شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
"طاش ما طاش" بين تحفيز الأسئلة وضعف البنية الدرامية ..!
يجب أن نعترف أن فنون التمثيل والدراما هي غريبة المنشأ؛ ولربما كان للأدب اليوناني وملامحه الشعرية والتمثيلية دور في استقاء الغرب في العصر الحديث لتلك الفنون من الحضارة اليونانية، وخصوصًا أن الغرب في نهضته الحديثة سعى للعودة إلى تلك الحضارة بطريق مباشر أو غير مباشر والأخير كان عن طريق حضارة العرب والمسلمين، ولقد توقف العرب الذين ترجموا كتاب الخطابة لأرسطو، توقفوا مترددين أمام إلياذة الشاعر اليوناني "هوميروس" لأنها تقوم على أسطورة تعدد "الآلهة" المتناقضة مع المفهوم الإسلامي للكون ووحدانية الذات الإلهية العليا.
ولم تصل الإلياذة إلى المتلقي العربي إلا مع بداية عصر النهضة الأدبية الحديثة، حيث قام بترجمتها شعرًا سليمان البستاني وتزامن ذلك مع ترجمة الأديب البريطاني "ريتشارد بيرتون" لقصص ألف ليلة وليلة شعرًا إلى اللغة الإنجليزية، وكما تلقف العرب لاحقًا مفهوم الأسطورة تلقى الغربيون سحر الشرق ورومانسيته عن طريق فن السرد في ألف ليلة وليلة.
وإذا كانت البلاد العربية الأخرى عرفت الدراما وفن التمثيل منذ زمن واستقام لمصر وبلاد الشام في هذا الفن ما لا يستقيم لغيرهم ولكنه يظل مع ذلك كله في درجة متأخرة مقارنة بتفوق الغرب في هذا الميدان التخييلي الهام، ولو أخذنا مثلاً على هذا التفوق لوجدنا أن الفيلم المعروف "دكتور زيفاكو" والذي قام بدور البطولة فيه الممثل العربي "عمر الشريف" يظل هذا العمل حلمًا يراود السينما العربية منذ نشأتها إلى الوقت الحاضر الذي نعيشه.
نشأت الدراما في المجتمع السعودي متأخرة عن نظيرتها العربية وإذا كانت الإذاعة قد حاولت منذ السبعينيات الهجرية الخمسينيات الميلادية اقتحام هذا الفن وبرزت أسماء قوية من أمثال الشريف العرضاوي وسواه فإن البث التلفزيوني والمرئي بدا متأخرًا فهو في بعض أحواله بدأ في منتصف الثمانينيات الهجرية وفي مدن أخرى في أواخر هذه الحقبة، ومن المفارقات العجيبة أن هذا التاريخ عرف في بريطانيا مثلاً البث الحي للجامعة المفتوحة والتي لم تعرفها بعض البلاد العربية مجتمعة إلا في وقت متأخر كذلك.
قبل ما يزيد على عقد من الزمن بدأ الثنائي السدحان والقصبي عملهما "طاش ما طاش"، وكان أقرب إلى الترفيه منه إلى الدراما التي عرفها الغرب لمعالجة مشاكله الاجتماعية من مثل "كورنشين ستريت" و"اميديلز فارمز" و"إيست إيندرز"، وهي أعمال تبثها قناة الـ"بي بي سي" التلفزيونية البريطانية والرسمية والقناتان الثالثة والرابعة التجاريتان هناك أيضًا.
ومع مرور الوقت بدأ هذا "الطاش" يجتذب أنظار شريحة كبيرة من المشاهدين داخل المملكة وخارجها، وكان من الجرأة بأنه اجترح ميادين لم يجرؤ من سبقه على اجتراحها والتجرؤ على طرح موضوعاتها للنقاش، ووجد البرنامج في بعض حلقاته في موضوع التشدد تجربة ثرية له، فمن التعليم وثقافية الكراهية إلى الازدواجية التي يعيشها بعض أفراد المجتمع عند سفرهم إلى بلاد أخرى ثم موضوع "الجهاد" بمفاهيمه المختلفة حولها وخصوصًا بمفهومه الخاص عند الجماعات المتشددة. وهو ما عبرت عنه حلقة "جهاد أكاديمي"، ولقد أثار موضوع الحلقة لغطًا كبيرًا، وأعترف هنا أنني لست من عشاق هذا العمل والهائمين بحركات أبطاله، وما يلوون به ألسنتهم من لهجات تحمل في طياتها غمزًا ولمزًا ببعض أقاليم هذا الوطن ومصدر هذه الرؤية السلبية مردها إلى أن العمل لم يبلغ مستوى عاليًا في كثير من حلقاته إلى مستوى الدراما في البلاد العربية فضلاً عن الغربية، ولكنه في معالجته البسيطة والمباشرة أحيانًا لموضوع مفهوم الجهاد عند الفئة المتشددة أظن أن يلفت نظر الكثرين ممن فقدوا أبناءهم من جراء تنظير الفئة التي تدفع بهؤلاء الشباب وتغرر بهم، مستغلة صغر سنهم وضعف تجاربهم الحياتية بينما يعيش هؤلاء "المنظرون" في منازلهم الفارهة، يكتبون رسائلهم التكفيرية لمجتمع يؤمن أفراده ويقرون قولاً وعملاً بالإيمان بالله ورسوله وكتابه ثم يفرون إلى جحورهم بعيدًا عن لهيب الشمس الحارقة ووعورة تسلق الجبال ثم قتل الأنفس البريئة فالضحايا هم مؤمنون في غالبيتهم وقلة منهم معاهدون كفل لهم الإسلام بتعاليمه الصحيحة حياة آمنة ويكفي أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قرن إيذاء الآخر أو الذمي بإيذائه، صلّى الله عليه وسلّم، بل نهى النبي الخاتم عن سب الأموات من المشركين حتى لا يتأذى الأحياء وأمر سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه بأن يبر أباه وهو على الشرك، فكيف يأتي بعد ذلك من يحكم على المجتمع المؤمن والموحد بتكفير فريق منه أو جماعات؟.
لقد وجد آباء الضحايا شيئًا من الحقيقة الضائعة بين المنظر والمتلقي.
نعم.. لقد أقحمت تلك الحلقة موضوعات لا صلة لها من قريب أو بعيد بالموضوع الذي تريد معالجته، فكيف يتأتى لنا أن نسخر من موضوع الهجرة إلى الحبشة وهو يخص صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الذين هاجروا خوفًا على أنفسهم ودينهم من الفئة المتسلطة في عهد بداية الرسالة وهي فئة كفار قريش ومشركيهم، ثم لابد من القول بأن التشدد في المجتمعات العربية والإسلامية لا يقتصر على الذين أقدموا على اجتزاء مفاهيم دينية من سياقها الشرعي الصحيح، ثم طبقوها على إخوانهم في المعتقد، بل يمتد إلى فئات أخرى تقع في أقصى اليسار وليس لها من هم سوى الاستهزاء بنبي الله صلّى الله عليه وسلّم وصحابته رضوان الله عليهم، والغربيون لا يفعلون مثل هذا مع رموزهم ومرجعياتهم ولكننا دومًا نأخذ سلبيات الحضارة الغربية ونترك إيجابياتها، وهذا يعود لجهلنا المتراكم بالمنجز الحضاري الغربي وسياقاته، وفي الختام يمكن القول بأن "طاش ما طاش" فيه من الضعف الفني ما فيه وله سقطاته ولكنه حرك راكدًا وأثار الكثير من الأسئلة.
 
طباعة
 القراءات :541  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 107 من 107

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج