كلمة الناشر |
يمضي عام ونستشرف آخر.. نغرف من فعاليات مناسباته إيقاعات يعطرها ذوو العلم والفكر، والثقافة، والأدب، والعلوم، بلقاءات "الاثنينية" المتنوعة بتنوع ألوان طيفها، صوتاً وصورةً وكلمةً بكل ما يتطلبه التوثيق من دقة وأمانة وصرامة... نلتقي على رحاب الكلمة، رشقة عطر تشع آفاقها سناءً، ورواءً، وانتشاءً، متشحة بأنوار فجر تألق بتوافد ضيوفنا الأكارم، الذين عطروا سماوات الثقافة والفكر والآداب والعلوم، موزعةً معرفياً بين ألوان الطيف المختلفة: شعراً، ونقداً، وقصةً، وروايةً، وعلوم اجتماع، وتربية، وطبابة، وشأناً عاماً.. وجغرافياً بين: تركيا، وتونس، والأردن، والمغرب، واليمن، والإمارات، والكويت، والبحرين والسعودية ضمهم الجزء الثلاثون في مجلدين لسلسلة أمسيات " الاثنينية" لهذا الموسم 1434هـ-1435هـ الموافق 2013م-2014م، جاءت كما عودناكم، بحيادية، ووسطية، وشفافية تتسم بالتسامي، والرحابة الفكرية، وفق مبادئها الخمسة التي سارت عليها منذ انطلاقتها عام 1403هـ/ 1982م: بعيداً عن التيارات السياسية، والأيديولوجية، والنعرات العصبية، والمذهبية الدينية، والعنصرية، وتصفية الحسابات. |
فاتحة اللقاءات أمسية وداع لمعالي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلي، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، كان كعادته حصيفاً ثاقب الرأي، أنموذجاً في تناوله الحضاري للشأن الفكري والسياسي والثقافي والاجتماعي، ألقى مع أركان منظمته الضوء على الجهود المقدرة التي نهضت بها على مستوى الأحداث الجسام التي تحدق بالأمة الإسلامية... |
ومن الإضاءات التي أشرق سناها بصورة استثنائية ما أفضل به صاحب السمو الأمير فيصل بن عبد الله وزير التربية والتعليم السابق، تنويراً لمحطات مهمة في مسيرة حياته المفعمة بكثير من المواقف المميزة، متناولاً بعضاً من شؤون وشجون التعليم، كما أثارت التساؤلات الأمسية بمزيد من الألق والمتعة والفائدة.. وكم كانت استجابة معالي الأخ الدكتور عبد العزيز محيي الدين خوجه وزير الثقافة والإعلام، مكان تقدير واهتمام رواد "الاثنينية" حيث كانت لنا مع الشعر وقفة مميزة بقصائده التي أبدع تصويرها، لوحات ألوان الطيف بشعاع من المعرفة والعمق، كما سلط الضوء بواسع علمه، وبكياسته المعهودة على زوايا وومضات معرفية ثقافية، أجاب خلالها على كثير من التساؤلات التي شغلت أذهان الإعلاميين في جو من الحميمية والشفافية التي تحمد له.. اكتنفت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) علامات استفهام كبيرة، وتساؤلات مهمة في خارطة العمل العام في بلادنا، فكان لا بد من لقاء اتسم بالصراحة والمكاشفة مع قبطانها، معالي الأستاذ محمد بن عبد الله الشريف، الذي كان هادئاً، متواضعاً وملماً باستراتيجية الهيئة وخططها المستقبلية. |
وكان للطبابة والنطاسة مساحة مقدرة، إذ قدمت الدكتورة هويدا القثامي أول طبيبة لجراحة القلب في الشرق الأوسط، الثانية على مستوى العالم، تجاربها عبر مراحل حياتها المترعة بروح التحدي والطموح الوثاب، شرحاً مستفيضاً زاوجت فيه بين الأدب والعلم، وبين النظرية والتطبيق، وبين الصوت والصورة، بعرض الشرائح المصورة التي لفتت أنظار الكثيرين لسعة علمها، وقوة صبرها، وعظم طموحها، وفرادة تجاربها. |
توالت منصات الشعر كما يلاحظ القارئ الكريم، فاستمعنا إلى الأستاذ الدكتور شهاب محمد عبده غانم من الإمارات، شعراً دفاقاً، وإلقاءً متميزاً، وحضوراً جذاباً، ومن البحرين الشقيق الأستاذ علي الشرقاوي بخفة روحه وتألقه، وإيقاعات موسيقاه الشعرية التي نالت استحسان الحضور، كما رصعت سماء الشعر بقصائد بديعة إحدى شاعرات الوطن الأستاذة زينب غاصب، ثم كان الحضور على موعد مع الأستاذ معيض البخيتان الذي تميز بشاعريته المتفتحة، وموهبته الشعرية، ومقدرته اللغوية، وسعة إيقاعاته الموسيقية، ومعرفته بدقائق الشعر النبطي، بحوره، ومتونه، وفنونه.. بحلاوة جرسه، وقوة بيانه، وصفاء أسلوبه، ونقاء مقاصده، ولم يخلُ شعره من طرافة وملاحة وظرف نابع من أصالته وحبه لفنه. |
توالت الفعاليات التي لن أطيل سرد تفاصيلها -فهي بين أيديكم- غير أني أشير إلى إشراقات نسائية أخرى من بنات الوطن، منها استضافة الدكتورة أميرة قشقري التي حلقت بنا في سماوات الفكر والثقافة والتعليم وقضايا المرأة، أما الدكتورة بدرية البشر، محدثة لبقة، عرفت بأسلوبها الجذاب، وعباراتها المنتقاة، تميزت بسعة الأفق في نظرتها لقضايا المرأة والمجتمع.. وقدمت الأستاذة انتصار العقيل خلال أمسيتها وقفات وإضاءات على عتبات مؤلفاتها، وسرداً شيقاً لمراحل حياتها. |
الجدير بالذكر أن هذا الموسم اتسم باستحداث منحىً جديد، بتكريم الرموز الوطنية التي تركت بصمات واضحات في مسيرة العمل الإنساني، والاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي، فخصصت أمسية مهمة حول مآثر الراحل معالي الشيخ محمد سرور الصبان، يرحمه الله، قدم مؤسس "الاثنينية" خلالها مستندات نادرة، وأوراق توثيقية تعرض لأول مرة حول جانب من مسيرة الراحل، ضمن محاور اقتصادية، وإنسانية، وشخصية، واجتماعية تعرض لها لفيف من الأدباء والمثقفين. |
كان مسك الختام إحدى ثمرات "الاثنينية" في إرساء وتوسيع قاعدة التواصل بين مثقفي الدول العربية، من أقصى المشرق العربي إلى أقصى مغربه، يمثل أنموذجاً مميزاً لاجتماع أبناء الأمة على الخير فالتأمت القلوب على تكريم جمع من رجالات العلم والأدب والفكر ومختلف ضروب الإبداع الإنساني، فكانت لنا أمسية مع معالي الأستاذ الدكتور عبد الوهاب بوحديبة الأب الروحي لعلم الاجتماع في تونس الخضراء، تحدث فيها لفيف من الأدباء والعلماء والمفكرين . |
هذه مبشرات رأيت أن أسوقها بين يدي القارئ الكريم راجياً المولى عز وجل أن يجعله عملاً متقبلاً لوجهه الكريم.. والشكر أجزله لأساتذتنا الكبار رجالات وسيدات وطننا العربي الكبير الذين نعمنا بسابغ معرفتهم وفضل عطائهم، وأسعدونا بإتاحة الفرصة للإسهام في توثيق مسيراتهم، متمنياً لكم أسعد الأوقات وأطيبها في معيتهم، على أمل أن أسمع مرئياتكم ومقترحاتكم بما يعود بالنفع على الساحة الثقافية والفكرية والأدبية.. والله من وراء القصد. |
|
عبد المقصود محمد سعيد خوجه |
جدة: 26/8/ 1435هـ - 24/6/2014م |
|