شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الأستاذة بديعة قشقري))
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مساء الشعر ورؤية الفتوح، يسرج خيلها شاعرنا المعتّق بقصائد الربيع، وشجر الأطفال، مساء النورس حرف يرفع جذر البحر على الأمواج ويبدأ في كسر الباء (هذه مقولة لشاعرنا) مساؤكم جمر من ذاكرة المواقد على أنهارنا تُجري حرقتها أصداف اللؤلؤ والمحار، مساؤنا لا شك بأنه نسمات عليلة، نسمات علية شرقاوية أصيلة، كيف أعرّف شاعرنا؟ كيف أقدّمه وهو الشاعر الموسوعي؟ وهو الشاعر العابر للأجيال، وهو شاعر الفصحى والعامية، شاعر متعدد الاتجاهات، لعل خير ما تجود به الذاكرة أن أبدأ معكم بمكتبة "نون"، مكتبة "نون" بكل ما تحمله أو يحمله المسمى من حمولاتٍ رمزية ودلالية، مكتبة "نون" كانت بدء لقائي به، وبدء صداقتي التي جمعتني شخصياً بالشاعر المبدع علي الشرقاوي، كان ذلك في بداية التسعينيات حيث كنت أقيم في الظهران وأعمل في أرامكو، وأتردد على البحرين بعد إنشاء جسر المحبة بين المملكة والبحرين، كنت في كل زيارة أضع على جدول أولوياتي زيارة مكتبة "نون" إضافة إلى بعض المكتبات الأخرى طبعاً في البحرين، التي كنا نقتني منها الكتب التي لا توجد ولا تتوفر لدينا في الدمام أو في السعودية، مكتبة "نون" كنت أرتادها بتوق الورّاقين، وشظف نهام المواويل البحرية وبنادره.
تعرّفتُ إلى علي أو لعلني بحثتُ عنه فوجدته منكباً على كتبه في مكتبة "نون" المكتظة برائحة التاريخ، ونكهة التراث، وعلى الرغم من ارتياده مشروع القصيدة الحداثية، لا أدري لماذا كنت أستحضر الجاحظ يأتيني من عمق التاريخ كلما زرت علي الشرقاوي في مكتبته، التي هي جزء من تكوينه الإبداعي، وكشاعرة مهتمة بشؤون اللغة كانت كلمة أو مصطلح "بيبلويو فايل" تقفز إلى ذهني بمجرد رؤية شاعرنا علي في مكتبته، التي ترادف معنى الحياة ومعنى الهدف "بيبلويو فايل" طبعاً مصطلح جذوره إغريقية أو يونانية تعني عاشق الكتب، نعم نحن أمام عاشق للكتابة بتعددية اتجاهاتها، بدءاً بالكتابة السياسية ومروراً بقصيدة الحياة بشقيها الفصيح والعامي، وليس انتهاءً بالصوفية في تجلياتها اللغوية والروحية أو قصائد الأطفال وأشجارهم المنفتحة على البراءة والوعي.
ما بين الرعد ومواسم القحط والبحر لا يعتذر للسفن مسافات تنفتح في امتدادات فضاءاتها على العلاقة بين الأرض والسماء، بين الطبيعة والإنسان، هي مسافة زمنية أيضاً ليست بالقصيرة، لم يتوقف فيها شاعرنا عن الكتابة وعن البحث بخبرة المتمرس في لغة الأرض والبحر الموغل في حكاياتهما بين شموخ النخيل وأحلام الإنسان ومشاعل الروح.
علي الشرقاوي كائنٌ شعري، يصعب القبض على شخصيته الشعرية، ما بين كتابات سياسية ومسرحية وأشعار بالفصحى والعامية كما أسلفنا للكبار وللأطفال، ولكن في اعتقادي شيئاً واحداً ربما يجمع تلك الكتابات كلها ألا وهو: التأمل الفلسفي، مقروناً بثروة لغوية هائلة، ثروة هادرة أيضاً يتهادى على أمواجها ويستقي من حكمتها شاعرنا الجميل.
في قصيدة "ما لا يتفهرس" من ديوانه الأخير "البحر لا يعتذر للسفن" يقول علي:
بالقلب رأيتُ كوكب أزمنة
في شكل الولدان
حنان صلاة في الصمت العاصف
تاريخ الحجر الناطق بالماء الممكن
ريحان الغطة عاطفة الكافل المارة بالريح
 
تلك هي رؤية الشاعر فهو يرى بالقلب، القلب الذي يهزج بمخزون الحلم وهو الحلم الذي يكتظ بالإنسان وبطموحاته وتطلعاته، التي ترى الماضي وتتشوف المستقبل أيضاً، وإذا سلمنا وفق جبرا إبراهيم جبرا بأن القصيدة كيان هندسي يجب أن نمعن النظر فيه من التخطيط الأول إلى التجسيد النهائي فلعلنا ندخل مع الشرقاوي في اعتماده تقنيات مغايرة للكتابة، لكتابة القصيدة على وجه الخصوص، تتمثل في تلك اللعبة الشعرية الذكية والمغامرة والمغايرة التي تشي بموت المؤلف، ويعدّ موت المؤلف تقنية جديدة اعتمدها شاعرنا ما أفسح له المجال لأن يعطي مكاناً أوسع للهامش الجانبي والهامش التحتي أو السفلي تجسيداً للواقع، هكذا نراه يحيل يباس الأيام إلى بساتين مورقة. كما أنّ الهامش الذي اهتم به شاعرنا كان تجسيداً لواقع على أرض الواقع، فنراه يحقق مخطوطات غيث بن اليراعة، حيث تحوي المخطوطة متناً وهامشاً، وهما يدلان على علاقة المركز بالهامش أو الأطراف، وفي كتاب "الشين" يعطي شاعرنا المكان الأكبر للهامش وليس للمتن، مبلغاً بذلك رسالته الشعرية التي تعتمد الوعي الاجتماعي وفقاً لباوند إذ يقول: "الشاعر هو عين المجتمع"، هذا فضلاً عن كل الأبعاد الفلسفية والسياسية والاجتماعية في شعره، لن نفي شاعرنا حقه لو تكلمنا ساعات أو كتبنا صفحات، ولكن سأختم بمقطع شعري صغير يعجبني على الرغم من التطورات كلها، التي مر بها شاعرنا أو كتابة شاعرنا لكني أحب هذا المقطع من مشاغل النورس الصغير في قصيدة "أبي" يقول علي الشرقاوي:
أبي، غصن لوز تعكَّز شيخوخة
يتكور في حضرة الموج
يحني بداوته، أيها الموج
يا أيها الموج اكشف ستارك
زهراً يرى النحل
دعني أراك هنا
مثلما كنت منذ الطفولة
مبتداً للحياة
جميلاً كضحك التراب
قوياً كنبض الشجر
إنما البحر يبعد في علب النفط
يبعد في راحة القحط
يبعد على ضفة وتر داخلي
أبي، يتعكَّز غربته
عائداً ليعانق نشوته
في الفراغ وينسى
 
تلك هي غربة الخليجي البحريني، فلنحيّ شاعرنا الجميل، شكراً جزيلاً.
عريف الحفل: وشكراً للأستاذة الشاعرة بديعة قشقري، إذاً أيها السيدات والسادة، مع الشعر والمواويل البحرية بصوت النهام وقهقهات الطفولة، أترككم مع ضيفنا ابن البحرين الأستاذ علي الشرقاوي، فليتفضل.
 
طباعة
 القراءات :378  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 90 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الخامس - لقاءات صحفية مع مؤسس الاثنينية: 2007]

عبدالله بلخير

[شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج