((الحوار مع المحتفى به))
|
حقيقةً الآن نفتح مجال الأسئلة من السيدات والسادة هنا، ولعل في ثنايا الحوار المزيد والمزيد من حديث ضيفنا وإبداعه هذه الليلة إن شاء الله، أنقل المايكروفون الآن إلى قسم السيدات للزميلة نازك الإمام ليرحبن بضيفنا، وليكن السؤال الأول من قسم السيدات، تفضلي أخت نازك. |
الأستاذة نازك الإمام: شكراً أخ محسن، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
أصحاب المعالي. |
أصحاب السعادة. |
السيدات والسادة. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
تتلألأ من الإمارات العربية ليلتنا بضيفنا الكبير، الذي أثّر في حياة الكثيرين فيما يخص باختيارهم لتخصصاتهم وأرشدهم لحياتهم، فهو من يحب الأطفال واللعب معهم، وأحبه الكثير من الناس في مكتبة تحوي على أكثر من ثلاثين ألف كتاب، زار أكثر دول العالم، وقابل أكثر من أربعين في المائة من قادة العالم، وترجم لأكثر الشخصيات العربية البارزة، كصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والدكتور غازي القصيبي –رحمه الله- وغيرهم. |
فمرحباً بفارس "الاثنينية" الأستاذ الدكتور شهاب محمد عبده غانم مكرماً وبكريمته الأستاذة وئام شهاب غانم، عضو مجلس الإدارة، والأمين السري في جمعية الإحسان الخيرية في دولة الإمارات العربية بيننا، ولنبدأ في طرح الأسئلة، السؤال الأول من الأستاذة سميرة سمرقندي، فلتتفضلي. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ضيفنا العزيز من الهندسة الميكانيكية إلى الهندسة الكهربائية إلى الموانئ والجمارك والتقنية، كيف استطعت التوافق بين الجدية والعمل والمسؤولية وبين الشفافية والحب والرقة في الشعر والأدب؟ وكيف جمعت بينهما بهذه الروعة من دون انفصام؟ وشكراً. |
الدكتور شهاب غانم: ألف شكر، لا أدري إذا كنت أنا جمعت بين هذه الأشياء كلها بهذه الروعة التي تتحدثين عنها، ولكنني منذ كنت طفلاً كنت أهوى الأدوات الميكانيكية والأشياء العلمية وأتخيل نفسي أني في يوم من الأيام سأصبح كتوماس ألفا أديسون ولوناردو ديفينشي، وكل هذا لم يتحقق طبعاً، وكنت أهوى الشعر منذ طفولتي في المدرسة الابتدائية، وعملت مرة فحص سايكومتريك ووجدت أنني أستعمل الجانبين من الدماغ بالضبط 50% و 50% وهي حالة نادرة، ولكن لا أدري إذا كان الأطباء والعلماء ما زالوا على هذا الرأي وهو أن الجانب الأيمن يهتم بالإبداع والجانب الأيسر يهتم بالعلم والتحليل، ولكنني أمتلك هذين الجانبين، فكنت أهوى المواد العلمية خصوصاً الهندسة والرياضيات والفيزياء وأعشق الشعر، وأحياناً يسألونني، فأقول لهم: "إني مثل الطائر يحلق بجناحين، ويجب أن يكون عنده جناحان ليبقى متوازناً في الهواء"، وسألت الصحافة في مرات كثيرة هذا السؤال قائلاً لها: "المهندس يبني بيوتاً والشعراء يبنون أبياتاً. |
عريف الحفل: سؤال للأستاذ مشعل الحارثي. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه لا جعل الله مكانك خالياً، ولا مكانتك في نفوس كل من أحبك وقدّر لك هذا الأثر الثقافي الكبير "الاثنينية"، أمد الله في عمرك وملأ أيامك بهجة وسروراً، ودامت "الاثنينية" مدرسة لأصول التكريم الرفيع والعمل الخلاَّق المثمر، ضيفنا لهذه الليلة، |
يا علم وأنت بشموخك |
يكفي أنك رمز داري |
دار زايد قد بناها |
قادها بعده خليفة |
|
|
مرحباً بدار زايد وبرجال زايد وخليفته وإخوانهم الكرام، ممثلة في ضيفنا لهذه الليلة الدكتور شهاب محمد غانم، العلم الرمز القادم من موطن الأمجاد ومولد الفخر منذ الأوباد، أرض الإمارات المدهشة برجالها ومنجزاتها وعطائها الثر في المجالات كلها. |
سؤالي لك أيها الضيف الكريم: ألا ترى أنه أمام ما يحيط بأمتنا العربية من تحديات عاصفة قد أصبح لزاماً العمل على وأد تلك القطيعة الثقافية التي تحيط بأبناء الوطن العربي الكبير وزيادة التواصل بين مثقفيها ومبدعيها من الشرق إلى الغرب؟ شكراً لكم ولإنصاتكم. |
الدكتور شهاب غانم: جزاك الله خيراً على هذا السؤال الجميل، هناك ثلاث نقاط: النقطة الأولى: الحديث عن التواصل، أنا شخصياً عندما أترجم الشعر العربي للغات الإنكليزية ومنه قد يترجم إلى لغات أخرى كثيرة، وأيضاً من الشعر العالمي إلى اللغة العربية، أعتقد أن هذا الشعر يعبر عن روح الأمم، وإذا تريد أن تفهم أي أمة بسرعة وبعمق فاذهب إلى قراءة النماذج الأفضل من شعرها، فإذا كنت أؤمن بهذا التواصل الحضاري، الذي من وراءه نلت الكثير من التكريمات لأني سُميت الجسر وسُميت أيضاً سفير الثقافة العربية الهندية وأشياء من هذا النوع، فما بالك بإيماني بالتواصل بين العرب. ووالدي كان أيضاً... يعني استقيت ربما حب العروبة والإسلام من والدي وكان دائماً... وله قصيدة نال عليها جائزة وهو شاب اسمها: "الوحدة العربية". وما أودّ قوله أنني لم أقرأ شعراً سياسياً اليوم لأنه أعتقد يكفينا الجراحات فتجنبت الكلام فيها. |
أما كلامك عن الشيخ زايد فهذا الرجل كلنا نحبه ونعرف قيمته وحبه للإماراتيين وحبه للعرب وحبه للمسلمين وحبه للبشرية، وعندما بدأ الربيع العربي كتبت قصيدة صغيرة سأقرأ أبياتاً منها، وأظنها موجودة عندي هنا، سميتها "زمن الشعوب"، أقول: |
((زمن الشعوب))
|
نبكيك يا زايد الخيرات في زمن |
فيه الشعوب على الحكّام تنتفض |
ساموا شعوبهم ذلاً فكم سجنوا |
وشردوا في زوايا الكون من بغضوا |
وعذبوا.. واستباحوا في جنونهم |
دماء من نصحوا يوماً أو اعترضوا |
واستأثروا ببلايين مكدسة |
والشعب يمرح فيه الفقر والمرض |
وأفسدوا نشروا الرشوات فاكتسبت |
حكم القوانين بين الناس تفترض |
لم يعمروا الأرض، لم يبنوا الدروب ولا |
بالعلم في الوطن المنهوب قد نهضوا |
ولا أحسوا بشعب عاطل قلق |
فيه شباب أبي النفس ممتعض |
وأنت يا زايد الخيرات كنت لنا |
نِعم الزعيم لدَيك النهضةُ الغرض |
إن الذين بنوا مجداً لأمتهم |
سيخلدون إذ الطغيان ينقرض |
|
|
|
عريف الحفل: سؤال من قسم السيدات. |
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من الأستاذة زينب نايف الأحمدي، تطوير المدارس في مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز، فلتتفضل. |
مساء ((الاثنينية)) مميز بحضور هذا الاسم المتميز، الذي أتمنى أن يضاعف من إبداعاته بقدر ما يحفز أهل الثقافة والإبداع إلى المزيد من العطاء المتواصل والحوار البنّاء والتثاقف الهادف والكلمة المسؤولة التي تملك وحدها القدرة على البقاء. |
لفتتني مسألة تعاطيكم مع الترجمة سيدي، وإبداعك يتوزع ما بين الكتابة الشعرية والترجمة، قرِّبنا إلى خصوصيات هذين العالمين في تجربتك. |
الدكتور شهاب غانم: سؤال جميل، الحقيقة لقد فكرت في هذا الموضوع منذ زمن ووجدت أن الفرق بين الترجمة بالنسبة إليّ كشخص -لأنني أتعاطى مع الشعر ومع الترجمة بمحبة وجدية- هو كالفرق بين إنجاب الأطفال وبين تبنيهم، فأنا عندما أكتب قصائدي أكون كالمرأة التي تنجب، لكن عندما أترجم كأنني تبنيت هؤلاء الأطفال وأصبحوا أيضاً أشعر مني أي كأنهم أولادي. أهم شيء بالنسبة إليّ في عملية الترجمة هي عملية اختيار النموذج الذي سأترجمه، الشعر في العالم يعني... بحار من الشعر، ولكن أبحث أحياناً في مائة قصيدة لأجد قصيدة تستحق الترجمة، وعندها أقرر ترجمتها، إذا، هي عملية اختيار صعبة، فعندما تمسّ هذه القصيدة وتراً عندي أختارها، ومثلما ذكر الدكتور يوسف أعتقد أنه خير من يترجم الشعر عليه أن يكون شاعراً، ولكن قد أكون متحيّزاً لأنني شاعر. |
كتب الجاحظ (الشعر لا يترجم)، وعنده مقولة مشهورة في كتاب (الحيوان) من نحو ألف سنة وهذه الكلمة أثرت فيّ، نحن نعرف أن العرب في عصر النهضة أيام المأمون ترجموا العلوم من الفارسية واليونانية والهندية والسريانية ومن لغات كثيرة، لكنهم لم يترجموا الشعر، واحد من الأسباب كان لأن الشعر مثلاً اليوناني أو الهندي يتحدث عن الآلهة ونحن مُوحِّدون فتجنبنا ترجمة الشعر، أيضاً كان عندنا اعتداد لأن الشعر العربي بالحقيقة يجب أن يكون أحسن أنواع الشعر، فهو كان نموذجاً راقياً بين شعر الأمم، وكنا ننظر إلى ما نترجمه عن الآخرين ونحن لدينا ما هو أفضل، ولكن عندما كنت في المدرسة الثانوية، علّمنا أستاذ الأدب الإنكليزي وكان أستاذاً قديراً من جامعة (كامبردج) كيف نحب اللغة الإنجليزية، ليس اللغة حقيقةً ولكن عن طريق دروس الأدب الإنكليزي، كنا ندرس اللغة والأدب معاً، الأدب هو الذي جعلني أحب اللغة الإنكليزية وأعشقها وأحاول أن أكون جيداً فيها. |
أحد النماذج الذي كان علينا أن نتعلمه في المدرسة الثانوية في كلية عدن، مع الدكتور البار ويعرف باسم (كانلاودن) علَّمنا قصائد رباعيات الخيام، الذي ترجمها إدوارد فيزجيرالد وكانت ترجمة ساحرة بالنسبة إليّ أنا على الأقل، وهي طبعاً الترجمة التي أثرت في ترجمة الخيام، الآن هناك ترجمة الخيام بالعشرات، لا أدري كم تكون ربما تبلغ ثلاثين أو أربعين ترجمة عربية فقط، ولكن كثيراً من هذه الترجمات تُرجمت عن ترجمة فيزجيرالد وأيضاً في اللغات الأخرى الأوروبية الأخرى، لأنّ يزجيرالد تصرف في الترجمة إذ لم يُترجم ترجمة حرفية حتى يقال إنه أدخل أشياء كثيرة من خارج النص، ولكنه ترجمها بشاعرية، لأن هو نفسه شاعر، بل إن ترجماته لرباعيات الخيام أهم من شعره، فنادراً ما ترى قصائده في مختارات الشعر الإنكليزي، ولكن ترجماته للخيام تجدها تقريباً في مجموعات الترجمة كلها. ومنذ ذلك اليوم آمنت أن الشعر يمكن أن يُترجم، طبعاً لم أنظر إلى موضوع أنه لم يلتزم بالأصول بدقة ولكن قرأت نماذجاً جميلة جداً وحفظت منها، وحتى عندما كنت في المدرسة حاولت أن أترجم رباعية أو رباعيتين، ولي أيضاً ثلاثة أو أربع رباعيات مترجمة إلى اللغة العربية في مجموعتي لكي ترسم صورة طائر، فآمنت بأن الشعر يُمكن أن يُترجم وطبعاً النص نفسه ربما يترجم عدد من المترجمين الشعراء ويكون هناك اختلاف كبير بينهم. لقد ترجمت مثلاً سونيت من سونيتات شكسبير ووجدت على الأنترنت عدداً كثيراً من الترجمات للسونيتة نفسها، ولكنهم يشيدون بترجمتي وحتى الدكتور محمد علي البار عندما نشر كتابه عن غوته قارن بين ترجمتي وترجمة أستاذ كبير وشهير، وفيلسوف مصري، وقال إن ترجمتي قد أعجبته. |
الترجمة هي مجال مفتوح كبير، هو تلاقح حضاري، هو بناء جسور مع الثقافات الأخرى مع الحضارات الأخرى، فأعتقد نحن تأخرنا في ترجمة الشعر أكثر من ألف سنة ولكن الآن هناك بعض الترجمات الجميلة، وعلى الأقل بعض الناس الذين لا يستطيعون أن يقرأوا هذه اللغات الأجنبية بل يستطيعون أن يجدوا شيئاً إذا كانت الترجمات جيدة أن يفيدوا منها. |
عريف الحفل: السؤال للأستاذ خالد المحاميد، عرّف بنفسك ومهنتك أستاذ خالد. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، خالد المحاميد من جريدة الوطن، محرر ثقافي، في الحقيقة هذه أمسية جميلة جداً استمعنا فيها إلى شعر راقٍ جداً، وشعرية عميقة وخيال مجنح، مثل هذه الأمسيات نادرة، ولذلك أجد بأن الاحتفاء بشاعر كبير مثل شاعرنا الليلة هو واحدة من الجهود الكثيرة التي تبذلها “الاثنينية” لتقدم لنا نماذج جميلة ورائعة من المثقفين العرب. |
ربما أجبت أستاذي الكريم على بعض ما سأطرحه من سؤالي، من أجل هذا سيكون سؤالي عاماً، المفكر الفرنسي (رولان بارت) في الدرس الأول في كلية (ديفرانس) بدأ درسه بالقول: "لو قضت نزعة همجية واحتلت فرنسا وخيّروني ما الذي أبقيه من فرنسا لقلت الأدب من دون تردد، لأن في الأدب موجوداً كل شيء"، في المقابل لدينا نظرة عامة على المستوى الثقافي وعلى المستوي الاجتماعي بأن كل ما نقوله وكل ما نكتبه من أدب لا يؤدي إلى شيء لأننا نحن بحاجة إلى تجاوز الأدب إلى التقنيات، وهذا موضوع يتعلق بحديثك عن العولمة، وبما أنك رجل اقتصاد ومهندس وشاعر ومترجم أريد جواباً مقنعاً على المستوى الاجتماعي إذا كان هذا الأدب هو دافع أيضاً للتقدم، شكراً. |
الدكتور شهاب غانم: هذا سؤال مهم، أولاً أنت ذكرت (رولان بارت) وماذا قال عن أهمية لو احتُلت فرنسا وطلب بقاء شيء واحد ستُبقي الأدب، تشرشل عندما سألوه وقالوا له: إذا خُيِّرت بين خسارة شكسبير أو خسارة الإمبراطورية الهندية، فماذا ستختار قال من دون تردد سأقول فلتذهب، -مع أن الهند كانت جوهرة التاج البريطاني- أما شكسبير (لا يمكن لأن فيه مزجة غريبة). والآن الفكرة نفسها، كنت أقرأ من أيام كتابات قديمة لـ (طه حسين) وكان يتكلم على دور الأدب وأن الأدب هو الذي قام بالنهضات والثورات كلها. الأدب قبل السياسة وقبل الأمور الأخرى، لأنه هو الذي يحرك الأفكار، ويحرك الشعوب، فالأدب له دور أساسي، نحن لا نستطيع أن ننكر ذلك. |
وهذا الزمن زمن التقنيات والتخصص ومع الأسف في المدارس نجد أولادنا قد ابتعدوا عن الاهتمام بالأدب، تكلمهم من هو الجاحظ؟ ربما لا أحد منهم قرأه، ولا أحد منهم قرأ المتنبي، ربما سمعوا باسمه فقط، بينما نحن حتى لو كنا أطباء ومهندسين، كنا نمتلك ثقافة أدبية لا بأس بها، فأنا أتمنى بألا ينخدع الذين يرسمون مناهج التربية والتعليم ويهملون الأدب، لأن اللغة هي قوام الهوية، فأنا مثل ما ذكرت لكم قد أحببت اللغة الإنكليزية بعدما قرأت الأدب الإنكليزي، والشيء نفسه الآن أعتقد أنك لو تسأل الطلبة سيقولون لك قواعد اللغة العربية صعبة وكذا وكذا. لكن لو تكلمهم على الأدب والروايات والقصص والشعر، تجد كثيراً منهم سيحبون ذلك، على الأقل في زمننا هذا سيحبون الروايات إذا كانوا لا يحبون الشعر، مع إن الشعر هو الأسمى والأعمق. |
عريف الحفل: قبل أن أنقل السؤال إلى قسم السيدات أرجو من الإخوة والأخوات أن يعرّفوا بأنفسهم ومهنتهم للتعريف والتوثيق حينما توثق الأمسية، تفضلي الزميلة نازك الإمام من قسم السيدات ما هو سؤالك؟ |
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من الأستاذة سناء أبو داوود، تصميم داخلي، فلتتفضلي. |
بما أنه لي تعلق وعشق بالفنون التشكيلية، سؤالي للأخت وئام من بين أجمل قصائدك استهوتني اسم قصيدة "الزمن السريالي" فأحببت أن أسمع جزءاً منها. |
الدكتور شهاب غانم: هذه قصيدة طويلة، لقد قالت وئام لك إن "الزمن السريالي" من أحسن قصائدي؟ |
الأستاذة سناء أبو داوود: لقد استهوتها، أي استهواها الاسم. |
الدكتور شهاب غانم: كتبت قصيدة "الزمن السريالي" في التسعينات، عندما كان العالم العربي يتخبط في كل مكان وليس فقط العالم العربي، فقد كان حائط برلين قد سقط ورئيس روسيا يلسن (أخطأ)، قصيدة طويلة هي ولكن سأقول جزءاً منها: |
اختلط الحابل بالنابل |
فالمقتول غدا القاتل |
والسافل أمسى العالي |
والعالي أمسى السافل |
في هذا الزمن السريالي |
في عهد أخينا الغالي "جداً جداً" غالي |
"تموت بداء التطهير العرقي" |
بلاد كانت تسترخي تحت خمائل |
وبلاد كانت ترفع رايات الدين |
تموت اليوم لقلب الدين |
وبرهان الدين |
(رحم الله صلاح الدين) |
تموت اليوم لأجل قبائل |
وبلاد أخرى تنتحر لأجل فصائل |
وأناس من فرط القهر |
تتمنى لو عاد "سياد" |
سياد بري. |
وجميع جماعة "بري" |
تتمنى لو تحظى بالظلم العاقل! |
كثر الهرج |
وكثر المرج |
كأن علامات الساعة |
تصفع وجهك يا غافل! |
ثم أقول -هي طويلة سأقفز منها- أقول: |
يُعقد لحقوق الإنسان المسكين |
مؤتمر لصق بمؤتمر |
يُعقد للمرأة مؤتمر في بكين |
لتحرر نسوتنا من أخلاق الدين.. |
يصحو المستر يلستين |
فيبيع بسوق الخردة أنصاب لينين |
يغرق في بحر من فودكا أو جِن |
يرسل جيشاً للشيشان |
وهو بحالة "شن شن" |
ورجال الكي جي بي |
يلقون بعيداً بجنازير التعذيب |
ويديرون عصابات التهريب |
كانوا ينشغلون بحرب الدين |
فغدوا يشتغلون بترويج الهيروين |
لكن جيوش السبئيين |
ما زالت تنعم "بالتخزين" |
حتى في وسط قتال |
حتى وصواريخ الاسكود عليهم تنهال |
ليل نهار |
فليحيا القات |
في كل الأوقات |
حنش يلتهم حنيش |
|
|
كتبت هذه كلها في المرحلة، التي صارت فيها حرب سراييفو. أقول هنا: |
حتى عند اليابانيين |
حيث تنام "الألوية الحمراء" قليلاً أو تتوارى |
يبزغ شوكو أساهارا |
فيوزع في أنفاق المترو غاز السارين |
ويحدد ميعاداً للناس ليوم الدين |
وفلسطين؟ |
دعنا من موضوع فلسطين |
لن أفتح موضوعاً يغرقنا في أوحال الطين |
هذا موضوع يحتاج إلى الياذات |
وشهنامات |
يتطلب كوميديات دانتية |
بل شيطانية |
لا ليست عند أدنى نية |
أن أفتح علبة دودٍ أو سوس |
يفشل فيه الشعر الهوميروسي |
يعجز عنه شكسبير أو المتنبي أو بوشكين |
أفيفلح فيه محسوبكم المسكين؟ |
هذا موضوع أوشك أن يتعفّن |
من قبيل القرن بـ "بال" |
وبسايكس وبلفور ولندن |
طبخ بطنجرة ترومان |
عبر بكارتر ثم بريغان |
واليوم أتى دور كلينتون |
حظاً أحسن! |
|
|
فالقصيدة طويلة لا أعرف....
|
ماذا حلّ بعاصمة الحكمة لندن |
حتى البقر هناك "تجنن" |
فالبقر ولو كان عجولا |
غذوه أدمغة فاسدة فغدا مخبولا |
أفضل لو يفطر فولا |
أما قارة حام فتشهد هولا |
تلوح أيبولا |
وتلوّح باسمة من خلف الايدز |
تموت ملايين التوتسي والهوتا |
تتسول أدوية أو قوتا |
فتهب جيوش الأوبئة وأرتال القحط |
وتشبعهم موتاً |
هذي أزمان الهرولة السريالية |
أزمان القنبلة الذرية |
والكيماوية.. |
والنابالمية.. |
والفوسفورية.. |
والعنقودية.. |
والجرثومية.. |
والإرهابية.. |
في هذا الزمن السريالي |
اختلط الحابل بالنابل |
وغدا المجنون هو العاقل! |
|
|
عريف الحفل: أيها الإخوة والأخوات، سنكتفي بسؤالين سؤال من هنا، وآخر من قسم السيدات، ومن المصادفة العجيبة أن الدور الآن للسيدات ولكن من هذا القسم وهي الشاعرة بديعة كشغري، شاعرة وكاتبة ومترجمة، فلتتفضلي. |
مساء الشعر ونسائم البوح الشفاف، البوح الشهابي الغانمي، الذي أمطرنا الليلة بشهب روحه المحلقة، أرحب بشاعرنا الجميل، الذي كان لي شرف اللقاء به في كندا حيث كان لنا أمسية مشتركة، فهل تذكر؟ نظمتها رابطة الجامعيين العرب في أتاوا المعروفة باسم (أكوجا)، انطلاقاً من هذه الأبعاد الحضارية التي هي من سمات تكوينك الثقافي أود أن أسأل ما أثر رواية المكان في شاعرنا إلهاماً وموضوعاً؟ وهل ثمة اختلاف بين تفاعل الجمهور الذي يعيش في أقصى الغرب، والجمهور الآخر المحدود بجغرافية الوطن العربي؟ إن كان هناك من فارق حدّثنا عنه، شكراً.
|
الدكتور شهاب غانم: حيّا الله الشاعرة الرائعة الصديقة بديعة كشغري، التقينا قبل نحو عشر سنوات في كندا في أمسية شعرية مشتركة، وكان معنا الدكتور قيس شقيقي، الذي كان في ذلك الوقت رئيساً لجمعية (أكوجا)، وهي جمعية الخريجين العرب وكانت ليلة مسجلة في الذاكرة، ورأيت قبل أيام لقاء أيضاً لشقيقتك الدكتورة أميرة كشغري في هذا المكان، فحيّاك الله، السؤال الذي سألته لم أفهمه، فهل لك أن توضحيه؟ |
الشاعرة بديعة كشغري: اختلاف المتلقي، هل ينعكس ذلك على إلقائك مثلاً على القصيدة كمصدر للإلهام، لأنه من تجربتي هناك اختلاف كبير في الجمهور أو في المكان، أيضاً هل أثّر المكان بحكم تنقلاتك في إلهام القصيدة أو كيف يوحي لك المكان بالقصيدة؟ |
الدكتور شهاب غانم: دائماً عندما آتي إلى أي أمسية شعرية لا أقرر القصائد، التي سأقرأها، لأنه عندي مجموعة كبيرة، أنظر إلى الجمهور فإذا كان الجمهور مثقفاً أعطيهم قصائد فلسفية وكذا وكذا. بينما إذا كانوا من الشباب أقرأ لهم قصائد عاطفية، أو قصائد سياسية. أما في الأمسيات التي عملتها مع شعوب أخرى خصوصاً في الهند أقرأ لهم قصائد باللغة الإنكليزية، يعني المتحدث يجب أن يخاطب الناس ليس على قدر عقولهم ولكن على قدر أمزجتهم، فأنا أحاول أن أستشف ذلك. هنا الآن الجمهور مثقف فحاولت أن أنوع قليلاً، ولكنني حالياً لا أؤلف القصائد بينما أقرأ أشياء موجودة في الدواوين فأختار الشيء الذي أعتقد أنه قد يعجبهم، وعسى أن أكون قد أحسنت الاختيار. |
الشاعرة بديعة كشغري: ليس في اختيارك فقط ولكن في التفاعل، أنا أقصد الطاقة الإيجابية التي يمنحك إياها الجمهور، هل تختلف؟ |
الدكتور شهاب غانم: طبعاً، إذا كان الجمهور لم يتجاوب فأنت تكتفي بأقل القصائد، أتذكر تلك الليلة التي عملنا فيها في كندا في أوتاوا استمرت الأمسية ساعتين ونصف، لأن الجمهور كان متعطشاً، لا يأتيهم شعراء عرب في تلك الديار النائية، فما أن اصطادوك واصطادوني حتى كانوا يقولون لا. لا. (نريد المزيد) حتى قيس كان يهددهم، ويقول لهم شهاب عنده كذا ديوان الآن سيجلدكم فيها كلها. |
عريف الحفل: السؤال الأخير من قسم السيدات وبه نختم به هذه الأمسية. |
الأستاذة نازك الإمام: وخير ما نختم به هذه الأمسية هو الحقيقة كلمة صغيرة من سعادة الأستاذة وئام بنت شهاب محمد عبده غانم، فلتتفضلي. |
|