شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هل هو جدال أم مستنقع آسن ؟!
لقد أكرم الله هذه الأمّة بأن جعلها أمّة وسطًا، وأكرم هذه البلاد بأن جعل فيها بيته الذي تهوي إليه النفوس، ومسجد ومثوى نبيه صلّى الله عليه وسلّم، وهذا يستدعي من أهل هذه البلاد الطيبة أن يكونوا مثالاً وقدوة في سلوكياتهم وأخلاقهم. وإنّه ليتوجب على أصحاب الكلمة أو المسؤولين عن نشرها أن يبتعدوا عن الأساليب الرخيصة التي تثير الشّحناء، وتبعث على الحقد والضّغينة. ولقد كان مثيرًا ومفجعًا ما أقدمت عليه إحدى الصحف الدولية، والتي تعدّ رصينة في تاريخها الصحافي العريق، بالإقدام على تخصيص صفحة كاملة لإثارة النّعرات والخوض في أنساب النّاس بغير حقّ أو وجه شرعي؛ ومعلوم أنّ هذه البلاد تقوم وحدتها، منذ اجتماع كلمتها على يد المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود، على نبذ كل أشكال النّعرات، وصنوف التعصّب الفئوي التي أضرّت في سابق الأزمان بالأمّة العربيّة والإسلاميّة، وجعلتها فريسة سهلة لأعدائها، وما درس الأندلس السليب ببعيد عن ذي كلّ لبّ وصاحب بصيرة. ولقد سعى الاستعمار الغربي إلى استخدام هذه الأساليب الرّخيصة في نفوس النّاس، ولقد انساق الكثير خلف هذه الدسائس وجنوا بعدها مرًّا وحنظلاً.
لقد اختلف العوّاد وشحاتة قبل عقود عدّة؛ ولكنّهم ابتعدوا عن تدوين ما كانوا يتهاجون به في صحيفة سيّارة أو جعله مقروءًا بين دفّتي كتاب؛ بل إنّني قرأت للإنسان (شحاتة) قولاً بعد نزوحه إلى مصر يتبرّأ فيه من كلّ ما جرى في تلك المعركة، والتي يعرف الكثيرون أنّ الأستاذ الأديب عبدالسلام السّاسي كان يحفظ جميع ما تداولته الألسن فيها؛ ولكنّ (السّاسي) بحسّه الإنساني الرّفيع لم يرضَ أن يدوّن شيئًا من ذلك، على رغم أن ما كتبه مثل الشعراء الثلاثة وشعراء الحجاز في العصر الحديث، يعتبر مصادر أولى في الأدب السعودي، ولكنّه أثبت فيها ذلك الأدب الرّفيع لروّاد الكلمة في بلادنا، ومثله فعل الأستاذ الكبير عبدالله بن إدريس في شعراء نجد المعاصرون وغيرهم.
وعندما انتقل الأديب والمؤرّخ والباحث الكبير عبدالقدّوس الأنصاري إلى جوار ربّه، كان من أوّل من رثاه العلاّمة حمد الجاسر –رحمهما الله- في كلمة تدلّ على ما كان يتمتّع به ذلك الجيل من أصالة ونبل وترفّع عن الدنايا، واعترف فيها الأستاذ الجاسر أنّ الأستاذ الأنصاري كان على حقّ في ما ذهب إليه من رأي حول ضمّ جيم جدّة، ولعله يوجد بيننا من أمثال الأساتذة عبد الرحمن المعمر، وعبد الفتّاح أبو مدين، من يتذكّر وقائع تلك المعركة التي دارت بين عالمين وأديبين نعتزّ بهما في تاريخنا الأدبي والفكري المعاصر.
ولقد اختلف الأستاذ الكبير أحمد عبد الغفور عطار ورصيفه الأستاذ اللغوي أبو تراب الظاهري -رحمهما الله- حول قضايا عدّة، واحتدّ الخلاف بينهما إلى درجة كبيرة؛ ولكن لم يسعَ أيّ منهما لتدوين ذلك الخلاف في كتاب. كما أتذكّر وقائع الخلاف الذي جرى بين المؤرّخ السيّد أمين مدني ووصيفه الشّيخ حمد الجاسر، ولم يدوّن أحد منهما تلك الوقائع بين دفتي كتاب، وعندما علم الشيخ محمّد سرور الصبّان بالحالة الصحيّة للشّاعر الكبير حمزة شحاتة كان من أوائل من واسوه، على الرغم من الخلاف الذي كان وجوده طبيعيًّا بين أفراد ذلك الجيل. ويعرف حبيبنا الأستاذ الشاعر محمّد صالح باخطمة كثيرًا من دقائق العلاقة بين العوّاد وشحاتة من جهة، والصبّان من جهة أخرى، وكيف آلت العلاقة بين الجميع إلى محبّة ووداد، وذلك صنيع الكبار، وأخلاق الفضلاء من الرّجال.
ولعلني لا أذيع سرًّا عندما أذكر في كلمتي هذه التي أكتبها حزنًا على ما تشهده السّاحة من تجييش ليس له مبرر، وتحريض مدمر للأخلاقيات، وتتبع لعورات النّاس والذمّ في أنسابهم مع أن إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله يقول ما أصبح على مرّ العصور قاعدة تحكم علاقات الناس بالحسنى وتصرف الألسنة عن الخوض في ما أمرنا بالسكوت عنه، هذه القاعدة تقول: (الناس مؤتمنون على أنسابهم).
لعلّي لا أذيع سرًّا عندما أروي مما سمعته من كبار القوم بأنّ (شحاتة) وقف قصائده التي كان ينشرها تحت اسم مستعار في صوت الحجاز، والتي كانت جزءًا من المعارك الأدبية التي دارت بين جيل الرواد، لقد أوقف الإنسان (شحاتة) قصائده أو هجائياته، مع أنّ الرّجل كان كثير الاعتداد بنفسه، لأنّه علم أنّ البعض كان يستغلّ هذا الخلاف لمآرب شخصيّة، أو منافع ذاتية.
وأتذكّر شخصيًّا واقعة جرت في المؤتمر الأول للأدباء السعوديين في بداية التسعينيات الهجرية، وكنت وقتها طالبًا بقسم اللغة العربية بمكة المكرمة –شرفها الله-، وكان الأستاذ النّاقد عبدالعزيز الربيع يُلقي ورقة عن شعر أحمد شوقي، وكان الأستاذ العوّاد من بين الحضور؛ ولكنّه خرج في منتصف المحاضرة، فلّما فرغ الربيع من محاضرته؛ سأله أحدهم عن خلافه مع العوّاد حول شوقي وشاعرية ثريا قابل، فابتسم ذلك الرجل الوديع ليقول: لا أستطيع الإجابة لأنّ الأستاذ (العواد) خرج من القاعة، واحترامًا لمنزلته توقّف (الربيع) عن الإجابة. وما منع الربيع عن ذلك إلا أخلاقيّات الرجال، والتي للأسف أصبحنا نفتقدها في مماحكاتنا أو في مجادلاتنا والتي تفتقد –للأسف الشديد- للحدّ الأدنى من أساليب الحوار المبنية على الأهداف السّامية والمقاصد النّبيلة.
 
 
طباعة
 القراءات :259  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 61 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج