((كلمة الدكتور عبد الله السلمي))
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على الرسول الأمين وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.. |
السادة الحضور جميعاً السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولاً أشكر الله قبل كل شيء ثم أشكر هذه الواحة التي نتفيأ ظلالها كل أسبوع في زمن صوّح فيه الربع وأقفرت المهامه، لكنها أضحت مساحة للمفكرين وواحة للمبدعين ومجتلى الأقلام والمؤلفين والعلماء والبارزين. |
كانت "الاثنينية" ولا تزال ذكراً يتضوع ونوراً معرفياً يتألق، تنشر بنودها وتعلن وجودها ويفوح بالعلم والثقافة عودها.. فيغشاها الخُلّص ويرتادها من يتطلب مدداً من العلم وسنداً من المعرفة وأساساً من الثقافة.. فلها الذكر منارة ولمشيدها وسيدها وربانها الشكر وأعني به هنا الشيخ عبد المقصود خوجه أمد الله عمره وأطال بقاءه وسدد خطاه. |
أما ثانياً: فليسمح لي الحاضرون والحاضرات أن أعترف بأن ما لدي وريقات أو أسطر ربما لممتها على عجل بعد أن بلغني نبأ هذا اللقاء مساء البارحة من مسؤولي "الاثنينية" ووصلتني قبله رسائل سُعدتُ بها كثيراً، طلبوا مني المشاركة وأتاحوا لي هذا الشرف في أن أتحدث أمامكم، أتحدث عازماً ومتشرفاً عن زميلة وفية صادقة، حينها دوّنت بعض ما عنَّ لي وسجلت ما جادت به ذاكرتي عن زميلتي.. معترفاً مرة أخرى أنني ما جست كثيراً في سيرة أختي الفاضلة الدكتورة أميرة.. إيماناً بأن من المتحدثين من سيأتي عليها وأن ما يمكن أن يقال عنها يمكن أن يؤلف في كتاب، وأن دقائق محدودة لا يمكن أن تفي أميرة حقها أبداً. |
أحاول ابتداءً قبل أن أتحدث عن أميرة الزميلة وأميرة الأستاذة الأكاديمية أن أسوق حقيقة تجربتي التعاملية، وقبل أن أسوق تجربتي التعاملية معها أعيد تسجيل الشكر مرة أخرى للاثنينية وقد تحدث الشيخ عبد المقصود قبل قليل في هذا الجانب في تكريم أميرة في هذه المنارة وغيرها من المؤسسات.. تكريم أميرة يجعلنا ندرك أن المرأة تعمل دائماً حينما تحضر، وأي جهة لا تحضر فيها المرأة تصبح كاليد الشلاّء.. وأي مجتمع لا تسير أو لا تحضر فيه المرأة يسير على قدمٍ عرجاء، هذا ما أدركته قيادتنا ومن قبلها ديننا، فلم تُقصَ المرأة وها هي اليوم تعلو المنابر وتساعد على إيقاظ الضمائر وتُقدم فكرها في البوادي والحضائر أو للمحاضر. |
أحاول أيها الحضور الكريم أيها السادة والسيدات أن أسوق تجربة مختصرة تعاملية مع أميرة، وللحق أقول عساي أن أقول بعض ما يقال في حقها، أتمنى أن أقدم جديداً وأن أطرح تجربة حية دون أن أتحسس كما قلت في زوايا الكتابات أو أستنجد بالمفردات والمقالات، ودون أن أسبر حنايا سيرتها الذاتية الثرية والغنية التي تشدو بالمجد وتتغنى بالنبل والإنسانية والعطاء كما ذكرت الزميلة قبل قليل. |
قالت لي أميرة ذات يوم: أشعر أنني أعرفك من سنين طويلة... فأطرقت خجلاً ثم عاودت النظر إليها محترماً شخصها وشخصيتها وموقناً أن الأخوة الصادقة الصافية والزمالة الحقة والمشترك الإنساني الرسالي ينحت من جبال القلوب الصلبة بيوتاً آنسة... ويبني من صخور المسافة بين آدم وحواء جسوراً بل قصوراً من النقاء والعمل والأمل والأخوة... وأميرة تحمل في عاطر السيرة نقاء السريرة وهي ما يجعلني أدرك أنها حينما تقول ذلك فلأنها انصهرت في العمل وآمنت بالمشروع وأخلصت للمؤسسة وأدركت أننا شركاء هم وعمل. |
في نادي جدة الأدبي وفي مجلس إدارته كنت وكانت أميرة، وفيه كانت بداية معرفتي بزميلة العمل ورفيقة الدرب في هم الثقافة في مؤسسة الثقافة الأولى في جدة.. بدأت معرفتي بأميرة تزداد وصلتي بها تقوى، يغلف علاقتنا الاحترام المتبادل والهم المشترك والأمل والطموح... فألفيتها كلما مرّ شهر تتقازم أطواد الفصل الذهني الزمني بيننا وتنغرس أوتاد الصلة والأخوة والمحبة الصادقة، لأنني وبكل صدق رأيت في أميرة بعطائها وأدائها عنصراً رئيساً في فريق العمل الذي ظهر بجهودها وبقية زملائي وزميلاتي الفاضلات كجبل من حجر جيري صلد ليس فيه صدع ولا فرجة، رأيتها تشارك في اللجان وتتفاعل في الأنشطة وتقدم المقترحات وترعى برنامج طاقات وتتابع المشروعات وتحمل قلباً مخلصاً للمؤسسة، بل ربما أسهمت في دعم النادي مادياً من خلال صلتها ببعض الشخصيات، إذا التقينا في مجلسنا الرسمي قليلة الجدال تتحدث برؤية وروية، وتناقش دون انتصار لذاتها. |
أيها السادة والسيدات.. أيها الحضور جميعاً.. إنني حينما أتحدث كما قلت عن أميرة بنت داود قشقري أتحدث عن مرحلة عملية ومؤسسة ثقافية ولحظة تاريخية في شأننا الثقافي، ربما هذه المرحلة مر بها كثير من المتغيرات وكمٌّ من التحولات، وقدرٌ من التقلبات على مستوى مناخ الثقافة وعلى مستوى تضاريسها، فظهرت شخصيات وتوارت أخرى، سمت أفكار واندثرت أخرى، غير أن العلامة الفارقة والبارزة في هذا الحراك وهذا التجاذب أنه منحنا الإبصار لعدد من النبلاء والأخيار وأماط عن الأعين غشاوة الرؤية التي كانت تتمحور حول شخوص بأعينهم، فأكرمتني هذه التحولات على المستوى الشخصي بمعرفة رموز أبصرتها وخبرتها تتفجر إبداعاً، وتتسابق عملاً وتتعانق وتسمو خلقاً وتتفاعل نشاطاً... وإذا قالوا قديماً: "العظَمة خلة في العظيم تقويها عوامل وتضعفها أخرى"، فإن الحركة الثقافية قد جعلت شخصية أختي الفاضلة الدكتورة أميرة تتبدى، حيث ألفيتها طليعية التفكير، رائدة الحوار، دقيقة التزمين، ترى في نادي جدة مؤسسة جداوية ثقافية عريقة وعتيقة تستحق التضحية بالوقت والجهد فكانت رفيقة درب كفاح سنتين عابرتين ربما تراوحت هاتان السنتان في شهورهما بين "السِّمان" و"العِجاف". |
إنني أيها الفضلاء لا أتمنى أن أطيل عليكم لكنني في الحق ألفيت في أميرة الصراحة والوضوح والجرأة والصدق والصبر واللسان المثمر؛ لأنها تملك حسن العبارة تملك عنان الكلمة تعلو صهوة القلم... يساندها تنوع ثقافتها وتعدد لغاتها... وهنا أذكر شيئاً مما لمسته من أميرة: كانت كثيرة السؤال عما أكتب حول اللغة من أبحاث، ودائمة الحوار حول بعض الأساليب العربية، تحاور بروح المحترق على واقع العربية البئيس، وربما هذه المفارقة في شخصيتها لأنني أدرك أن المتخصص في غير العربية نادراً ما يكون متخصصاً في العربية ويغار عليها، وهذا دليل جلي على عراقتها وثقتها بأن الهوية الحقة للإنسان هي جوهر وجوده وبقائه. |
إن أميرة هي بحق نقطة ارتكاز في نادي جدة الأدبي وفي مجلس إدارته؛ فهي مبعث المدد في كثير من المعضلات، أشهد للتاريخ أنني كلما اتصلت بها أو تحدثت إليها عن مطمح أو تطلع لعمل جديد في النادي يصافحني صميم عزمها فيصفع ترددي، وحينها نتعاون على اغتيال الإحباط وطرد الخور فتتولد العزيمة وينجح المشروع... نعم!! أقول هذا وأشهد به لأنني وجدت أميرة قوية الروح، فتية الأمل، متوثبة للرقي متطلعة إلى الأفضل... تقدم رأياً وتتوارى دونه دون أن تفاخر أو تتباهى... لا تسعى إلى الظهور ولا تبحث عن منافذ للعبور، تتنكر لذاتها وهي واثقة من ذاتها... وجدتها تتطلع أن تجود لا أن تسود وأن تعطي لا أن تأخذ، لهذا غابت أناها في فريق متكامل في نادي جدة... ولإثبات ما قلت أروي ما يلي: طلبت منا اللوائح الجديدة التعاقد مع مكاتب محاسبية قانونية، فغلا علينا السعر وارتفعت الكلفة والنادي محدود الموارد... فهامستني ذات يوم بأنها تعرف مكتباً في الرياض، صاحبه سيقوم بالمهمة من دون مقابل. طلبت مني أن أتحدث عن المكتب أمام الجمعية العمومية لآخذ الإقرار عليه دون أن أذكر لها اسماً... هنا وجدت أميرة وهنا عرفتها وأيقنت أنها بهذه المعاني والمعالي جوهرة، وهي حرية بالخلق والرقي وأنها أميرة "اسماً ووسماً". |
شكراً للاثنينية ولربانها عبد المقصود خوجه، وشكراً لأميرة ومبارك لها الترقية الأكاديمية والاحتفائية في هذه "الاثنينية"، والشكر لكم أيها الحضور والحاضرات وأستسمحكم العذر إن قصّر التعبير عما في النفس والضمير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
عريفة الحفل: شكراً لسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله السلمي، رئيس نادي جدة الأدبي الثقافي والآن الكلمة الثالثة لسعادة الأستاذة ذكرى الحاج حسين. |
|
|