
وسلافة الدنيا وعطر الأذخر
حدّث عن الجبروت تمشي أمة
عن أمة عن حالب متفجر
عن سامق يعلو وعن ثرارة
ضحيا الثمار وعن ملاك أخضر
عن منجم القطع الكبار من السنا
والمظلمات الحمر تحت ((الأقصرِ))
عن مُشروعين صدورهم مما سمت؟
من أي ورد في السماء وعصفر؟
هذا الثرى المعطار أرث خالد
ومشاعه للأسمر بن الأسمر
من روح طينتها الولود ودفقها
ونضيج ما قد مصّرت من مبطر
من خمسة الآلاف عام وهي لم
تَشكُ، ولم تهدأ ولم تتنكر
أصبى من الفجر الصبوح أعز من
ضرم الشباب في هامة المتجبر
أدمى وأرأف من وحيدة ضامر
يستاف من شريانه المتمور
تُبنى الحضارة بالدماء إذا انتمت
من لحم تربتها بكل محرر
هذا "المعز" وتلك حجرة "زينب"
والطاهرون طهور أس الأزهر
أوصى ((النبي محمد)) في أهلها
وأفاض في سفر الوفاء بأظهر
عصب وأصهار وأمشاج لها
مصل يفوح على مدب الأعصر
تلقى بها ((كرباً)) ((وزيداً)) وابن من
عقر الجواد لضيفه بالأبتر
أبناء عمرو والفسافط والرضا
والصارم العربي والمتمطر
أهلي وإن مسح الطريق قوافلي
وتجانفت عن أزور في أزور
وتعاورتني المفضيات وأجهشت
حولي المدى والغول يلحس خنجري
حييتَ ((وادي النيل)) كم من غاية
أودعتها صدري وكم من معبري
يا مصر مقبرة الجبابر والفدا
مما تبيت من حزازة موغر
ماذا أحدّث عن عروبة أمتي
وعن الدم المهراق والمتخثر
وعن اليتامى في الخيام كأنهم
مخض الطحالب والرجيع المنكر
وعن الرؤوس النافجات كأنها
أُكَرٌ تُدار على صريح مهدر
مئة من المليون ينفضها الندا
فتهوم أرتالاً بغير مسيّر
ومدلدلين عظامهم وجباههم
بدنات سبع بالتعاقب ضمر
في كل بهو أرعن في وجهه
لُطخ مشمعة بأحقر أوضر
يتمددون من الزمان رحيقه
ويجرجرون به ولو لم يعصر
من لثغة الجذر الرقيق وبوحه
تحت الجلود إلى الهشيم الأغبر
مئة من المليون أصرف ما رأت
ما حفظت من غفلة وتدهور
ما بين مخبرة تجوب عروقها
أو بين واش مستحر مخبر
في كل سهل أبيض أو ربوة
حجر ((لهولاكو)) يبض ((لسنجر))
ماذا أحدّث والكوى وعبيرها
في الشرق من نسغ الغريض المهتر
إني لأبرأ من مياه ضحضحت
طيني ومن شجر التلاع المهجر
ومن الدروب يلفُّ منعطفاتها
آلاف أذؤبة الولوغ وأنمر
في ((القدس)) في ((حرم الخليل)) أمانة
هل للأمانة من صدوق مشتر؟
هل للنواصي الدهم في أرواحنا
ما كان للآباء من مستوعر
هل للنساء اليعربيات الأُلى
أولدن "سعداً" وابن سعد الأشعر
هل للعمائم تلتوي عذباتها
بالنجم أنقى بالأجل الأذكر
هل للبيارق والصريخ يهزها
مثل العقاب سواعد من جعفر؟!
هللاّ يزال "ذو الرعين" و "خالد"
والجوهر بن الجوهر بن الجوهر
صفتِ الأعاجم والعلوج.. وما صفا
متسحر بأخ له وبمفطر
يا مصر من بلد الأمانة والهدى
والعدل والألق السماوي.. الطري
جئنا إليك والقرى.. وعبيرها
بين النحور وبين فضل المئزر
جئنا من السمحاء من وهج الندى
والشعرْ والجبل المنيع المصحر
جئنا من الواحات في جنباتها
ما شئت من حسن أثير مؤثر
ما شئت من حب عتيق لم يزل
بالرغم من كر الزمان المدهر
جئنا من الفطرِ البريئة والنقا
عن نهضة تعلى بكل محضّر
من ربوة الأملاك هذا صاعد
بالبشر من مستخلص أو خير
أو ذا يلفُّ الكون عن آياته
من كل معمور ووجه أنور!
شمي أريج الوحي من صفحاتنا
وسوالف الإعجاز والمتخير
وسحائنا نفضت بها.. أبداننا
من كل هادٍ يعربي عبقري
شمي الدم الزاكي يضوّع عرفه
ما ديف ما بين الصفا والمشعر
فاقري شواخصنا.. وحييّنا كما
نغلي ثراك على الكثير الأكثر
وتفكري في صُنعنا وثباتنا
بأعز دستور وأعرق عنصر
وبأن صحراء النبوة لم تزل
ولادة تعطي.. بأخلد مسفر
ومدى ضمير الغيب خلق صاعد
وقوائم علوية.. لم تُمهر
وبأننا فيها دعاة حضارة
تتلى بكل مهذب ومطور
 
والسلام عليكم.
الشيخ عبد المقصود خوجه: ابن جني والجرجاني دعوتهما الليلة وأحسنت إليهما كما أحسنت إلينا.
الأستاذ معيض البخيتان: أحسنت، الله يطول عمرك.
الشيخ عبد المقصود خوجه: فذاك العلمان والليلة ينضم إليهما علم ثالث، والله إننا بعيدون عنك.
الأستاذ معيض البخيتان: الله يسلمك.
الشيخ عبد المقصود خوجه: لم نكن نعرف عن قصيدتك، والتقصير منّا ومنك الكمال إن شاء الله.
الأستاذ معيض البخيتان: الله يسلمك، والمغرب بعد له أبيات:
 
"ولنا في الأطلسي أهلٌ ودار"
تغرب الشمس.. ولا يبلى النهار!!
كم على المغربِ من نجمٍ يُدار؟!!
موئلُ العطر، وتاريخُ الهوى
والصّفيانِ: الدوالي، والجرار
هبط الحسن إليها خُلسةً
بهواها وتأبّى، واستدار
ورمى أطيافها فوق الذُّرى
واحتواها من يمينٍ ويسار
فاشرأبَّتْ للسما وانفطرتْ
من دم المزنِ، صغاراً وكبار
فلكُ الأمصارِ جوعٌ ضامرٌ
عطشٌ تنفخُه نارٌ فنار
وبطون متخمات لم تزل
تأكل الأرجلَ والموتُ شعار
ومسارات من الوهم لها
كل ثوب من دخان وغبار
ولهذي الأرض طلع آخر
للمثيرات به ألفُ مُثار
موقدُ الدنيا ومهواها الذي
يغسل البدر به وجهَ النهار
العناقيد على أقدامها
لبنُ الطينةِ فينا والمحار
والطيوبُ الخضر ما أعذبها
من صدور ومذوقات غزار
وسنا الشعر كما يشربُه
(حِمير) العزّ وما غنَّى (نزارْ) (8)
نحن والشمس إذا ما غربت
فلنا في الأطلسي أهلٌ ودار
أقربُ الناس إلينا نسباً
وأحب الناس ذكرى ومزار..!!
من رأى تلك الربى مخضلّةً
بين مدّين: انبلاجٍ واحمرار؟!!
وجميع الخلق فيها جسدٌ
ليس من فتنتهِ فينا خَيار!!
ونشيد العشق من أجدادنا
يتهادى بين شيحٍ وعَرار
سُمرةٌ موغلةٌ في دمنا
من رمال ودروبٍ من شفار
نطلبُ الحب ونتلو عنده
ما عقلناه فُرادى وجُبار
كل شريانٍ له مسألةٌ
غيرَ أخرى ورحيقٌ وهزار
كل بيتٍ للهوى فيه فمٌ
ناهدُ الصبوة مثل الجُلنار (9)
تتشهى رعشة الوجد به
مثلما يظمأ للزيتِ الشرار
نبعُنا الدافي ومجرانا الذي
ركض الدنيا زبيباً وخُضار
 
