((كلمة الدكتور شهاب محمد عبده غانم))
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. |
سعادة الشيخ الجليل عبد المقصود خوجه. |
سعادة الضيوف الكرام. والضيفات الكريمات. |
أيها الأحبة. |
أشعر بأنني غُمرت بالمحبة والتكريم والإعزاز وبشيء من المبالغة، الحقيقة أن الكلمات الثلاث التي سمعتها اليوم كانت رائعة بالنسبة إلى قلبي، فقد نزلت عليه برداً وسلاماً، وجميعها عميقة، ولولا شيء من المبالغة، فأنا أتمنى لو أضمها إلى كتاب يُكتب عني سيصدر قريباً من كلمات النقاد عن مختلف دواويني عبر ثلاثين سنة الماضية، الحقيقة أن العمل التي تقوم به هذه ((الاثنينية)) عمل رائع، فأنا اطلعت على موقع ((الاثنينية)) ورأيت نوعية الضيوف الكرام، الذين كرّمهم سعادة الشيخ عبد المقصود وهم من أولي الفضل، الذين كانوا يستحقون التكريم ولكن في عالمنا العربي قليلاً ما يُكرم أمثال هؤلاء ووثق هذه التكريمات والكلمات التي أنا بنفسي أفدت من الاطلاع عليها، بعض الأشخاص أعرفهم شخصياً، وبعضهم كانوا أصدقاء والدي، مثلاً الشيخ عبد الله بلخير كان زميل والدي في الجامعة الأمريكية، كان والدي يسبقه ببضع سنوات في الجامعة وكان صديق عزيز له، وكذلك السيد أحمد بن محمد الشامي، والشيخ أحمد محمد نعمان وغيرهم، وأيضاً نوعية الشخصيات الكبيرة والشعراء الكبار الذين كُرموا هنا مثل: عمر أبو ريشة، ونزار قباني، وبدوي الجبل، وغيرها من الأسماء الرائعة، فأنا أشعر بأنني مُنحت ثوباً أكبر مني في أن أُكرم في هذه ((الاثنينية)) الحافلة، وأشكر سعادة الشيخ عبد المقصود على هذه اللفتة الجميلة وهو أيضاً تكريم لدولة الإمارات التي تستحق دائماً التكريم في شخصي. |
كتبت أبياتاً ارتجالية اليوم أقول فيها أي في ((الاثنينية)): |
|
في هذي الليلة |
يجري تكريمي في "اثنينية" عبد المقصودِ |
في دارٍ تزهو بأصالة فكرٍ وبتجديدِ |
وبتكريم المجتهدين بلا تحديدِ |
وتفيض بهاءً دون حدودِ |
تغمرني بالحب وبالإعزازِ وبالجودِ |
لو أني أحضرت معي قيثاري أو عودي |
لعزفت لصاحبها ألحان الشكر أو التمجيدِ |
لكني في الواقع لا أعرف عزف العودِ |
ولذلك أحضرت دفاتر شعري وقصيدي |
|
|
قررت في الواقع إن كنتم موافقين على أن لا أتكلم على نفسي ولكن أقرأ عليكم خلال هذه الأمسية نماذج من شعري، فهذا ربما يكون أكثر إفادة، لأن الذي قاله الإخوة غطى أشياء كثيرة من سيرتي الذاتية، وتكلموا على تجربتي في الترجمة، واقترح عليّ اليوم الدكتور محمد علي البار أن أقرأ نموذجاً أو نموذجين من الشعر المترجم فسأفعل ذلك أيضاً، ولكني سأركز على قراءة القصائد، ثم إذا كانت هناك أسئلة عن تجربتي وعن سيرتي فأنا تحت أمركم. |
هناك قصيدة روحانية، وقد صارت هذه القصيدة شهيرة جداً لأنه غناها الفنان العالمي (سامي يوسف)، فقد غنى أبياتاً منها، وموجودة على اليوتيوب والأنترنت، فوجدت أن عدد الذين اطلعوا عليها في موقع اليوتيوب يقارب نصف مليون شخص حتى الآن وهي ليست قديمة على اليوتيوب، ولعل بعضكم قد سمعها، وسامي يوسف.. طبعاً هم ليسوا... يعني نحن الشعراء مساكين عندما نكتب أو نؤلف كتاباً ربما نبيع منه إذا كان حظنا جيداً خمس آلاف نسخة أو أقل ربما ألف نسخة، ولكن عندما تصبح القصيدة أغنية وتشتهر، فهذه القصيدة على الأقل في موقع واحد نصف مليون شخص تقريباً قد استمعوا إليها، وسأبدأ بها لأنها قصيدة روحانية، تقول: |
|
((ألا بذكر الله))
|
ألا بذكرك قلبي يطمئن وهل |
بغير ذكرك قلب المرء يرتاحُ |
فأنت مبدع هذا الكون أجمعه |
وأنت خالق من جاءوا ومن راحوا |
وأولٌ أنت قبل القبل من أزلٍ |
بالكاف والنون يا رباه فتَّاحُ |
ونورُ وجهك بعد البعد في أبدٍ |
يبقى جليلاً كريماً وهو وضَّاحُ |
يا من خلقت الطِباق السبع خذ بيدي |
فملءُ دربي شياطينٌ وأشباحُ |
وفي التواءات درب العمر أنتَ هدىً |
وأنت في عتمات الدرب مصباحُ |
وأنت نورٌ على نورٍ تخر له |
في سجدة الحب أجسادٌ وأرواحُ |
كل النفوس إلى النجدين قد هُديت |
فالوحي والمصطفى والكون شُرَّاحُ |
ومن يجاهد لفهم الحق يُهدى |
إلى سبيله وشرار الخلق قد راحوا |
ألا بذكرك يا ربَّاه طمئنةٌ |
والغم عن جنبات الصدر ينزاحُ |
فأنت وحدك جبارٌ ومقتدرٌ |
وأنت وحدك غفار وصفَّاحُ |
|
|
|
أنتقل إلى بعض الغزل، قصيدة قديمة جداً كتبتها وأنا طالب في الجامعة في مطلع الستينيات بعنوان "عيناكِ"، قصيدة قصيرة من ثمانية أبيات تقول: |
|
((عيناكِ))
|
لعينيك سحر أسر وعميق |
وإني لسلطان العيون رقيق |
لعينيك ومض يخطف الطرف مثلما |
تألق برق في الظلام سحيق |
لعينيك أسرار تموج بسحرها |
رموش.. وجفن ناعس.. وبريق |
لعينيك دفء بل جحيم يذيبني |
متى كان من ماء يشب حريق! |
فيا حلوة العينين لا تظلمي فتى |
بعينيك سكران وليس يفيق |
رأى الموت في عينيك عذباً مذاقه |
فمن أي عين تأمرين يذوق |
كأني فراش في المصابيح حتفه |
ويسعى إليها جاهداً ويتوق |
حنانيك في عينيك أحيا محلقاً |
ولكنني في مقلتيك غريق |
|
|
لندن - 1964 |
|
سأقرأ عليكم قصيدة كتبتها عندما كنت طالباً في كاردف أحضّر للدكتوراه، كانت تجربة عجيبة، إذ كتبت كثيراً من قصائدي والأفضل منها في تلك المرحلة لأنني كنت بعيداً عن زوجتي وأولادي وتدفق عليّ الشعر منذ اليوم الأول، كما كتبت في اليوم الثاني قصيدة من أجمل القصائد، لأنني إنسان أحب البقاء في البيت، وغير معتاد على أن أكون بعيداً من أسرتي وفجأة وجدت نفسي في هذه الورطة فكثرت القصائد، في تلك المرحلة جاءت الأسرة لتزورني فاستبقيت ابني الصغير وضّاح وكان عمره عشر سنوات معي، بينما عادوا هم من دونه، فبعض الأصدقاء حذروني وقالوا لي: "بعد أن تتركه والدته سيبكي، ويطلبها". فجلست معه واتفقت معه. فقال لي: " لا، أعدك أنني لن أفعل ذلك". وبالفعل بقي ووفى بوعده، وهو الآن شخصية كبيرة إذ درس أكثر من ماجستير وعلى وشك أن يحضّر للدكتوراه، وربما من أهم الأشياء أيضاً أنه يشترك معي في كتاب سورة الفاتحة الذي ذكره الدكتور محمد علي البار، وإن شاء الله يكون من أهم كتبي قريباً. عندما رأتني زوجتي كل يوم أكتب قصيدة وتنشرها الصحافة في الإمارات قالت لي: "أنت ذهبت لتحضّر للدكتوراه أم لتكتب شعراً". أنا متضايقة وأتحمل مسؤولية الأسرة وأنت تكتب شعراً، فأوحى ذلك إليّ أيضاً بقصيدة أخرى، بعنوان "من أوراق الغربة". أقول فيها: |
|
((من أوراق الغربة))
|
لعلك لا تدرين كم أتعذبُ |
وكيف فؤادي بالبعاد يذوَّبُ |
وكيف إذا ولَّى الشباب وأقبلت |
رياح خريف العمر يغدو التغرب |
وكيف اشتياقي للصغار يميتني |
فكيف أرى حياً وليس لهم أب! |
ألم تقرئي شعري؟.. وكل قصائدي |
دموع كموج البحر تأتي وتذهب |
أتستغربين اللحن يهزج راقصاً؟ |
أما يرقص الطير الذبيح المخضب! |
حرائق روما في ضلوعي عتية |
وأعزف لكن لا كنيرون أطرب |
|
* * * |
لحا الله في هذي الضلوع سجية |
تحمّلني ما لا أطيق وأرغب |
تقول إلى شرق فأمضي مشرقاً |
وتدعو إلى غرب فأمضي أغرَب |
ولما دعت للعلم لبيت طالباً |
وخلفت من أهوى وما كنت أطلب |
فألقت بي الأيام في حضن "كاردف" |
ولكنه حضن من الدفء مجدب! |
فلولا الفتى "وضاح"
(1)
مصباح غربتي |
ولولا صبايا الشعر تملي وأكتب |
ولولا رفاق العلم من أرض يعرب |
يوحدنا دين وضاد ومأرب |
لكان لنا هذا التغرب محنة |
تفوق احتمال المرء والشعر أشيب |
أراهم بأوقات الصلاة بمسجد |
ويجمعنا وقت الرياضة ملعب |
ويجمعنا شوق لأرض حبيبة |
يوحدها فينا معدّ ويعرب |
فلا يحسبن الجاهلون بأننا |
هنا في بلاد الغرب نلهو ونلعب |
وما كان خوف "الإيدز" مما يصوننا |
ولكننا نخشى الإله ونرهب |
|
|
كارديف- شتاء 1986 |
|
أنا درست في الغرب، في أبردين وفي كارديف وفي لندن وفي أبرمنغام، وأيضاً في الشرق. |
كان هذا في الشتاء. |
سأقرأ لكم أيضاً قصيدة عاطفية أخرى من الفترة نفسها، اسمها "جزر بلا مد". تقول: |
|
((جزر بلا مد))
|
أتدري أنك الملك المفدى |
وأن هواك بالقلب استبدّا |
وأني كنت ذا أنف وكبر |
ولكن بعد عشقك صرت عبدا |
وأن هواك نار بل جحيم |
ولو قد لاح فردوساً وخلدا |
فإني مذ عرفتك لا أبالي |
بليلى أو بهدن أو بسعدى |
أرتل فيك أشعاري جميعاً |
كأنك في الحسان خلقت فردا |
ولكني أرتل فيك لحني |
وأصغي للصدى فيجئ صدّا |
وأبني في هوى عينيك صرحاً |
فيوسعه قلى عينيك هدَّا |
لماذا كلما تزداد نفسي |
إليك تقرباً تزداد بعدا |
وما لي لست أجني غير شوك |
ولا أجني مع الأشواك وردا |
وكيف تذيقني مراً وصاباً |
وأنت جبلت يا مولاي شهدا! |
حنانك ليس في مثلي احتمال |
فقد ضاع الشباب أسى وسهدا |
وذا قلبي المتيم يا حبيبي |
على عتبات حسنك ذاب وجدا |
بحار هواك جزر بعد جزر! |
وكنت رضيتها جزراً ومدا |
|
|
كارديف- 1985 |
|
أقرأ لكم قصيدة تعبر عن تجربتي عندما كنت في عدن، وجاءت الحكومة الشمولية المراهقة، التي دمرت البلد والبلاد والعباد، وكان أن غادرنا الوطن مثل الدكتور محمد علي البار، أنا والوالد وناس من خيرة المثقفين قد رحلوا، فكنت أعبر عن هذه المعاناة بهذه القصيدة وهي.. |
لقد كتبت نصف شعري أو 60 في المئة منه في بيتي كما ذكر الدكتور يوسف والباقي من شعر التفعيلة، كهذه القصيدة التي هي بعنوان: |
|
((من وراء الستار الحديدي))
|
أريد البكاء |
فيمنعني الخوف.. لا الكبرياء |
وفي أضلعي جبل من شقاء |
أريد السؤال |
ولكن محال |
لأن الظلال |
تصيخ إلى كل قيل وقال |
أريد التنفس والانطلاق |
وإلا فبعض هواء يطاق |
فقد حز في لحم روحي الوثاق |
وكدت أموت من الاختناق |
أريد ولو لحظة من سلام |
وأحلم بالنور يولد بين الركام |
بصيصاً.. |
ففيضاً يمزق حولي ستور الظلام |
فأحظى بقهقهة في القتام |
أريد ولو لحظة من أمان |
أريد.. ويهزأ مني الزمان |
ويغرز بين ضلوعي السنان |
أريد الذهاب |
ولكنه مثل لمع السراب |
وأمنع من ريشة في عقاب |
فقد أوصدوا ألف باب.. وباب |
أريد الرحيل |
فكيف السبيل؟ |
وفي كل ركن تردى قتيل |
أريد.. ولكن.. ولكن.. ولكن |
أريد الخلاص |
ولو دكني وابل من رصاص |
|
عدن - 1971 |
(لحنها وغناها الفنان السوداني عبد العزيز الحاج) |
|
هذه قصيدة بعنوان (شراك) الأسبوع الماضي أُذيعت في أحد البرامج السعودية الثقافية، اختارها الشاعر محمد الجلواح، عنوانها (شراك): |
((شراك))
|
لأنني أدركت أن الشعر لا يفيد |
وأنني ذبحت مهجتي بالشعر والقصيد |
وكلما تولد قطعة جديدة أموت من جديد |
آليت ألا أكتب المزيد.. |
لأنني أدركت أن الشعر مثل حبك الفتاك |
كلاهما يرفعني حيناً إلى السماك |
وتارة يقذف بي في لجج الأشواك |
آليت أن أحاول الفكاك.. |
آليت أن أمزق الأحلام |
أن أسحق الأقلام |
أن أطرد الغرام |
أن أفرش السرير في الجفون للمنام.. |
قررت كل ذا وذاك |
لكنني ما زلت في الشراك |
ما زلت أنسج الحروف |
ومهجتي بسحرك الفتاك لم تزل تطوف |
ولم أزل أحلم بالقطوف |
ورداً بلا أشواك |
أواه من شعري ومن هواك..! |
|
|
دبي - 1981 |
|
كما كتبت قصيدة تعود إلى مرحلة (كاردف)، إذ جاءت فترة من الفترات بعد أن قضيت في كاردف وشعرت أنني كنت طائشاً، إذ تركت وظيفة مدير شركة والسكن مع عائلتي وأولادي وأنا مرتاح، وجئت هنا أدرس وأبدأ حياتي من جديد وكنت أشعر عندما أتكلم على الهاتف معهم كأنني إنسان أعيش داخل قبر ويتصل يعني (واير) يخرج من القبر ويتصل بهم، لكن القصيدة هذه ساعدتني وأنقذتني، وكان اسمها "إشراقة في ليل الظلمة": |
((إشراقه في ليل الظلمة))
|
لقد كنت وحدي |
وما كنت وحدي! |
معي الله قد كان في كل لحظة بعدِ |
لقد كان في كل بؤس يجود علي بسعدِ |
ويسعف في كل جزر بمدِ |
وقد كان قرآنه العذب يمسح دمعة خدي |
ويملؤني بالتحدي |
ففي هدأةِ الليل |
أرشف آياته بالتراتيل |
أبصر في داخلي خفقات القناديلِ |
أستاف نفحة عود وند |
وبين الأضالع ينداح شلال نور وورد |
لقد كنت وحدي |
وما كنت وحدي! |
فقد كان ربي معي كل لحظة بعدِ |
فما يرتضي الله ضيعة عبدِ |
|
|
كارديف- 1987 |
|
قصيدة أخرى بعنوان "أبواب"، وهي فلسفية تأملية مثل القصيدة السابقة. كنت دائماً أقرأ في المجلات حوارات مع الرجال الناجحين، فيسألون أي شخص.. شخصية حتى في الغرب. ليس فقط عندنا ولكن في الدول الغربية يسألون، إذا عادت بك الحياة فكيف ستكون حياتك؟ وكيف تريد أن تكون حياتك؟ يقول أنا أريدها بالضبط كما كانت. أعتقد أنني قلت هؤلاء مجانين أو هؤلاء مدّعون، لأنه لو سئلت كيف تريد أن تكون حياتك لو بدأت من جديد؟ سأقول: "لا، أسرح بأشياء كثيرة". فكتبت هذه القصيدة بعنوان "أبواب".قلت فيها: |
|
((أبواب))
|
لو أني أحيا عمري ثانية من أول |
لفعلت أموراً لا تحصى |
كان علي بأن أفعل |
وتجنبت أموراً لا تحصى |
كان علي بألا أفعل |
لكن أنى للماضي الضائع أن يصبح مستقبلْ |
أو للنهر بأن يجري نحو المنبع من أسفلْ؟ |
* * * |
يضحكني بعض الأعلام |
حين تحاورهم أجهزة الإعلام |
عن كيف تكون السيرة لو أن الزمن يدور |
فيقولون كما عاشوا بالضبط |
بلا أدنى تغيير |
أتراه غرور؟ |
أم تزوير؟ |
* * * |
لو أني أعطى صفحة عمري خالية بيضاء |
لرسمت عليها أجمل ما في عمري من أشياء |
إيماني.. حبي.. بعض الأشعار |
وسألت المولى أن أغرف منها ما سمح وشاء |
وكتبت على الصفحة قائمة بالأوزار |
وسألت الله بألا أعرف منها أدنى مقدار |
كي أحيا كل دقائق عمري كالأبرار |
* * * |
لو أني.. |
لكن ((لو)) تفتح باب الشيطان |
وأنا أسطيع بالاستغفار |
أن أسأل ربي أن يفتح لي أبواب الرحمة والغفران |
وأنا أقدر بالحمد على نعم لا تحصى والشكران |
أن أطلب من ربي المنان |
أن ترجع صفحة عمري خالية من كل الأوزار |
تتلألأ بالبركات وبالأنوار |
|
|
دبي- 2000 |
|
هي الأبيات التي ذكرها الدكتور يوسف. |
سأقرأ عليكم قصيدة عزيزة جداً على نفسي وقد ترجمت ربما إلى عشر لغات، اسمها (بخبوخ)، كلمة (بخبوخ) كتبتها لحفيدتي وكان عمرها في ذاك الوقت قبل السنتين، وهي عزيزة جداً عليّ هذه الطفلة، والدتها موجودة الليلة هنا بين الحاضرات، فقد تكرّم سعادة الشيخ عبد المقصود بدعوتي ودعوتها أيضاً. القصيدة بعنوان (بخبوخ) وكلمة (بخبوخ) في عدن كانت تستعمل في لعبة إخفاء الأشياء عندما تقول بخبوخ يختفي الشيء، فأنا كنت ألاعبها هذه اللعبة فقلت: |
|
((بخبوخ))
(2)
|
(إلى حفيدتي هنوف) |
وسطت الدرهم فوق الكف اليسرى |
ونفخت عليه |
ووضعت عليه الكف الأخرى |
قلت لها قولي "بخبوخ" |
قالت: "بحبوح" |
ففتحت الكفين |
أين الدرهم؟.. أين؟ |
غاب بلمحة عين |
ضحكت.. والتمعت دهشتها في العينين |
كانت -يحفظها المولى- دون العامين |
"بخبوخ" |
وتوارى درهمنا المنفوخ |
راحت تحضر دميتها الضخمة ذات الثوب الجوخ |
وضعتها في كفيّ |
وقالت: "بحبوح" |
قلت أراوغ في صوت مبحوح: |
هذي الدمية أحلى من أن تخفى |
.. يا روح الروح! |
|
|
دبي- 2004 |
|
قصيدة اسمها "الدروب الخضر" هذه غناها الأستاذ أسامة الصافي. |
|
((الدروب الخضر))
|
الواصلون إلى العرفان ما وصلوا |
وإنما هم على درب الهوى رحلوا |
وتلك رحلة عمر ليس ينجزها |
من كان عن فرح الأرواح ينشغل |
هم جاهدوا النفس فانجابت لأعينهم |
بل للبصائر أحلام بها اكتحلوا |
وهم أحسوا ذنوب الأمس تلسعهم |
فأجهشوا ندماً واغرورقت مقل |
وهم أرادوا بلوغ الشمس فانفلقت |
فيالق الظلمات الجون تنخذل |
توضؤوا بغيوث النور وانغمسوا |
في جدول من شعاع الله واغتسلوا |
وأوغلوا في الدروب الخضر واقتربوا |
وأوشكوا بعد طول الجهد أن يصلوا |
|
|
(أنشدها المنشد الإماراتي المهندس أسامة الصافي) |
دبي- 2004 |
|
هذه قصيدة قصيرة جداً بعنوان "مصرع الحب": |
((مصرع الحب))
|
كيف انتهى الحب والأنهار ما فتئت |
في جانحيك بموج الحب تصطفقُ |
كيف انتهى وصدى الأشعار يمنعه |
أن يضمحل.. وسحر ضمّه الورق |
كيف انتهى والهوى للناس تسلية |
لكنه عندك الأهداف والطرق |
به تعيشُ.. له تحيا.. فدون هوى |
تغدو الحياة بلا معنى.. فتنسحق |
نهر الهوى جف بالسد المنيع فما |
نزر من الماء فوق السد ينبثق |
ودفتر الحب أمسى في الهوا مزقاً |
لكنما فيك تحيا تلكم المزق |
لا ينتهي الحب.. لكن حين تخنقه |
قد يستحيل إلى حقد.. فيختنق! |
|
|
كارديف - 1988 |
|
هذه قصيدة بعنوان "البداية والنهاية" بداية الحياة ونهاية الحياة، بداية الكون ونهاية الكون، أنا بدأتها بآيات قرآنية قلت ويقول تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ]الأنبياء: 30[ ويقول تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ]الذاريات: 47[، ويقول: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ]الأنبياء: 104[.. ويقول تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ]الزمر: 67[. |
ويقول بعض العلماء من غير المسلمين في بعض نظرياتهم الحديثة إنهم يظنون أن العالم بدأ بانفجار كبير، وأن الكون في توسع ولكنه في النهاية سيعود كما بدأ.. فسبحان الله. |
|
((البداية والنهاية))
|
كانت الأرض والسماوات رتقاً |
فأراد الرحمن للجمع فتقا |
فترامت كواكب ونجوم |
وشموس في الكون غرباً وشرقاً |
والمجرات في بحار بلايين سنين |
بسرعة الضوء.. غرقى |
ويسمونه انفجاراً كبيراً |
إنما في النظام جلَّ ودقا |
هن سبع فسدرة منتهاها |
عرش من أوجد الوجود وأبقى |
وهو كون في كل لحظة عمر |
في اتساع طولاً وعرضاً وعمقا |
هذه الأرض قطرة في محيط |
يترامى في اللانهائي دفقا |
وهي لا شيء.. بل أقل.. ولكن |
ذاب فيها أبناء آدم عشقا |
وهي ليست سوى تراب وماء |
وكذاك الأنام أصلاً وعرقا |
يتفانون في سبيل نضار |
عشقوا لمعة لديه وبرقا |
وهو ترب وإن يسموه تبراً |
وهو ترب وإن يخالوه أنقى |
*** |
ثم يطوي الله السموات طيّاً |
كسجل ويرجع الكون رتقا |
وإذا الأرض قبضة في يد الجبار |
يوماً والكون يسحق سحقا |
ثم يأتي يوم القيامة حتماً |
ويكون الحساب عدلاً وحقا |
يا إلهي فاغفر لعبدك وارحم |
وتجاوز وأرفق بعبدك رفقا |
|
|
دبي -ـ 2010 |
|
لقد ركّزت على الشعر العاطفي والروحاني وأظن هذا أفضل لليلة، وهذه قصيدة بعنوان "ابتعد" هي أيضاً قصيدة قديمة نوعاً ما: |
|
((ابتعــد..!))
|
ابتعد يا معذبي عن طريقي |
ولئن كنت لم تزل معشوقي |
فاض كيل العذاب.. لم يبق صبر |
في فؤادي الممزق المسحوق |
إنَّ عهدي بالحب عندك بذل |
واشتياق إلى محب مشوق |
وابتسام ووشوشات وهمس |
في حديث عذب كشعري الرقيق |
فلماذا غيرت ذاك طريقاً |
وتغيرت في خضم الطريق! |
بت أسعى إلى الوصال وتسعى |
للأسى والشقاق والتفريق |
يا حبيبي ما زال شوقي دفوقاً |
لم يغادر قلبي برغم الشقوق |
إنما خلني لبؤسي وحيداً |
ألعق الجرح في السكون العميق |
|
|
دبي- 1982 |
|
تريدون أي شيء معين، لأنني سأقرأ قصيدة عن والدي، الّذي لما اطلعت على موقع ((الاثنينية)) وجدت أسماء أناس مثل عبد الغفور عطار، الذي نشر أول دواوينه وهو الديوان الأول في السعودية، وطاهر زمخشري نشر أول ديوانين، والدي وعلي لقمان نشرا أول ديوانين أيضاً في عدن، ولكن عندما نُشر ديوان والدي "على الشاطئ المسحور" وديوان عبد الغفور عطار، كتب سيد قطب في مجلة (الرسالة) مقالاً عن الديوانين معاً، فقال في الجزيرة العربية بوادر نهضة أدبية وثقافية وتحدث بإعجاب عن الديوانين، أي ديوان عبد الغفور وديوان والدي، فقد كان والدي شاعراً كبيراً، وأعدّ نفسي فرعاً صغيراً من شجرته، هو الذي يقول في ديوانه "على الشاطئ المسحور" عندما كان شاباً: |
لست أدري ما الذي تخشين مني |
لست أدري وأنا الشاعر لا أرضَ لمخلوق بضرِّ |
أنا لولا لوعتي صنتك في قلبي كَسِرّي |
ومنعت القلب أن يخفق حتى لا تُضرِّ |
|
|
وقد كتبت قصيدة له عندما بلغ الثمانين، كما كتبت له مرثية طويلة جداً، لن أقرأها لأنها طويلة كثيراً، ولكن دعوني أرى هذه القصيدة، ثم أقرأ عليكم بعدها قصيدة بعنوان "العولمة". |
لوالدي قصيدة شهيرة جداً نُشِرت في مجلة (العربي)، ثم جاءت فترة من الفترات كان الناس في عدن يضعونها في إطار، ويعلقونها في بيوتهم لأنها تعبر عن معاناتهم، يقول: |
ألملم الريش من حولي ليدفئني |
وأين للريش جمعٌ بعد إعصاري |
أنا المهيضُ بلا وكر أنال به |
دفئاً فيرتد شأوى بعد إقصاري |
|
|
أما قصيدة "بلا وكر في الثمانين"، التي كتبتها كما قلت سابقاً عندما بلغ والدي الثمانين. قلت فيها: |
((بلا وكر في الثمانين))
|
(إلى والدي بمناسبة بلوغه الثمانين) |
يقولون من لا يعرف الحب لا يشقى |
وصدرك قد فاضت جوانحه عشقا |
هويت سلاف الشعر واللحن مثلما |
شغفت بباب العلم تطرقه طرقا |
سل الشعر من ألقى خيوط شعاعه |
على الشاطئ المسحور كي ينقذ الغرقى
(3)
|
ومن ذاب حتى يطلع الفجر شمعة |
مسهدة وضاءة ترقب الأفقا
(4)
|
ومن ناح أين الوكر هل من ململم |
لريش هزار جاهد الرعد والبرقا
(5)
|
سل اللحن من صاغ القصيد عرائساً |
لبسن من الألحان ما أطرب الورقا
(6)
|
ومن لمَّ من صنعاء شعر غنائها |
ونسقه في باقة تفرض النشقا
(7)
|
سل العلم من منْ قبل ستين حجة |
ترى في اليمانيين حازبه السبقا
(8)
|
ومن قد قضى ستين عاماً مُعلِّماً |
بكل من الشطرين.. ليس يرى فرقا
(9)
|
يعلم أجيالاً.. جنوباً وشمالاً.. |
ويبني عقولاً تعشق الوحدة الوثقى |
*** |
ثمانون حولاً يا أبي اليوم قد مضت |
وما زلت تلقى من زمانك ما تلقى |
ذكرت زهيراً وهو يشكو زمانه |
فإن تحبس الشكوى فمعدنك الأنقى |
ومن أهله قد نال فوق حقوقه |
ولم تستعد وكراً سليباً ولا حقا |
وكم من فتى فيها ترعرع شاعراً |
وأصبح دكتوراً بظلك.. بل أرقى |
ودارك كانت ملتقى الفكر سامقاً |
فأمست لنكران يعيث بها الحمقى |
فأين عيون العادلين فإن تكن |
ترى ما نرى يا هل ترى عدمت نطقا |
كأنك لم تعمر بكدح مطول |
ومال حلال.. لا ولم تجمع الرزقا |
وكم من وصولي عظيم خيانة |
يظل -ولا من رادع- يسلب الخلقا |
يجوس مع الذئب المكشر آكلاً |
ويرعى مع الراعي إذا سمع الطلقا |
رعى الله ((غورباتشوف)) كم من مغرب |
عهدناه حتى الأمس مندفعاً شرقا |
ثمانون عاماً قد مضت وتصرمت |
وما زلت بالأنذال يا أبتي تشقى |
فلا سامح الرحمن نفساً مسيئة |
لمثلك.. بل سحقاً لصاحبها سحقا |
|
|
دبي- يناير 1992 |
|
أشير ربما في هذه الكلمات إلى كتابه الشهير "شعر الغناء الصنعاني"، الذي يعدّ مرجعاً، قال عنه شوقي ضيف إنه أهم كتاب عن الأغاني في العالم العربي أُلِّف حتى الآن، وقصيدة "عرائس اللحن" التي غناها.. كانت أغنية مشهورة أيضاً. يقول: |
حصل أولاده كلهم على درجة الدكتوراه حتى ابنته الدكتورة عزة. |
سأقرأ قصيدة أظن قد تكون الأخيرة اسمها "العولمة"، لتجسّد بداية كلمة العولمة في الحياة، وكنت رجلاً لي في الاقتصاد، وكانت هذه الكلمة جديدة عليّ، فقعدت أقرأ حولها وأحاول أفهم ما معنى كلمة "عولمة". قلت: |
|
((العولمة))
|
ما هي العولمة؟ |
أهي دين جديد؟ |
كل شيء يلوح جميلاً به -ـ من بعيد |
الانتخابات |
والجات |
والتقنيات |
دائماً للأمام |
وحقوق الأنام |
أهي دين مفيد؟ |
فلماذا يسن على الناس بالنار أو بالحديد؟ |
ولماذا إذاً فقد أحال العباد عبيد؟ |
* * * |
ما هي العولمة؟ |
أهي رمي ((الدشاديش)) في سلة المهملات؟ |
كي يصير من ((الجينز)) لبس الفتى ولباس الفتاة |
((والماكدونالدز)) أفضل مأكل |
((والكوكاكولا)) الشراب المفضل |
وثقافتنا العنف والجنس |
من كل شكل وجنس |
يهندسها في دهاء شياطين إنس |
لغسل عقول الصغار |
وغسل عقول الكبار |
صباح مساء |
وليل نهار |
بكل جهاز يضاء |
وكل قناة فضاء |
وكل شريط يدار |
* * * |
ما هي العولمة؟ |
أهي بيع جميع الشعوب حضاراتها |
وتواريخها؟ |
فتاريخ كل الشعوب انتهى! |
هكذا قالها |
((فوكاياما)) |
فما أبهما |
لم يعد غير أنموذج واحد يشتهي |
يحمل الأنجما |
فاتّبعه إذا شئت أن تَسْلَما |
لكيلا يصير ((صراع الحضارات)) |
وتأتي الإغارات |
يأتي الجنود |
وتأتي البنود |
ونلقى مصائر حمر الهنود! |
* * * |
ما هي العولمة؟ |
هل هي البحث في حجرةٍ مظلمة؟ |
ملئت بثعابين ألوانها فاحمة |
|
|
في الواقع، كتبت هذه قبل غزو العراق وغزو أفغانستان. |
نسيت أسماء المترجمات، هذا الديوان الذي ذكره محمد علي البار "رنين الثريا"، استقيته من فتاة اسمها ثريا، رأت أنها مشروع كلمة أن أسميها "رنين ثريا"، وبالفعل كانت هناك إحدى القصائد بعنوان "رنين الثريا"، وقد كُتب عن هذا الكتاب كثيراً، ونوقش في مؤتمرات عديدة، لأنني عبّرت في ديوان واحد عن تجربة تلك الفتاة في اعتناق الإسلام، وعن الاكتشاف الذي توصلت إليه في البحث عن الله، كما كتبت عنها في مجلة (العربي) وفي أماكن كثيرة ومن بينها في هذا الكتاب. كانت هذه المرأة مرشحة كما قال الدكتور لجائزة نوبل وهي شاعرة كبيرة جداً، ترجمت لها أيضاً قصائد من قبل أن تصبح مسلمة، وهي جميلة جداً، بالإضافة إلى أن بعض قصائدها رائعة حتى نقلتها المواقع الإلكترونية مثلاً قصيدة اسمها "ناني" هذه منقولة في كثير من الأماكن، وهي قصيدة تعبر عما هو الله، وهي أول قصيدة من ديوانها، لقد ترجمتها، وتعدّ من القصائد القليلة التي ترجمت موزونة إلى شعر التفعيلة: |
((ناني))
|
|
كمالا ثريا (1934-2009) -كيرالا، الهند |
(رشحت لجائزة نوبل منذ عام 1984 واعتنقت الإسلام عام 1999) |
((ناني)) الخادمة الحامل |
شنقت نفسها في أحد الأيام في المرحاض، |
وظلت معلقة هناك، كدمية شوهاء، ثلاث ساعات طوال |
إلى أن حضرت الشرطة |
وعندما كانت الريح تهب فتديرها برفق في حبلها |
كان يتراءى لنا نحن الذين كنا أطفالاً يومئذ. |
أن ((ناني)) كانت تقوم برقصة مضحكة لتسليتنا. |
نمت الأعشاب بسرعة، وقبل نهاية الصيف |
كانت الأزهار الصفراء تعانق المدخل والحيطان، |
وأصبح المرحاض المهجور كأنه مذبح في معبد |
أو ضريح لقديسة ميتة. |
بعد عام أو عامين سألت جدتي ذات يوم |
هل تذكرين ((ناني)) الممتلئة الداكنة |
التي كانت تغسلني بجانب البئر؟ |
حركت جدتي نظارة القراءة على أنفها |
وحملقت في وجهي وسألت: ((ناني)).. من هي؟ |
وبهذا السؤال انتهت ((ناني)).. |
كل الحقائق تنتهي هكذا بسؤال. |
إن هذا الصمم المتعمد يحول الموت إلى خلود |
والشيء الأكيد إلى رخو غير أكيد. |
إنهم محظوظون أولئك الذين يسألون أسئلة |
ثم يمضون قبل مجيء الإجابة |
أولئك الحكماء الذين يحيون في منطقة صامتة زرقاء |
لا تخامر أذهانهم الشكوك |
لأنهم يمتلكون ذلك السلام المتخثر |
المنطمر في الحياة |
كاللحن في بيضة الوقواق |
كالشهوة في الدم، |
أو كالنسغ في أوعية الشجرة... |
|
|
سأقرأ عليكم أيضاً قصيدة ثانية مترجمة كتبتها شاعرة شهيرة ربما أهم شاعرة إنكليزية اسمها "إليزابيث براونينج"، وكانت متزوجة من الشاعر الشهير روبرت براونينج وقصة حبها قصة دراماتيكية جداً، إذ تزوجت وهي كبيرة في العمر.. هي وشقيقاتها ظللن عوانس ولكنها هربت مع هذا الرجل إلى أوروبا وتزوجته بعدما جمعت بينهما المعرفة الشعرية، ويظهر أنّه عندما تقدّم لخطبتها، كتبت له هذه القصيدة كما أعتقد، بعنوان "اقرأ بوجهي". تقول: |
((اقرأ بوجهي))
|
اليزابيث براوننج (1806- 186) - إنجلترا، بريطانيا |
(لعلها أهم شاعرات بريطانيا) |
|
لست أهواك... لست أجرؤ أن أهواك فاترك قلبي الكئيب وحيدا |
إن من يبتغ الورود يرمها في البساتين.. لا يرود البيدا |
لا تؤاخي الحياة موتاً!! فلا تخفض لشكواي شدوك المعهودا |
إن تضع في الضجيج.. لست أقدر أن أهواك.. فاقرأ وجهي ترى التأكيدا |
|
|
|
* * * |
ربما كنت قد عشقتك يوماً |
حين كانت روحي تطير بعيدا |
إنما اليوم حين أسمع نجوى |
ينزف القلب خائراً مكدودا |
أنت لو رمت مهجتي قبل |
أن يذبل خدي لنلت حباً فريدا |
ولشاهدت بسمتي وهي تشدو |
يا حبيبي اقرأ بوجهي القصيدا |
|
|
سأختم بقصيدة فلسفية اسمها "تواجد في دفقة فناء". |
|
((تواجد في دفقة فناء))
|
أوشك القلب أن يذوب ويفنى |
وأنا لم أزل بها أتغنى |
هي عندي معنى الحياة.. وعندي |
هي معنى الردى.. ومعنى المعنى |
هي أخت الهواء.. طلق هواها |
وهي أخت الضياء روحاً ومبنى |
هي نهر من الرواء وصرح |
أبدي من السناء الأسنى |
هي إشراقة تشعشع كالفجر |
تحيل الفناء بعثاً وفنا |
هي نفس تواجدت وهي روح |
تنشد الشعر.. وهي قلب معنى |
هي لحن محلق عبقري |
وستبقى إلى القيامة لحنا |
هي أغلى ما أنشأ اله في الدنيا |
وأحلى قصيدة تتغنى |
هي أغرودة الأغاريد تنساب |
كحلم يغشى الجفون الوسنى |
هي شلال بهجة وبهاء |
يتداعى وجداً ويخفق حسنا |
هي حلم الهوى ومنطلقي الباقي |
يدك الحدود سجناً فسجنا |
هي حبي العاتي وكل غرامي |
آه لو أدرك الغرام لجنا |
|
|
دبي- 1984 |
|
|
عريف الحفل: شكراً لهذا الإبداع، شكراً لهذا المتألق شعراً وحديثاً، وقد أخذنا وغُصنا وإياه في عوالم الشعر وسراديب القصيدة المبدعة، نتمنى لك التوفيق يا دكتور شهاب. |
|
|