شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
منطلقات لثقافة متسامحة وفكر متجدّد
مرّت بنا قبل أيّام معدودة ذكرى اليوم الوطني، والذي يحقّ لنا أن نحتفل به كما تحتفل جميع الأمم بذكرياتها وأيّامها المجيدة.
وقد مرّت قبل هذه الذّكرى بشهور معدودة ذكرى مرور عام كامل على تولّي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود مقاليد الحكم في بلادنا العزيزة، ولقد افتتح عهده بتعميق مبدأ الحوار الوطني بين جميع فئات الوطن والتي ساهم جميعها في بناء نهضته الحديثة إداريًّا وحضاريًّا وفكريًّا وثقافيًّا، وكان ممّا رسّخه خادم الحرمين الشريفين بأقواله وأفعاله هو مبدأ التّساوي بين جميع أبناء الوطن، وأنّ هذا المبدأ ليساهم بشكل فعّال في تعميق الوحدة الوطنيّة، وهي أمر مقدّس يجب أن يسعى الجميع للحفاظ عليها وصونها؛ خصوصًا من تلك الأصوات النّشاز التي اتّخذت التشدّد والإقصائيّة سبيلاً لفرض آرائها، غير عابئة بحرّية الآخرين وأحقّيتهم في التّعبير عن آرائهم، والتي كفلتها لهم شريعة الإسلام التي جاء بها سيّد ولد عدنان سيّدنا محمّد بن عبدالله عليه صلاة الله وسلامه، وسار عليها من بعدهم السلف الصّالح، وحافظت عليها أمّة الإسلام والعروبة في تاريخها الطّويل. فكأن الأرض لم تعرف دينًا متسامحًا مع أتباع الديانات الأخرى، أولئك الذين رأوا في الإسلام منقذًا لهم من نير الأمم التي سبقت ظهور الإسلام وحضارته كالبيزنطيين وسواهم، ويكفي أتباع هذا الدين فخرًا بأنّهم لم يلغوا حضارات سبقتهم، بل عملوا على الإضافة إليها، وتاريخهم في الأندلس وجزيرة صقلّية شاهد على أن أتباع تلك الديانات انخرطوا في المجتمع المسلم، وتفتّقت عبقرياتهم من خلال ما جسّده العرب آنذاك من سلوك إنساني رفيع. وإذا كان اليهود، الذين يذيقون أبناء الشعب الفلسطيني اليوم كلّ أنواع الذل والمهانة، إذا كانوا يفتخرون بفيلسوف ومفكّر مثل موسى بن ميمون، فهذا الاسم لم يكن ليلمع في سماء الفكر والثّقافة لولا أنّ السّياق الحضاري والفكري الذي رسّخ العرب دعائمه في شبه الجزيرة الأيبيريّة هو الذي ساهم في بروز هذا المفكّر وسواه، وأضيف إلى أنّ بلدًا مثل بريطانيا تفتخر بأديب وشاعر مثل جيفري تشوسر "1340 – 1400م" Geoffery Chaucer فإن باحثين إنجليزيين معروفين هما "هاملتون جب" وأدموند بوزورث C.E.Bosworth، يؤكدان تأثّر "تشوسر" بالأدب العربي وخصوصًا بأسلوب السرد في قصص ألف ليلة وليلة، ويميل كثير من الباحثين إلى تأثّر الشاعر الإيطالي "دانتي" بالفيلسوف والشّاعر العربي أبي العلاء المعري، كما تركت مدرسة ابن رشد الفلسفيّة أثرها في التّراث الأوروبي في العصر الوسيط، واجتذبت أعمال أبي حامد الغزالي في "المنقذ من الضّلال"، و"أيّها الولد" والحارث المحاسبي في "الرعاية لحقوق الله"، و"التوهّم في وصف الآخرة"، و"رسالة المسترشدين" و"منطق الطير" لفريد الدين عطّار، انتباه الكثير من فلاسفة الغرب، وأثّرت تأثيرًا مباشرًا في صياغة العقليّة الأوروبّية، ومن يرجع إلى ما كتبه الباحث الإنجليزي Georgiana Stisted، عن حياة الجيولوجي والأديب والمؤرّخ والرّحالة البريطاني سير ريشارد بيرتن Sir Richard Burton أو أعمال المحرّر الأوّل للموسوعيّة الإسلاميّة المستشرق "أدموند بوزورث" وخصوصًا بحثه القيّم عن "أثر الأدب العربي في الأدب الإنجليزي"، يتحقّق من أنّنا لا نلقي الكلام على عواهنه أو نجترّ كلامًا لا أصل له ولا شاهد أو دليل عليه، وما كان لأمّة العروبة والإسلام أن تؤثّر هذا التّأثير البالغ لولا أنّها انفتحت على تراث الأمم الأخرى، وتأثّرت بعوامل القوّة فيه، وأضافت إليه الجديد من ابتكاراتها.
* اليوم.. ونحن نعيش ذكرى اليوم الوطني احتفاء وحبًّا وودادًا، يفترض أن تسعى مؤسّساتنا التعليميّة والفكريّة والثّقافية للاستهداء بتلك الرّوح المتوثّبة والمتسامحة والمعتدلة التي تجسّدت في سلوكيات وأخلاق أسلافنا، وخصوصًا أن بلادنا بفضل الله تحتضن المقدّسات الإسلاميّة في مكّة المكرّمة حيث أوّل بيت وُضع للنّاس، وحيث ولد سيّد الكائنات عليه صلاة الله وسلامه، وحيث التقى عالم الظّاهر بعوالم الغيب والملكوت، وحيث المدينة المنوّرة بإشراقات الرسالة والمهاجر والمثوى، وعاصمة الإسلام الأولى التي شهدت انبثاقة مدرسة الفقهاء السبعة التي استنبطت قواعد المنهج العلمي من علم نقد المتون، ومصداقية الرّواة، فانقدحت في الذّهن العربي والإسلامي الشّرارة الأولى للحضارة التي جمعت بين العقل والرّوح؛ فكان التميّز والإبداع.
 
طباعة
 القراءات :256  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 64 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد عبد الصمد فدا

[سابق عصره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج