شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ترى من الذي كرس مفاهيم التشدد والكراهية في بلد الحب والتسامح ؟!
سؤال طرحته على نفسي لأكثر من مرّة؛ وخصوصًا بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها مدينة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، وتضافر محمود لجهود رجال الأمن في بلادنا للقضاء على بعض الفئات الإرهابية التي حملت السّلاح في وجه إخوانها في الدين والعقيدة والوطن، وجوهر هذا السؤال كيف يحدث هذا في مدينة الحبّ والتسامح؟!.. كيف يجري هذا على أرض عرفناها صغارًا، ونشأنا بين مسجدها الطّاهر وحلقات العلم فيها، واليوم تفجع كهولاً أو كبارًا بأسماء تنتسب لأسر كريمة–تحمل فكرًا تكفيريًّا وهدّامًا؟!.
وتنقل هذه صحيفة المدينة الغرّاء عن الشباب العاملين في مكتبها المتجدّد نشاطًا وحيوية في المدينة؛ حيث كانت انطلاقة هذه الجريدة الأولى قبل حوالي سبعين عامًا، تنقل أنّ من حملوا هذه الأفكار التكفيرية سعوا لإنشاء أو تأسيس حزب يحمل اسم (شباب التوحيد)، من أين أتت هذه التسميات؟ أليس الذين يعيشون في هذا الوطن تحت راية لا إله إلا الله محمّد رسول الله، وخصوصًا في ديار الإيمان، حيث نزل الوحي، حيث ولد سيد الكائنات صلّى الله عليه وسلّم، حيث كانت مدرسة محمّد بن عبدالله، عليه ألف صلاة وسلام، وصحابته والتابعين من بعده، رضوان الله عليهم أجمعين، أليست هذه ديار التوحيد؟! من الذي أدخل في عقولهم أنّ النّاس تعيش في جاهلية وكفر وأن المجتمع لا يسير على هدي الله؟! فاستحلوا دماء إخوانهم في الدين والوطن.
كانت وما زالت المدينة مجتمعًا تأوي إليه كل الأعراق، عربيّها وعجميّها، أسودها وأبيضها، فقيرها وغنيّها، وكان مجتمع الحبّ قادرًا على صهرهم في بوتقة واحدة، فلا تجد من ينظر إلى أخيه أو جاره أو قريب بنظرة الشك والريبة، كان الكبار يوجّهون الصغار، يستمعون بكثير من الأدب واللياقة والاحترام، كان علماء في قامة المشايخ صالح الزغيبي، وعبدالعزيز بن صالح، وألفا هاشم، وعبدالقادر الشلبي، وأمين الطرابلسي، وعطية سالم، وعمر جاد فلاته، وأحمد عبدالجواد، ومحمّد الثاني، ومحمّد المختار الشنقيطي، ومحمّد الأمين الجكني، ومحمّد المنتصر الكثاني وسواهم، وكان هناك قرّاء تشعّ وجوههم نورًا من أمثال المشايخ: حسن الشاعر، وعبدالستار بخاري، وأحمد السنوسي، وحسين عويضة، وجميل شيناوي، ومحمّد منصور عمر، وعلي السمان، وحسين رمزي، ومحمّد شقرون، وحسن بخاري، وأحمد ياسين الخياري، وعبدالله الخربوش، وعباس صقر، وحليت بن مسلم، وسيف بن سعيد، وعلاء الدين البكري، ومحمّد سعيد سمهان، ومحمّد النجار وسواهم، وكان معلّمون في سمت ووقار واعتدال: أحمد بوشناق، وعمر عادل، وأمين مرشد، ومحمّد حميدة، وماجد عشقي، وعبدالحميد السناري، وعبدالعزيز الربيع، وعبدالرحمن أبوالعلا، وأجيال بعدهم من أمثال: عبدالله خطيري، وعيد بن سالم الردادي، ومحمّد سعيد حلابة، ومحمود خيمي، ومحمّد المطهر، وناجي حسن الأنصاري، ومحمّد حسوبة، وحمزة سيسي، وعبدالله المطوّع، وحسين وحسن جوادي، وأمين عثمان، وإبراهيم آدم، ومحمّد الرويثي، وعبدالرحيم أبوبكر، وجميل عبدالله، وعمر حسن عثمان، وبكر آدم.. وسواهم، هؤلاء العلماء والخُطباء والوعّاظ والقراء والمعلّمون؛ إضافة إلى أصحاب القلم وصنّاع الكلمة كانوا ذخيرة مباركة في المجتمع المدني، يوجّهون أبناءهم ومريديهم بالحسنى، ويبتعدون عن التشكيك في عقائد الأمّة، ويزِنون الأمور بميزان دقيق هو ميزان الشرع الصادق المتجرّد عن الهوى والضلال.
هل يصدّق جيل شحن بأفكار التشدّد واستولت عليه نظرات الريب حتى لكأنّه كشف عن قلوب الخلق، والتي لا يعلم ما في داخلها إلا من برأها وبالإيمان والتقوى أكرمها.. هل تصدّق هذه العقول النافرة ومن وكان وراءها في تغذيتها بأفكار التشدد وتلقينها قاموس التفسيق والتبديع، وهو قاموس شديد الخطورة وسيئ العاقبة ومنذر بشرٍّ مستطير.. هل يصدّق هؤلاء أن أجيالنا كانت تقرأ في العطلة الصيفية كتب الأدب والإبداع في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟!، من مثل الرافعي والعقّاد وطه حسين والدكتور محمّد حسنين هيكل وأحمد أمين ومحمّد حسن عوّاد، وكانت تتطارح في رحابة صدر شعر حمزة شحاتة وحسين سرحان وضياء الدين رجب وعبيد مدني وماجد الحسيني وعبدالسلام هاشم حافظ وأحمد قنديل ومحمّد السنوسي، وكان أساتذتنا، ومشائخنا يعرفون ذلك فيشجعونا على ذلك، كان أستاذنا محمّد حميدة يأتي لـ(ندوة الأصدقاء) ليوجّهنا لقراءة الأدب بكافة فنونه، وكنا نجلس للأستاذ الراوية عبدالستار بخاري رحمه الله فنحفظ عنه شعر إبراهيم الأسكوبي وسعد الدين برادة ومحمّد العمري، وبعض هذا الشعر كان من شعر الغزل العفيف الذي يتواءم مع طبيعة البيئة المدنية الرقيقة واللينة الأعطاف والبعيدة عما نشاهده اليوم في بعض القطاعات من غلظة وجفوة وشدّة هي مما طرأ على هذه البيئة، ترى هل أجبت عن السؤال القائل: من المسؤول عن نشر هذا الفكر المتشدد وهذه النظرات المريبة وهذا القاموس المفجع؟ هم وحدهم المسؤولون عن ضحاياهم من شباب الأمّة، وعن الدماء التي أريقت، والنفوس التي زهقت، وعن غبار كثيف يتصاعد مليئاً بالحقد والكراهية، بينما كانت المدينة البلد، والمدينة النّاس وما تزال –إن شاء الله- تتنزّل من سمائها نسمات الحب والرحمة والتسامح، ويشعّ من بين جنبات مسجدها الطّاهر ذلك النّور الذي خرج يومًا من بين الحجرات فأضاءت به عوالم واهتدت به نفوس، وزكت به مشاعر، ورقّت به قلوب.. وما أحوج الأمّة في الزمن الصعب إلى هذا وسواه.. فهل من مجيب؟!.
 
طباعة
 القراءات :275  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 62 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج