((كلمة معالي الأستاذ محمد عبد الله الشريف))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين، يقول الله سبحانه وتعالى: وابْتغِ فِيمَا آتاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرةَ ولا تَنسَ نَصِيبكَ مِنَ الدُّنيا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إليكَ وَلا تَبغِ الفَسادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدين [القصص: 77]. |
صاحب السعادة مؤسس وباني هذه الأمسية ((الاثنينية)) الشيخ عبد المقصود خوجه، الأخوات والإخوة الأفاضل، الحضور مع حفظ الألقاب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
لم أُعِد خطاباً لكي ألقيه بينكم ذلك رغبة مني في أن يكون الحديث من القلب إلى القلب وأتمنى ذلك، إنما اسمحوا لي في البداية أن أشكر صاحب هذه الأمسية ومؤسسها على دعوته لي لمشاركتكم جميعاً هذا اللقاء المبارك، الذي أرجو أن نخرج منه إن شاء الله بفائدة عامة للوطن والمواطن. بداية اسمحوا لي أن ألقي بعض الضوء على الهيئة، بداياتها، ونشأتها، والأعمال التي قامت بها حتى الآن، لكي يكون ذلك مدخلاً للحوار والحديث. |
أُنشئت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالأمر الملكي رقم أ/65 وتاريخ 13/4/1432 هجرية، وعُهِد إلى رئيسها ورئيس هيئة الخبراء أن يضع مشروع نظامها وتنظيمها، ويُرفع لخادم الحرمين الشريفين وقد تم ذلك ورُفع لخادم الحرمين الشريفين وصدر بقرار من مجلس الوزراء بتاريخ 28 هجري الشهر الخامس عام 1432هجرية، وتضمن أهداف الهيئة واختصاصاتها، وكانت الأهداف الرئيسة للهيئة هي: حماية النزاهة وتعزيز مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره وأساليبه، أما الاختصاصات فمتنوعة وكثيرة، لكن لعلي أورد أهمها في هذه المقدمة والاختصاصات هي: التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في العقود الحكومية، سواء كانت عقود مشاريع، أو عقود تشغيل وصيانة أو غيرها من العقود التي تبرمها الحكومة لأداء أعمالها، والتحقق من هذه الممارسات وجمع المعلومات حولها وتقديمها إلى جهة التحقيق المعنية، فالهيئة ليس من اختصاصها التحقيق. |
ثانياً: متابعة تنفيذ الأوامر، والمقصود بالأوامر الملكية والتعليمات، التي تصدر في الشأن العام للمواطنين ولمصالحهم، أما الاختصاص الآخر: توفير قنوات اتصال للمواطنين لتلقي بلاغاتهم عن ممارسات الفساد، والقيام ببحث هذه البلاغات والتأكد منها وجمع المعلومات حولها ثم ممارسة صلاحيات الهيئة فيما يتعلق بها، وهذه النقطة طبعاً قد وفرت الهيئة خمسة أو ستة أساليب بإمكان المواطن أن يتواصل مع الهيئة ويقدم من خلالها البلاغات، وهي البريد العادي والبرقية والفاكس والموقع الإلكتروني للهيئة والحضور شخصياً، الاختصاص الآخر أو الاختصاصات الأخرى المتنوعة لكنها موجودة في تنظيم الهيئة وفي الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، طبعاً فيها ما يتعلق بالتعاون مع الدول وتبادل المعلومات، تمثيل المملكة في الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد، تمثيلها فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وغيرها من الاتفاقيات. |
الاختصاصات كثيرة لكن لا أريد أن أمضي وقتاً طويلاً في ذكرها والمرجع هو تنظيم الهيئة، هناك الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد وهذه صدرت قبل إنشاء الهيئة، ورسمت الدولة من خلالها منهجاً واضحاً لكيفية مكافحة الفساد، وجعلته هماً وطنياً لا يقتصر على جهة ولا على فرد ولا على شركة ولا على مؤسسة، بل أوجبت على مكونات المجتمع كلها واجباً لمكافحة الفساد كل حسب موقعه ودوره ومسؤولياته، أي أن منهج مكافحة الفساد ومكافحة الفساد نفسه هما مهمة وطنية على كل من يعيش على أرض الوطن، وأوجبت على الهيئة.تنقسم طبعاً الاستراتيجية إلى: أساليب، وأهداف، ومكونات، وآليات للتنفيذ، وجعلت من الهيئة في الآليات مُتابِعة وتتأكد من تحقيق هذه الأهداف بالأساليب المنصوص عليها في الاتفاقية، مهمة الهيئة فيما يتعلق بالاستراتيجية هي متابعة التنفيذ ورصد النتائج وتقويمها ومراجعتها ومتابعتها مع الجهات التي عليها مسؤولية التنفيذ. |
بعد قيام الهيئة أو بعد إنشاء الهيئة وصدور تنظيمها التفتت أول ما التفتت إلى البنية النظامية التحتية لكيانها، فبدأنا أولاً: في وضع اللوائح التي نصّ نظامها على وضعها وعرضها على خادم الحرمين الشريفين، الذي هو مرجع الهيئة ولا مرجع للهيئة غيره، وهي اللائحة المالية للهيئة واللائحة الوظيفية للهيئة، كيف تعيّن موظفيها؟ كيف تنتقيهم؟وكيف توفر لهم مخصصاتهم؟ والحمد لله صدرت هذه اللوائح في تاريخ 11/9/1432هـ، ثم التفتت إلى وضع الأدلة والهياكل التنظيمية التي نصّ عليها تنظيمها من قِبَل رئيس الهيئة، يعني أُصدرت ضمن صلاحيات رئيس الهيئة، كما أصدرت مهمات لإدارات وتوزيع الإدارات لديها وتخصصات كل إدارة وأسست من خلال هذا الأرضية التي تنطلق منها إلى ممارسة أهدافها، ولكن في الوقت ذاته، كانت الهيئة تسير في تنفيذ أعمالها على حسب الإمكانات المتوفرة لها، وبدأت في استقطاب الموظفين اللازمين لإدارة العمل، وقد نصّ النظام، ونص التنظيم على شروط تعيينهم، ومن هذه الشروط: أن يتحلى بالأمانة والنزاهة والحياد، وأن لا يكون قد حُكم عليه بأي حكم مُخل بالشرف أو الأمانة حتى لو كان قد رُدّ إليه اعتباره، والشرط الآخر الثالث: أن يُقرّ بذمته المالية، والشرط الرابع: أن يقسم بالله العظيم على الإخلاص والأمانة والنزاهة وألا يبوح بأي معلومة اطلع عليها بحكم عمله حتى لو بعد خروجه من الهيئة، هذه أهم الشروط التي اشترطت في الموظفين، وجدنا في بداية الأمر طبعاً صعوبة في أن نجد بسهولة من تتوفر فيه هذه الشروط، لكن الحمد لله بتواصلنا مع جهات تخريج الكفاءات، والجهات الحكومية أيضاً التي استقطبنا منها بعض الكفاءات التي لديها الخبرة والتجربة استطعنا حتى الآن أن نستقطب 400 كفاءة معظمهم مهندسين، مستشارين وباحثين قانونيين، مفتشين ماليين، محاسبين، مراجعي حسابات، وهي الوظائف التي يستلزمها عمل الهيئة، والهيئة سائرة في هذا الاتجاه إن شاء الله، إلى أن تحصل على الموظفين الذين ترى أنهم أكفاء لممارسة العمل. |
