رضوان السيد.. تأبين للمسيري أهم هجوم شرس على منهجه ومواقفه الوطنية ..؟! |
|
كتب الباحث المعروف رضوان السيد مقالاً في صحيفة الحياة الثلاثاء 8 يوليو 2008م، عن المفكر العربي عبدالوهاب المسيري، واختار الكاتب عنوانًا مثيرًا لكتابه وهو "عبدالوهاب المسيري ولعنة الغرب" وكأن رضوان يلمح من خلال وقفاته في هذا المقال إلى أن المسيري اختار طريقًا غير سوي في موضوع دراسة العلاقة بين الحضارتين الإسلامية والغربية، فهو عندما يذكر أن أول لقاء له بالمسيري كان في برلين عام 1983م في مؤتمر كان موضوعه الحوار الإسلامي- المسيحي، يبتدئ حديثه عن المفكر المسيري بقوله: وقد بدأ يصنع لنفسه اسمًا بتفسير الظاهرة الصهيونية وعلائقها باليهود وبأوروبا وبالمسيحية، وتوحي العبارة بأن المسيري دخل هذا الميدان العلمي دون استحقاق وجدارة، فهل اختيار مثل هذا الموضوع يسبب إزعاجًا لدى "رضوان السيد" المعروف بانحيازه للطروحات الغربية حول الإسلام دون تمحيص وتدقيق في كثير من الأحيان؟!. |
أما المسيري الذي انطلق من حقل الأدب المقارن ووسائله المتعددة فلقد استطاع أن يخرج العديد من الأعمال الفكرية والنقدية عن الحركة الصهيونية مثل مؤلفه "نهاية التاريخ مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني"، ثم موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية ـ رؤية نقدية" ثم كتاب الأيدلوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة" ثم كتاب "أرض الوعد.. نقد الصهيونية السياسية" إضافة إلى عمله الموسوعي الشامل والذي أمضى في تأليفه قرابة ربع قرن من الزمن" اليهود واليهودية والصهيونية. |
ولقد كان المسيري واعيًا بحقائق التاريخ وتحرير المصطلحات فهو في عمله الأخير فرق بين اليهود والصهيونية والتاريخ. |
والباحث "رضوان السيد" يعلم جيدًا أن الحقبة الذهبية للشعب اليهودي كما يقول وزير الخارجية الأسبق "أبا يبان" كانت في أسبانيا المسلمة، ويوضح أستاذ الأدب العبري في العصر الوسيط ريموند. ب. شاينداين Raymond P. Scheindin في دراسة علمية له عن اليهود وفي أسبانيا المسلمة حيث يؤكد هذه الحقيقة التاريخية ويبرهن عليها قائلاً: (كان للمجتمع اليهودي في الأندلس شخصيته المتميزة بين المجتمعات اليهودية القروسطية وذلك من عهد عبدالرحمن الثالث 300- 350هـ إلى زمن الموحدين "بعد 535هـ/ 1140م" ولم يتسنَّ في أي من المجتمعات اليهودية الأخرى مثل هذا العدد الكبير ممن أحرزوا مناصب مرموقة بل مراكز نفوذ في العالم غير اليهودي، ويشهد هذا الباحث بشخصيات يهودية أسهمت ثقافة التسامح والعدالة الاجتماعية من الجانب الإسلامي في بزوغ مواهبهم ومعارفهم مثل "حسد أبي بن شبرط"، وكان طبيبًا في عهد الخليفة الأموي عبدالرحمن الثالث، وإسماعيل بن النغريلة المعروف بالعبرية باسم "صموئيل ناغد" وقد لعب دورًا مركزيًا في الجولة الزيرية البربرية، والشاعر موسى بن عزرا الذي أحرز لقب صاحب الشرطة في عهد بني عباد في أشبيلية وفي مصر الفاطمية بأشر (ابن ميمون) مسيرته طبيبًا وحاخامًا وظل كتابه بالعربية (دلالات الحائرين) الأساس في الفلسفة اليهودية على مر الزمن. [انظر: الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس: تحرير د. سلمى الخضراء الجيوسي، مركز دراسات الوحدة العربية، ج1، 301- 315]. |
وظل (اليهود) ينعمون كذلك بالعيش الكريم والحياة الآمنة تحت مظلة الدولة العثمانية المسلمة، حيث كان نظام (الملة) باعتراف الباحثين الغربيين أول نظام يعرف بحقوق الأقليات في ممارسة شعائرها وطقوسها، ولم يفسد العلاقة بين العرب واليهود إلا بروز الحركة الصهيونية العنصرية والتي عملت على تهجير اليهود بالقوة إلى أرض فلسطين العربية والمسلمة، وما زال (أي اليهود العرب أو الشرقيون) يعاملون في الكيان الإسرائيلي كمواطنين من الدرجة الثانية، أو الثالثة. |
يرى (رضوان) أن الأصولية الإسلامية استفادت كثيرًا من كتابات (المسيري وإدوارد سعيد)، ويبدو أنه يعني من وراء إيراد اسم الأخير كتابه (الاستشراق)، وهو في موقفه من هذا الكتاب يبدو متماهيًا إلى حد كبير مع المستشرق اليهودي البريطاني برنارد لويس ، الذي ناصب سعيد العداء لعروبته وقوميته Bernard Lewis ودفاعه عن قضيته الفلسطينية، وقد أخبرني أستاذي المرحوم البروفيسور (وليد عرفات) والذي رأس معهد الدراسات الشرقية والأفريقية لمدة من الزمن بأن (لويس) كان يناصبه العداء لأنه فلسطيني، وكان لويس -حينئذ - يعمل في جامعة لندن كأستاذ لتاريخ الدولة العثمانية، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وانضم في السنوات الأخيرة لزمرة المحافظين الجدد كمنظر سياسي وفكري وكشف عن كثير من الحقد والضغينة للعروبة والإسلام، مع اعترافه شخصيًا بأن نزعة عداء السامية نمت ونشأت في المجتمعات الغربية وليس الإسلامية. [انظر كتاب: لويس Semites and Anti-Semites, weiden Feld Niclson, London, 1986]. |
يسوق (رضوان) في مقاله المذكور هذه العبارة التي تحمل في طياتها تهمًا مضللة عن الفكر (المسيري)، يقول رضوان وبالفعل ما إن جاءت التسعينيات من القرن الماضي حتى كان نجم عبدالوهاب المسيري قد كسف كل الشموس الأخرى وفي ثلاثة مجالات: شرور الثقافة الغربية والتيارات التغريبية فيها، والصهيونية باعتبارها ظاهرة قوية جدًا في الحضارة الغربية، والإسلام السياسي، وقد يتوهم القارئ أن (رضوان) يمتدح المسيري في هذه المجالات التي برز فيها بموضوعية وحيادية، ولكن واقع الأمر أن رضوان كان يأخذ على المسيري انتقاداته الجريئة لهذه الظواهر مجتمعة لارتباطها ببعضها البعض لعوامل سياسية واجتماعية وفكرية فنراه يرفع صوته غاضبًا ومجردًا (المسيري) من موضوعيته ومنهجيته، وذلك عندما يقول عن إنتاجه الفكري وكتب المسيري إنها كتب مخلوطة، بمعنى أنه يعرض مزيجًا من المعلومات والاكتشافات والنتائج السريعة والطريفة التي تدهش أنصاف المثقفين، ولقد تسرع رضوان في حكمه، فالمسيري لم يقل بفساد الحضارة الغربية في مجمل ظواهرها، ولكنه حذّر من بعض شرور هذه الحضارة وهذا أمر نجده عند كثير من الفلاسفة ورجال الدين الغربيين أنفسهم، فأرنولد توينبي Arnold Toynbee له آراء معروفة في نقد بعض مظاهر حضارة بني قومه، يقول المؤرخ الغربي توينبي: هناك مصدران ظاهران من مصادر الخطر: الأول نفسي والثاني مادي في العلاقات الحاضرة بين البروليتاريا العالمية وبين الفئة الحاكمة في مجتمعنا الغربي، ومصدر الخطر هذان هما: التمييز العنصري، والخمر، وفي مجال الصراع ضد هذين الشرين نجد للفكر الإسلامي دورًا يؤيده ويبرهن فيه إذ سمح له بتأدية هذا الدور عن قيم اجتماعية وأخلاقية سامية، فعدم وجود التمييز العنصري بين المسلمين هو أحد أبرز الإنجازات الأخلاقية للإسلام، والعالم المعاصر في وضعه الراهن بحاجة ماسة لنشر هذه الفضيلة الإسلامية. [انظر: أرنولد توينبي الإسلام والغرب والمستقبل، تعريب الدكتور نبيل صبحي، دار العروبة للطباعة والنشر-بيروت، ط11، 1389هـ - 1969م، ص: 62]. |
وتناول قبل مدة وجيزة كبير أساقفة كانتربري في بريطانيا د. روان ويليامز Dr. Rown Williams كثيرًا من مظاهر الحضارة الغربية السلبية، وحملت صحيفة الديلي تلغراف المحافظة كثيرًا من مقالات ويليامز في هذا الشأن الذي يتقبله الغربيون في نقد حضارتهم، ولا يتقبله المنبهرون إلى حد الثمالة بمظاهر الحضارة الغربية دون تمييز. [انظر: عن مقالات أسقف كانتربري Canterbury The Weekly. Telegraph. 26 Mar, 1 Apr. 2008]. |
جل ما يأخذه رضوان على المسيري وإدوارد سعيد أن الحركات الأصولية المتشددة قد أفادت من النقد الذي وجهاه للغرب، والأمر الذي يعرفهن المبتدئون فضلاً عن المتعمقين في هذا الباب، أن مأخذ المفكرين المسيري وسعيد تنحصر في موضوع التسلط البشع للفكر الغربي الاستعماري والذي كانت منه المجتمعات العربية والمسلمة، أما ظاهرة الصهيونية فهي لم تكن لتفلح في البروز لولا احتضان بريطانيا لرموز الحركة الصهيونية ومنظريها –بداية- مثل حاييم وايزمن Chim Weizman، الذي اتصل عن طريق محرر صحيفة مانشستر جارديان بوزير الخارجية البريطانية والمحافظ "آرثر بلفور" Balfour صاحب القرار البريطاني الشهير بإنشاء الكيان الإسرائيلي الغاصب فوق أرض فلسطين العربية والمسلمة، مع وجود كتاب غربيين انتقدوا بشدة ظاهرة الصهيونية، مثل روجيه غارودي، وكريستوفر ماتيهو ودافيد إيرفنج وغيرهم. |
|