شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مبدعون أنشدوا للحياة وعاشوا البؤس والنسيان ..
ربما يكون حظّ المبدعين والفلاسفة في هذه الحياة متشابهًا إلى حد كبير، فلقد كنت أتصفح إحدى الصحف البريطانية فوجدت مقالة تتحدث عن نهاية مبدعة كانت محور الحياة الاجتماعية في الخمسينيات الميلادية، ثم انتهى المطاف بهذه المبدعة ذات الجمال الباهر في شبابها إلى خاتمة حزينة؛ حيث عاشت بقية حياتها في إحدى دور الرعاية البريطانية المعروفة باسم: Kington St. Michael Care Home، وعندما حضرتها الوفاة في شهر ديسمبر من العام المنصرم، لم يجد المسؤولون عن دفنها أي شخصية من تلك الشخصيات المعجبة بها لحضور مراسم دفنها، وترسم هذه المقالة الحزينة التي كتبها Luke Salkeld، في الملحق الثقافي لصحيفة الديلي ميل (Daily Mail) الصادرة يوم 4 يناير 2008م صورًا حزينة تجعل القارئ يتفاعل مع هذا الحدث، ومن تلك الصور هو أن هذه الشخصية -على غير ما هو مألوف في المجتمع الغربي- قد قضت معظم حياتها ترعى والدتها التي أصيبت بمرض أقعدها عن الحياة الطبيعية، حتى إذا ما تلاشى صباها وغاضت ابتسامتها، لم تجد من يرعاها ويخفف عنها آلام وحدتها، وقد لاحظ المسؤولون في الدار التي احتضنت شيخوختها، وكانت شاهدة على مأساتها أنها لم تحظ بزيارة أي فرد من عائلتها، ولم يرن الهاتف في تلك الدار التي تعصف بنوافذها رياح الشتاء الكئيب ليسأل عن حال مبدعة طالما أدخلت الفرحة على نفوس المتولهين بإبداعها، وتكرر النداء لحضور مراسم دفنها فلم يجب أحد، ولكن صوت الإبداع كان حاضرًا باللغة الإنجليزية رثاء ومتأملاً وفلسفة للحياة الفانية:
(ليس هناك من يخلد في هذه الحياة، الغرباء في هذه الحياة الذين تقتلهم الوحدة والوحشة ترى من أين قدموا؟!.
الغرباء في هذه الحياة ترى إلى أي الأمكنة ينتسبون؟
ربما سوف يعطف عليهم التراب الذي خلقهم البارئ من طينته).
إنها واحدة من قصص المبدعين، والذين تختزن ذاكرة المجتمعات الكثير من القلق الذي تعيشه نفوسهم، وتصطلي به شوقًا وأنينًا، فهذا الشاعر المعذب أبوالقاسم الشابي يهتف منشدًا، عندما مرّ بالمقبرة سرب في طريقها إلى العالم المجهول، فطارت معها روح الفيلسوف، وطوفت في عوالم البقاء والخلود لتقول:
خُلقنا لنبلغ شأو الكمال
ونُصبح أهلاً لمجد الخلود
ولكن إذا ما لبسنا الخلود
ونلنا كمال النفوس البعيد
فهل لا نمل دوام البقاء
وهل لا نود كمالاً جديد
وكيف يكون هذا الكمال
ماذا تراه؟ وكيف الحدود
وإن جمال الكمال الطموح
وما دام فكرًا يرى من بعيد
فما سحره إن غدا واقفًا
يُحَسُّ وأصبح شيئًا شهيد
هل ينطفئ في النفوس الحنين
وتصبح أشواقنا في خمود
 
أما الشاعر والمبدع الحزين محمود أبوالوفا، فلقد أدركه من الظلم في حياته ما جعله يعيش بقية أيامه وحيدًا، يتأمل مظاهر الكون فيناجيها بأعذب القصيد الذي رددته الشفاه، وتجاوبت معه نجوم الليل ومدارات الأفلاك: لأن الناس كانوا في غفلة عن مأساته، فألفيناه ينشد من وراء الحجب والأستار قائلاً:
عندما يأتي المساء
ونجوم الليل تُنثر
اسألوا لي الليل عن نجمي
متى نجمي يظهر
عندما تبدو النجوم
في السماء مثل اللآلئ
اسألوا هل من حبيب
عنده علم بحالي
كل نجم راح في
الليل بنجم يتنور
غير قلبي فهو ما زال
على الأفق محير
يا حبيبي لك روحي
لك ما شئت وأكثر
إن روحي خير أفق
فيه أنوارك تظهر
كلما وجهت عيني
نحو لماح المحيا
لم أجد في الأفق نجماً
واحدًا يرنو إليَّا
هل ترى يا ليل أَحظى
منك بالعطف عليا
وأغني وحبيبي
والمنى بين يدي
 
لقد سكب (أبوالوفا) معاناته في هذا القصيد العذب، الذي يعكس توق روحه للمجهول، لأن حاضره كان موحشًا ومليئاً بذلك الجحود الذي يلازم المبدع كظٍّل له، ولعله من غرائب الأشياء التي قرأتها عن هذا الشاعر أن الذين غنوا شعره تجاهلوه عندما هرع لمقابلتهم وهو يتوكأ على عصاه لعاهة كان يعاني منها، وعندما رحل كان مصيره مثل (Olive Archer)، لم يجد الذين محوا آثار التراب أو نفضوا أيديهم منه، بعد أن واراه الثُّرى، لم يجدوا من يؤبنه وهو الذي أبدع أرق القصيد وأجمله للآخرين، وبينما كان صوت المذياع يردد بصوت أحدهم في شهرة وذيوع صنعهما له أمثال شوقي وأبوالوفا، عندما كان يردّد ويردّد معه المعجبون: (عندما يأتي المساء)، كان (أبوالوفا) يستمطر الرحمات من الخالق وحده، وما أصعب ظلم الإنسان للإنسان.. ما أقسى الحياة على من قدموا من توق أرواحهم، وخفقات أفئدتهم، أنشودة الكون الخالدة، ثم ضنّ عليهم الأقربون بالقليل من الثناء، والنذر من العرفان.
خاتمة:
من شعر المبدع الإنجليزي ويليام ووردزورث
Willaim Wordsworth: (We Live by Admiration Hope and Love).
(إننا نعيش تحدونا بواعث الإعجاب والأمل والحب).
 
طباعة
 القراءات :298  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 51 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.