شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمات رثاء عن عالم الأدب ومحقق التراث وليد عرفات
كان الابن الأستاذ عادل خميس يجلس بجانبي عندما أمسكت بالهاتف المحمول لأحدث صديقي ديفيد ونيز David Wains أحد المتخصصين في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة لانكستر البريطانية وجامعة (لايدن) بهولندا، وكالعادة أسأله عن أستاذي البروفيسور وليد عرفات أحد أشهر الأساتذة العرب في الجامعات البريطانية، على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن، ويلوذ ديفيد بالصمت ثم يأتيني صوته حزينًا.. لقد قضى قبل حوالي عامين، وكانت الكلمات تتلعثم والحروف تبحث عن مخرج في فضاء متسع وسحيق تبحث فيه الروح عن ملاذها الآمن في رحابه، وختمت مكالمتي مع ديفيد بقولي: آمل أن ألتقي بك يومًا في رحاب (لانكستر) ومتسائلاً هل تتسع مساحة الزمن ومسافة العمر ونكون قادرين على رؤية من نُحب؟ فقطار الحياة يمر سريعًا بأكثر مما نتصور، ويصعد فيه البعض بينما يترجل البعض الآخر ويترك المترجلون أمكنتهم خالية فيتسابق على الاستحواذ عليها من واتتهم فرصة الصعود. ربع قرن من الزمن أو أكثر مضى على أول لقاء جمعني بالعالم والمحقق عرفات عام 1980م، فلقد كنت أحد الطلبة القلائل الذين حصلوا على قبول كدارسين للأدب العربي في القسم الذي كان يرأسه بجامعة لانكستر بعد أن ترك جامعة لندن والتي تخرج منها عن دراسته القيمة عن صحة أشعار حسان بن ثابت رضي الله عنه وعندما أراد أستاذه المستشرق المعروف الفردجيوم Gillaume 1881-1962 تقديم دراسته عن سيرة ابن إسحاق، عهد إلى طالبه عرفات بمراجعتها حيث لفت عرفات نظر أساتذته الذين زكوه فيما بعد ليصبح أستاذًا في معهد الدراسات العربية والأفريقية التابع لجامعة لندن.
ولقد تخرج عليه في ذلك القسم عدد من الدارسين المرموقين في الجامعات العربية والغربية؛ فلقد اقترنت الدراستان الشهيرتان عن الأدب العربي الحديث ولقد حملت إحداهما اسم: الشعر العربي الحديث 1800-1970م Modern Arabic Poetry، للباحث س. موريه S.Moreh، والثانية قامت بها الباحثة العربية سلمى خضراء الجيوسي وحملت اسم (الاتجاهات والحركات في الأدب العربي الحديث-Trends, and Movements, in Modern Arabic Poetry) وكلتا الدراستين صدرتا عن مؤسسة بريل بهولندا E.J.Brill نعم لقد اقترنت باسم عرفات لإشرافه عليها ولقد سألت الناقدة الجيوسي عند زيارتها للسعودية في حفل أقامه لها الشيخ عبد المقصود خوجه عن الفرق بين دراستها ودراسة (مورية)، فأجابت أن دراستها أكثر شمولية للقصيدة العربية الحديثة من حيث المضمون والشكل، إضافة إلى موقف الشاعر العربي من قضايا العصر وصياغتها في قالب تعبيري مناسب.
كما اقترن اسم العالم وليد عرفات بالدراسات المتخصصة عن الأدب الجاهلي، وكان المنهج الذي اتبعه في تحقيق ديوان حسان بن ثابت والذي صدر ضمن مطبوعات سلسلة حب التذكارية في جزأين مثار إعجاب الباحثين من عرب ومستشرقين، ولقد تضمن الجزء الأول من هذه الطبعة المتميزة النص والروايات والتخريج، أما الجزء الثاني فقد خصصه المحقق للشروح والتعليقات، ويشير عرفات في تمهيده لهذا العمل بأن هذا الترتيب أوحت به التجربة أثناء إعداد الكتاب فتبين أنه خير طريقة لعرض ما تراكم من شروح على شروح عرضًا واضحًا، وإظهار نصيب كل محقق أو معلق من أهل القرون الماضية وتحديد مصدر كل جزء مما ورد في هذه الطبعة، سواء كان المصدر صفحة من كتاب أو عالمًا من أهل العلم، وبهذا يكون المحقق قد نأى بنفسه عن بخس الأقدمين واللاحقين ما قدموه من جهود علمية تتصل بهذا الشاعر الذي أدرك العصرين الجاهلي والإسلامي وتميز بدفاعه عن مبادئ الإسلام وشخصية الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولقد أخبرني المحقق المرحوم الدكتور محمود الطناحي أن عرفات كان في الستينيات الميلادية يقضي أوقاتًا طويلة في مصر للبحث عن مخطوطات الديوان المتفرقة بين عدد من المكتبات، وكذلك عن الطبعات القديمة للديوان ولقد شاهدت أثناء دراستي بجامعة لانكستر رسالة من عالم التراث العربي الكبير الشيخ محمود شاكر يثني فيها على دقة العمل الذي قام به عرفات والمتمثل فيما ذكرناه من الخطوات التي اتبعها عند تحقيق الديوان.
ويذكر أستاذنا عرفات في رسالة غير مؤرخة وجهها إلى صاحب هذه السطور أنه ألقى محاضرة في جامعة آل البيت بالأردن كان محورها الدراسات العربية والإسلامية في إنجلترا وتطورها وأنها تغيرت حسب رؤيته باتجاه سيرنا كعرب ومسلمين، كما تحدث في المحاضرة عن بعض أبحاثه التي خصصها عن صحة أشعار حسان بن ثابت وغيره من الشعراء عن طريق النقد الداخلي، ويستشهد برأي للباحث في الأدب الجاهلي الدكتور يحيى الجبوري بأنه قرأ الأبحاث عندما كان في زيارة علمية لجامعة كيمبردج وأنه ينوي ترجمتها، ولا أعلم إذا ما كان الدكتور الجبوري مثل أساتذتنا الدكاترة منصور الحازمي وحسن باجودة وحسن شاذلي فرهود قد درس في معهد الدراسات الشرقية التابع لجامعة لندن على يد الدكتور وليد عرفات حيث قضى وقتًا طويلاً هناك قبل أن ينتقل إلى جامعة لانكستر.
ويشير الدكتور عرفات في رسالة أخرى لكاتب هذه اللمحة السريعة عن حياة هذا العالم الفذ وهي مؤرخة في 26/1/1990م، بأنه قام بكتابة سلسلة من المقالات عن الشعر الغنائي انطلاقًا من تخصصه في الأدب الإنجليزي إضافة إلى الأدب العربي حيث حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة (اكستر) وشهادة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة لندن، وانه قام في عام 1948م بإلقاء هذه السلسلة من إذاعة لندن، ولعل القدر لم يمهله ليحقق أمنيته في نشر هذه السلسلة والتي تعرف بالأدب الإنجليزي وخصوصًا أن عرفات كان قادرًا لتمكنه من اللغتين العربية والإنجليزية على ترجمة هذا الشعر في ثوب عربي رائع وأخاذ دون إخلال بالأصل الذي نقلت عنه، ولعلي أشير في هذه العجالة إلى الترجمة الرائعة لقصيدة الشاعر الإنجليزي ويليام شكسبير 1564- 1616م) والتي يقول مطلعها بالإنجليزية:
Shall I Compare thee to a summer's day
وهي ضرب من الشعر يدعى "السونتات" Sonnets، وأترك القارئ ليتفاعل مع هذا النص الذي يثبت قدرة الشاعر والأديب المتمكن من الترجمة الشعرية في الوقت الذي يصعب على الكثير إجادة مثل هذا الفن الذي يمكن إدراجه في الأدب المقارن:
أو ترضين يوم صيف شبيها
أنت أبهى من يوم صيف واعدل
كم يقاسي غض البراعم في الصيف
إذا الريح نكلت ما تنكل
وزهيد في طوله أمد الصيف
قصير عن أمنيات المؤمل
قد تلظى عين السماء سعيرا
يجعل الصيف فوق ما تتحمل
وكثيراً ما يُظلم الذهب اللامع
في نور وجهها المتهلل
أو يُولِّي عن كل ربة حُسن
كل حُسن كانت به تتجمل
يسلب الحظ سحره أو عوادي
الدهر والدهر قلب يتحول
إنما أنت صيف حسنك باق
خالد سحره فلا يتبدل
لا ولن تفقدي جمالك يوماً
أو تعيث الأيام فيه فيذبل
كذب الموت أن تشدق فخرًا
لن تكوني في من أظل وذلل
بل سينمو في خالدات القوافي
لك مجد على الزمان مؤثل
طالما أستنشق الهواء وظلت
تبصر العين ما يدور ويجري
سوف يحيا في الناس شعري هذا
وستحيين في الخلود بشعري
 
 
طباعة
 القراءات :367  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج