شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
!تصارع أفكار أم صراع قوى؟
تمتلئ القنوات الفضائيّة الغربيّة والعربيّة بالبرامج المخصّصة عن حوادث سبتمبر 2001م، بعد مرور خمس سنوات على حدوثها ولا يمكن فصل المشهد السّياسي والفكري عن المشاهد السّابقة؛ فلقد كانت حرب 1956م حدًّا فاصلاً بين حقبتين كانت الأولى منهما تتّصل بالهيمنة البريطانيّة التي انتهت بتسلم أنتوني إيدن Eden مقاليد السلطة في بريطانيا عام 1955م، بعد حقبة كان تشرشل مهيمنًا فيها، ليس على القرار البريطاني وحده بل القرار الغربي بأجمعه، ولكن صعود نجم الرئيس الأمريكي ديوايت أيزنهاور Dwight Eisenhower، الذي يؤكد المنظر العمالي المشهور دينيس هييلي Healey، بأنّه كان الرئيس الأمريكي الوحيد الذي لم يصعد بأصوات يهود أمريكا، ورفض أن يسلّم لهم بشيء من القوّة التي كانوا يسعون لتحصيل أسبابها سياسيًّا واقتصاديًّا وفكريًّا، كانت الحقبة الأمريكيّة مستقلّة في قراراتها على يد أيزنهاور؛ فهو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي قطع المساعدات الأمريكية عن إسرائيل عام 1953م عندما سعت إسرائيل لتحويل مجرى نهر الأردن على طول الحدود السوريّة، هو الذي أجبر بريطانيا وحلفاءها بالرضوخ إبان أزمة السُّويس بعد تأميم الرئيس جمال عبدالناصر لها من منطلق وطني.
أجبر أيزنهاور (سير إيدن) وحلفاءه على الانسحاب، وكانت بريطانيا تعتمد على الولايات المتّحدة في دعم اقتصادها فهدّد أيزنهاور برفع الدعم عن الجنيه الإسترليني، وبعد سقوط إيدن سنة 1956م وتسلم هارولد مكميلان Macmillan السلطة في داوننغ ستريت أضحى من أبجديات السّياسة البريطانية السير في ركاب (أمريكا)؛ ولهذا فإنّ تخوّف الرئيس الفرنسي ديجول من دخول بريطانيا السّوق الأوروبّية المشتركة كان في محلّه، فلقد كان يصرّح بأنّ بريطانيا سوف تكون عينًا لأمريكا داخل المنظومة الأوروبّية، لقد حاول إدوارد هييث Heath، بعد أن فاز بانتخابات عام 1970م أن يغيّر هذه المعادلة، وللتاريخ فإنّ موقفه وموقف وزير خارجيته Alec Douglas، في حرب أكتوبر 1973م بين العرب وإسرائيل كان مشرّفًا للغاية، فلقد رفضا أن تتوقّف الطّائرات الأمريكيّة التي تحمل عتادًا حربيًّا لإسرائيل في المطارات البريطانيّة للتزوّد بالوقود، وفرضا حظرًا على بيع الأسلحة لإسرائيل، بل ومنعا شحنات من قطع غيار الأسلحة التي سبق لإسرائيل شراؤها، نعم لقد دفع هييث ثمن موقفه النّابع من مصلحة بريطانية محضة، فأسقطت النّقابات العمالية بالتّعاون غير الرسمي مع اللُّوبي اليهودي داخل حزب المحافظين بزعامة كيث جوزيف Joseph حكومة هييث، وصعدت مارجريت تاتشر إلى زعامة الحزب سنة 1975م بدعم من جوزيف ورفاقه اليهود، وعندما وصلت إلى رئاسة الوزراء سنة 1979م عملت على إعادة العلاقة مع أمريكا وإسرائيل أكثر مما كانت عليه، خصوصًا وأنّها وجدت حليفًا جمهوريًّا قويًّا في أمريكا وهو (رونالد ريجان) والذي يعتبر الأب الرّوحي لتيار المحافظين الجدد، كما أنّ تاتشر اعترفت قبل الانتخابات البريطانية الأخيرة سنة 2005م بأنّ وريثها الحقيقي هو توني بلير الذي لم يكن يرى في أسلافه العمّاليين بدءًا من أتلي ومرورًا بويلسون ومايكل فووت ونيل كينيك وجون سميث، لم يرَ فيهم قدوة أو مثالاً، فهو أوّل زعيم عمّالي يذهب إلى الكنيسة باستمرار، فدعمه لإسرائيل نابع من أيديولوجيّة دينيّة، كما رأى جورج بوش الابن في رونالد ريجان مثالاً وقدوة. وإذا كان بلير تشرّب الإرث اليهودي/ المسيحي عن معرفة واعية، فإنّ بوش الابن كان اقتناعه اقتناع العامّة والسُذّج؛ ولهذا فهو يرى في شارون وأوليمرت وسواهما منقذين حقيقيين للعالم، ومبشّرين بظهور المسيح في أرض الميعاد.
لكن يجب أن نقرّ بأنّ التّيار الدّيني المتشدّد والمتمثّل في تنظيم القاعدة والسلفيّة الجهاديّة المتعطّشة هي الأخرى لسفك الدّماء من بني جلدتها قبل الآخرين، هذا التيار قد قدّم هدية ثمينة لتيار المحافظين الجدد في أمريكا وبريطانيا، وأعاد القضيّة الفلسطينيّة عقودًا إلى الوراء، رغم زعمه المتأخّر بأنّه نصير لها. ولا يزال الكثيرون في عالمنا ينظرون إلى زعماء القاعدة والسلفيّة الجهاديّة المتشدّدة بكثير من الإعجاب، وفي الوقت نفسه فإنّ الولايات المتحدة لم تعمل يومًا على تشجيع التّيارات المعتدلة في العالم العربي والإسلامي، بل إنّها من منطلق مصالحها الخاصّة تحالفت علنًا أو سرًّا مع التيارات المتشدّدة، ويبدو أنّ المنطقة مازالت مرشّحة لكثير من الصّراع والتّدافع، ليدفع الأبرياء دومًا ثمن هذا الصّراع المحتدم والمشتعل في أمكنة عدة.
 
طباعة
 القراءات :257  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 48 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج