شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الدكتور أبو بكر باقادر))
شكراً، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين وبعد..
تتميز الأمم بوجود من يصنعون التاريخ ويتركون أثراً ندركه جميعاً، وهم ما زالوا يقومون عليه. ولعله من نافلة القول بأن الأعمال البارزة التي تقوم بها اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه من الأعمال والمآثر الحضارية التي فكرتها قائمة على النبل، وعلى تكريم الناس وذكر مآثرهم والاحتفاء بهم في حياتهم وهو مما يؤسف له مما لم تدرج عليه ثقافة جزء كبير من أمتنا، فالتكريم بعد الوفاة هو تحصيل حاصل، أما تكريمه في خلال الحياة فلا شك فيه أنه سيكون باعثاً ونافعاً لمزيد من العطاء، ولعمري إنه تقليد يستحق كل الإشادة وكل الاحترام، فجزا الله خيراً الشيخ وأدام عليه فضله وحقق لهذه (( الاثنينية )) كل ما تصبو إليه، ولا شك عندي في أن التاريخ، وما ضمته من أعمال ووثائق ومناسبات وأعمال، سيكون معيناً لكل من أراد أن يؤرخ بحق عن الحركة الأدبية والثقافية والفكرية في مملكتنا العربية السعودية المعاصرة. وأعتقد أيضاً أن مما ينبغي الإشادة به هو التميز في تأسيس التقاليد، فلا أعرف تقليداً كهذا سوى ما يعرف بالصالونات... ولكن هذه الصالونات الأدبية ذات طبيعة مختلفة وهي أن يأتي الناس لإلقاء المحاضرات، لكن ما تميزت به (( الاثنينية )) هي دعم دأبها وبحثها وأتمنى أن تكون اختياراتها قائمة على التدقيق والموضوعية في اختيار بعض الرموز وتسليط الضوء عليها، لأن ذلك من شأنه ترويج ما سوقُه للأسف في هذه الأيام كاسدة.. الفكر والثقافة والإبداع.
أما بعد فلست أدري ماذا بإمكاني أن أقول لزملائي الكرام الذين حملوني من خلال مديحهم وثنائهم ما أرى أنني عاجز عن حمله، لكن ما يشفع لي هو محبتهم وحسن ظنهم بي وأيضاً ما أحمد الله عليه هو أنني وجدت العلوم الاجتماعية علوماً رحبة واسعة الآفاق وأنا -وأعوذ بالله من كلمة أنا- فضولي ملول بطبعه، وعندي شعور بما يسمى بالإنجليزية (vulnerability) أي الخوف أو الشك من أن معلوماتي أو قدراتي قاصرة عما أطمح إليه، مما أوجد علاقة عميقة مع مصادر المعرفة بكل ألوانها سواء كانت المعرفة المتعالية الفلسفية أو المعرفة الاجتماعية التي يتم فيها البحث عن معرفة ما وراء المظاهر والبنى والتشكيلات القائمة في حياتنا فهي تثير فضولي وتستدعي مني السؤال والحيرة والمحاولة في إيجاد تفسير. ما ينحو إلى المعقولية والتساؤل عن سبب تكون الأشياء بهذه الطريقة، ولقد وجدت هذه الخصال مهمة بل ينبغي ربما التحلي بها خصوصاً إن طال بنا الزمن وأحلنا على التقاعد. فأجمل الأصدقاء هم الأصدقاء الذين لديهم القدرة الكبيرة على فتح الأعماق هي المعارف والكتب، ولقد وجدت من خبرتي المتواضعة أن في الوحدة عمق وأن الإنسان الذي يستطيع أن يختلي بنفسه يستطيع أن يسأل نفسه وماذا بإمكاني أن أكتسب اليوم من معرفة لم أكن على دراية بها في الأمس، فالنبي صلى الله عليه وسلم في حديث مشهور يذكر بأنه ما طلعت الشمس على المسلم إلا وهو مطالب بأن يفعل شيئاً طيباً وخَيِّراً. والكتاب والمعرفة من أوسع الأبواب.
أود أن أقول في هذا الشأن أني وجدت في الحضارة الإسلامية تخصيصاً وفي الحياة الاجتماعية المعيشة آفاقاً واسعة للتأمل وللبحث والسؤال. وهي تمكن من تتبعها، سواء في مظانها من المصادر والكتب أو في حياة الناس من خلال الملاحظة والمشاركة، أن يتعلم الكثير ويدرك كم هو قاصر في معرفته عما كان ينبغي له أن يحيط به، لهذا ما خلصت إليه أنه بقدر ما تعرف بقدر ما تعلم فعلاً، أما ما يقوله الناس عن التواضع فأنا لا أراها سمة لي لكن أتمنى أن تكون جبلة فيّ، بمعنى معرفتي العميقة لذاتي هي أني في التحامي وتواصلي مع الآخرين أنا دائماً قادر على كسب ما يتميزون به من أفكار وطروحات ومعلومات، وأحمد الله لشعوري بالنقص الإيجابي أنه لم تكن لدي في أي لحظة أي تردد من القيام ببدايات جديدة وفرص أخالها جديدة للتعلم، ولقد ساعدتني معرفتي ببعض اللغات أن تكون تلك الأبواب مشرعة واسعة، ولقد وجدت من خلال ما أقوم به أن هناك الكثير الكثير مما أستطيع تعلمه مما يحوطني، سواء كان ما يعد أدباً راقياً للنخبة أو ما يبدو بشكل مخاتل أنه ينتمي إلى الحكمة الشعبية والفكر اليومي، وأيضاً تعلمت من خلال ما أقرأ ومن خلال إنتاج كبار العلماء في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وهي ذات آفاق واسعة وأسئلتها عديدة وتنشغل بكل شيء لا يكاد شيء يعني يبعد عن الأنثرولوجيا وعن علم الاجتماع، وهذه سمة قد تكون من الميزات الجيدة ولكنها أيضاً هي أحد مظاهر آفاق النقد التي توجه لهذه العلوم الاجتماعية، التي هي في واقع الأمر منظور ووسيلة وأسلوب منهجي في دراسة ما يدور في المجتمع سواء بين نُخبه أو عَوَّامه من حيوات.
وفي الآونة الأخيرة انشغلت بعدة أمور لعل من أهمها ما يتعلق بعظمة الفقه الإسلامي في الدراسات الحديثة. فمثلاً، تواصلت مع إحدى المؤسسات العلمية لأكتب مجموعة من المقالات عن الإسلام، أو الفقه بالأصح، وتعامله مع الفضاء العام، فتناولت مقالة عن الفتاوى المعاصرة التي تتعلق بالرياضة وكيف تعامل الفقهاء في جوانب عديدة مع مشكلة الرياضة، وكذلك تعاملت في مقالة أخرى مع المواقف الفقهية ما بين المرنة والمتشددة في ما يتعلق بالملاهي سواء كانت في شكل موسيقى أو شكل فنون سمعية بصرية، وأيضاً كتبت بحثاً عن الفتاوى التي تتعلق بالفضاء العام في البيئة المبنية، يعني في النوافذ والأبواب والأرصاد والشوارع والميادين، وكيف تعامل الفقهاء خصوصاً المالكية في المعيار الفقهي، وفتاوى علماء الشمال الأفريقي الذين وجدت عندهم من خلال مؤسسة الخبير أصنافاً وطرائق ووسائل تتناول هذه الجوانب بشكل ليِّن.
وأيضاً، تتبعت دراسة تتساءل عما إذا كان عند مفكري الفقه الإسلامي أفكار حول الخصوصية والتي هي زهو الحضارة الغربية اليوم لأنها تتكلم عن الفردية، فوجدت أن ما ذكره كبار المفسرين تحديداً في القرون الثلاثة الأولى والفقهاء حول آية "لا تدخلوا بيوتاً" ما يدل على عمق التعاطي والتفكير الفقهي في إنزال تلك الوقائع على حياة الناس، مما جعلني أعيد التفكير كثيراً في ما يعرف بالكتب الصفراء. فالكتب الصفراء، وخصوصاً إن كانت لدينا أسئلة أو مفاهيم أو تصورات حديثة يمكنها أن تجيب عن الكثير الكثير، أيضاً وجدت أن كثيراً مما تصدره المجلات العلمية أو الكتب في العلوم الاجتماعية في الأوساط الغربية هي حقيقة تشكل مرآة استشرافية لما يمكن أن يكون في مجتمعاتنا، لهذا نشرت مؤخراً مجموعة دراسات تتناول العولمة، وما بعد الحداثة، وتتعامل مع الجنوسة وأخلاق السوق والمساواة وحسن التوزيع للمصادر والمداخيل الاجتماعية. وبعد تقديمي لهذا الكتاب، وجدت أن الكثير مما يطرح عالمياً ودولياً و(أطرح) ما بين قوسين شرط أن لا نكون مجالدين لنفسنا محقرين لها مهمشين لها هو حقيقةً يعكس أو يتفاعل مع كثير مما يجول ببالنا مما يستدعي أن يكون تواصلنا مع العالم وأبحاثه بطريقة نستطيع فيها أن نوضع أو ننزل هذه المشكلات خصوصاً في مجتمع أصبح عولمياً بشكل مباشر. لن أطيل الكلام أكثر، وأتمنى أن أكون عند حسن ظن الجميع وأود أن أشير تعقيباً على ملاحظة للأستاذ حسين بافقيه أنني وجدت في شباب هذا المجتمع ذكوراً وإناثاً ما يمكن أن نسميه بأغلبية صامتة تتطلع للمعرفة وتسعى لها، ولقد سعدت جداً بأن عدداً كبيراً من الشباب يتواصل في ما بينهم وأحياناً يتواصلون معي للتعرف بالجديد والمفيد بدأبٍ وحماس ما كنت أتوقعهما أو لعل انطباعي كان في أيام الجامعة ربما لأن للطلاب مقاصد قصيرة المدى وكان كثير منهم كل ما يرغب فيه كان نيل علامة عالية مما جعلني أعتقد بأن بضاعة العلم ليس مُقْبَلاً عليها، لكني بدأت أراجع هذه الفكرة جدياً وأنا أحمد الله أن لمست هذا الشرف وهذا التوهج من مجموعات مهيبة من الشبان والشابات في بلادنا إقبالهم وخصوصاً على العلوم الإجتماعية، ولعلنا نعمل كما كان الحال عند أجدادنا كما ذكرت في مسألة الخبراء في الفتاوى أن يستعين العلماء التقليديون بأصحاب التخصصات العلمية الحديثة لأنه في النهاية وكما ذكر صاحب مؤسسة (( الاثنينية )) ما الفقه إلا إنزال النصوص على الواقع، ولا يكون هذا الإنزال مفيداً محققاً لمقاصد الشريعة إلا إذا كان قائماً على فكر ودراية وتحليل وعمق بمعرفة الواقع وما به من تغيرات.
وفي النهاية، أود أن أقول إن مملكتنا العربية السعودية، ودعوني أتحيز قليلاً للحجاز خصوصاً، فيه من المعلومات ومن التراث ما يستنهض هممنا ولكن شرط أن يكون من يريد أن يتولاه، فضلاً عن قدرته على الجمع والتراكم قادراً على معرفة كيف يدرسه أو يحلله أو يؤوّله. ووجدت وقد كنت نشرت في بداية هذا العام كتاباً بالفرنسية مع زميل لي عن الحكايا الشعبية في جزيرة العرب ووردني من أصدقائنا في فرنسا ذهول كبير من كثير من المختصين لما تزخر به حكاياتنا الشعبية من حكم وصور لم يتنبه إليها الكثير في العالم، ومردّ ذلك هو عدم قيامنا بذلك الجهد، فلا يكفي أن نجهد ذاتنا ولكن نحن مطالبون بإيقاد شمعة لعلها تضيء الطريق.
في الختام، أكرر شكري وتقديري لهذه المؤسسة وبطبيعة الحال صاحبها ومؤسسها الأستاذ الكريم عبد المقصود خوجه الذي يزداد قدراً ومنزلة كلما طال في عمر هذه المؤسسة التي أثبتت بأنها تسعى لتخليد الفكر والثقافة في عصر كما ذكرت للأسف لم يعد سوقها رائجاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: شكراً لسعادة ضيفنا الكريم على هذه الكلمات وهذه الوقفات الموفقة، ومرة أخرى نرحب به ونرجو له مزيداً من التوفيق السداد إن شاء الله في رحلته العلمية والعملية.
الآن نأتي إلى دور الأسئلة المقدمة من الضيوف من قسم الرجال هنا وقسم السيدات في الصالة المقابلة ولنبدأ بقسم السيدات أنقل المايكرفون الآن إلى الزميلة الأخت نازك الإمام تتفضل بالترحيب بالضيف واختيار السؤال الأول من قسم السيدات.
 
طباعة
 القراءات :212  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 20 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.