 
هذه حياة عبد الله الفيصل آثر أن ألقيها، لكن سلّمك الله (موئل العروبة الجزيرة) هل تريدونني أن ألقيها؟ (الجزيرة العربية).
الشيخ عبد المقصود خوجه: قل، ونحن لك سامعون.
 
"موئل العروبة والتاريخ"
 
أي نُعمى ولفتة ميسورة
والجمال الجمال يفتن نوره!!
وعروض من النماء وخلق
عارم النبض، حنكة ومشورة!!
إنه الحب كيفما شئت فسّر
وهج ينثر الوجود عطوره!!
كرمت دولة وعزت أياد
تتبنى من نادر الذكر دوره!!
عصبت هامة الزمان وشدت
مقلتيه، وخلصت مهدوره!!
رفعت مهنة الأديب وأعلت
بالتحايا جهاده وحضوره!!
ورثت مهبط البيان وصانت
حرمة الفكر واصطفت مأثورة!!
وتحدت مع المدى ألف غول
هتكت عند زهوه ديجوره!!
كيف لا والمهنّد العضب منها
والمجلي، والنقلة المنظورة!!
كان يا ما كان واليراعة فحم
والكتاتيب غلطة مغفورة!!
وعصيُّ المعلمين القدامى
تتناغى في سيرها مخمورة!!
والترانيم قام زيد وعمرو
أعقد الحبل وارفع الأضبورة!!
والطباشير لا تسل أين تُلقى
كل طفل في صدره سبورة!!
هذه حالة المعارف حتى
طوت الليل صيحة مقدورة!!
رائد ذلل المصاعب ساوى
ضرب الجهل ضربة موتورة!!
سيِّدٌ عاهد الإله وضحّى
بثمين الحياة وهي ضرورة!!
كي يرى شعبه قوياً يجاري
نهضة جلدةَ الصِّبا منصورة!!
والأمين الأمين رحب المحيا
الحجى، والأمانة المأثورة!!
من هنا من أثيرة الخلد ماذا
كيف أبدأ وكلكم في الصورة!!
هذه سرة الطبيعة ماجت
والدنى تحت مائها مطمورة!!
نهضت والقرون بين يديها
خلف (طه) والناقة المأمورة!!
وإلى اليوم وهي موقد حق
عبرت كل فلتة تنورة!!
مسح الله كل خط عليها
أبديٍّ يجيل فيه سفوره!!
وحباها من الفراديس وجهاً
عربياً وجبهة محسورة!!
وشموخاً من طبعها في بنيها
أو حدياً وعمة مجرورة!!
غُمست في الضياء دهراً
ودهراً من أبي الأنبيا، هنا ممهورة!!
فردت بالفواصل الغر حتى
غسلت كل ناظر منظورة!!
فإذا الكون والخلائق روح
شرّع الخالق العظيم أموره!!
وإذا الآي والملائك تترى
والمُناجى مقطورة.. مقطورة!!
وإذا الحب أخضر يتدلى
في شفاه ظَمئةٍ محرورة!!
من جناه القدسي قد سار جَدي
يغرس النجم أو يدق بذوره!!
يشعل النار في العروق العذارى
في النفوس الأبية المفطورة!!
هذه أرضنا وأم القضايا
والتواريخ والرِّضى والخطورة!!
هذه أرض كل حر شريف
وهي ليست بحدِّها محصورة!!
أرض من وحد الإله وصلى
ويسوق إلى حِماها نذوره!!
أم شعب منزّه وعريق
حفظ الله فرعه وجذوره!!
من بدور الفضا عليها قميص
كل زر في خيطه باكورة!!
وعليها من الرمال نطاق
يتلوى في وسطها مسرورة!!
ومن الغيم والنخيل العرايا
تخذت من بديعها (تنورة)!!
هذه موئل العروبة مهد
عسجدي وسلة مشهورة!!
خُلِقَ الملهمون منها عليها
وبها يلمس الوجود جسوره!!
كل جرف وكل مدرج ظل
آية وانخطافة مسحورة!!
فخر أجدادنا ونور هوانا
ومياه وجوهنا الموفورة!!
كل إيماءةٍ ولفتة حسٍ
من تراث العروبة المذكورة!!
ذاب في تربها شرائح شعر
ونفوس مخاضة مذخورة!!
فهنا جدول وظل ضحوك
وهنا سامر له أسطورة!!
وهنا بيدر وموطئ ثور
وبعير وقرية مهجورة!!
وبقايا مراود وجفان
مترعات وناقة معقورة!!
وهنا طلحة وعشق شغوف
ورداء وعَبرة منثورة!!
وهنا قربة ومضجعُ سارٍ
وفتاتٌ وتمرةٌ منقورة!!
وهنا الرند والخزامى وشيءٌ
من فتيت العرار في قارورة!!
وسيوف مشرعات وعزف
ملحمي وخطبة مبتورة!!
تتهاوى النسور تحت ذراها
مهطعات حييئة مبهورة!!
غادة تفرق الثريا، وتلوي
بالمجرات خصلة مضفورة!!
عقدتها بالبينات جهاراً
والسما، عند وجهها بللورة!!
وتصب الشموع في مقلتيها
نخوة صلبة الإباء غيورة!!
تحت أجفانها قوافل ماض
والليالي من حبكة الليجورة!!
وعلى ثغرها المصون عهود
وكروم علوية معصورة!!
هذه أمكم وأنتم بنوها
مرحباً بالأبرار والمبرورة!!
برة تولد البشائر منها
والقداسات صمها المحفورة!!
فعلى صدرها يصلي نبي
ويؤم خليفة جمهوره!!
وعلى متنها صحاف ووحي
ومقام وكعبة معموره!!
والحطيم المهيب، والخيف
والبطحاء، وكعب الذبيح والنافوره!!
وفحيح المجامر الحمر منها
والمثاني وسورة اثر سوره!!
لحنها السرمدي حب لكل
الناس لا نزوة ولا مبهوره!!
وزّعته معازفاً ليِّنات
وسقته من كل فذ شعوره!!
صانها الله حرمة وملاذاً
وبنوها قد أُلهموا دستوره!!
أمةٌ تفعل العجيب وتبني
نهضة طلقة اليدين فخوره!!
كلنا أسرة كأعصاب كف
لا غلول ولا نفوس غدوره!!
كرمت نابهين عقلاً ونقلا
خالدين خلودها مشكوره!!
يا كريم الإِباء شعب عظيم
ما توليت إرثه وعبوره!!
فلذات الفتوح من كل هاد
معرق المجد والهوى والسريره!!
هؤلاء الرجال أبناء سعد
والمثنى والنافلون الكبيره!!
من سراة التاريخ شعبك هذا
بين (ماء السماء) و (سعد العشيره)!!
حدثوا في الأصلاب أن بلاداً
آثروها عند الإله أثيره!!
فوعوها حباً يطول ويسري
نافذ العطر في الدماء النضيره!!
وشفيعي أني لثمت نداها
وتحصرمت في حليبي بثوره!!
ورصيدي وُدٌ وقلب جموح
يطعم الروح أرغن الصيروره!!
أنا لا أشتهي سواها نجيا
غير شعري وعيشة مستوره!!
 
 
كما عندي قصيدة، أطال عمرك عن بغداد، والغزو الذي جاءها، لكنّها طويلة وأنا لا أريد أن أطيل عليكم، فهل يؤثر ذلك غليكم؟
الشيخ عبد المقصود خوجه: لا يؤثر، رجاء نسمعك الليلة حتّى الصباح.
الأستاذ معيض البخيتان: حسناً.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أرحب أجمل ترحيب بأعضاء اللجنة العلمية بالشؤون الدينية التركية برئاسة الدكتور سليمان صالحي الملحق الديني في القنصلية التركية بجدة، والشكر موصول للدكتور نجاتي نادر مدير مكتبة محمد علي زينل بمكة المكرمة أتوا الليلة ليسمعوك ويسمعوا الشعر ويسمعوا معيض البخيتان، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم وبه، كلنا مطروبون.
الأستاذ معيض البخيتان: سلمك الله وأطال عمرك، علمك غانم، هذه القصيدة أطال الله عمرك عبارة عن أبيات قيلت في الجزيرة العربية، "هذي الجزيرة"، وقد قلتها في حدث من الأحداث:
 
((هذي الجزيرة))
هذي الجزيرة طه عندها يقف
والروح ما بينها والعرش يختلف
مواكب راعشات الطيب كم صدعت
من نيرات وكم شقت لها سدف
تاريخها الوهج الأسمى وحكمتها
الله أكبر تنميها وتأتلف
هذي المهاد التي طالت مفاتنها
ولم تزل جوهر الدنيا وما تصف
صوت الفراديس مشكول ببنيتها
والمعجز الشهداء الخضر والصحف
خلق تقلبه الأضواء مذ فطرت
حتى القيامة مما فيه تزدلف
آي وأفئدة من دفق معجزها
لا الآي تهدأ ولا فلذاتها تقف
منها خلقنا وبعض الكون حمحمة
وبعضه الآخر المطمور يرتجف
من نكهة الكبرياء الحب ترضعنا
من صدرها صبوة تدمي وتختطف
كم عنقدت من نضيج ظل معجزة
وهائمون بما تغريه قد كلفوا
من مدها نتفيأ كل وارفة
وندفع الشمس بالأيدي ونلتحف
والخلق يدري بأن النور طينتنا
من قبل أن ترتق الدنيا وتنصرف
من معقد الشعلة البيضاء قد وحمت
نساؤنا والجدود العز والشرف
فحولة دوت الدنيا بهيبتها
الذكر يزخر والتاريخ يعترف
نحن الذين اغتسلنا والثرى دنس
والموبقات لها الأعتاب والشرف
وللشياطين آطام وأودية
مكظوظة، ودمى هاماتها خزف
وللطبائع من ماء ومن شجر
زرائب من بني الإنسان تعتلف
نحن الذين اغتسلنا والثرى بدم
منا وفيه، ولم يبرح لنا هدف
كم جبهة قد نضحناها به ومشت
أرتالنا واللظى والنزف يزدحف
وكم زرعنا الضحايا دونما هبة
في الأرض، إلا هواها العارم الصلف
وكم لقح من القعقاع قد مهدت
هذي الرحاب وكم حر لهم خلف
عمرو وألف من الصمصامة انعطفت
على المقابض، ما أبقى لنا السلف
السيف والعلق الوهاج ما ادخروا
وما وعت في مدى أصلابهم نطف
منا وفينا المروءات التي خلدت
والمصطفون وما استنوا وما حذفوا
الصابرون على البلوى إذا نزلت
والفاعلون بما قالوا إذا حلفوا
وأروع الشعر ما كانت مقاطعه
منزوعة من عروق القلب تنذرف
نفنى وتبقى سراة الله فارعة
تهوى كما تشتهي منا وتغترف
أم رضعنا بها الإيمان كم ولدت
من أوجه في السماوات العلى ترف
البيت والفطرة الأولى وما دفعت
من أولياء وما زانوه وانتصفوا
نفنى وتبقى متون النخل صاعدة
للنجم، طير النجوم الأوحد السعف
رمالنا لحمنا الموار ما شرقت
شمس على الكون إلا منه تنكشف
لمن خزنا دماء لا يزال لها
على الشفار شفاه ثم ترتشف
وكيف نحسب أعماراً بلا شغف
يستركض العالم الأرضي فينشغف
يا أيها الشعب مجبولاً ومحترقاً
بحبه الأرض أنت المارد الدنف
وأنت عملاق من يبقى إذا اقتربت
لا الهرج – من بعضها الحمرة العقف
لا يخفق الصاريات الخضر غير فدى
يصيح بالموحشات البيد تنجرف
لا يكبح الشر إلا ما يماثله
فما لصدام والأشرار إن زحفوا
البائعون بما يخزي شعوبهمو
والخائنون عهود الله ما اقترفوا
دعهم يذوقون طعم الجمر ما اهتبلوا
إلى الجحيم وما في جوفه يجف
يا أيها الشعب مشدوداً بنخوته
إما الخلاص وإما الخسف والتلف
وأننا في جلود لا تعيرها
ملامس غيرت من طبعها الصدف
يا أيها الشعب زهو لمجد من آدم
الأرض حب اليقينين ما نزفوا
رصوا الصفوف وكُونوا مثلما انقبضت
كف وشدت عروق الهامة الكتف
فالمؤمنون من الأرواح أطهرها
كما وعينا، وأما غيرهم جيف
 
سلمك الله، عندي بيتان شعريان لكن إن كنتم لا تريدون منّي إلقاءها، لا أقوم بذلك، أحدهما في الرثاء، والآخر في الموت.
الشيخ عبد المقصود خوجه: نحن معك حتّى الصباح، لكن الآن الساعة الحادية عشرة، فهل تحب أن نعطيك أيضاً خمس دقائق.
الأستاذ معيض البخيتان: خمس دقائق فقط.
الشيخ عبد المقصود خوجه: بعد ذلك نريد أن نترك الإخوان الذين يجلسون هنا، ويودّون أن يحاوروك ويسألوك.
الأستاذ معيض البخيتان: بَعد!
الشيخ عبد المقصود خوجه: نعم بَعد. فلم تسمع بعد من السيدات شيئاً، فنحن لم نكن قد سمعنا شاعراً لهذا الوقت كلّه، لكن شددتنا بما قلت، فنحن معك.
الأستاذ معيض البخيتان: الله يسلمك، شكراً، فقط دقيقة:
((من وجع النفس))
ادفع الباب إلى القطب الشمالي
وارفع السقف إلى حد الهلال
واملأ النجوى من زاولها
وصبوة مجنونة بالاختيالِ
واقذفي وهمية الخط
إلى حيث لا وهمية تدنو لبالي
وابعثي شعري ووجهي غنوة نحو
ذاك البعد من أرض المحال
وأريني غربة الحب الذي
علق المجهول والغيب المثالِ
 
ما دام سينتهي الوقت، لن نعطيكم المزيد من النماذج، سلمك الله:
 
((نفثة وجع))
وجعي آثرت أن ألقى عزاي
من ذا يجاذبني مناي؟!
من ذا يلوّح بالشفيف
من الظما لبطاحٍ ماي؟!
ويلّم ما كرع الصِبا
في كل منقوش انتشاي!!
ذبل الربيع ولم يزل
رابي الفتينة من رُباي!!
متلهف كل النحور
الطافحات مدى حداي!!
جنُّ الجبال دفوفها الـ
ـهيمى وخطفتها ابتداي!!
ركضي تمرد بالهوى
هذا بواي وذا بواي!!
وأرى العناقيد التي
تسري السراة بها صداي!!
هرمت بأوتاري الغنا
منذ متى مُزج احتساي؟!
ومدى يمور بأضلعي
في الشمس يلثمني هواي!!
الصِّلُّ في حرق الهجير
يلف في بدني دماي!!
والقيظ سوط قفاره
يمتص من وجعي خطاي!!
الريح تنثر عمَّتي
وترد وجهي في قفاي!!
وتلوك من خلفيتي
مزقا تغلُّ بألفِ راي!!
فيما يخالط عتمتي
الأولى وينثره هباي؟!
ولمن تناثر هذه
الآهات من غير اهتداي؟!
ياما بلوت من الأسى
وخبرت فيه بعد لاي!!
غربت وجهي في غريض
الطين.. أشرعة وناي!!
وعدوتُ مرعوب الجوى
يصيح في حطبي قراي!!
من ذا يسف شراهة
الصحراء تهدر في حشاي!!
جسد يذوب وغاية
تدمي ومعضلتي رضاي!!
سنة أورد وجهها
بأرق شيء في سناي!!
ومخالب الأيام رغم
الزيف قد وصلت حجاي!!
قد كنت أشرب فرحتي
خضراء تقطر.. وابواي!!
منذ افتقدتهما الحياة
يعيشها شبح سواي!!
والآن لا عمري ولا
في المقبلات سوى بكاي!!
هشم الحنين بقيتي
واليتم ظلي واحتماي!!
قصرت يداي عن الكثير
وإن دنى قصرت يداي!!
أنا إن شكوت فربما
في الأرض أفتك من أساي!!
ماذا أقول لأمةٍ
في الشرق تشكو من بلاي؟!
 
 
شكراً، هناك كلمة في الشعر العامي أيضاً -أطال الله عمرك- كما قال الدكتور، فقد عشقت هذا الشعر، وكتبت عنه في حلقات، والشعر العامي يختلف وله ألحان، فهل تسمحون لي أن ألحّن أو لا تريدون ذلك؟
الشيخ عبد المقصود خوجه: لِمَ لا؟ لعلنا نجعلها مسك الختام.
الأستاذ معيض البخيتان: حسناً، نعم، يقول:
 
((مهموم وصدره ضاق))
يقول مهموم وصدره ضاقْ
يضيق صدره عقب أصاحيبهْ
عينه اتعاف النوم عقب فراقْ
ربع لهم قلبه عوى ذيبهْ
بالهون بالهون يا لسواقْ
اشوف من ربي بلاني بهْ
أبو مبيسم يذبح العشاقْ
في مفرق الحله ضحك لي بهْ
الردف نابي والوسيط ادقاقْ
يدق خلخاله عراقيبهْ
أبو جديل يكسر المفراقْ
المسك والعنبر يعاطي بهْ
جاني كما غصن على مطراقْ
النود تقبل به وتقفي بهْ
 
 
هذه الأبيات للشاعر العامي المميز فهيد بن دحيم وقد توفي فيما يقال في عهد الملك سعود بن عبد العزيز..
وهذه لفهد بن دحيِّم خالد الفيصل يقول: يا أخ معيض وين لقيت هذه الأبيات والله حنا صغار ونغني ببيتين منها
هذه القصيدة للأستاذ معيض علي البخيتان قالها عندما هاتف أبناء عمه في منطقة تثليث قاله له نحن علينا أمطار غزيرة وليس تثليث فحسب بل كل مناطق السروات قال:
عز والي بارق لاح بأطراف الحجازْ
صوب وادي الراك تثليث وسميه مهيلْ
كن براقه مقازير ربع في عزازْ
من محير الحنثرية إلى جر السليلْ
ناز قلبي من محاني ضلوعه يوم نازْ
آه يا منقع حمامه وغربيه يسيلْ
لجْ محال الضماير وقام له اهتزازْ
وانثرْ ما كنت أداريه من وقت طويلْ
يا عشيري ما توهقت باللي قال فازْ
ولا جحدت اللي وزاني ولو أنك بخيلْ
خابر ما دار في القوز يا ضبي المحازْ
جاحد طول المدى وأنت تدري أني غليلْ
 
 
يعدّ ما قلته شعراً شعبياً، وهو على اللحن المنكوس، وقد قلته يوماً للأمير خالد، فقال: "ماذا عن المجرور"، قلت له حينها: لا أعرف الحجاز، ولكن.. قال: لا، المجرور يخصّ الحجاز.
هذه القصيدة على لحن المجرور ولا يقال إلا في منطقة مكة وخاصة الطائف وهو للشاعر المتقدم بديوي الوقداني:
يا بارق لاح بالقطر اليماني بات نوه يقودْ
دنْ الرعد وامطرا
صهرت أخيله وعيني ساهره والخلايق أقودْ
والفكر ما غيرا
وواوجد روحي على أيام مضت يا ليتها تعودْ
لو كان بالمشترى
أيام زلتْ كما قطف الزهر من كل عودْ
يوم الشباب اخضرا
 
الخ... وهذه الأبيات من عيون هذا اللون.
الشيخ عبد المقصود خوجه: هذا المجرور؟
الأستاذ معيض البخيتان: نعم هذا المجرور. أمّا المنكوس لا يقوله إلا عالية في السرى قحطان وبعض الدواسر وهو مثل العرضة، العرضة الذي لا يعرف فيها طويل ولا قصير، ولكن بعضهم يتعلمونه، بينما المنكوس يوجد فيه الطويل والقصير ويصير عرضة، مثل ما سأعرضه الآن عن القصير.
هذه الأبيات على لحن المنكوس القصير وهي لعايض بن ذيب بن غرسه رحمه الله:
يا حجيج البيت حجوا وردوا لي خبرْ
بشروا بصويجبي لقبلت رحايله
جعل نضو حججت ضامر البطن انكسرْ
لين يرجح ويتحسن على فعايله
 
 
 
 
الأستاذ معيض البخيتان: سلمك الله، هذا هو الشعر العامي الّذي كنت أريد أن أطربكم به.
الشيخ عبد المقصود خوجه: إذاً دعنا نفتح باب الحوار ونسمع.
عريف الحفل: شكراً لسعادة ضيفنا الكريم على هذه الكلمة وعلى هذا التحليل في مسيرته وذكرياته، وما أتحفنا به من نماذج من قصائده الشعرية، التي أعادتنا إلى زمن الشعر القديم بأصالته وعبقه الجميل. الآن نبدأ الشق الثاني من هذه الأمسية بتقديم الأسئلة والفرصة الآن متاحة لقسم السيدات، فلتتفضل الأستاذة نازك الإمام في الصالة النسائية باختيار من تعرّف بنفسها ثم تلقي سؤالها مباشرة من دون مقدمات أو مداخلات.
الشيخ عبد المقصود خوجه: تختلف الليلة عن أي ليلة أخرى، ففي العادة كما تعرفون، ننتهي الساعة 11 وإذا مددنا، فيكون ذلك حتّى الساعة الحادية عشرة والربع أو النصف، لكننا في هذه الأمسية جالسون لأكثر من ذلك لأن شاعرنا ليس بشاعر عادي، والذي تسمعونه ليس بشيء عادي أيضاً، فكل شيء الليلة مميز. لذلك الميزة التي سنعملها هي أن نمدد الوقت حتى تسمعوا أكثر ما يمكنكم من الأسئلة والأجوبة، وأعتقد أنّ ضيفنا بالتأكيد سيطربنا بأجوبته، لكن نرجو ألا تطول حتى نعطي أكبر عدد ممكن من الأخوات والإخوان ليسألوا، عندي هنا عدد كبير من الأسئلة سنحاول أن نطرح أكثر عدد منها والباقي فليعذرونا الإخوان، تفضل.
 
 
طباعة
 القراءات :545  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 178 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأربعون

[( شعر ): 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج