(( كلمة الدكتور محمود زيني |
الأستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة ))
|
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين وعلى صحابته الغر الميامين. |
|
أيها الإخوة سلام الله عليكم ورحمته وبركاته: إنه لما يسرني أن أكون مشاركاً في تكريم شاعرنا وأديبنا معالي الأستاذ حسين عرب في إثنينية الأديب الأستاذ عبد المقصود خوجة، واسمحوا لي قبل أن أتحدث عن شعر هذا الشاعر، أود أن أقف هنيهة عند حياته ونشأته التي لو أطلنا الوقوف عندها بقراءة متأنية لعرفنا الشيء الكثير المستتر في ثنايا حياتها الأدبية العامرة، بفضل الله ومنه، هذا الشاعر حسين بن علي بن حسن بن عبد ربه عرب، ابن من أبناء مكة البارين منَّ الله عليه بالنشأة الكريمة في رحاب مكة المكرمة، وهو عربي الأرومة من بيت علم وخلق وأدب، جده حسن عرب كان من أئمة وخطباء المسجد الحرام، وحسبه ذلك من فضل، أخلفه الله وهو رضيع فقده لوالدته خيراً كثيراً ونبوغاً في الأدب والشعر، فتفتقت شاعريته منذ الصغر في التحضيرية قبل الابتدائية الفلاحية، وأصبح شاعراً مبدعاً آنذاك في المعهد العلمي السعودي، وقد أنشأ هذا المعهد الذي له فضل كثير بعد الله على كثير من الأدباء والشعراء والعلماء والمفكرين بهذا البلد الكريم. |
|
وقد تتلمذ شاعرنا على شيوخ الأدب في مكة المكرمة ولكنه بز شيوخه في عالم الشعر، وهذا الذي نحتفل به مع صاحب الاثنينية حفظهم الله هو من كبار شعراء العربية بلا جدال بل هو في نظرنا فذ في الشاعرية في عصرنا الحاضر، لم يتخذ من الشعر حرفة وصناعة، بل وهب الشعر والأدب ونابغة تدرك في شعره مدى قدراته العجيبة وملكاته ومواهبه في إنشاء الشعر دون إفراط في الثناء عليه، كيف لا وهو الذي يقول: |
يتلاحق الشعراء فـي آثاره |
سرفاً ولا يدنون منه كفافا |
|
|
وهو شاعر متمكن أمكن على حد تعبير المناطقة. |
من شاعر لو تغـنى |
بالشعر فالشعر سحر |
تنساب مـنه المعاني |
كأن ما انساب تـبر |
وتستجيب القـوافي |
لأمـره وهي عسر |
|
وواضح أن لثقافته العربية والإسلامية الواسعة أكبر الأثر في أصالة شعره ومتانته، وليس غريباً أن يسميه بعض النقاد الشاعر الأديب، والفقيه العالم، فثقافته لا حصر لها ما بين تاريخية وفقهية وعلمية وأدبية وفنية وسياسية، وهذا ما جعل لشعره مذاقاً خاصاً ونكهة أدبية رائعة، هذا الشاعر كان قد أشاد بشاعريته الشاعر الراحل حمزة شحاتة رحمه الله. |
حسين عرب من الأعلام البارزين بل هو رمز من رموز الثقافة والفكر والأدب القلائل في عصرنا الحاضر كما أشار إلى ذلك معالي الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني حفظه الله، وله شهرة واسعة في عالم الأدب في عصرنا الحديث على مدار سبعة عقود تربع على عرش الشعر، شاعراً متميزاً مبدعاً مفكراً عاشقاً للكلمة الطيبة محباً لها متمكناً من لغة الضاد والبيان حتى في عقده الثامن والحمد لله، ودليل ذلك رائعته التي كرم بها الأدباء في الجنادرية: |
طائر المهرجان بالشعر غنى |
فسما شادياً وأبدع لحـنا |
|
|
لقد كرَّم في العرب نفسه فكرم قومه محلياً وعالمياً، كُرِّم في المؤتمر الأول للأدباء السعوديين، في مسقط رأسه، وفي الاثنينية المباركة ثلاث مرات، هذه المرة الثالثة، ويكاد يكون هذا الشاعر فريد في تكريم، لم ينله قرناؤه، والاثنينية كما أراد لها الأستاذ عبد المقصود خوجة الابن البار بأبيه الأديب الشهير محمد سعيد عبد المقصود خوجة غدت معلماً حضارياً ومصدراً ثراً للأدب والأدباء والثقافة والفكر في عالمنا العربي، واحتلت مكاناً لم ينله المؤتمر الأول للأدباء السعوديين. |
وتزامن هذا التكريم محلياً مع التكريم العالمي فمنحته مصر أعظم وسام عندها وهو وسام النيل في العلوم والفنون، أما التكريم العالمي فكان في العام المنصرم في الجنادرية لهذا الشاعر الفذ، شاعر الوطن والكيان، فاستحق وسام الملك عبد العزيز، مؤسس الكيان، وهو الوسام الذي لم يمنح إلا إلى المتميزين والمبدعين والفائقين، كرم في ندوة النخيل بالرياض، وكرمته جامعته التي كان مستشاراً فيها، بل كان عضواً في مجلس جامعتها وهو الذي سعى ضمن من سعى إلى تأسيس جامعة أم القرى، ووفت الجامعة في العام الماضي بواجبها نحوه وكرّمته، وكذلك كرّمه الأدباء والشعراء بمكة، واحتفل نادي الوحدة في مكة المكرمة بتكريمه وهو الذي أعطى لهذا النادي الشيء الكثير من جهده ووفائه، ووفى معالي الدكتور محمد عبده يماني ابن مكة البار مع رفاقه أبناء مكة البررة فكرّموه قبل أن يقفل العام الهجري المنصرم مودعاً، وكان قد كرّمه في الرياض الأستاذ محمد بن سعد بن حسين في ندوة النخيل، واليوم نشهد هذه التظاهرة وهذا التكريم الكريم من الأستاذ عبد المقصود خوجة، وكيف لا يكرّم هذا الشاعر العبقري حسين عرب هذا التكريم النادر في محافل الأدباء والشعراء وقد قدم للشعر والشعراء ديواناً ضخماً أربت أبياته على أربعة آلاف، في بيان شعري رائع وفكر أصيل وأدب جم، وقد أفنى شبابه في التغني بقيمنا وأصالتنا وثوابتنا ووطننا ومقدساتنا، وسطـر في هـذا الديوان العبقرية الشعرية التي رسم بها معالم هذا البلد وآثاره ورسالته ومثله وحضارته وريادته. |
ولئن شغل المحتفى به الباحثين والنقاد بشعره خاصة وبأدبه عامة فقد شغلت به قبل ثلاثين حولاً وبأقرانه من شعراء هذا البلد الكريم محاولاً تقديم أطروحة للدكتوراه في بريطانيا حاولت في خطتها أن أؤرخ وأقدم دراسة نقدية أعرف بها عن شعر وإبداعات أدبائنا في هذا البلد الكريم في فترة معينة محددة بيد أنه حيل بيني وبين ما تمنيت، وربما كانت العقبة الكبرى التي واجهتني آنذاك أن المادة لم تكن متيسرة وحتى من شاعرنا الذي لم يخرج ديوانه الكامل وأعماله الشعرية إلا قبل ثلاثة عشر عاماً، ولئن لم يتيسر لي في رسالتي للدكتوراه فإن أدب هذا العالم مع معاصريه له بريق خاص أستمر في جذب اهتمامات النقاد ومؤرخي الأدب، فشغلوا أنفسهم به، وعنيت به في ما ناقشت قبل سنتين أو تزيد رسالة علمية في جامعة أم القرى بكلية اللغة العربية عن الاتجاه الإبتداعي في الشعر السعودي المعاصر للباحث محمد حبيبي، وكان المحتفى به العرب قد شغل حيزاً كبيراً في تلك الرسالة في الأدب والنقد من جامعة أم القرى، وعني به عدد غير قليل من الباحثين في رسائل علمية. ولا تستطيع هذه الدقائق أن تبلغ الغاية في هذه الأمسية لترسم صورة كاملة عن شاعرية الأديب والفيلسوف الفقيه والمفكر حسين عرب، فجوانب إبداعاته متعددة مضيئة في شاعريته وأدبه وإن لم أدرك هذه الغاية فيكفي أن أبين أنه حلَّق في عالم الشعر وأجاد، فيما درست على عجل ديوانه الذي يحتاج إلى دراسات متعمقة متأنية، ووقفت عند جانب أدركت من خلال قراءاتي لشعره أنه صبغ شِعره ولوّنه به وحلاّه ووشّاه وجعله رمز الدائرة الذي تشع منه إبداعاته في جميع المجالات والاتجاهات حتى ليخيل لمن يقرأ شعره أنه ذو اتجاهات متعددة وليس ذلك كذلك، ولكنه اختار مذهباً واحداً واتجاهاً لا ثاني له، أبدع فيه شعره والتزم به وهو الاتجاه الإسلامي، ولست مع من ذهب في جعل شعر الأستاذ حسين عرب يدور حول القومية، فمفهوم القومية لدى شاعرنا إنما هو ينطلق من إحساسه الوجداني وإيمانه العميق بالاتجاه الإسلامي، انظروا إلى قوله: |
|
فـإذا شـعوب الضـاد تـرمق |
وحدة قدسية النفحات والأوضاح |
نبراسـها التـقوى وديدنها الحِجا |
وبيـانها مجـلى هدىً وصـلاح |
|
|
فليس هو الشعر القومي بالمفهوم الذي كانت توحيه القومية آنذاك في وقتها فيقول مدافعاً عن سوريا: |
شبانها ضرموا الجهاد وشِيبها |
مجلى السداد وبأسها متجرف |
في ميسلون من الفداء صحيفة |
غراء سجلها المجاهد يوسـف |
|
وكذلك شعره عن العدوان الثلاثي على مصر يتضح فيه الاتجاه الإسلامي، ولا وجود للقومية فيه: |
غصَّت الأرض من دماء الأعادي |
وتهـادى العديد بعد العــديد |
خـرج الشِيب والشباب جموعاً |
يـتنادون للــجهاد الــعتيد |
|
|
فالعروبة عنده ليست قومية. وإنما هي أُخوّة إسلامية محضة. |
شعب العروبة يوم جلجل خطبها |
نفس مـروعة وقـلب مدنف |
وطـن توحـده المنازع والمنى |
ويقوده الحـق الصـريح النيف |
يأبى المذلة فيـه كـل محسـب |
يسمو بمحتده نـزار وخنـدف |
يختال بالتقوى ويصدع بالنـهـى |
ويسـود بالإيمان لا يتـخوف |
|
|
ويظهر القاموس الإسلامي في شعره أينما اتجهت في هذا الديوان، يتحدث عن أصحاب الثورات السابقة يقول: |
أيهـا الساعون للمـجد بنـا |
لن يكون المجد إفـكا يُـفترى |
حـرروا أنفسكم مـن إثمـها |
واتركوا البغي وجافوا المنكرا |
قد رجونا النصر من ثـوراتكم |
فإذا نحـن رجـعنا الـقهقرى |
قسـمتنا قسـمة ضيزى بهـا |
بـلغ الأعـداء مـنا الوطـرا |
|
|
ويمتلئ ديوانه حباً بفلسطين، بالمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين: |
يا فلسطين سـلاماً وأسىً |
من فؤادكم بكى حتى انبرى |
مـن عيون أصبحت دامعة |
حجب الدمع عليها النـظرا |
من قلوب لم تزل خفاقة بك، |
حتى لـو يـواريها الثـرى |
يا ربيـع القدس حياك الحيا |
ينبت الزرع ويـرعى الثمرا |
|
|
ويقول عن باكيات القدس: |
تبكـي المنـارات بـآفاقه |
ضـارعة للخـالق الأوحد |
أليس كالفاروق مـن منقد |
أو كصلاح الدين من منجد |
تـعبث إسرائيل في أرضـه |
كالهر فـي نفخـة مستأسد |
|
وينظر الشاعر نظرة تستوحي فكرها من أدب القرآن الكريم ونظرته لليهود والصهاينة: |
ما كـان صهيون إلا فاتكاً شرساً |
مجرد النفس من فضل ومن أدب . |
أبوه فـي شيعة الشيطان نسـبته |
وأُمـه أَمَـة مهتوكة الحـجب |
وديّـنه كـل دينار قد اجتمعت |
عليه كفاه من نَصْب ومن نَصَب |
يـظل يـلثمه آنـاً ويـرمقـه |
خوفا عليه من الإفلات والهـرب |
وهـؤلاء بنـوه شــر طائفة |
في العالمـين قد اختصت بشر أب |
|
|
ويبكي بمرارة المسلم على إخوانه الفلسطينيين الذين تآمر عليهم اليهود فطردوهم من طرابلس لبنان وشردوهم يقول: |
كم تخرجون وما بكت لخروجكم |
عـين ولا عـزى بمـأتمكم فـم |
كم تصمدون وليس يصمد غيركم |
وتحـاربون وغــيركم يتـكلم |
كم تصرخون ولا يجاب صراخكم |
وكـأن مـن يدعى أصم وأبكم |
كـم تُقتلون وكم تُراق دماؤكم |
وبـنو أبيـكم لا يـراق لهم دم |
|
|
وناحية أخرى أحب أن أنبه إليها بأن هذا الشاعر الكريم لم يكن شاعراً رومانسياً، بل كان ذا اتجاه وجداني خالص مرتبط باتجاه إسلامي، فليس صحيحاً ما ذهب إليه كثير من الباحثين من أن طبيعة العصر نفسه وما اتسم به من قلق واضطراب نظراً لتحكم المادة في سلوك الناس وتصرفاتهم الأمر الذي أدى إلى تزعزع الكثير من القيم والمثل العليا، فإن القيم والمثل عند شاعرنا "العرب" خاصة ثابتة ثبوت الجبال الرواسي بمشيئة الله، فلم يفقد الاتصال الاجتماعي بين أبناء المجتمع الواحد كما يزعم هؤلاء الباحثون، ولا نستطيع أن نفهم هذه التناقضات في الأحكام عند بعض الباحثين من تزعزع الكثير من القيم والمثل عند شاعرنا، وإنهم يسعون إلى تحقيق المثل العليا والقيم السامية بالتعمق في هذا الاتجاه الرومانسي، فهذا تناقض واضح في الأحكام، وليس صحيحاً كذلك ما يقال عن شاعرنا من أنه أخذ يعالج مشاكل هكذا، وبهذا أكتفي عن الجانب الرومانسي... وأؤكد بأن شاعرنا ذو اتجاه إسلامي وذو اتجاه وجداني إنساني محض لا علاقة له بالرومانسية وبالتمرد على القيم كما يزعم غير قليل من الباحثين، والله أسأل له مزيداً من العطاء ومزيداً من الصحة وأن يُكرَّمَ دائماً وأبداً. |
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
- نحن في انتظار الأسئلة التي تصلنا لمعالي ضيفنا... يا معالي الأستاذ الكل الآن يتوق إلى الاستماع إلى معاليكم: |
|