شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المحاولات الأولى في ترجمة الأدب العربي الحديث إلى اللغة الإنجليزية
يُعتبر الاستشراق البريطاني من أوّل التوجّهات الاستشراقية التي توجّهت لدراسة الشرق الأوسط، ويعود ذلك لاتصال بريطانيا بهذه المنطقة عسكريًّا واستعماريًّا واقتصاديًّا، وقد أنشأت الجامعات البريطانية العريقة كراسي علمية لتدريس اللغات الشرقية وآدابها، ومن أقدم هذه الكراسي ما أقيم في جامعة أكسفورد سنة م 1167 وسمّي المستشرق إدوارد بوكوك Edward Pocokke (1604- 1691) أوّل أستاذ لهذا الكرسي العلمي العريق. [انظر: د. عبدالرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، دار العلم للملايين، ط1، 1984م، ص90-93].
ومن أشهر المستشرقين الذين عملوا في الجامعات البريطانية المتخصصة في الدراسات الشرقية الرحالة بوركهارت Burckhardt (1784-1817م)، وهو سويسري الأصل؛ ولكنه تجنّس بالجنسية البريطانية، وحمل رحلاته اسم إبراهيم بن عبدالله، وأدى مناسك الحج، وقضى بمكة ثلاثة أشهر "1814م"، وكذلك المستشرق إدوارد لين (1801 ـ 1867م)، ومن أشهر آثاره "أخلاق وعادات المصريين" في مجلدين من 552 صفحة، ويعتبر المستشرق السير ريتشارد بيرتون (1801-1867م) من أكثر المستشرقين الإنجليز اهتمامًا بالعالم العربي، وتعتبر ترجمته لقصص ألف ليلة وليلة من أكثر أعماله الأدبية شهرة، فلقد ترجمها شعرًا إلى اللغة الإنجليزية 16 مجلّدًا، ويذكر الباحث Georgiana M Stisted في كتابه العلمي عن حياة بيرتون أن الدكتور ستين هوس Stein Hauser قام بمساعدة بيرتون في عمله الإبداعي المتمثّل في ترجمة قصص ألف ليلة وليلة. [انظر: The True Life Of Captain Sir Richard F Burton، لندن 1985 ص: 399].
 
ويعتبر المستشرق آرثر جون آربري Arberry (1905- 1969م)، الذي تخصّص في الأدب الفارسي، من أوائل المستشرقين الذين عنوا بترجمة نصوص من الأدب العربي الحديث إلى اللغة الإنجليزية، في كتابه الموسوم "الشعر العربي الحديث" (Modern Arabic Poetry)، والصادر عن مطابع جامعة كيمبردج سنة 1950م، وأطلق عليه في جزئه العربي اسم "أزهار الأشعار"، وإن الهدف من وراء الإشارة إلى هذا الكتاب هو تتبّع المصادر العلمية التي عنيت بترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى، ومقدمتها اللغة الإنجليزية، وبالرجوع إلى المقدمة التي كتبها الباحث آربري. [انظر ترجمته في كتاب: نجيب العقيقي، المستشرقون، ج2، ص: 136 ـ 138]، يذكر آربري "أن هذه المقتطفات الأدبية المختارة من الشعر العربي المعاصر هي عبارة عن مدوّنات من سلسلة مناقشات أسبوعية عقدت في رحاب مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابع لجامعة لندن خلال العام الأكاديمي 1946/1947م، عندما كان يشرف آربري على دراسات متقدمة لمجموعة من الطلاب العرب القادمين من دول عربية مختلفة، وكانت مهمته مع أولئك الطلاب العرب هي الحصول على مجموعة من الأشعار المؤلفة من الشعراء العرب في الفترة من1920م وما بعدها، وهذا التاريخ الذي ذكره "آربري" يرتبط في ذهن أي دارس للأدب العربي بظهور مدرسة الديوان التي كان ثالوثها هم : العقاد، والمازني، وعبدالرحمن شكري، حيث صدرت الطبعة الأولى من كتاب الديوان الذي يعتبر أول بيان أدبي لحركة التجديد في الشعر العربي المعاصر، وذلك في شهر فبراير سنة 1921م. [انظر: الديوان، لمؤلفيه عباس محمود العقاد، إبراهيم عبدالقادر المازني، ط3، مطبعة الشعب]، ويرى "آربري" في المقدمة نفسها أن الاتجاهات الثقافية والأدبية والتيارات السياسية السائدة آنذاك تؤثر في إبداعات شعراء تلك الحقبة الهامة من تاريخ الأدب العربي.
يتطرق "آربري" في المقدمة أيضًا إلى أنه كان يناقش -حسب قوله- مع الطلاب المشاركين، الدراسة باعتبارها عملية اختيار الإبداعات الشعرية التي تضمنها هذا الكتاب، الذي يبدو أن الهدف من ورائه كان التعريف بالتوجهات الأدبية الحديثة في العالم العربي عند القارئ الآخر باللغة الإنجليزية، ويضيف أن ذلك الاختيار كان يتم بناء على قيمة النص الشعري وبعيدًا عن معايير الرؤية الضيقة والمرتبطة بإقليم محدد، ويعترف "آربري" كذلك بدور الطلاب العرب المشاركين في تلك الحلقات الدراسية المخصصة لدراسة الأدب العربي الحديث، أي أنهم ساهموا في ترجمة القصائد التي تضمنها هذا الكتاب، ويظهر قلقه حول فقدان القصائد المترجمة لبعض معانيها الأصلية، وكأنه في هذا المنحى يتفق مع مقولة أديب العربية الكبير"الجاحظ " في كتابه "الحيوان" حول استحالة ترجمة الشعر إلى غير لغته، ويشير "آربري" إلى استبعاده لإبداعات شعراء كبار مثل شوقي وحافظ، ويبدو أن السبب وراء ذلك هو الاعتناء بالشعر العربي الذي تأثّر بالشعر الغربي، والذي مثّله شعراء انتموا لمدار الشعر التجديدي مثل "الديوان" و"المهجر" و"أبوللو" .
وهو يرى أن هذه الأشعار المتضمنة لهذا الكتاب يجد فيها القارئ العربي الذي تعوّد على نمط القصيدة الكلاسيكي، يجد فيها شيئًا من الغرابة؛ ولكن هذه الغرابة سوف تتلاشى مع مرور الزمن وهذا ما حدث فعلاً في مراحل لاحقة؛ حيث أضحت إبداعات شعراء ضم إنتاجهم هذا المؤلف الهام من أمثال إبراهيم العريض، ومحمّد عبده غانم، ومعروف الرصافي، وأحمد الصافي النجفي، وأحمد سليمان الأحمد، وعمر أبوريشة، وعمر الأميري، وبشارة الخوري، وفدوى طوقان، وأحمد زكي أبوشادي، ومحمود أبوالوفا، ومحمود حسن إسماعيل، ومحمّد الأسمر، وعبدالرحمن بدوي، وصالح جودة، وأحمد رامي، وإدوارد حنا سعد، وعلي محمود طه، وعباس العقاد، وعبدالقادر القط، وإبراهيم ناجي، والعوضي الوكيل، وأبوالقاسم الشابي، وإيليا أبوماضي، وميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ونسيب عريضة، وعبدالمسيح حداد، ورشيد سليم الخوري، وفوزي المعلوف. نعم، لقد أضحت إبداعات هذه النخبة التي مثّلت التوجّهات النقدية والأدبية الحديثة؛ والتي راهنت على عامل الذاتية في القصيدة العربية، أضحت مألوفة عند القارئ العربي، وأن هذا الضرب من التجديد الشعري هو الذي فتح الباب أمام التوجهات الأدبية اللاحقة مثل شعر التفعيلة وسواه. ويمكن القول إن كتاب "آربري" هذا يمثّل خطوة هامة في تاريخ العلاقة بين الأدبين العربي والغربي وخصوصًا أنه حاول أن يستخدم تقنيات الشعر الإنجليزي عند عملية الترجمة، وهو أمر جدير بالدراسة النقدية الجادة من قبل الدارسين والباحثين في جامعاتنا العربية وأقسامها التي تبحث عن نقاط الالتقاء بين الثقافتين العربية والأوروبية في مجالات شتى ومنها الشعر والأدب.
 
طباعة
 القراءات :398  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 5 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج