شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الدكتورة فاطمة إلياس))
مساء الخير جميعاً، أن تُكرِّم "الاثنينية" شاعرة كزينب غاصب فهو تكريم للشعر الفطري، الذي تغزله أنامل القلب بخيوط التأمل والتبتل من على صخرة شاقة تطل على شواطئ الكون، وشرفات الطبيعة في تناغم ساحر وملهم، تسقي وشائجه أنداء البحر وتحرس براءته أمواج الذكريات، وأصداء الماضي العتيق المسافر أبداً على فلوكة الحنين إلى فرسان، الجزيرة العذراء وقلعة الأسفار والانتظار، التي طالما تكسرت على شواطئها أحلام النساء المفارقات والمودعات وهن يبكين لحظة الوداع، وفرحاً بلحظة اللقاء.
في حين تتحجر الدموع في مآقي رجال فَرَسَان وفُرْسَان سواحلها قبل أو بعد كل رحلة صيد أو غوص، بحثاً عن الرزق، اختزنت ذاكرة الطفلة زينب عنفوان هذه العواطف وجنون تلك اللحظات لتتفجر شعراً مع كل لحظة حنين تجتاحها لهاتيك الربوع، وهي تحاول التأسيس لذاكرة جديدة في مدينة مكتظة لا تأبه لقصص النازحين إليها، وتدير ظهرها رويداً رويداً لتاريخها وماضيها وتتجه بعنف حضاري نحو مستقبل وتلك مدينة جدة التي نزحت إليها زينب وهي طفلة، ووسط هذا الخضم من التناقضات التي اصطبغت بها الدنيا الجديدة في جدة بزخرفها المعماري وإبهارها النيوني، اجتاحت الفتاة الفرسانية نوستالجيا شاعرية جارفة لكل ما يمت بصلة لفرسان لحكايات البحر وسهر نساء القرية العاشقات، وأسرار المكاتيب التي كانت تكتبها لهن وهي طفلة، تزهو بامتلاكها ناصية القراءة والكتابة وتسخرها لخدمة إناث القرية الأميّات المستسلمات لقدر الغياب وفراق الأحباب، تتذكر الخطوط التي كنَّ يرسمنها بإبر الخياطة على جدار البيت يوماً بعد يوم ليحصين عدد أيام الغياب، وهنّ يغنين غناء الوجد والجوى، كما تصفهن زينب في قصيدة بعنوان "نوتة من غناء قديم" حين تتحدث عن إحداهن، وتقول:
هي: لم تكن تدري فنون البوح بالألوان، والأقلام، والحرف
هي: (إبرة تنحت منها حائط الجصِّ)
وقفت: تعدُّ الخط بالأيام،
توازي الصف بالصف،
يبعثرها الحساب
يهزني غناءها الولهان/ بالتدريه (وهي نوع من الأهازيج الفلكلورية)
 
إلى أن تقول:
سحقاً لهذا البحر، للأصداف، للحُلل الثمينة
متى تضيء شموعها؟
لتفتح الدار الحزينة
 
لا تكاد تخلو قصيدة من قصائد زينب من هذا الحنين الجارف للأرض البكر وللمشاعر البكر، ولا من العطش الدائم لشيء ما ضائع مدفون في تربة فرسان، وبين ضلوع أشجارها ولزمنٍ ما تنتهك أسراره سواحلها، ونبوءة ما تختزنها ذاكرة الكون، وتصدح بشفراتها طيور فرسان المهاجرة، ومن يعرف زينب غاصب الشاعرة بالفطرة والكاتبة الصحفية لاحقاً لا يملك إلا الإعجاب بقدرة زينب على الفصل بين هذه العاطفة المتسللة إلى روحها والقابضة على أنفاسها بسياط الحنين لمرتع الطفولة والغوص، والغوص حتى الثمالة في تفاصيل ذلك الزمن وبين تأقلمها مع ديناميكية الحياة وإيقاع الأحداث بنظرة موضوعية يترجمها قلمها الصريح، وتعكسها مقالاتها النارية في بعض الأحيان وهنا تتحول زينب من كائنٍ فرسانيٍ وديع إلى صوتٍ وطنيٍ نسائيٍ واعٍ ومثقف، ينافح عن حقوق المواطن وقضايا الوطن كل الوطن.
أما أجمل اللحظات فهي تلك التي تترك فيها زينب نفسها على سجيتها وتغني بصوتها الأغاني الفلكلورية الجيزانية والفرسانية، وأجملها تلك التي تكتبها وتستلهمها من التراث الفلكلوري مثل أغنية "فراق الغوالي" التي غناها المطرب عباس إبراهيم ولحنها صالح الشهري، (ليتكم سمعتموها منها كما سمعتها، تملك صوتاً جميلاً بالمناسبة)، التي تقول فيها:
فراق الغوالي.. (أنا أحاول أن أقولها باللهجة الشعبية)..
فراق الغوالي هل عبراتي
تسيل الدموع عبرة ورا عبرة
أنا بعدهم ما أقدر على أشواقي
الا من يفارق ديرته السمرا
إذا صرت وحدي أفتح أوراقي
اسامر خيال الطيف والذكرى
وقلبي على أنسامهم غادي
الا من يفارق ديرته السمرا
لأطيافكم أشتاق واعتادي
ويوم السفر قلبي على جمرة
فراق الحبايب مش سهل عادي
الا من يفارق ديرته السمرا
ليالي الفراق تلعب بأعصابي
ومن مثل حبك في الحشا زهرة
 
 
 
طبعاً، لا أريد أن أسرد بقية القصيدة لإحساسي أنها قد تلقيها، فقط إلى أن تقول:
وباحضن عيونك داخل أعماقي
الا من يفارق ديرته السمرا
 
لا يخفى علينا وعليكن من هي تلك الديرة السمرا طبعاً (فرسان)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريفة الحفل: شكراً للكاتبة المعروفة الدكتورة فاطمة إلياس. والآن الكلمة للقاص والروائي سعادة الأستاذ عمرو العامري، فليتفضل.
 
 
طباعة
 القراءات :430  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 129 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.