المؤتمر الأول للأدباء السعوديين وولادة المناهج والأشكال الأدبية الحديثة |
|
لم تكن للأدباء السعوديين قبل مؤتمر الأدباء السعوديين الأول المنعقد في مكة المكرمة، في الفترة ما بين 1-5 ربيع الأول 1394هـ، لم تكن هناك رايةُ تظلهم أو جهة رسمية توحدهم، إلا أنه قبل الحديث عن بعض المواقف والأحداث التي جرت داخل قاعة ذلك المؤتمر الهام الذي مضى على انعقاده ما يقرب من 36 عاماً يجدر بنا قبل التوقف عن تلك الأحداث أن نذكر شيئاً من الخلفيات الفكرية والثقافية التي سبقت انعقاد مثل هذا المؤتمر. |
بداية أنه مع نهاية الثمانينيات الهجرية ومطلع التسعينيات الهجرية- السبعينيات الميلادية، بدأت قضية التجديد في القصيدة العربية الكلاسيكية وخصوصاً التوجه نحو كتابة قصيدة الشعر الحر أو ما يعرف بمصطلحه الإنجليزي Free Verse بدأت تأخذ حيزاً هاماً في الوسط الأدبي السعودي وإن كانت الكتابة على هذا النسق التجديدي قد بدأت قبل هذه الحقبة. |
وكان الوسط الأدبي السعودي متأثراً في ذلك بما جرى على يدي مدرسة أبوللو والتي كان رائدها الدكتور أحمد زكي أبو شادي والمدرسة العراقية التي كان يتنازع فيها الريادة كل من (نازك الملائكة) و(بدر شاكر السيّاب)، وذهب بعضهم إلى أن الشاعر علي أحمد باكثير قد سبق هؤلاء في كتابة هذا الفنّ الشعري الحديث. |
وكان صدور ديوان الدكتور الأديب والشاعر غازي القصيبي (معركة بلا راية)، تأسيساً جريئاً وقوياً للقصيدة الجديدة والتي أبدع في كتابتها الشعراء الذين كانوا يجيدون كتابة القصيدة الكلاسيكية جنباً إلى جنب مع القصيدة الحديثة - أي قصيدة التّفعيلة. |
كانت القصة والرواية كأشكال أدبية جديدة للتعبير عن هموم المجتمع بدأت هي الأخرى تحتل موقعاً هاماً في الصحافة الأدبية السعودية، وبرزت أسماءٌ عديدة في هذا الفن الأدبي الجديد الذي تأثرنا فيه كبقية العالم العربي بالأدب الغربي، ورأينا الاحتفاء بروايات وقصص حامد دمنهوري وعبدالله جفري وغالب أو الفرج وإبراهيم النّاصر وسباعي عثمان وأنور عبدالمجيد وسليمان سندي وعبدالله باقازي وحسين علي حسين، وعلي حسون ومحمود المشهدي، ومحمد علوان ونجاة خياط ومحمد علي قدس وقار الله الحميد وعبدالله باخشوين، وعبدالعزيز مشري وكان للصفحات الأدبية في الصحف السعودية دور هام في تشجيع الناشئة على كتابة القصيدة الجديدة والقصة والرواية كما كان للمجلات الأدبية المتخصصة مثل (اليمامة) و(أقرأ) دور مواز لدور الصفحات الأدبية ـ في هذا الشأن. |
شكلت عودة المبتعثين السعوديين للبلاد الغربية إلى أرض الوطن وتعاطيهم مع الحركة الفكرية والثقافية والأدبية، عاملاً هاماً في تفعيل الحوارات والنقاشات الأدبية وكان لأسماء أكاديمية فاعلة مثل: عبدالرحمن الأنصاري، ومنصور الحازمي، وعبدالرحمن الشامخ، وحسن باجودة، ومحمود زيني وأحمد الضبيب، وناصر الرشيد وعمر الطيب الساسي وخالد البدلي، ومحمد زيان عمر وزاهر عواض الألمعي وراشد الراجح وعبدالله المبارك وصالح جمال بدوي وعبدالله العثيمين، ومحمد الشعفي، وعبدالله التركي، وسواهم كان لهذه الأسماء التي أرست تقاليد، علمية جديدة في الجامعات السعودية دور هام في تحفيز الساحة للمزيد من المناقشات الأدبية و الفكرية التي كانت قبل تلك الحقبة محصورة بين جيل الرّواد، كمعركة العواد وشحاتة الشهيرة، ومعركة عبدالقدوس الأنصاري وحمد الجاسر، ومعركة العواد مع كل من الأنصاري وأحمد عبدالغفور عطار، ومعركة عبدالكريم الجهيمان مع محمد عمر توفيق، والمعركة الشهيرة بين عبدالعزيز الربيع ومحمد حسن عواد حول شاعرية ثريا قابل، وأخيراً المعركة التي قامت بين الشاعر أحمد قنديل والأستاذ أحمد جمال حول كتاب الأغاني لأبي فر ج الأصفهاني والاختلاف حول منزلته العلمية والأدبية. |
لقد انعقد مؤتمر الأدباء الأول في رحابة مكة المكرمة، وكان الجيل الذي انتمى إليه، ومعي ثلة من الإخوة والزملاء الكرام مثل: عثمان الصيني، وسعيد السريحي، وثمالي القرشي، وأبوالقاسم عبدالرحيم ودخيل الله أبو طويلة ومحمد نور مقصود وحماد الثمالي وعبدالعزيز خان وبندر الجودي وصالح إمام وغيرهم، كان جيلُنا، إن لم تخني الذاكرة في المستوى الثالث من الدراسة بقسم اللغة العربية التابع آنذاك، لكلية الشريعة بمكة، وكانت كليات مكة مع بداية التسعينيات وتحديداً مع تعيين معالي الدكتور محمد عبده يماني مديراً لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة قد انضمت تلك الكليات العريقة إلى جامعة جدة ولابدّ هنا من التنويه بدور معالي المرحوم الشيخ حسن آل الشيخ وزير المعارف والرئيس الأعلى للجامعة إضافة إلى اهتمام معالي الدكتور محمد عبده يماني بمؤتمر كهذا. وكلا الشخصيتين أي حسن آل الشيخ رحمه الله ومحمد عبده يماني شاركا منذ السبعينيات الهجرية في الكتابة الأدبية في الصحافة السعودية، ولهذا جاء دعمهما لمثل هذا المؤتمر من عوامل نجاحاته وخروجه بنتائج علمية وعملية ساهمت في إثراء الساحة الأدبية والفكرية، ومكنت الأدباء من تحقيق الكثير من طموحاتهم وتطلعاتهم. |
عود لما بدأت الحديث عنه في الفقرة السابقة، كنا كطلاب في قسم اللغة العربية حريصين على حضور جلسات هذا المؤتمر وعدم التخلف عن جميع فعالياته، منذ حفل الافتتاح الذي أخذنا فيه ببلاغة الأديب والمؤرخ عبدالله بن خميس وذلك في كلمته التي ألقاها نيابة عن الأدباء، كما شد انتباهنا تلك القدرة الخطابية المتميزة عند الشاعر المرحوم حسن بن عبدالله عند إلقائه لقصيدة دعاها ((الشاعر)) إضافة إلى قصائد أخرى لجيل الرواد، وكان الملفت أن الأستاذ الأديب عبدالله بن إدريس قد اختار مجموعة من الشعر الحر ليلقيها في المؤتمر وهي لشعراء معروفين من أمثال: محمد الفهد العيسى، وعبدالرحمن محمد المنصور، ولصاحب هذه الإضمامة الشعرية نفسه وهو الأديب عبدالله بن إدريس الذي درس بعض إنتاج هؤلاء الشعراء في كتابه القيم (شعراء نجد المعاصرون). |
في حفل الافتتاح لفت انتباهنا وجود الشاعر الكبير حسين سرحان وقد دخل القاعة بصحبة الشيخ العلاّمة "حمد الجاسر"، والذي كان له فضل في خروج ديوان السرحان الأول ((أجنحة بلا ريش)). |
فلقد كان السرحان معتزلاً الوسط الأدبي وكنا في غدونا ورواحنا بين حي العزيزية حيث تقوم الجامعة وبين وسط البلد، نرى ((السرحان)) من خلال نافذة منزله المطل على حي المعابدة وكان يشكل لجيلنا مع اسم الشاعر حمزة شحاتة أسطورة ولغزاً نعجز عن فك تلك الأسرار المحيطة به. |
في إحدى جلسات المؤتمر، وأخالها التي ناقشت جوانب عن الأدب السعودي، وكان من المشاركين فيها الأستاذ عبدالعزيز الربيع، وكان من ضمن الأدباء الذين حضروا للاستماع لتلك الندوة والرائد محمد حسن عواد، ولكنه خرج قبل نهاية الندوة، وبعد انتهاء المشاركين فيها من إلقاء أوراقهم سأل أحدهم الأستاذ ((الربيع)) عن خلافه الفكري والأدبي مع الأستاذ العواد ، فرفض في شيء من الأدب والحكمة الإجابة على السؤال معللاً ذلك الرفض بأن الطرف الثاني في القضية غير موجود.. ويعني به الأستاذ العواد.. وترك هذا الموقف النبيل في نفسي أثراً كبيراً وخصوصاً أن نشأتي الأولى كانت في المدينة المنورة وتأثرت فيها بجيل أسرة الوادي المبارك والذي كان الربيع أحد مؤسسيها. |
في الختام، لقد كان من النتائج الإيجابية لهذا المؤتمر هو أنه هيأ الأجواء لتشكيل الأندية الأدبية السعودية بعد عام واحد فقط من انعقاده، وهي الأندية التي ساهمت على مدى أكثر من ثلاثين عاماً في إثراء الساحة الأدبية وانتقل الأدب فيها إلى طور جديد كان من أبرزه ذلك الحوار الفكري بين أنصار الفكر المحافظ والفكر الحداثي والذي انتهى بعد ثورة عاصفة إلى شيء من الهدوء والتناغم والتصالح. |
|