شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جعفر إبراهيم فقيه.. أحد رواد العلم والفكر والثقافة في المدينة المنورة
 
كنت أقطع الطريق من حيّ قباء وفي الجزء الذي يحمل مسميات عدة منها غدير "الزعبلاوي" نسبة لرجل يعدّ من الشخصيات الأسطورية في تاريخ المدينة المنورة وهو خال لجدي من جهة والدي.. رحمهما الله.. إلا أن مسمى الزاهدية غلب على هذا الجزء من الحي التاريخي، حتى إذا ما بلغت مسجد المصلى أو الغمامة وهو واحد من المساجد الأثرية انتقل إلى أكبر الشوارع التي كانت تخترق وسط المدينة وهو المناخة، وتقوم على جانبيه دور تزينها الرواشين وأسواق يجلب لها القادمون من البادية ما لا تستغني عنه الحاضرة في معيشتها، وعدد من المقاهي التي كان يرتادها الكبار من الرجال، وكان لا يسمح لصغار السن بالجلوس فيها، وهذه عادة اجتماعية عرف بها الوسط المدني منذ القدم.
أصل إلى باب الشامي فإذا ما أصبح مستشفى الملك أمامي وكان واحداً من مستشفيات عدة، منها مستشفى الملك فاروق للولادة ومستشفى باب السلام المطل على الحرم النبوي الشريف ومستشفى آخر للحالات المستعصية كان يقوم في درب الجنائز.
أترك الطريق المستقيم وأنحرف في سيري نحو اليمين لأسلك طريقاً يوصلني إلى حي صيادة والذي كان يعد جزءاً من حارة باب المجيدي، نسبة إلى أحد أبواب العمارة المجيدية للحرم النبوي الشريف والتي أقامها في مطلع القرن الرابع الهجري السلطان عبدالمجيد العثماني.
حتى إذا وصلت إلى صيدة انتصب أمام ناظري دار أحد رجالات المدينة المعروفين وهو الشيخ جعفر بن إبراهيم فقيه (1320/1411هـ)، أطرق باب المنزل العتيق والذي كانت تقوم في وسطه شجرة كبيرة كبقية بيوت ـ المدنيين ـ والتي كان يحرص أهلها على جعل ساحة مفتوحة في أحد نواحيها ويستنبتون فيها أشجار الليمون والنعناع بجميع أنواعه "المغربي والحساوي والدوش".
أتريث قليلاً فالشيخ الوقور أضحى في مرحلة الشيخوخة التي لم تأت على شيء من نضارة وجهه واستقامة قامته، كما أنها لم تنل من حدة ذاكرته والتي تحتفظ بكثير من حوادث المدينة بدءاً من "سفر برلك" ومروراً بحصار المدينة في العهد العثماني وانتهاء بحريق "سويقة" والذي قضى على أكبر أسواق المدينة في النصف الثاني من التسعينيات الهجرية من القرن الماضي، وبعد هذه الحادثة شهدت المدينة تحولاً جذرياً؛ فلقد بدأ التخلص من المدينة القديمة لصالح التوسعة الكبرى والتاريخية للمسجد النبوي الشريف فاختفت من خارطة المدينة الجديدة أحياء عريقة مثل الساحة، والحماطة، والسحيمي، والسنبلية، والرومية، وحارة الأغوات، وذروان، وباب المجيدي، ثم اختفى زقاق الطيار، وباب الكومة والسيح حيث كان يجري سيل أبي جيدة المعروف.
وقد أدى الشيخ جعفر فقيه أدواراً إيجابية في تاريخ المدينة التي انطلقت منها رسالة الحب والتسامح والوسطية والاعتدال وفي مقدمة هذه الأدوار إشرافه بتفويض من رجل الأعمال محمد بن لادن والشيخ صالح قزاز على توسعة المسجد النبوي الشريف -أي العمارة السعودية الأولى- والتي تمت في بداية السبعينيات الهجرية، وقد دوّن في كتاب ألّفه بالاشتراك مع الأستاذ هاشم دفتر دار تفاصيل العمارة منذ تمت ومناقشة وضع البناء القديم للحرم النبوي الشريف في الصحافة المصرية وذلك في سنة 1368هـ وفي صحيفة المدينة التي كانت تصدر آنذاك بالمدينة، والتي يعد موضوع توسعة المسجد من الأولويات التي تسجل لها صحافياً، وكذلك موضوع إنشاء الجامعة الأهلية بجدة والتي أطلق عليها في ما بعد اسم جامعة الملك عبدالعزيز، وكان ذلك بعد انتقال الصحيفة إلى جدة في بداية الثمانينيات الهجرية بمبادرة من الأخوين هشام ومحمد علي حافظ امتداداً لدور الرائدين علي وعثمان عبدالقادر حافظ، الذي لم يقتصر على إنشاء أول مدرسة أهلية في العهد السعودي بالمدينة سنة 1356هـ، بل امتد ليشمل إنشاء أول مدرسة أهلية في بادية المدينة وفي قرية المسيجيد تحديداً والتي أطلق عليها مدرسة الصحراء، في الوقت الذي كان عدد المدارس في الحواضر محدوداً وكانت الأمية تنتشر بصورة كبيرة، ولاشك أن للحرم النبوي الشريف أثراً في هذه الحقبة على كثير من المبادرات الفكرية والعلمية، فإنشاء نادي المحاضرات والذي كان من أبرز المشاركين فيه السيدان عبيد وأمين مدني، وعبدالقدوس الأنصاري، وضياء الدين رجب، وعبدالحق نقشبندي، وعبدالحميد عنبر، ومحمد حسين زيدان، وعلي وعثمان حافظ، وجعفر فقيه وسواهم، ثم إنشاء صحيفة في موئل الرسالة ومنطلق حضارة العقل والروح -الحضارة العربية والإسلامية- هذه المبادرات وغيرها استمد صناعتها وقدة الروح وعلو الهمة ونبل الأهداف والمقاصد فيها ولها من جامعة الإسلام الأولى-الحرم النبوي الشريف.
كان منزل الشيخ جعفر فقيه بمثابة منتدى فكري وعلمي، وقد عرفت المدينة المنتديات الأدبية منذ زمن طويل ومنها منتدى الأبارية الذي أسسه عامل المدينة المعروف عبدالجليل برادة (1240/1327هـ) وكان الشيخ جعفر يفتح أبواب مكتبته والتي تضم الكثير من المخطوطات أمام الناشئة، ويعترف صاحب هذه السطور بأثر الشيخ الفقيه والأستاذ محمد حميدة في توجيهي لدراسة أدب وتاريخ المدينة، وقد زودني الشيخ الفقيه ببعض صور المخطوطات النادرة عن تاريخ المدينة ككتاب محمد بن زين العابدين الخليفتي 1130 /1182هـ، والمعروف باسم "نتيجة الفكر في خبر مدينة سيد البشر" وببعض آثار شاعر المدينة - ورائد الشعر السياسي في جزيرة العرب.. الشيخ إبراهيم الأسكوبي (1246-1331هـ) ومنها مزدوجته "وابور البحر ووابور البر" والتي طبعت بداية بالمطبعة الماجدية بمكة المكرمة 1324هـ، وقصيدته المدوية في نقد سلوك بعض سلاطين الدولة العثمانية محذراً في قصيدته تلك والتي استدعى بسببها لعاصمة الخلافة العثمانية -آنذاك- أستانبول من مغبة تصديق الوعود الغربية التي لم يوف الغرب بشيء منها لأصدقائهم وفي مقدمتهم العرب.
وكان الشيخ جعفر يرتبط بصداقة خاصة مع السيدين عبيد وأمين مدني، ولا أبالغ إذا قلت إنهما كانا الأقرب إلى نفسه، وكان إضافة إلى إمداده لطلاب العلم بما يحتاجون من الكتب وخصوصاً الطبعات القديمة منها ـ وخصوصاً أن الشيخ جعفر ارتبط بعلاقات قوية مع أصحاب المكتبات العربية المشهورة في مصر وسوريا ولبنان فأنشأ مكتبة يجد فيها مثقفو البلد الطاهر ما يتطلعون إليه من زاد معرفي وفكري، ولا يقل دوره في هذا الباب عن المكتبيين المعروفين في المدينة، من أمثال النمنكاني، وعبدالمحسن الكتبي، والسيد عبدالله يماني، والد معالي الدكتور هاشم يماني وإخوانه، ومكتبة ضياء بشارع العينية، كان إضافة إلى هذه المنقبة العظيمة في احتضان طلاب العلم فإنه قد حفظ تاريخ المدينة عن طريق المجسمات التي كان يصنعها خصيصاً لأحياء المدينة القديمة ومدارسها ومكاتبها، وكذلك احتفاؤه بصور علماء المدينة وأدبائها، وأتذكر أنه زودني بصورة لشاعر المدينة المعروف أنور عشقي (1246-1336هـ) جد صديقنا الدكتور أنور بن ماجد عشقي، وكان يشعر بشيء من الأسى لأن البعض ممن كتبوا في تاريخ المدينة قد استفادوا من الصور القديمة التي يحتفظ بها في مكتبته الفريدة ولم يشيروا إلى مصدر هذه الصور، وقد شاهدت بنفسي في مكتبته نسخة قديمة من تاريخ السيد جعفر برزنجي الموسوم "نزهة الناظرين في تاريخ مسجد سيد الأولين والآخرين"، وقد احتوت-بجهوده على صور فريدة لكل معلومة أوردها المؤلف في كتابه عن المدينة وآثارها ورجالها.
وللشيخ جعفر أثر حضاري -غفل عنه المؤرخون- فعلى يديه تأسست مكتبة المدينة العامة والتي كانت تقوم في الجهة الجنوبية من المسجد النبوي الشريف-وبالقرب من بناء المحكمة الشرعية الكبرى، فلقد قام بنفسه بجمع عدد من المكتبات القديمة مثل مكتبة السادة آل الصافي، ومكتبة الشيخ عمر بن حمدان المحرسي، وكذلك ضم إليها مكتبات بعض الأربطة القديمة والتي كانت تقوم في الماضي حول المسجد النبوي الشريف وهدمت لصالح التوسعة الأهلية، وأقنع القائمين على هذه المكتبات بضرورة الحفاظ عليها، ضمن مشروع مكتبة المدينة العامة، فاستجابوا لدعوته ومبادرته لمعرفتهم بسمو مقاصده في خدمة العلم والمعرفة في بلد المصطفى صلى الله عليه وسلم، لولا جهود الشيخ الفقيه-وبتوفيق من الله ورعاية، بداية لضاعت هذه المكتبات التي تحتوي على مخطوطات مهمة في مختلف الفنون والمعارف، وكان الشيخ جعفر حذراً في موضوع الوقف عيناً كان أو كتاباً، وهذا ما يدعوني للقول بأن مكتبة عارف حكمت أنشأها صاحبها وقفاً فيفترض أن تعوض الأرض التي كانت تقوم عليها المكتبة في الجهة الجنوبية من المسجد النبوي الشريف بأرض أخرى تكون قريبة من المسجد في توسعته الحالية، فلقد أخبرني الشيخ "الفقيه" وكذلك السيد حبيب محمود أحمد أن القائد العسكري فخري باشا فطلب أثناء حصاره للمدينة حوالى سنة 1335هـ من حفيدة الشيخ عارف حكمت أن تسمح له بنقل المكتبة إلى أستانبول فرفضت إعطاءه الإذن وقالت له إن جدها أقامها وقفاً في المدينة، ولقد نقلها فخري أثناء الحرب العالمية الأولى إلى الشام ولم يتمكن من إيصالها إلى تركيا، فأعيدت إلى المدينة كما هي وظلت حتى تم ضمها لمكتبة الملك عبدالعزيز، ولكن الأحوط بل الأكثر اتساقاً مع مقاصد الشرع الحنيف هو إقامة بناء خاص لهذه المكتبة التي يصل عدد مخطوطاتها النادرة إلى حوالى خمسة آلاف مخطوطة ومنها مخطوط نادر في علم الجغرافيا ـ كنت قد اطلعت عليه عام 1390هـ واسمه المسافات وصور الأقاليم، لأبي زيد البلخي ـ ومع أنني أروي هذا الكلام من الذاكرة إلا أن مضمون الكتاب والذي يعود في تأليفه للقرون الإسلامية الأولى قد أذهلني فهو يتحدث عن كروية الأرض ودورانها مما عده البعض للأسف في العصور المتأخرة هرطقة مع أننا كنا الأمة الرائدة التي حافظت على تراث الأمم والحضارات الأخرى التي سبقتها من يونانية وهندية وفارسية وأضافت عليه من جهود علمائها من أمثال الحسن البصري وجابر بن حيان والفارابي والرازي وابن النفيس، وابن سينا، والخوارزمي، وابن رشد، وأبي حامد الغزالي، والعز بن عبدالسلام، والحارث المحاسبي، وابن تيمية وسواهم ممن تفتخر الأمة بهم وتزدهي، ولا يمكن أن يتصور راشد-بأن يأتي بعض طلاب العلم والذين توجهت هممهم فقط ومن دون قواعد شرعية وضوابط علمية-توجهوا فقط للنيل من عقائد علماء الأمة الذين آثروا التراث الحضاري والإنساني في الوقت الذي تحتفي بعض المؤسسات الغربية المعتدلة بهذه الرموز، ومن يقرأ كتاب تراث الإسلام بأجزائه الثلاثة للمستشرقين شاخت وإدموند بوزورث C.E.Bosworth، نعم من يقرأ هذا الكتاب أو كتاب المستشرقة زيغريد هونكه "شمس الإسلام تسطع على الغرب" ليدرك أن بعضاً من نصفهم بأنهم أعداء لنا هم ينصفون رموزنا العلمية المضيئة بأكثر مما نفعل، وإذا كنا قد عجزنا عن إنصافهم فلا أقل من أن نمسك ألسنتنا التي تنهش في جسد الأمة المتآكل أصلاً، فإذا سهام بني قومنا تجعله الأقل مناعة وصموداً.
كان شيخنا "جعفر فقيه" من خريجي مدرسة الحرم النبوي، ففي الخمسينيات الهجرية وما بعدها كانت حلقات المشايخ: ألفا هاشم، وأبي الطيب الأنصاري، ومحمد العائش، وحمدان بن الونيس، ومحمد العمري، وصالح التونسي، وعبدالرؤوف عبدالباقي، وحميدة الطيب، وعبدالقادر وأمين طرابلسي، والسيد ياسين الخياري، وحسن الشاعر وغيرهم، وكان جيل ينتمي إليه الشيخ جعفر مع أخيه الأكبر مصطفى كتاباً لتعليم القرآن ومبادئ العلم وهو من أشهر كتاتيب المدينة التي جعلت أجيالاً متلاحقة في بلد المصطفى صلى الله عليه وسلم على قدر كبير من العلم والمعرفة.
ويعد الشيخ جعفر من أبرز الحفظة لكتاب الله في بلد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان إذا صلى الفجر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ المدرسة التي تخرج فيها فقهاء المدينة السبعة والذين نشروا العلم في أرجاء المعمورة ـ قضى مع بعض من يحفظون كتاب الله وقتاً لتدارس كتاب الله ومراجعته، وقد أدركت عدداً كبيراً من أهل البلدة الطاهرة والذين كانوا يحرصون بعد أداء الصلوات على الجلوس على مائدة القرآن ومنهم المشايخ الكرام: حسن الشاعر ويوسف باشلي، وحسن بخاري، ومحمد علي السمان، وعبدالستار بخاري، وعبدالله الخربوش، وعباس صقر، وسليمان حجازي، وعلاء الدين البكري، ومحمد النجار، وحسين عويضة، وأحمد السنوسي، ومحمد منصور عمر، وجميل شيناوي، وأحمد عبدالجواد، ومحمد الثاني، ومحمد الصاوي، وأحمد ومحمد عبدالحكيم عثمان، وأديب صقر، وحليت بن مسلم المحمادي، وعباس قاري، وهاشم شقرون، وحسين رمزي الميمني، وحمزة عسيلان، وإبراهيم الأخضر، وصالح الحيدري، ومحمود خريص، وصقر المطيري، وعواد زارع وسواهم.
وطبيعي وبديهي أن يضم المسجد الذي تنزلت بين حجراته آيات الذكر الحكيم رجالاً تنوعت اهتماماتهم المعرفية، واشتغلوا بنشر العلم والفكر الرصين، وابتعدوا ـ ببواعث التقوى والورع الذي تبطن نفوسهم عن منازع التشدد والغلظة والجفوة والتفتيش في عقائد الناس ومحاكمتهمأحياء وأمواتاً، وإن فقدان الأمة للعقلاء من الناس هو الذي تسبب في ضلوع الفئات المشتتة في تفريق كلمة الأمة وإضعاف وحدتها.
بقي جانب مهم في حياة شيخنا "الفقيه" فلقد كانت داره مفتوحة لكل من يطلب وساطة في أعمال الخير والبر والإحسان، وكان أمراء المدينة يقدرون منزلته الاجتماعية واهتماماته العلمية، فقد حدثني شخصياً أن أمير المدينة عبدالعزيز بن إبراهيم -رحمه الله- رآه مرة يمشي على قدميه لاستقبال بعض الزوار القادمين إلى المدينة، وذلك عند وصولهم في محطة باب العنبرية فاستوقفه ـ حيث كان مقر الإمارة على الطريق الصاعد إلى باب العنبرية ـ وسأله عن سبب ذهابه إلى المحطة، فأجابه الأمير ابن إبراهيم-إن ضيوفك ضيوفنا يا شيخ جعفر -وأكرمهم تقديراً لمنزلة الشيخ الفقيه وإرضاء لمشاعره، وعندما عين الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أميراً للمدينة زاره في مناسبة عيد الفطر المبارك، وكذلك فعل مع الشيخ عبدالحميد عباس، وحدثني الشيخ الفقيه أن وكيل إمارة المدينة في حقبة الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز -رحمه الله- الأستاذ سعد بن ناصر السديري، زاره مع بعض المسؤولين في الإمارة والبلدية، ليحصل منه على بعض الخرائط النادرة عن المدينة للإفادة منها آنذاك في تطوير المدينة ـ فقدم لهم ما يحتاجونه من هذه الوسائل، وكان كثير الثناء على رجال العلم الذين يتسمون بالتواضع والزهد ومنهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز-والذي زاره في منزله وقام الشيخ جعفر كذلك بزيارته وهذا هو المسلك الإيماني الحق الذي اتسمت به الشخصيات العلمية في تلك الحقبة ـ كما كان يثني على سماحة وحسن خلق الشيخ عبدالرحمن الحصين، وهذا الأخير كان يعرف الرجال وينزلهم منازلهم.
وأضيف في خاتمة هذه المقالة التي حاولت أن ألقي الضوء من خلالها على هذه الشخصية الاجتماعية والعلمية المتميزة في تاريخ المدينة المعاصر وضمن سباق علمي وفكري واجتماعي، عايشت أحداثه المهمة على مدى ما يقرب من خمسة عقود من الزمن، بأن الأجيال الصاعدة في حاجة إلى أن تستجلي هذا الجانب الإيجابي والفاعل في حياة الأمة، ونعني به السلوكيات الرفيعة في تعامل رجال العلم مع بعضهم تقديراً واحتراماً، وفي سعي هؤلاء الرجال إلى احتضان الناشئة من شباب الأمة وبث روح العلم فيهم حتى يتمكنوا من بلوغ ما يتطلعون إليه من أهداف وغايات، وإن ناشئة الأمس البعيد هم كهول اليوم وشيوخه، فعلى هذه الأجيال أن تلتف حول هذه القامات الشامخة والإفادة من تجاربها الحية في مناحي الفكر والثقافة، بهذا تنتقل هذه المعارف من جيل إلى جيل مما تضمن معه الأمة تحصيناً ذاتياً وطبيعياً أمام رياح العولمة وأعاصير التغريب، وإذا كان السعي مطلوباً للإفادة من علوم العصر وتقنياته فإن السعي للحفاظ على مكتسباتنا العلمية والأخلاقية لا يقل حاجة وضرورة عن السعي في مناكب الأرض بحثاً عن العلم المفيد، أخذت بالأثر المعروف اطلبوا العلم ولو في الصين، وصين اليوم أفادت من حضارة الغرب دون أن تفقد خصوصيتها الحضارية.
 
 
طباعة
 القراءات :376  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 103 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الأول: خميس الكويت الدامي: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج