شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النّاقد الموسوعي محمد يوسف نجم.. وخاتمة جيل
أهدت أرض فلسطين العربية والمسلمة شخصيات أكاديمية وعلمية وفكرية وأدبية متميّزة، يأتي في مقدمتها: وليد عرفات، ومحمود الغُول، ومحمد الطيِّباوي، وإدوارد سعيد، وسلمى خضراء الجيوسي، ووليد الخالدي، ومحمد يوسف نجم، وقد رحل (نجم) عن دنيانا قبل فترة وجيزة، ولكن وسائل الإعلام العربي المقروءة منها والمسموعة لم تهتم بإبراز التراث الأدبي والفكري الذي خلّفه هذا الرائد، والذي أمضى سني عمره التي تجاوزت الثمانين عامًا، حيث ولد في فلسطين 1344هـ / 1925م أمضاها في التدريس بجامعات عربية ودولية عريقة مثل الجامعة الأمريكية، ثم عمل مدرّسًا زائرًا في جامعتي الكويت وهارفارد. ويتميز جيل (نجم) بالموسوعية الثقافية، وهو ما تعكسه مؤلفاته التي خلّفها بعده، تنير الدرب أمام مريدي المعرفة وطلاب العلم. وسوف أكتفي في هذه المقالة المتواضعة بإطلالة على بعض إنتاج هذا الرائد، والذي شاركه في إخراج جزء منه رفيق دربه الدكتور إحسان عباس، فلقد اشتركا مثلاً: في ترجمة الكتاب النقدي الهام للكاتب الأمريكي المعروف ستانلي إدغار هايمن مدرّس الأدب الشعبي سابقًا بكلية بنجتون بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان كذلك أحد أبرز محرري المجلات العلمية، وهذا الكتاب الذي عمل كل من إحسان ونجم على ترجمته للعربية ترجمة دقيقة هو "النقد الأدبي ومدارسه الحديثة"، ويقع في جزأين كبيرين، وتتجاوز صفحاته السبعمائة.
ويذكر الباحثان الدافع خلف تأليف هذا الكتاب الهام هو أن أبناء الجامعات العربية الحديثة هنا عن فترة الستينات الميلادية، حيث صدرت الطبعة الأولى من هذه الترجمة سنة 1960م، أن ذلك الجيل من أبناء العروبة "كانت دراساتهم تدور في فلك القديم، أو تتخطف من الدراسات الأوروبية العتيدة في هذا الموضوع، أي الفكر النقدي الحديث، بعض الفكر والنظريات التي لم تستطع حتى الآن أن تنضم في نظرية شاملة للنقد، تعين الجيل المعاصر على تفهّم أصوله، والإفادة من أساليبه في دراسة أدبنا العربي قديمه وحديثه". [انظر: ستانلي هايمن، النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، ترجمة د. إحسان عباس، د. محمد يوسف نجم، دار الثقافة بيروت، ط3، 1978م، ص 7].
وتتضمن فصول هذا الكتاب دراسات نقدية تفصيلية لأهم مذاهب النقد الغربي الحديث مثل: "أيفور ونترز" والتقويم في النقد، وت، س والنقد الإبداعي، ومود بودكين والنقد النفسي، ووليم إمبسون، والنقد النوعي، وكنث بيرك والنقد المتصل بالعمل الرمزي، إضافة إلى فصول أخرى متنوعة، وخاتمة تطرح سؤالاً هامًّا في الدراسات النقدية الحديثة وهو: هل يمكن إيجاد مذهب نقدي متكامل؟ وختم هايمن كتابه بمبحث عن مراجع مختارة للنقد الأدبي منذ سنة 1912م.
في كتاب آخر يقوم كل من إحسان عباس ومحمد يوسف نجم، بدراسة نقدية "للشعر العربي في المهجر.. أمريكا الشمالية"، ويكشفان في مقدمة هذا الكتاب عن التقارب الروحي والفكري بينهما، وهو ما دفعهما لإخراج هذه الأعمال النقدية الكبيرة، ويصرحان بأنهما "سعيا لتنحية جانبًا ما كتبه الأدباء والباحثون عن الشعر المهجري"، وأنّهما يسعيان "لدراسة نتاج هذه المدرسة الشعرية الأصيلة، والتي تعتبر أقوى مدرسة في شعرنا الحديث تمسكًا بالقاعدة الفكرية، وتمثلاً للمذهب الفني.. دراسة تقوم على الاستبطان والاستقراء، وتحليل النموذج من الداخل، لننفذ منه إلى القاعدة". [انظر: الشعر العربي في المهجر، تأليف: د. إحسان عباس، والدكتور محمد يوسف نجم، دار صادر ـ بيروت، ط2، 1967م].
ولربما كان في كلمات عباس ونجم حول المنهج الذي اتبعاه في دراسة الأدب المهجري، "وأنهما نحيّا جانبًا ما كتبه الأدباء والباحثون عن الشعر المهجري"، ربما كان في ذلك إشارة إلى جهود الناقد الكبير محمد مندور، الذي أطلق في دراسته لقصيدة ميخائيل نعيمة والموسومة "أخي"، وقصيدة "يا نفس" لنسيب عريضة ما عُرف في الدراسات النقدية الحديثة بالأدب المهموس، وقد وضّح مندور ما قصد إليه بهذه التسمية، فنجده يؤكد على القول: "بأن الهمس في الشعر ليس معناه الضعف، فالشاعر القوي هو الذي يهمس، فتحس صوته خارجًا، من أعماق نفسه في نغمات حارة، ولكنه غير الخطابة التي تغلب على شعرنا فتفسده، إذ تبعد به عن النفس، عن الصدق، عن الدنو من القلوب".. [انظر: في الميزان الجديد، د. محمد مندور، دار نهضة مصر، ص 65، 92].
تصدّى نجم لدراسات نقدية أخرى بمفرده مثل دراساته عن المسرح العربي منذ أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، مثل مسرحيات كل من: مارون نقاش، ويعقوب صنوع، ومحمد عثمان جلال، وسليم نقاش، ونجيب حداد، وإبراهيم الأحدب. ولقد أشار المرحوم الدكتور شوقي ضيف، الرئيس الأسبق لمجمع اللغة العربية في مصر، في حفل انضمام (نجم) للمجمع أشار إلى تكريس نجم لجهوده النقدية في فنيّ القصة والمسرح. ويعتبر كتابه الموسوم "القصة في الأدب العربي الحديث 1870 / 1914م"، والصادر في طبعته الأولى بالقاهرة سنة 1952م مصدرًا هامًّا للجهود الأولية في حقل القصة الاجتماعية، والتي يعتبر من أبرز روادها: سليم البستاني، وجرجي زيدان، وفرح أنطوان، ويعقوب صروف، وجبران خليل جبران. وكذلك في حقل القصة التاريخية والتي ساهم في تطويرها كتّاب من أمثال: جرجي زيدان، وأمين ناصر الدين، كما تضمن الكتاب الذي غطّى فترة تاريخية هامة تقترب من نصف قرن من الزمن، دراسة عن الأقصوصة التي ركّز فيها على مدرسة المقامات، والتي طوّر بنيتها الفنية كتّاب من أمثال أحمد فارس الشدياق، وناصيف اليازجي.
إلاَّ أن نجم يعود للكتابة عن "فن القصة"، بعد حدوث تطوّرات فنية هامّة في مضمونه وشكله، وصدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب سنة 1996م، وهو يوضّح رؤيته خلف تأليف كتاب "فن القصة" بأنه يسعى من خلال فصوله المتعددة لبسط أهم ما يحتاج إليه الناقد والقارئ والمتذوّق في فهم القصة وتحليلها. كما أصدر في العام نفسه 1996م كتابه عن فن المقالة، مشيرًا كذلك في المقدمة إلى التطوّر الذي لحق بهذا الفن الهام من فنون النثر، فيذكر أن "المقالة لم تعدْ في هذا القرن فنًّا من الفنون الأدبية التي تتجلّى فيها قدرة الأديب على الإبداع، إذ تحوّلت إلى أداة سريعة في يد الصحافة". وتكشف هذه المؤلفات وسواها إلى الثقافة الموسوعية التي تتجلّى في كتاب العالم والأديب محمد يوسف نجم وإلى متابعته الدقيقة لتطوّر الفنون الأدبية، وحاجة القارئ العربي لمتابعة هذا التطوّر الذي لا يمكننا حجب أعيننا عنه، وأن ثقافة العصر تقتضي تلك الملاحقة السريعة لهذا التطوّر حتى لا تعيش الأمة في وهْم الماضي، أو تتوقف عند رومانسيته.
 
طباعة
 القراءات :771  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 100 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج