شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بريطانيا والمسلمون ومعادلة للتعايش والتسامح
استطلاع الرأي الذي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) والذي أظهر أن 62% من البريطانيين و87% من المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانيهم، يرون أنّ التعدّدية الثقافيّة والدّينية لم تفقد جدواها كوسيلة مناسبة توفّر للجميع حياة كريمة مع بعضهم البعض (الشرق الأوسط، 7 رجب 1426هـ)؛ هذا الاستطلاع ونتائجه تؤكّد عدم تأثر غالبية البريطانيين بالتفجيرات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في شبكة النّقل العام في لندن لجهة رؤيتهم للجالية المسلمة من منظور ديني وفكري وثقافي، كما تؤكّد على أنّ غالبية الجالية المسلمة تمارس حياة كريمة وهادئة، وأنّها ترفض ما تقوم به قلّة من المتشدّدين سواء كانت هذه القلّة من القيادات الدينية التي نقلت أيدلوجيتها السياسية أو أحادية التفكير وتهميش الآخر إلى البلاد الغربية، أو من أتباع هذه القيادات التي يغرّر بها، وشُحنت بأفكار موغلة في الحقد والكراهية، وهي أفكار أبعد ما تكون عن وسطية الإسلام وعدالته وسماحته. ولربّما تعود دلالات استطلاع الرأي هذا إلى عوامل عدة من بينها: أن المؤسّسة السياسيّة اتبعت خطابًا متّزنًا منذ حدوث التفجيرات، وكان توني بلير ورغم أخطائه المعروفة في السّير على خطى المحافظين الجدد في أمريكا، كان بلير ووزراؤه متفهّمين لوضع الجالية المسلمة ولهذا فصلوا بين سلوك هذه الفئة الشّاذة وبين سلوك عامة المسلمين، ولا ننسى أنّ هناك مراكز متخصّصة في بريطانيا لدراسة الإسلام، وهذه ساهمت منذ أمد في الانفتاح على الإسلام وتراثه. ولا ننسى أنّ كتاب (تراث الإسلام) الذي أبرز الجوانب المضيئة في تاريخ الحضارة العربية والإسلامية كان بالاشتراك من تأليف المستشرق البريطاني والمعروف باعتداله (أدموند بوزورث)، بل إن سياسيين بريطانيين دافعوا عن القضايا العربية وبذل بعضهم حياته السياسيّة في سبيل الدّفاع عنها داخل بريطانيا وخارجها، وكان من أشهرهم المحافظ كريستوفر مايهو Christopher Mayhew والعمالي مايكل أدمز Michael Adams، ويمكن لأي صاحب رأي منصف أن يعود إلى الكتاب الذي ألّفاه ويعدّ مرجعًا في القضية الفلسطينية والموسوم حجب حقائق قضية الشرق الأوسط (The Middle East Cover Up) فينصف رجلين كرّسا حياتهما لخدمة القضية الفلسطينية لمدة طويلة من الزمن، بل منهم من يعود لجذور يهودية مثل وزير خارجية الظل السابق، جيرالد كوفمان Kaufman، وهو نائب عن دائرة انتخابية ذات أغلبية مسلمة في مدينة مانشيستر المعروفة، ولابد من تذكّر وزير الخارجية الراحل روبن كوك الذي ضحى بمستقبله السياسي لمعارضته الحرب على العراق واستقال بسبب ذلك ورئيس الوزراء المحافظ الذي رحل أخيرًا إدوارد هييث والذي كان موقفه مشرّفًا وحازمًا في حرب أكتوبر 1973م.
على رغم ما يقال عن الطّبيعة الباردة للشخصيّة الإنجليزيّة، إلا أنّه في حالة اقترابك منها وتعرّفك عليها تجدها متفهّمة لقناعاتك ومشاركة لآلامك. وإذا أردنا أن ننصف الآخرين فلنذكر موقف الأمير (تشارلز) والذي كانت تربطه علاقة روحية بالمتحدّث السابق لمجلس العموم جورج توماس George Thomas، وهذا الأخير كان معجبًا بالنّواحي الاجتماعيّة في الإسلام، وتأثّر تشارلز بهذه المعرفة العميقة لـ(توماس) بالإسلام، ودعا ولّي العهد البريطاني للتعمّق في معرفة الإسلام، وأثنى على حضارته في كثير من المحاضرات التي ألقاها في مراكز متخصّصة داخل بريطانيا، كما أنّ زوجة رئيس الوزراء –بلير- ؛ وهي كاثوليكية الديانة، تعاطفت مع الشّباب الفلسطيني، ولم تسلم هي وسواها من حملة صهيونية لتصريحاتها المتعاطفة، ويجب علينا نحن العرب والمسلمين أن نسدّ المنافذ أمام هذه الحملات الصهيونية المنظمة، وذلك باحترام قناعات الإنجليز إذا أردنا منهم احترامًا مماثلاً، ولا يمكن أن يصدّق عاقل بأنّ أناسًا يعيشون في تلك المجتمعات ويستفيدون من نظامها الديمقراطي، وعوائد مؤسّسة الضّمان الاجتماعي فيها، ثم يرمونها بأقذع الألفاظ وأكثرها سوءًا وتعبيرًا عن الحقد والكراهية، وإذا كان هؤلاء لا يعترفون بالآخر في مجتمعاتهم، وهاجروا أو نزحوا إلى ديار الغرب لأسباب متعدّدة؛ فليس من مسوّغ شرعي أو قانوني لهم في فرض تشدّدهم وأحاديثهم وغلّوهم على الآخر المختلف عنهم أو المغاير لهم في كلّ شيء.
كنت أردت التوسّع في الحديث عن (كوك) وهو الذي تأثر بالزعيم العمالي المعروف مايكل فووت Foot، ولكن يكفي الإشارة إلى أنه في خطاب استقالته -أثناء الحرب على العراق- أعلن في مجلس العموم أن إسرائيل تماطل في تنفيذ القرار (242) لمدّة تزيد عن الثلاثين عامًا ولم يتحرّك أحد ضدّها، وقليل من العرب يعلمون أنّ هذا القرار قد صاغه السّياسي البريطاني والعمالي (هيوفووت) عندما كان مندوب بريطانيا في الأمم المتحدة في حقبة ويلسون العمالية.
 
طباعة
 القراءات :207  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.