شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شاعر المليون ومأزق الإبداع بالعامية ..!
عند جميع الأمم وفي مختلف المنازع الحضارية توجد لهجات عامية ولكن الأدب الرفيع والإبداع المتميز لا يكتب إلا بلغة فصيحة، ومناسبة هذا القول هو ما أحدثه برنامج شاعر المليون من ضجة وما نتجت عنه من تبعات تصنف بأنها عودة للقبلية وتأجيج للعصبية، ولم يخل الأمر من مفارقات عجيبة حيث بلغ الإعلان عن هذا البرنامج إلى الصحف الغربية حيث حمل غلاف مجلة النيوزويك الأمريكية إعلانًا مدفوعًا عن مسابقة الشعر النبطي. [الحياة، 26 ديسمبر 2007م].
وقد حفل العصر المملوكي لأسباب وبواعث سياسية وحضارية وفكرية واجتماعية بذيوع الأدب العامي وهو (الأدب الذي دخلت لغته اللحن، وبَعُد عن قالب اللغة الفصيحة والأساليب المولدة واللهجات وإن كان قد أخذ من هذه وهذه بل ومن غيرها من اللغات الأجنبية الدخيلة على اللغة الأم). [انظر الأدب العالمي في مصر في القصر المملوكي، أحمد صادق الجمال، 1385هـ/ 1966م ص 72].
ويرى الباحث محسن مهدي في تحقيقه العلمي لكتاب ألف ليلة وليلة.. أن هذا الضرب من الأدب العامي (لم يكتب أكثره المسلمون بل كتبه العرب المسيحيون ثم اليهود، ولم يكثر المسلمون من كتابة مثل هذه النصوص إلا في العصور المتأخرة، ولعل عصر دولة المماليك في مصر والشام هو أول عصر ازدهرت وشاعت فيه كتابة الشعر والنثر غير المعرب). [انظر: كتاب ألف ليلة وليلة من أصوله العربية الأولى، حققه وقدم له محسن مهدي، ليدن، 1984م، ص 37- 38].
والمفارقة العجيبة الأخرى هي أن الأدباء والكتاب الغربيين الذين أعجبوا بالسرد العامي في قصص ألف ليلة وليلة نقلها بعضهم إلى اللغة الإنجليزية الفصحى ويبرز اسم الرحالة والأديب الإنجليزي المعروف (ريتشارد بيرتون) في مقدمة الشخصيات التي عنيت بهذه القصص. ويمكن الرجوع إلى شيء من قصص ألف ليلة وليلة التي خصها بيرتون بترجمة دقيقة ولغة إنجليزية مهذبة، في الكتاب الذي حمل اسم (حكايات محببة من قصص ألف ليلة وليلة العربية) [انظر: (Favourite Tales from the Arabian Nights Entertainments) translated by Richard Burton Dover Thrifted Edition 2001.
وبعد نهضة الأدب في العصر الحديث تخلص الأدباء من الأسلوب العامي الذي كتب به بعض أدباء الحقبة المملوكية والعثمانية إبداعاتهم الشعرية والنثرية، مما نتج عنه كما يرى الباحث والدكتور مصطفى بدوي (تراث بلاغي عقيم، ولا يزال بعضنا على الأقل يتذكر تضخم المصطلحات البلاغية من بداية نشأتها كأنواع للبديع في كتاب البديع لابن المعتز وتطورها عبر العسكري والسكاكي والسيوطي إلى أن تصل إلينا كمحسنات لفظية صرفة) [انظر: الفكر الأدبي المعاصر، جورج واطسن، ترجمة د. محمّد مصطفى بدوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1980م، ص 9].
إلا أن قضية اللفظ العامي عادت إلى الظهور عند رواد المدارس التجديدية في الأدب العربي الحديث فلقد أخذ الكاتب والأديب عباس محمّود العقاد، في مقدمته لكتاب الغربال لميخائيل نعيمة، رواد مدرسة المهجر جنوحهم لشيء من العامية، والعقاد على إعجابه بـ(نعيمة) ورفاقه الذين رأى فيهم قرابة صحيحة وجوارًا ملاصقًا في الحي الذي يسكنه من هذه الدنيا الأدبية الجديدة على حد تعبيره، إلا أنه استدرك في هذه المقدمة الهامة في تاريخ الأدب العربي الحديث قائلاً: (فرأيي أن الكتابة الأدبية فن، والفن لا يكتفي به بالإفادة ولا يغني فيه مجرد الإفهام وعندي أن الأديب في حل من الخطأ في بعض الأحيان، ولكن على شرط أن يكون الخطأ خيرًا وأجمل وأوفى من الصواب، وأن مجاراة التطور فريضة وفضيلة، ولكن يجب أن نذكر أن اللغة لم تخلق اليوم فنخلق قواعدها وأصولها في طريقنا، وأن التطور يمكن أن يكون في اللغات التي ليس لها ماض وقواعد وأصول، ومتى وجدت القواعد والأصول فلماذا نهملها أو نخالفها إلا لضرورة قاهرة لا مناص منها. [انظر الغربال، ميخائيل نعيمة ص 11، 1378هـ، المقدمة ص 1-11].
ولو تلفتنا حولنا لوجدنا مثلاً في المملكة المتحدة البريطانية لهجات مختلفة عن اللغة الإنجليزية، وخصوصًا في مقاطعتي اسكتلندا وبويلز، ولكن أدباء هاتين المقاطعتين ينافسون أدباء مقاطعة انجلترا في الحديث والكتابة بلغة اكسفورد وكيمبردج ويترسمون خطى شكسبير وديكنز، وجيفري تشوسر، وت. س: إليوت، وللمرء أن يتساءل إذا كان من حق الآخرين أن ينشدوا الشعر العامي أو النبطي في دوائرهم الخاصة ولكن أليس من المستغرب أن يتنافس الشعراء في القنوات الفضائية ـ على ضعف مواهبهم الأدبية في قول الشعر بلغة لا يفقه قاموسها إلا القلة من الناس ويتركون إبداع الشعر والأدب باللغة الفصحى التي يتحدث بها ويعيها ويدرك أبعادها ملايين الناس ليس من العرب -وحدهم- ولكن من أقوام آخرين هجروا لغاتهم وأتقنوا العربية لأنها لغة الكتاب الذي يؤمنون به، ويقرؤون آياته في صلواتهم، ولعل بعضهم يجيد لغة الضاد أكثر من أبناء العربية أنفسهم، ولعل الأمر يحتاج إلى كثير من الدرس وعظيم من الاهتمام بعد أن أدركت بعض هذه القنوات ما ارتكبته من جنوح فرفعت شعار (لا للقبلية، نعم للشعر والأخلاق).
 
طباعة
 القراءات :285  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 84 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج