شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نازك الملائكة بين ريادة الإبداع والتنظير لقصيدة الشعر العربي الحديث..
الكتابات التي تلت وفاة الشاعرة نازك الملائكة "1923-2007م"، آخر جيل رواد الشعر الحر من أمثال: علي أحمد باكثير، وعبدالوهاب البياتي، وصلاح عبدالصبور، وغيرهم، كانت بعض هذه الكتابات تحاول الوصول إلى حقيقة هامة وهي ريادة هذا الضرب من الشعر، فالبعض، كما يذكر الباحث محمّد إهاب، يعيد شرف هذه الريادة إلى نازك الملائكة، والمتمثلة في قصيدتها "الكوليرا"، على تفعيلة بحر الخبب "فَعِلُنْ"، والتي نُشرت بمجلة العروبة "سبتمبر 1947م"، والمنشورة في ديوانها الشعري "شظايا ورماد"، والبعض الآخر يجيرها للسياب من خلال قصيدته "هل كان حبًا؟" والمنشورة في ديوانه الشعري "أزهار وأساطير".
[انظر: المعلمة الرائدة نازك الملائكة، أيقونة الشعر العربي الحديث، صحيفة الاتحاد الاشتراكي المغربية، الثلاثاء 21 أغسطس 2007م، ص 8].
وهذا البحث عن مثل هذه الريادة نجده عند الباحثين الأوائل في الأدب العربي، وذلك عند بروز قصيدة الموشح الأندلسي، ولم يصلوا إلى رأي قاطع في هذا الموضوع، كما لم يصل اللاحقون لمثله في ريادة قصيدة الشعر العربي الحديث، ولابد لنا من البحث في السياقات الحضارية والفكرية والثقافية التي تقف خلف هذه المنعطفات الهامة في تشكيل وصياغة الفنون الجديدة أو المغايرة لما سبقها.
فقصيدة الموشح التي عاشت أندلسية، وقضت أندلسية: أخذت أبعاد تطور شكلها الفني الجديد من حيث الصياغة والمضمون من المجتمع الأندلسي؛ الذي شهد تفاعل ثقافات عدة، ونلاحظ أن الثقافة العربية والإسلامية في تلك الحقبة، لتسامحها وانفتاحها وعالميتها، لم يقتصر تأثيرها على الإبداع الأدبي الجديد، والمتمثّل في قصيدة الموشّح، والتي يرى البعض أنها أثرت في شعر الجوالين أو التربادور في جنوب فرنسا، ثم انتقل هذا التأثير مع ضروب أخرى من فنون الأدب العربي الحديث، مثل قصص ألف ليلة وليلة، إلى الآداب الأوروبية الأخرى مثل الأدب الإيطالي، وخصوصًا عند "دانتي"، "وبترارك"، و"بوكاشيو" الذين أثبتت الدراسات العلمية تأثرهم بعناصر من الفكر الإسلامي والأدب العربي، وانتقل تأثرهم إلى الأدب الإنجليزي وخصوصًا عند الشاعر جيفري تشوسر Geoffery Chaucer، حيث أشار بعض الباحثين الإنجليز مثل "هاملتون جب"، و"أدموند بوزورث" إلى أن الإشارة التي وردت في قصيدة "تشوسر" المعروفة باسم "حكاية الفارس الغلام" Squires Tale، فيها دلالة على التأثر بقصص ألف ليلة وليلة، والتي يحتمل رجوع انتشارها في أوروبا إلى أولئك التجار الإيطاليين الذين كانوا يترددون على إقليم البحر الأسود.(انظر بحث "ادموند بوزورث" الموسوم:C.E. Bosworth. The Influence of Arabic
Literature On English Literature, Azvrc, Caver. London. P. 5-15. 1980
وفي الشعر العربي الحديث لا يمكن إغفال السياقات الحضارية والفكرية والاجتماعية التي كانت تؤثر بدورها في بنية الشعر العربي، وتدفعه طبيعيًا لارتياد آفاق جديدة، فكان ظهور شعر التفعيلة عند السياب، وملائكة، وباكثير، ونجيب الريحاني، في وقت متقارب دون أن يعلم أحدهم بالآخر، فالعنصر المؤثر ليس العلاقة بين هذه الشخصيات ومعرفتهم ببعضهم البعض، بمقدار ما هو السياق الحضاري الذي كانت تمر به الأمة العربية والإسلامية، وخصوصًا لجهة محاولة هذا الجزء من العالم للتحرر من سطوة الاستعمار، والتي أثرت سلبًا في مسيرته العلمية والثقافية، وجاء الشعر لينبئ عن مسيرة جديدة للأمة، مرتادًا آفاقًا جديدة ومتطورة، إلا أنه يبقى لنازك الملائكة دور إضافي ومتميز ومنفرد عن بقية مجايليها، وهو كما يذكر الدكتور إحسان عباس في كتابه عن "بدر شاكر السياب.. دراسة في حياته وشعره" بأن كتاب نازك الملائكة "قضايا الشعر المعاصر" والصادر سنة 1962م، هو العمدة لشرح وتحليل البنية العروضية لقصيدة الشعر الحر أو شعر التفعيلة، واضعة قواعد الشعر ونظامه الهندسي وأوزانه وقافيته، مستندة على ثقافة شعرية عربية قديمة، وقراءة عميقة لمطولات الشعر الإنجليزي الرومانسي، وهذا الضرب من الشعر الرومانسي الإنجليزي أو مجموعة شعراء الخزانة الذهبية أثروا في معظم الحركات العربية الشعرية التجديدية بدءًا من مدرسة الديوان عند العقاد والمازني وشكري، وانتهاء بمدرسة أبوللو عند أحمد زكي أبوشادي، وابراهيم ناجي، ومختار الوكيل، والهمشري، والشابي دون أن يفقدوا صلتهم بالتراث العربي القديم.
وقد كانت نازك، كما تذكر الباحثة "ريم قيس كبة"، غيورة على تراثها، تخاف عليه من الطارئين والمستسهلين، وقد عمدت إلى تقديم شرح عميق ومفصّل عن هذه الحركة الشعرية الجديدة التي قالت عنها نازك الملائكة بأنها: إذا كانت تفي غرضًا أو سواه في الشعر فإنها لن تفي شعرنا كل أغراضه، فهي اختارت لثورتها نصف البحور الشعرية، وخافت على نصفها الثاني من الضياع، لقد كتبت بصدق ووضوح: إما أن تندثر أغراض الشعر القديم، أو تندثر حركة الشعر الحر: [انظر: نازك الملائكة الثائرة الملتزمة، ريم قيس كبة، مجلة أدب ونقد، أغسطس 2007م، العدد 264، ص: 49-80].
إضافة إلى الرصيد المعرفي العميق بالتراث العربي القديم فإن انفتاح نازك الملائكة على الآداب الغربية الأخرى وخصوصًا لارتيادها آفاق الآداب العالمية الأخرى، حيث نالت درجة الماجستير من جامعة "وسكنسن" في الولايات المتحدة الأمريكية في الأدب المقارن، وكانت ترجماتها لروائع الأدب الإنجليزي ومنها قصيدة الشاعر الإنجليزي توماس غراي والموسومة "مرثية في مقبرة ريفية"، تكشف عن حرصها على روح النص الأصلي، ومخلصة له وللغته، ومع حرصها على اللغة العربية التي ترجمت إليها". [انظر: دراسة ريم كبة السابقة، مجلة أدب ونقد، ص 54].
لقد جمعت نازك الملائكة بين ريادتين في مسيرة الشعر العربي والحديث: إحداهما تتصل بالإبداع القائم على ضروب التفعيلة، دون أن يعني ذلك خروجًا وتمرّدًا على التراث العربي القديم، ولكنه تجاوب واتساق مع السياق الحضاري والفكري الذي كانت تمر به الأمة العربية في انتفاضتها على عوامل التخلف التي لحقت بمسيرة الأمة منذ نهاية العصر العثماني وحتى مشارف العصر الحديث، والجانب الآخر الأهم هو مقدرتها على التنظير لهذه التجربة الشعرية الجديدة، وهذا ما جعل الناقدة الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي في دراستها التي أعدتها في جامعة لندن تحت إشراف البروفيسور الراحل وليد عرفات والموسومة "التيارات والمدارس في الشعر العربي الحديث"، والصادرة عن مؤسسة بريل بهولندا، جعلها تدعو عن حق ورؤية موضوعية إلى تكريم هذه المرأة (الملائكة) التي خططت بجرأة رائدة لا مثيل لها، وبصيرة لا منافس لها لثورة شعرية قامت بتغيير الشعر العربي في وقتها، وفي كل أزمنة المستقبل، وبنقل محمّد إهاب رأي الناقد مارون عبود عن دور نازك الملائكة: اذهبي فأنت أشعر من كل أنثى، مستحضرًا في خاتمة هذه المقالة رأي الناقد السعودي الكبير محمّد حسن عواد في تجربة الشاعرة ثريا قابل من خلال ديوانها "أوزان باكية" بأن في شعرها غنائية تفوق غنائية الشريف الرضي، ولعلها نشوة عبود والعواد بدور رائد للمرأة ـ في الحياة الفكرية والثقافية والأدبية ـ هو ما دفعهم للتحريض على فعل ثقافي مغاير، ويبقى السؤال قائمًا: هل نالت نازك الملائكة حقها من التكريم الأدبي لريادتها في إبداع القصيدة الشعرية الحديثة، ولتأصيلها نقديًا لهذا الضرب من الشعر حتى لا يضحى حماه مستباحًا لكل من تسول له نفسه اقتحامه من غير معرفة ودراية وموهبة؟!.
 
طباعة
 القراءات :321  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 75 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.