((كلمة الأستاذ محمد باديب))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. |
ما إن سمعت نبأ تكريم الأستاذ الجليل، إلا وغمرتني فرحة لا توصف وطفقت أخصف على ورقتي بعضاً من كلمات أعلم أنها لا تفي إلا ببعضٍ مما يجب أن يُقال في هذا المقام، ذلك أن أستاذنا الجليل حفظه الله تعالى وأمتعنا بصحته وعافيته، بعيدٌ عن الأضواء، عاملٌ في الخفاء، لا يعرفه كثيرون من أبناء عصرنا، في زمن غلبت وطغت فيه الماديات على الروحيات، والعلوم التقنية على الأدبية. |
لن أطيل، بل واجب علي أن أختصر، حتى أتيح الفرصة لنفسي ولكم لسماع كلمته، ولكن رغبة في المشاركة واحتفاءً بالأستاذ الجليل -حفظه الله-، ولما له علينا من حقوق كثيرة، وقد سبق التعريف بشخصه الكريم، وعرج المتحدثون قبلي على ذكر أهم مؤلفاته ومعاجمه وموسوعاته الكبيرة التي حصل بها النفع، وجدير بأستاذنا أن يُؤلَّف فيه كتاب حتى يحتذي به أهل جيلنا وأبناء عصرنا؛ لأنه مدرسة في الاطلاع وحُسن الانتقاء وحُسن التأليف والإخراج، فخدماته كثيرة، وقد علمتم وسمعتم أن مؤلفاته وعناوين كتبه قد جاوزت المئة، فله مؤلفات في علم الفهرسة، وفي البحث العلمي المعجمي، وفي باب النقد العلمي والاستدراك على من قبله، كتصحيحه لأخطاء بروكلمان والكحالة وللبغدادي صاحب "هدية العارفين"، وهناك دائرة كبيرة تشمل عدداً من مؤلفاته وإصداراته وهي (دائرة التاريخ)، وفي داخل هذه الدائرة تتقاطع حلقتان: (حلقة التاريخ اليمني بعمومه)، و"التاريخ الحضرمي بخصوصه"، وهذا تعريف بسيط ووجيز بأهم الكتب التي أخرجها في خصوص تاريخ حضرموت (مسقط رأسه)، فإنه عندما بدأ أبناء حضرموت في العمل لخدمة تراثهم العربي الإسلامي وشرعوا في نشر مؤلفات أسلافهم وتحقيقها، يأتي أستاذنا الجليل على رأسهم إذ هو في طليعة الرواد، أمضى سنوات طوال عاكفاً على خدمة التراث اليمني بالعموم، وأخرج فيما أخرج من كنوز التراث عدداً من أهم مصادر تاريخ حضرموت، إنه صاحب قامة علمية وذو سمعة محترمة في عالم المخطوطات والتراث اليمني خصوصاً والإسلامي عموماً. ذكره العلامة المحقق محمود الطناحي فيمن عرفهم من علماء المخطوطات وأثنى على جودة بحثه، كما أثنى عليه رئيس مصلحة الآثار ودور الكتب اليمنية القاضي العلامة إسماعيل بن علي الأكوع، في تقديمه لكتابه (البكر) الذي نُشر في سنة 1392هـ-1972م وهو كتاب (مراجع تاريخ اليمن)، وهذا الكتاب من أهميته أصبح مرتكزاً عند العلامة الزركلي في كتابه الكبير الشهير (الأعلام)، فكثيراً ما يرجع الزركلي في التعريف بمؤلفات أهل حضرموت وذكر أعلامهم إلى هذا الكتاب الذي نتمنى من أستاذنا الجليل أن يعيد النظر فيه ويخرجه إخراجاً لائقاً به بعد أن مضت عليه أكثر من أربعين سنة. |
يقول العلاّمة الأكوع في التعريف بذلك الكتاب الذي صدر عن وزارة الثقافة في دمشق: "فقد انبرى لهذا العمل الجليل شابٌ نابه من الشباب اليماني المتفاني في خدمة العلم هو الأستاذ: عبد الله بن محمد الحبشي، وانكب على هذا العمل وهو لم يتم العقد الثاني من عمره، واستطاع بجهوده المحدودة وإمكانياته المتواضعة أن يحصر ما وصل إليه علمه، ويجمع ما انتهى إليه خبره من المؤلفات اليمانية، ولم يقتصر عليها فحسب بل عمد إلى ذكر ما له علاقة باليمن من المؤلفات غير اليمانية". |
ثم ختم العلامة الأكوع كلمته بقوله: "وهذا الفهرس "مراجع تاريخ اليمن" ما هو إلا بداية لعمل طويل، وبحوث مستفيضة". وقد تلته حقاً بحوث مستفيضة لأستاذنا كان من أواخرها كتابه الكبير "معجم العلماء والمشاهير الذين أفردوا بتراجم خاصة"، في سِفْر يحوي على (1074 صفحة)، صدر عن المجمع الثقافي في أبو ظبي، في سنة 1430هـ-2009م. |
أهم الأعمال التي خرجت من تراث حضرموت على يد الأستاذ:
|
- "البنان المشير إلى علماء وفضلاء آل أبي كثير" تأليف العلامة محمد بن محمد باكثير المتوفى سنة 1355هـ. |
- ثم تلاه مجموع المقامات اليمنية وفي ضمنها مقامات لعلماء حضرموت وأدبائها. |
- بعد ذلك أخرج تاريخ حضرموت المسمى بالعدة المفيدة الجامعة لتواريخ قديمة وحديثة للعلامة المؤرخ سالم بن محمد بن حميد الكندي المتوفى سنة 1316هـ وطبع في مجلدين وصدرت له طبعة أخرى قريباً. |
- تلتها رحلة ابن عابد الفاسي القادم من المغرب إلى حضرموت، والمتوفى سنة 1048هـ، وقد حققها بالتعاون مع الأستاذ إبراهيم السامرائي -رحمه الله-. |
- تلا ذلك تاريخ حضرموت المعروف بتاريخ شنبل، وهو من أهم المصادر التي حُفظت من عوادي الزمن والضياع، ويعد من أهم الكتب عن تاريخ حضرموت في العصر الوسيط. |
- تلا ذلك تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر، للطيب بافقيه، أيضاً صدر في مجلد مزود بالفهارس. |
- تلاه منحة الفتاح الفاطر بذكر أسانيد السادة الأكابر، لجده الثاني العلاّمة عيدروس بن عمر الحبشي -رحمه الله-، وقد صدر في مجلد. |
- تلا ذلك المقامات النظرية لأحد علماء حضرموت المهاجرين إلى الهند وهو العلاّمة السيد أبو بكر باعبود -رحمه الله-، المتوفى في القرن الثاني عشر الهجري. |
- تلاه النسبة إلى المواضع والبلدان، وهو كتاب مهم جداً ونادر، ويعد من أهم الكتب التي عرّفت بالمدن اليمانية والحضرمية على وجه الخصوص. |
ولا شك أن الإفاضة في أعمال الأستاذ يطول عدها وذكرها ويكفينا من القلادة ما أحاط بالعنق، أختم كلمتي بهذه الأبيات التي جرت على الخاطر، فأقول شاكراً ومقدراً لهذا الاحتفاء الذي أقامه سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه -حفظه الله- وبارك في علمه وماله وأكثر من إفضاله فأقول: |
الفضل عاد إلى نصابه |
والنور أشرق في رحابه |
والعلم شُيِّد صرحه |
بالسامقات على هضابه |
خفقت بنودك واعتلت |
وأضاء برق في سحابه |
في ليلة مزدانة |
بالمسك ينفح من جِرابه |
فيها احتفينا بالمكارم |
بالعلوم بخير نابِه |
بالسيد الحبشي من |
جمع الفضائل في إهابه |
بالقرم عبد الله ذي |
المجد الأثيل وقوس قابه |
بحّاثة العصر الذي |
يطوي الفيافي غير آبه |
البحث فيه سجية |
والفهم منطرح ببابه |
قطع القفار مُنقِّباً |
أحيا المآثر في كتابه |
تالله، ما لمعاجم الأستاذ |
في الدنيا مشابه |
ضحى بأنفس عمره |
شيخاً وأنفق من شبابه |
إتخذ الصحائف والدفاتر |
والمحابر من صِحابِه |
ومضى يفيض علومه |
كالغيث يهمل في انسكابه |
متواضع في عزة |
متحفظ في غير بابه |
كالبدر يهدي ضوءه |
والشهب تبدو في غيابه |
|
|
|
والسلام عليكم ورحمة الله، وعذراً للإطالة. |
عريف الحفل: شكراً للدكتور محمد أبو بكر باديب، ونختم بقصيدة قبل أن نستمع إلى ضيفنا المحتفى به، هذه القصيدة للدكتور محمد عبد الرحمن الأهدل، من "جامعة الطائف". |
|
|