شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عزيز ضياء القمّةُ الأخرى التي عُرفت ولم تُكتشف
لا يدخل حديثي في هذه الكلمة في باب غمط الأجيال المعاصرة حقّها من الإشادة في إثراء ميادين العلم والمعرفة والأدب، ولكن تبقى المقارنة صعبة عند الحديث عن جيل الروّاد، والذين تميّزوا كنظرائهم في البلدان العربية الأخرى، بالموسوعية في فنون عدّة، ومن هؤلاء الأديب الكبير الأستاذ عزيز ضياء والذي احتفى به نادي جدة الأدبي والثقافي كرمز من رموز الفكر والأدب في بلادنا.
لن نكون مغالين إذا ما قارنا عمله الذي كرّس له السنين الأخيرة من حياته المديدة، وأعني به "حياتي مع الجوع والحب والحرب" برائعة الأديب الروسي تولستوي "الحرب والسلام"، أو برائعة أديب العربية الكبير طه حسين "الأيام"، لقد أرّخ الرائد "عزيز" أو اللورد "عزيز" كما يحلو لأديبنا الكبير الدكتور عبدالله مناع أن ينعته، أرّخ أدبيًّا وسرديًّا للأحداث التي شهدتها المدينة المنورة في نهاية العصر العثماني، وفيما عُرف باسم "سفر برلك"، حيث هُجّر أهلها قسرًا تحت تأثير سطوة القائد "فخري باشا"، هُجّروا في رحلة تراجيدية ومثيرة إلى تركيا و"الشام" و"مكة" و"ينبع"، ويعبّر الأب "عزيز" تعبيرًا صادقًا في الكلمات التي وجهها لابنه "ضياء"، وابنته الأديبة "دلال"، وافتتح بها تلك السيرة المتميّزة.. يقول في خطابه لأبنائه، وقد أضحى نائيًا عن الأرض الطيبة التي نشأ فوق ثراها “ثم الحرب -مرة أخرى- والجوع مرة أخرى، والليل الرهيب تهتز فيه أركان المنزل كلّما أطلقت قلعة "سلع" في المدينة المنورة مدافعها في اتجاه "العوالي وقباء" وعواصف الذعر والهلع، كلّما قيل إنهم يهجمون، وإنهم يتقدمون وإنهم قد يدخلون"، وتعرف أجيال كثيرة أنه من جبل "سلع" الذي جرت في سفحه غزوة "الأحزاب" التي نصر الله فيها نبيه ومصطفاه سيدنا محمد عليه صلوات الله وسلامه، نعم من قمة هذا الجبل كان ينطلق المدفع مع مغرب كل يوم من أيام رمضان، بعد أن يضيء القنديل الأحمر من أعلى "المنارة" الرئيسية المطلة على القبة الخضراء، والتي يرقد تحت ثراها سيد الأنام وشفيع الأمم عليه صلوات الله وسلامه وصاحباه ورفيقاه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
كان الناس يفطرون بحبات من "البرني" و"العجوة" على صوت المدفع من "سلع"، وكانوا يستقبلون العيد مهللين ومكبرين بعد أن يسمعوا الطلقات متتالية، ولكن "سلع" تحوّل في "سفر بلك" وقبله في أحداث "الأغوات" في القرن الثاني عشر الهجري إلى مصدر ذعر، كما وصف وجسّد بعبارات أدبية بليغة ورائعة ومدهشة صاحب الرواية الأكثر اتقانًا ومتعة في أدبنا المعاصر ولكنها الأقل ذيوعًا، ربما لأن الأجيال المعاصرة توجهت في قراءاتها للأعمال الأدبية القادمة من خلف الأسوار، بينما كان يعيش بيننا من صانعي الكلمة الأدبية الرفيعة ومبدعيها مَن لا يقلون في عطائهم عن كبار أدباء العربية، وعاش بعضهم في زهد طبيعي وغير متكلّف، أم هو المجتمع الدفّان؟ كما عبّر في أسى وحزن أديب الكلمة المجنحة الأستاذ محمد حسين زيدان، لقد صرخ بها الزيدان في وجوهنا قبل "رحيله"، وبعد أن أغلق الأبواب خلفه، ثم رفع صوته بعبارة مؤثرة أخرى في السياق -نفسه- "كنت أعيش حياة الترف واليوم أعيش حياة القرف".
تُرى كم رائد من روادنا كان يشعر بمثل هذا الجحود؟ وكم منهم كان يتمنى أن يرى تكريمه قبل رحيله؟ وتبقى قضية هامة وهي أن جمعية الفنون والثقافة بجدة في حقبة الزميل الدكتور عبدالله الميعطاني كانت أوّل من كرّمت عزيز ضياء بعد رحيله، ثم كرمته جامعة الملك عبدالعزيز بمبادرة كريمة من معالي الأخ الأكبر الدكتور غازي مدني، مدير الجامعة السابق، وإنني لأضم صوتي لصوت الأديب والأخ الأكرم الأستاذ عبدالمقصود خوجه بأن يبادر الدكتور الأديب عبدالله منّاع بتدوين ذكرياته مع الأستاذ "عزيز"، فلقد كان الأقرب من بين مجايليه ليس فقط للأب الراحل ولكن لكثير من تلك الرموز المضيئة في حياتنا الثقافية والفكرية والأدبية.
 
 
طباعة
 القراءات :337  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 101 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.