أيضاً، بدأت الهيئة في افتتاح فروع لها في المناطق وبدأنا فعلاً من تاريخ 1/2/ 1435هجرية في افتتاح ثلاثة فروع في منطقة مكة المكرمة، منطقة عسير، المنطقة الشرقية، وسوف يُفتتح خمسة فروع خلال السنة المالية الجديدة التي تبدأ من يوم الغد. هذا مجمل تأسيس الهيئة ومجمل اختصاصات الهيئة وأهدافها وصلاحياتها، وما قامت به حتى الآن، طبعاً في ممارسة ما يتعلق بممارسة العمل، وقد بدأنا نتلقى البلاغات من الشهر الأول أذكر أنني كنت أنا واثنين فقط من الزملاء وبدأنا نتلقى بلاغات المواطنين، وطبعاً شيئاً فشيئاً تزايدت هذه البلاغات، لكننا طبعاً نذكر أنها لم تكن كلها حول قضايا فساد، وكنا نعتقد أن المواطن وجد في الهيئة مثابة من يشكو له همومه ويبث كل ما لديه من هموم أو احتياجات أو مشاكل، لكننا كنا نأخذ بما يدخل في اختصاصات الهيئة ونرشد المواطن إلى الجهات التي تختص بالأمور الأخرى التي لا تختص فيها الهيئة، إلى أن وصل عدد البلاغات في بعض الأيام إلى مئة بلاغ في اليوم، ثم في الآونة الأخيرة نقص عدد البلاغات بسبب زيادة التوعية عند المواطن وزيادة الإطلاع والإحاطة باختصاصات الهيئة، بدأ يعي المواطن ما هي اختصاصات الهيئة التي تُسأل عنها، والتي يمكن أن يقدم من خلالها البلاغ، تقوم بالتحقق من هذه البلاغات، يعني التحقق، جمع المعلومات، التأكد، الاتصال بالمواطن وسؤاله عما إذا كان لديه ما يضيفه على بلاغه، ثم التواصل مع الجهة الحكومية أو الجهة الأخرى التي يدور البلاغ حول ممارسات الفساد فيها وتصل الهيئة إما لعدم صحة البلاغ أو إلى صحة البلاغ وتقوم بإعمال اختصاصاتها في هذا الشأن التي نصّ عليها نظام الهيئة. |
فيما يتعلق بالشؤون الأخرى من قضايا الفساد، طبعاً في بداية عمل الهيئة لاحظت من خلال بلاغات المواطنين أن من أكبر الهموم التي يشكو منها المواطن هي نقص الخدمات فيما يتعلق بهمه اليومي، الخدمات التي تُقدم للمواطنين خدمات مشاريع أو خدمات أخرى، ووجدنا أن هذه الشكوى تكثر أكثر في المناطق البعيدة عن مقر الوزارات، يعني المحافظات والمراكز الشكوى هناك أكثر، ولمسنا أن المواطن هناك لا يهتم بغير هذه الخدمات التي تصل إليه، يهتم بالطريق الذي يسلكه يومياً أن يكون الطريق معبداً وصالحاً وآمناً، يهتم بالمدرسة التي يذهب بأولاده إليها يومياً، أن تكون في مبنى آمن وبيئة ممتازة ومتناسبة وملائمة للعملية التعليمية، يهتم بالمركز الصحي أو المستشفى الذي يذهب بأسرته إليه، أن تتوافر فيه التخصصات المطلوبة كلها، يهتم بالمياه أن تصل إلى منزله وهو جالس، وأن تكون المياه نظيفة صالحة ليس فيها مشاكل أو عيوب، يهتم بجميع الخدمات كخدمات البلدية، أن يأتي من ينظف الشارع الذي يقيم فيه، يعني وجدنا هذه أكثر ما يهتم المواطن فيها، فليست ظاهرياً من ممارسات الفساد لكن شعرنا أنها تشغل المواطن يومياً، فعرضنا الأمر على خادم الحرمين الشريفين مرجع الهيئة، فتلقت الهيئة توجيهاً صريحاً بأن الهيئة لا تقف فقط عند تلقي البلاغ وإنما تقوم بالوقوف على المكان وعلى طبيعة البلاغ وتتأكد من أن كل هذه الخدمات تصل إلى المواطن بأفضل مستوى، وترفع لخادم الحرمين الشريفين ما تلاحظه من تقصير في بعض الخدمات أو تقصير من بعض الجهات، وكان أن اهتمت الهيئة بهذا وجدت عند المواطن ارتياح كبير من التحري عمّا ينقص المواطن فيما يتعلق بالخدمات التي توفر له. |
بالنسبة إلى القضايا الأخرى، اهتمّت الهيئة أيضاً بموضوع المشاريع وتعطل المشاريع، وتعثر المشاريع، وأول خطوة بدأت فيها من أول شهر هو الإرسال إلى الجهات الحكومية كلها خطابات أن تعمل على توفير لوحة على المشاريع، لما وجدنا أن المواطن يرى بجانبه مشروعاً أو في طريقه مشروعاً لكنه لا يعرف ما هو هذا المشروع ومتى ينتهي، ومتى بدأ ومن هو المقاول، وكم قيمة المشروع؟ في حين أن هذا المشروع أُنشئ للمواطن ولمصلحته، فطلبنا من الجهات كلها أن تضع لوحات بارزة كبيرة بحجم مناسب وتضع فيها هذه المعلومات كلها وبما في ذلك اليوم الذي ينتهي فيه هذا المشروع، والذي يسلم فيه المشروع، حتى يكون المواطن على اطلاع ويكون المراقب لهذا المشروع الذي يُنشأ من أجله ويتواصل مع الهيئة ويبلغها عن هذا المشروع إن تجاوز المدة، أو توقف، أو حان موعد تسليمه لكنه لا يزال تحت التنفيذ، واستفادت الهيئة من هذا في المعلومات والوقوف على كثير من المشاريع التي حصل فيها تأخير أو تعثر، توقف العمل فيها أحياناً نهائياً، وبحثت الأسباب وتكوَّن لديها خبرة واسعة ومعلومات كثيرة جداً عن الأسباب الرئيسة، التي تؤدي إلى تعثر المشاريع أو تأخرها أو تنفيذها بطريقة سيئة لا تتفق مع المواصفات ولا مع العقود المبرمة فيها، وأفدنا من هذا وتكون لدى الهيئة حصيلة كبيرة في هذا الجانب. |
القضايا الأخرى هي قضايا الفساد الأخرى، يعني على سبيل المثال: أفدنا من الإعلام، وخصوصاً الصحف المقروءة والإلكترونية، كما أفدنا منها فيما يُنشر سواء عبارة عن مقالات، أو أخبار، أو شكاوى من المواطنين، وقمنا بمتابعة كل ما يُنشر والتحقق منه والتأكد من الطبيعة، من خلال إعمال اختصاصات الهيئة فيما يتعلق في هذا الحدث أو هذا الخبر، وكان للصحف دور كبير جداً في التعبير أو في الإمداد بالمعلومات ونقل شكوى المواطن إلى الهيئة، بطريقة غير مباشرة، ونعدّ الصحافة بالذات أحد الشركاء الرئيسيين للهيئة في عملها بعد المواطنين، المواطنون شركاء رئيسون أيضاً بما يبلغون به الهيئة، ثم وسائل الإعلام ثم الوسائل الأخرى، والجهات الحكومية أيضاً نعدها شركاء للهيئة. |
طبعاً قلت أنا في بداية حديثي أن الهيئة ليست من صلاحيتها التحقيق، يعني (الاستجواب)، المقصود بالتحقيق (الاستجواب)، أو التحقيق الذي يطلق عليه أحياناً (التحقيق الجنائي)، ليس من صلاحيتها المحاكمة، لأن التحقيق والمحاكمة مسندة إلى جهات أخرى مستقلة بموجب أنظمة، فلم يكن من المناسب أن تُنسب مثل هذه الأمور للهيئة وهي مُنشأة لها جهات مستقلة، فالتحقيق في القضايا المسؤولة عنها الهيئة قضايا الفساد، التحقيق فيها مسند إلى إما لهيئة الرقابة والتحقيق بالنسبة إلى الموظف العام، أو هيئة التحقيق والإدعاء العام بما يتعلق بالجرائم الأخرى أو المنسوبة إلى غير الموظف العام، وأما المحاكمة فهي أيضاً مسندة إلى المحكمة الإدارية وهي ديوان المظالم بموجب أنظمة صادرة بمراسيم ملكي، ولا يمكن أساساً أن يُسند هذا إلى الهيئة، ثم رُؤيَ أنه من باب الاستقلالية في الصلاحيات أيضاً أن تستقل كل جهة بصلاحياتها، يعني لا يمكنك أن تحقق وتتهم وتحقق وتحاكم، يعني هنا لا تتوفر الاستقلالية المطلوبة. |
أما التشهير، كان هناك مناداة كبيرة للتشهير من قِبَل الهيئة، أوضحنا أن ليس من صلاحيتها ذلك، وليس من صلاحية أي جهة التشهير، لأن التشهير صُنِّف ليس من قِبَل الهيئة، بل من قِبل القضاء ومن قِبل المبادئ العامة لأن التشهير عقوبة، وهو عقوبة متعدية، ولا يكون إلا بحكم قضائي، وأيضاً يُشتَرط أن ينصّ الحكم القضائي على التشهير وإلا لا يُشهّر، وهذا ما واجهته الهيئة، الهيئة من صلاحيتها التشهير، وترى أنه لو شُهِّر ببعض الفاسدين لامتنع الآخرون، لكن كيف يُشهر بشخص وهو متهم؟ قد يُبرأ في القضاء. ما أقصده، قد يُشهّر به ثم يفاجأ من شَهّرَ به أن القضاء برّأه، أما ما يُقال عن إن بعض الجهات الحكومية صُرّح لها بالتشهير مثل وزارة التجارة فتستند على أوامر سامية، أوامر خاصة ببعض الحالات، التي نصّ عليها ربما في نظام. يعني مثلاً نظام التزوير نصّ على التشهير، وترون أنه يُنشَر دائماً أسماء المزورين وصورهم، لأنه يُستند في هذا على نصّ نظامي، التشهير الذي يتم أحياناً في الصحف مستند أيضاً على أساس نظامي وهو أوامر بالاستثناء والتشهير، مثل بعض الأوامر التي صدرت في تحديد بعض الأسعار، فمن يتجاوز بعض الأسعار يُشهّر فيه، هذه فيها أوامر خاصة. وعموماً الهيئة مع التشهير ولكن عند صدور الحكم ونشره، وهي ليست مع التشهير قبل صدور الحكم، لأنه قد تنتهي التهم إلى براءة. فأنا أرجو بهذه المناسبة أن يتفهم إخواني سواء في وسائل الإعلام أو المواطنين هذه الأمور أن الهيئة تؤمن بأشياء ليست مخولة بتنفيذها، لم يخولها النظام بتنفيذها وهناك عقبات أمام التنفيذ أيضاً، نحن نشعر في الهيئة أننا سائرون في الطريق الصحيح، لكن لا زلنا في البداية، الهيئة لم تكمل الثلاث سنوات من عمرها، ولكنها قامت بأعمال، نحس أنها سابقة للوقت وتسبق الوقت المحدد، وتتجاوز حجم الأعمال المطلوبة في مثل عمر الهيئة أو مرحلة نشأة الهيئة،كلنا نعرف البدايات التي ذكرتها من التأسيس والتنظيم وإصدار اللوائح وإصدار الهيئات التنفيذية ثم البحث عن الكفاءات هذه كانت في غاية الصعوبة، لكن الحمد لله تجاوزتها الهيئة، وأصبحنا نسير الآن في الطريق الصحيح بخطى ثابتة متأنية لا نتهم أحداً بغير ذنب ولا نستبق الأمور ولا نأخذ الكلام على عواهنه ولا نأخذ بظاهر الكلام في اتهام الناس واتهام الأشخاص، فالذمم محمية والمتهم أيضاً، حتى المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فالهيئة موجودة في أذهان كثير من المواطنين، وفي أذهان كثير من المسؤولين، وفي أذهان كثير من يقومون بتنفيذ الأعمال، في مختلف أنحاء المملكة من مهندسي الهيئة أمس واليوم وكل يوم نراهم منتشرين في مناطق المملكة، يتحسسون حاجة المواطن ويتابعون المشاريع الحكومية، وحتى في الصحافة هناك مناداة لهيئة "نزاهة"، أين "نزاهة" أو لماذا "نزاهة" لم تأتِ هنا؟ نطلب من "نزاهة" أن تأتي وتتفحص الوضع الفلاني أو الموضوع الفلاني أو القضية الفلانية أو المشروع الفلاني، نحن نحمد الله على أن هذه الثقة نالتها الهيئة من قِبَل المواطن بالتأني والتؤدة والتفهم والحساسية التي تصاحب عمل الهيئة، والمسؤولين الحكوميين. الهيئة وجدت أصلاً لمساعدة المسؤول الحكومي من الوزير إلى أصغر مسؤول، هي وجِدت لماذا؟ هي وجدت لكي تساعده في أن تدله على مواطن الفساد، وتحاول أن تجتث هذه المواطن أو الثغرات أو الخلل، الذي قد يأتي من خلاله الفساد، لكن بعض المسؤولين الحكوميين لم يتفهموا هذا وتفهموا الجانب السلبي في الرقابة والمحاسبة، واعتبروا أن الهيئة أتت للبحث عن الأخطاء والتجسس والمحاسبة، ولكن حتى هذا الجانب بدأت الآن الأمور تتحسن في سبيل تفهم دور الهيئة، وبعد أن كانت تجد سلبية كبيرة من الجهات الحكومية وعدم التجاوب معها. عندنا المادة الخامسة من تنظيم الهيئة تقول إن على الجهة الحكومية أن تجيب الهيئة على ما سألت عنه وتفيدها بما اتخذته على ملحوظات الهيئة خلال ثلاثين يوماً، في البداية لا أحد يتجاوب خلال هذه المدة، الآن، يمكننا القول إن هناك جزءاً كبيراً يتجاوبون ولكن ما يزال هناك تأخير، وقد شكونا الأمر لخادم الحرمين الشريفين وأصدر أربعة أوامر ملكية وتوكيداً لهذه المادة الخامسة، ووجدنا تحسن لكن لا يزال هناك شكوى والهيئة تحتاج إلى تجاوب جميع الجهات الحكومية وسيادة الشعور بأن الهيئة لم تأتِ ضد أحد، جاءت لمساعدة كل مسؤول على تنبيهه وتعريفه على مواطن الضعف، مواطن الخلل، ومواطن الفساد لكي يعالجها ويصححها ويتجنبها، بما في ذلك مراجعة الأنظمة الحكومية، والإجراءات الحكومية، نحن نذهب الآن إلى كثير من الأجهزة الحكومية نتحسس المراجعين ونتحسس الإجراءات، ونسأل المراجعين ونرى عما إذا كان ما نصّت عليه الاستراتيجية معمولاً به أو لا، الاستراتيجية تقول: على الجهة الحكومية أن تختصر الإجراءات، أن تجعلها واضحة، أن تضعها على مواقعها الإلكترونية، أن تضعها على لوحات في مقر الجهة لكي يعلمها المواطن، لكي لا تكون خاضعة للاجتهاد، وتحتمل الفساد، أن الاجتهاد يعني مثلاً منح التراخيص، منح أي خدمة حكومية يدوّن ما يلزمها من إجراءات أو أوراق وعلى الجهة أن تحاول أن لا تضطر المواطن إلى المراجعة، فليكتفِ أنه من خلال منزله ومن خلال المكان الذي هو فيه يستخدم التقنية في المعلومات، التي تريدها الجهة لكي يحصل على الخدمة في النهاية من دون تعب، ومن دون معاناة، فالهيئة مسؤولة عن متابعة الإجراءات، ومتابعة الأنظمة المتعلقة بمكافحة الفساد فيما يتعلق بتطويرها، وبتحديثها، وبالتنبيه إلى تطبيقها، وقد نبّهنا إلى كثير من المواد والأنظمة التي كانت مهملة ولا تُطبّق، خصوصاً فيما يتعلق بنظام المشتريات الحكومية، والمنافسات الحكومية، والكثير من المواد لم تكن تطبق وأكدنا للجهات الحكومية ضرورة مراعاة تطبيقها، خصوصاً فيما يتعلق بالإفصاح والشفافية والوضوح. |
من جانب آخر وهو مهم، إنّ أهداف الهيئة واختصاصاتها لا تقتصر على الجهات الحكومية فقط، بل هي تشمل جميع الجهات الحكومية، وتشمل الشركات المملوكة للدولة ملكية كاملة أو ملكية جزئية بما لا يقل عن 25%، بما في ذلك كثير من الشركات المساهمة العامة، ويسري على هذه رقابة الهيئة واختصاصها بالكامل، وأيضاً اختصاص مكافحة الفساد يسري على كل شركة في القطاع الخاص، على كل مؤسسة في القطاع الخاص، سواء كانت شركة أو مؤسسة فردية، حتى الفردية منها. وقد غطّت الاستراتيجية الوطنية بأنه يجب عليها أن تعتمد على خطط وبرامج لكيفية مكافحة الفساد لديها لدى المؤسسة أو الشركة، وتحيط الهيئة بنسخ منها لكي تقوم بمراجعتها، والتأكد من مدى اشتمالها على العناصر المطلوبة ومدى كفايتها، لأن مكافحة الفساد لا يكفي أن تقتصر على القطاع الحكومي وتترك القطاع الخاص، أو تترك المتعاملين مع الدولة، وإلا نكون ما خططنا للقضاء على الفساد، فالاستراتيجية شملت مكونات المجتمع كلها، كما ذكرت من حيث واجب الإسهام في مكافحة الفساد، وقد بدأت بالأسرة وبالمنزل، وأكدت تعويد الأبناء على الفضيلة وعلى العودة إلى الأخلاق الإسلامية الفاضلة، وعلى اعتماد الصدق والأمانة والوفاء بالوعود والعهود، ثم عرّجت على مؤسسات التعليم، التعليم العام والتعليم العالي، وذكرت من ضمن ما ذكرت، ونصت عليه أنه لا بد من اعتماد إدخال مفردات وعبارات في مناهج التعليم، تحثّ على النزاهة، على احترام المال العام، على احترام المرافق، على الأمانة بصورة عامة، لم تترك أي شيء، ولكن المهم هو أن نعي مقدار ما نصت عليه الاستراتيجية، كلٌ في مكانه، وكلٌ في دوره في الوطن ونلتزم بها، وأنا متأكد إذا تم هذا إن شاء الله سوف نتمكن من حصر الفساد وتقليصه ودحر من تسول له نفسه للفساد. نحن الحمد لله الآن كما ذكرت نشعر أن هناك بعض التهيب وبعض الرهبة من فلان، وهناك إحساس بأن هناك ترقّباً، فصار الفاسد يخشى الانكشاف، وأن يبلغ عنه إما من شركائه أو من زملائه إذا كان هو موظف حكومي أو من المواطنين، فهناك تردد كبير، لكننا لم نتمكن حتى الآن من حصر الإحصاءات حتى نقول إن الفساد قد انحسر بنسبة كذا أو نسبة كذا، لكن نأمل إن شاء الله في المستقبل أن تتضح الكثير من الأمور. |
أشكركم وأتمنى أن لا أكون قد أطلت ومستعد للحوار معكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
|