شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لماذا ينجذب مبدعو أمريكا لنهر التايمز
البريطاني الشاعر توماس دتش 1940 - 2008م أنموذجًا
 
تركت وفاة الشاعر والروائي والقصصي الأمريكي (توماس دتش) Disch Thomas M، أثرًا واضحًا في الصحافة الأدبية البريطانية أكثر من ذلك الأثر الذي بدا ضئيلاً في نظيرتها الأمريكية، وربما يعود ذلك إلى أن المبدع والناقد توماس دتش ارتبط بالحركة الأدبية التي تشكّلت في بريطانيا خلال حقبة السبعينيات الميلادية، والتي شملت كُتّابًا مشهورين من أمثال مايكل مووركوك Moor Cock Michael، وجون هاريسون، ونائيًا ـ أي توماس ـ عن رموز أدبية أمريكية معاصرة له مثل فيليب ديك Philip K Dick، وآخرين من أدباء المرحلة نفسها.
الحركة الإبداعية التي تشكّلت في الجزيرة البريطانية، واستهوت مبدعين آخرين من الخارج كان مجال إبداعها هو القصص الخيالي العلمي، ويرى المحرر الأدبي لنشرة (الويكلي تلغراف) أن (توماس) عمل على زيادة رصيده الإبداعي لهذا الفن من أصوله البريطانية، والتي تعتبر مرجعًا لعدد من الشعراء الأمريكيين في مختلف العصور الأدبية. [ The weekly telegraph عدد يوم 16 يوليو 2008، ص: 25].
حسب مقالات النعي Obituaries المكتوبة بطريقة علمية وموضوعية عن حياة هذا المبدع، فإنها تصف كتاباته في بدايتها بأنها تعكس طموحًا واستشرافًا لآفاق الحياة، ولكن مع مرور الأيام أضحى المبدع (توماس) الذي كتب قصص الخيال العلمي، والروايات ذات الملامح المرعبة، إضافة إلى الكتب الموجهة للأطفال وصغار السن، أضحى يميل إلى الأسلوب الساخر والتهكمي، وفي مرحلة لاحقة اتسمت قصائده الشعرية وكتاباته الروائية بكثير من الهجائية المعبّرة عن مرارة الحياة وقسوتها.
الناقد الأدبي (Johh Clute) حسب الويكلي تلغراف weekly telegraph وصف الراحل (توماس) بأنه شخصية اكتسبت احترام الآخرين وثقتهم، وربما يمثّل المقطع الأخير من جيل كتّاب الأدب الحديث الذين يقفون على مشارف هذا القرن، متميّزين عن سواهم لعطاءاتهم ومواهبهم الأدبية المتعددة والمتقنة في الوقت نفسه؛ حيث استطاع أن يوجّه كتاباته الإبداعية للقرّاء الذين يستهويهم الشعر المتقن في صناعته، وإلى أولئك الذين تجذبهم الرواية ذات الطابع الخيالي والاستشرافي العلمي، وهذا يعني أن (الحركة) الأدبية في الغرب المعاصر لم تستثنِ الشعر من اهتماماتها وتطلعاتها رغم ما يحوط بها من مظاهر مادية وواقع اجتماعي مرير، لا يمكن أن يستوعب أحداثه إلاَّ فن الرواية بأشكاله المختلفة، ومن ثم معالجتها فنّيًا في هذا الجنس الأدبي المثير.
وربما تثير قضية توجّه المبدع الأمريكي للجزيرة البريطانية العديد من الأسئلة، كما هو الشأن في حياة توماس دتش التي تأثرت بالتيارات الحديثة في الرواية الإنجليزية، وخصوصًا بعد مرحلة الستينيات الميلادية التي شهدت ثورة في كثير من أوجه الحياة الاجتماعية والفكرية والثقافية، وانعكس في الكثير من ملامح تلك المرحلة في كتابات طارق علي، ذي الجذور الهندية، وربما بصورة أكثر وضوحًا عند الكاتب المسرحي جيم مورتمير Jim Mortimer ، ولعل هذا التوجه تعود جذوره إلى حياة المبدع الأكثر ذيوعًا في الأدب الغربي الحديث: توماس ستيرنز إليوت Eliot، والذي ولد في St Louis Missouri بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1888م، والذي ورث الإبداع الشعري من والدته ذات الاهتمام الدرامي كما يذكر الباحث نورثروب فراي Northorop Frye، وكتب الشعر أثناء دراسته في جامعة "هارفارد" ذات الشهرة العالمية الواسعة، ثم درس الفلسفة في جامعة أكسفورد البريطانية، كما تأثر بشعراء الرمزية الفرنسية، ولكنه في مرحلة لاحقة "ثار على الرومانسية بشكلها الأخير في القرن العشرين، وقدم بديله الكلاسيكي الإتّباعي، وقد وجد أنه لأجل ذلك لا بد أن يرفض البروتستانتية ويعود إلى الكاثوليكية. [انظر: د.جليل كمال الدين، دراسات أدبية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1985، ص:225 ].
ولقد اعتنق "إليوت" الكاثوليكية على طريقة الإنجليز لا على طريقة "روما"، وتخلّى عن جنسيته الأمريكية، وتجنّس بالجنسية الإنجليزية، وجهر كما يذكر الباحث في الأدب الإنجليزي د. لويس عوض "بأنه محافظ يحافظ على التراث الإنساني من التجارب الخطيرة الجديدة، ويرى "لويس" كذلك أن قصائده التي تحمل اسم "أربعاء أيوب" هي مستمدة من الروح الكاثوليكية الإنجليزية". [انظر: د.لويس عوض، الأدب الإنجليزي الحديث، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987م، ص300 ] .
لقد رحل الشاعر توماس إليوت الأمريكي الأصل عام1965م، ولكن عن عمر بلغ 77 عامًا، حيث وُلد عام 1888م، بينما رحل الشاعر والروائي توماس. م. دتش عن 68 عامًا، وإذا كان الأول -أي إليوت- قد نال حظه من الشهرة والذيوع والتقدير، فإن الأخير شعر بكثير من الإحباط لعدم تقدير المؤسسات المعنية بلده (أمريكا)، لإبداعاته المتعددة في الشعر والرواية وأدب الأطفال، ولهذا انتهت حياته بصورة درامية تذكّر بنهاية الكثير من مبدعي الشرق والغرب، إلاَّ أن ما يجمع بين توماس إليوت، وتوماس دتش هو الوَلَهُ والهيام بأجواء الحياة البريطانية، والتي يمثّل فيها الريف بخضرته الدائمة، والسماء بغيومها الممطرة، والحياة البرلمانية بنقاشاتها التي يتداخل فيها السياسي بالفكري والثقافي والأدبي، كل ذلك وسواه ربما كان باعثًا لدى المحافظين والمنفتحين من ذوي الميول الأدبية والفكرية على حد سواء لاستيحاء هذه الآفاق مجتمعة، والإبداع من خلالها غناءً شعريًّا، أو ملحمة درامية ورومانسية تضن بالدمع، ولكنها قادرة على استجلابه أو استمطاره، فكثيرًا ما كتب وليم بليك 1757- 1827م، ووليم وردز ورث 1770-1850م، وتوماس جراي 1716-1771م، وجون كيتس 1795-1821م، وب سي بيش شللي 1892-1922م ما يمكن أن يطلق عليه أدب العودة إلى الطبيعة والطفولة والبراءة.
ويرى الناقد د. و. هاردنج: أنه (وحتى إذا كانت حياة القروي والمزارع كما عرضها "وردزورث"، لا تزيد عن صورة خيالية في معظمها، فإن هذه الصورة ساعدت على استكشاف الإمكانيات الحقيقية للخبرات الإنسانية، وقدمت وسيلة فعّالة لتحديد القيم الإنسانية..) [انظر: مختارات من الشعر الرومانتيكي الإنجليزي، اختيار وترجمة وتعليق د. عبدالوهاب المسيري، ومحمد علي زيد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979م، ص56].
فهل هذه الصورة الخيالية هي الأخرى التي دفعت شعراء مدرسة الديوان وأبوللو العربيتين في مرحلة سابقة للتوجه الإبداعي والأدبي للرومانسية الإنجليزية؟
 
 
طباعة
 القراءات :476  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج