دار الفرقان والاثنينية وجهود رائدة في الحفاظ على تراثنا الفكري والأدبي .. |
|
تفتخر جزيرة العرب بالرجال الذين قدموا العلم ونشره في حياتهم على ما سواه، سواء كانوا علماء في حلقات الدرس بين أساطين المسجدين الشريفين من أمثال مشايخنا أصحاب الفضيلة حسن المشاط، والسيد حسن يماني، والسيد علوي المالكي، وابنه السيد محمّد بن علوي، ومحمّد بن مانع، ومحمّد نور سيف، والسيد محمّد أمين كتبي، وعبدالله اللحجي، وعبدالله بن حميد، وعبدالله خياط، وعبدالله الخليفي، وعبدالرزاق حمزة، والسيد حسن فدعق، وعبدالمهيمن أبوالسمح، وصالح الزغيبي، وعبدالعزيز بن صالح، ومحمّد بن علي التركي، ومحمّد المختار الشنقيطي، وعطي سالم، وعمر جاد فلاته، وحسن الشاعر وسواهم، أو كانوا حملة أقلام ودعاة كلمة طيبة، من أمثال السيدين علي وعثمان حافظ، وصالح وأحمد جمال، وأحمد عبدالغفور عطار، وحمد الجاسر، وعبدالكريم الجهيمان، وعبدالله بن خميس، ومحمّد سعيد العامودي، والسيدين عبيد وأمين عبدالله مدني، ومحمّد العقيلي، ومحمّد علي السنوسي، وعبدالعزيز الربيع، وعبدالكريم الخطيب، وحسن الهويمل وعلي العبادي، وعاتق بن غيث البلادي، وعبدالله سلامة الجهني، وعبدالعزيز الرفاعي، ومحمّد عبدالقادر فقيه، وأساتذتنا من أصحاب المعالي والفضيلة والأساتذة الكرام في مؤسساتنا التعليمية عبدالوهاب أبوسليمان، وراشد الراجح، ومحمّد إبراهيم علي، ومحمود سفر، ومحمّد عبده يماني، وعبدالعزيز الخويطر، ومنصور الحازمي، وخالد البدلي، وحسن باجودة، وعزت خطاب، ومحمود زيني، وعمر الطيب الساسي، ومرزوق بن تنباك، وعبدالله المعيقل، وعبدالله المعطاني، وأبوبكر باقادر، وصالح بدوي، ونحمد الله أن جعل بين أبناء هذه الأسر العلمية والشخصيات الفكرية والأدبية من يحملون رسالة آبائهم حبًا في العلم وتقديرًا لأهله، وأعلم أنني سوف أتحدث عن شخصيتين كريمتين يعرف ذوو الفضل فضلهم، ويقدرون لهم إسهاماتهم النيرة وجهودهم العلمية المباركة، ولا يمنع أن يكون في مجتمعنا من هم مثلهم من الرجال في حمل الرسالة، وأداء الأمانة، ولكنني أذكرهما كأمثلة حية ونماذج مضيئة في مجتمعنا الذي عرف العلم منذ أن نزلت آيات الوحي المبين عل سيد الخلق أجمعين سيدنا محمّد بن عبدالله عليه صلاة الله وسلامه وذلك في أول كلم يتنزل وقرآن يتلى اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم (العلق: 1-5). |
سوف أتحدث بداية عن شخصية معالي المفكر السيد أحمد زكي يماني الذي يفتخر دومًا بتشرفه بالانتساب للعلم وأهله، فهو إن كان سليل أسرة علم عريق ومتأصل في البلد الحرام فجده السيد العلاّمة سعيد يماني ووالده السيد المحدث حسن يماني وكلاهما من أصحاب الفتوى المنضبطة بشرع الله وهدي سيد ولد عدنان عليه صلاة الله وسلامه وخصوصًا في أصول وفقه مدرسة الإمام الشافعي -رحمه الله- لم يمنعه ذلك من التوجه لحلقات العلم الأخرى والتي أدرك كاتب هذه السطور طرفًا منها فيجثو على ركبتيه طلبًا للعلم الشرعي عند علماء أفذاذ من أمثال أصحاب الفضيلة المشائخ، عمر بن حمدان المحرسي والملقب بـ"محدث الحرمين"، وشيخنا الفقيه المالكي حسن المشاط، والفقيه الحنبلي المعروف محمّد بن مانع، والشيخ عبدالله دردوم، وكان هذا الأخير على رغم تعمقه في علوم النحو والصرف والعروض والآلة من أكثر أنداده تواضعًا ورقة وبعدًا عن مظاهر هذه الدنيا الفانية وبهرجها ويذكرني في ذلك بشيخنا علي بن بكر الكنوي "ت: 1399هـ" رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح جناته. |
لقد جمع الله للسيد زكي يماني بين علوم الشرع الحنيف ولغة القرآن وأضاف إليهما من العلوم الحديثة في القانون وسواه ما يذكره عن الغربيين ويجهله للأسف بعض بني قومه. |
أنشأ السيد زكي "دار الفرقان" التي تخصصت في البحث عن المخطوطات العربية والإسلامية في جميع أنحاء العالم، والسعي لصيانة ما أتلفته أيدي الأعداء من متونها كما حدث في مأساة البوسنة والهرسك، إضافة إلى تقصي المخطوط العربي الموجود في المؤسسات الغربية مثل المتحف البريطاني، وشيستر بيتي، ولا يدن، والكونجرس، والفاتيكان، وغيرها من دور المخطوطات العالمية. |
وتفرع عن "دار الفرقان" مؤسسة تعنى بتاريخ المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وذلك لأن في العناية بتاريخ مهبط الوحي وموئل الرسالة، سببًا موصلاً وقويًا للعناية بتاريخ الإسلام وحفظه من الانقطاع أو الضياع، وهناك مجلس أعلى للموسوعة يعنى برسم الخطوط العريضة للنهج الذي تسير عليه الموسوعة، ومجلس علمي يتولى الإشراف المباشر على الخطوات التفصيلية لهذا العمل غير المسبوق، والذي لا ينحاز إلا للرؤية العلمية والمنهج الأكاديمي المحض، وبعد أن كان هذا العمل حلمًا أضحى حقيقة وإن بعد به صاحبه أبوهاني عن كل المظاهر والدعاوى، وكان من آخر إسهامات دار الفرقان نشرها للثبت الكبير لشيخنا العلاّمة والفقيه المالكي حسن المشاط رحمه الله 1317/1399هـ. وقد تضمن كذلك كتاب الشيخ المشاط الموسوم "الجواهر الثمينة في أدلة عالم المدينة" مقدمة ضافية كتبها فضيلة الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان، أحد أبرز طلاب حلقة الشيخ المشاط، تحدث فيها عن حياة الشيخ المشاط وأهم من تلقى العلم عنهم مثل المشائخ: عبدالرحمن دهان، وعيسى رواس، ومحمّد حبيب الله الجكني الشنقيطي، وكتاب الجواهر يتعرض بإسهاب للأدلة التي بنى عليها الإمام مالك مذهبه المعروف وهي أدلة كما يذكر الشيخ المشاط تتشبث بعرى الشريعة الحنيفة. |
ويعتبر إخراج ثبت شيخنا المشاط؛ والذي أكرمني الله بأخذ سند بعض الأحاديث النبوية عليه سندًا ورواية من مثل الحديث المشهور الذي كان يحرص المشائخ على تلقينه لطلابهم وهو حديث "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".. وهو من الأحاديث التي رواها الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكذلك رواه أصحاب الكتب المعتمدة، ويذكر المحدث إسماعيل العجلوني في "كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، ط3، ج1، ص 10"، بأن الإمام مالك روى هذا الحديث ولكن في غير الموطّأ، ولكنه ينقل عن الإمام السيوطي أن الحديث موجود في الموطأ من رواية محمّد بن الحسن صاحب أبي حنيفة. |
يعتبر هذا الثبت؛ أي ثبت الشيخ المشاط، حلقة هامة في كتب الإسناد الهامة التي خلفها علماء أفذاذ من شيوخ العلم مثل"فتح القوي في ذكر أسانيد السيد حسن حبشي العلوي 1290-1365هـ" وكذلك "الدليل المشير إلى فلك أسانيد الاتصال بالحبيب البشير" للسيد أبي بكر أحمد بن حسين بن محمّد بن حسين الحبشي العلوي 1320-1347هـ وكتب الإسناد الهامة لمسند العصر الشيخ المحدث محمّد بن ياسين الفاداني ومنها المخطوط مثل كتابه "قرة العيون في أسانيد شيوخي من أعلام الحرمين" ومنها المطبوع مثل "إتحاف السمير بأوهام ما في ثبت الأمير"، وجاء تكملة للمرجع المعروف عند علماء الحديث "سد الأدب من علوم الإسناد والأدب" من تأليف الشيخ أبي عبدالله محمّد الأمير الكبير المصري والسفر الآخر الذي أثبت فيه الشيخ الفاداني أسانيد شيخه محدث الحرمين الشيخ عمر بن حمدان المحرسي 1292-1368هـ والمشهور باسم "اتحاف الإخوان باختصار مطمح الوجدان في أسانيد الشيخ عمر حمدان" كما أخرج السيد الفاضل والمحدث المعروف محمّد بن علوي المالكي -رحمه الله- كتاباً حوى أسانيد جده الشيخ عباس بن عبدالعزيز مالكي 1270-1353هـ ودعاه بـ"نور النبراس في التعريف بأسانيد ومرويات الجد عباس"، كما خرج مسند السيد محمّد المالكي نفسه والموسوم "العقود اللؤلؤية بالأسانيد العلوية" بتقديم من المحدث الشيخ محمّد ياسين الفاداني، والذي يذكر في مقدمة هذا الثبت التي زودني بها مشكورًا طالب العلم ورفيق العلماء السيد سمير برقة-يذكر شيخنا الفاداني أنه أخذ في مروياته عن السيدين عباس المالكي وابنه السيد علوي المالكي- رحمهما الله- وكل منهما علم في فنون الشريعة وخصوصًا في علم الإسناد الذي شرف الله به الأمة المحمّدية. |
كما أخرجت دار الفرقان كتابًا هامًا في تاريخ مدينة القدس العربية والمسلمة والموسوم "تاريخ القدس الخليل" وهو من تأليف الشيخ شمس الدين محمّد بن شرف الدين الحنبلي، وحققه كل من محمّد عدنان البخيت، ونوفان رجا السواريه، وفي إخراج كتاب كهذا عن مدينة القدس وفي الحقبة التي تسعى فيه الحركة الصهيونية لتهويد مدينة القدس وطمس معالمها الإسلامية والعربية يعتبر دليلاً على اهتمام هذه الدار وصاحبها بتاريخ مكة وأعلامها وتاريخ القدس الشريف، وكذلك تاريخ بلد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم حيث أخرجت الدار كتاب وفاء الوفا للإمام نور الدين علي بن أحمد السمهودي المتوفى سنة 1911م، وهو من أهم المصادر وأشملها مادة تاريخية عن دار الهجرة ومثوى سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد كانت آخر طباعة من الكتاب بتحقيق المرحوم الأستاذ محمّد محيي الدين عبدالحميد سنة 1374هـ-1955م، حتى تم إخراجه عام 1422هـ-2001م، محققًا عن دار الفرقان على يد الدكتور قاسم السامرائي في خمسة أجزاء. |
وفي تاريخ مكة شرفها الله نشرت الفرقان كتاب "نيل المنى بذيل بلوغ المنى لتكملة إتحاف الورى" والكتاب يؤرخ فيه جار الله بن العز بن فهد المكي للمرحلة التاريخية من 922هـ إلى 946هـ ويعتبر القرنان التاسع والعاشر الهجريان، كما يذكر محقق الكتاب محمّد الحبيب الهيلة، من أثرى القرون إنتاجًا في ما كتبه أبناء مكة وعلماؤها عن تاريخ البلد الأمين، وقد خرج الكتاب سنة 1420هـ ـ 2000م في جزأين وبلغت صفحاته مع الفهارس في حوالي 1025 صفحة. |
والمؤلف لهذا الكتاب هو حفيد المؤرخ المكي المعروف نجم الدين عمر بن محمّد بن فهد المكي المتوفى سنة 885هـ والذي وضع كتابه المعروف "إتحاف الورى بأخبار أم القرى" على غرار الأسفار الكبيرة من الحوليات العامة والتي اشتهر مؤرخون كبار من أمثال الطبري وابن الأثير والذهبي وابن كثير وغيرهم. |
وقد قام مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة بطباعة هذا الكتاب سنة 1403هـ محققًا من قبل الباحث المعروف فهيم شلتوت الذي قام قبل ذلك بتحقيق كتاب تاريخ المدينة لأبي زيد عمر بن شبه على نفقة المرحوم السيد حبيب محمود أحمد سنة 1402هـ وقد اطلعت شخصيًا في مطلع التسعينيات الهجرية على مخطوطة كتاب ابن شبة في مكتبة رباط الشيخ محمّد مظهر الفاروقي والتي كانت تقع في حارة الأغوات، وهو المكان الذي كان يفصل بين منطقة باب جبريل من الحرم النبوي الشريف وبقيع الغرقد، وللتأريخ فإن الدكتور سليمان الغنام قام بتحقيق الجزء الأول من المتبقي من كتاب ابن شبة تحت إشراف البروفيسور "إدموند بوزورث" الأستاذ سابقًا بقسم دراسات الشرق بجامعة مانشستر فكتوريا بالمملكة المتحدة، ومحرر الموسوعة الإسلامية الصادرة عن دار "بريل" بهولندا، [انظر: فهرست الرسائل العلمية بالمملكة المتحدة لعام 1973-1974م، فصل اللغات الأخرى، ص 467، لندن: 1975م]، ولقد قدم الباحث الدكتور محمّد الحبيب بن الهيلة عملاً آخر لا يقل أهمية عن الأعمال الأخرى التي توفرت دار الفرقان على الاعتناء بها ونشرها، وعمله هذا يتمثّل في الكتاب الهام الموسوم "التاريخ والمؤرخون بمكة" من القرن الثالث الهجري إلى القرن الثالث عشر، وصدر هذا المرجع الهام في عام 1994م. |
ويمكن مشاهدة اهتمام دار الفرقان بالمناسبة الثقافية الكبرى لأم القرى -شرفها الله- وتزامنًا مع حدث علمي كبير كهذا وذلك عن طريق رصد الأعمال العلمية المتنوعة والتي صدرت عن الدار وهي سلسلة بدأت بكتاب مراسلات الباب العالي للدكتور سهيل صابان، ورحلة الرحلات في مجلدين للدكتور عبدالهادي التازي، والحياة العلمية في الحجاز في العصر المملوكي، والأربطة في مكة من عهد النبوة حتى نهاية العصر المملوكي، ثم الأربطة في مكة في العصر العثماني، ويتوقع صدور الكتاب المخطوط في تراجم علماء مكة، من تأليف الفقيه الشافعي الشيخ زكريا ييلا -رحمه الله- وتحقيق كل من العالمين الفضيلين فضيلة الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان والدكتور محمّد إبراهيم علي، وكذلك كتاب يتحدث بالتفصيل عن صناعة الكتب والكتابة في الحجاز في العصر النبوي والخلافة الراشدة ويتوقع صدور مؤلفات تاريخية وفكرية وأدبية أخرى عن العاصمة الدائمة للثقافة والفكر مكة المكرمة، شرفها الله وزادها مهابة وإجلالاً وأمنا. |
كما خصص المفكر يماني جائزة باسم شاعر مكة المكرمة، المرحوم السيد محمّد حسن فقي، ولقد كان جزء كبير من أدبنا، وخصوصًا أدب وفكر الرواد من أمثال: شحاتة، والقنديل، وعرب، وعبدالله وعبدالجبار، والجاسر مجهولاً في بعض البيئات الأدبية العربية، ولولا "تيارات" أستاذنا عبدالجبار ومقدمته الضافية لكتاب الناقد مصطفى السحرتي والموسوم "الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث" ط2، 1404هـ، تهامة"، ومجلة اليمامة ومنشورات دارها التاريخية والجغرافية برعاية المؤرخ الكبير حمد الجاسر رحمه الله وابنه من بعده، أو ما أخرجه المؤرخ المعروف السيد أمين مدني من أجزاء متلاحقة وغنية عن تاريخ العرب في أجزاء بلغت في مجموعها ما يقرب من ألفي صفحة، وكذلك ما أخرجته تهامة في عهد رئيسها السابق الإعلامي الأستاذ محمّد سعيد طيب وخصوصًا لما خلفه المرحوم "شحاتة" من تراث شعري ونثري وللمصادر الأولى عن أدبنا مثل "وحي الصحراء" وسواه، لولا هذه الجهود المؤسساتية وفعاليات الأندية الأدبية ـ وجمعية الثقافة والفنون ومهرجان الجنادرية السنوي وجهود بعض الشخصيات الأدبية الفردية مثل جيل الرواد من أمثال صالون الأستاذ إبراهيم أمين فودة في القاهرة المشهور باسم "العوامة"، وسعي السيد إبراهيم الفيلالي، وإبراهيم وحسن فطاني، وحسن القرشي، وطاهر زمخشري، والسيد علي زين العابدين، وعبدالسلام الساسي، وعبدالله جفري، وحمزة بوقري، ومحمّد زارع عقيل، وإبراهيم الناصر، وأجيال رديفة لهم من أمثال تركي الحمد، وسعد البازعي، وأسامة عثمان، وسعيد السريحي، ومصطفى زقزوق، وعبدالله جبر، ومحمّد الحساني، وسعد الحميدين، وفاروق بنجر، وحسين بافقيه، وطاهر تونسي، وجميل مغربي، وحسن النعمي، وصالح باشراحيل، ومحمّد خضر عريف، وحسين الغريبي، وعالي القرشي، ومعجب العدواني، ومحمّد المنقري، وجهود الجيل الجديد من كتاب الرواية من أمثال عبده خال، وعبدالله التعزي، ومحمود تراوري، ورجاء عالم، وفهد العتيق، ومحمّد علوان، وفوزية البشر، وليلى الجهني وسواهم، لولا هذه الجهود المتضافرة الجماعية أو الفردية، وسعيها المتواصل لما استطاع صوت الفكر والأدب في بلادنا أن يبلغ شيئًا عن المدى الذي يفترض أن يبلغه، فالأرض التي أنبتت حسان بن ثابت، وعبدالله بن رواحة، وكعب بن مالك، وعمر بن أبي ربيعة، والوليد بن يزيد، والشريف الرضي، ومن قبلهم امرؤ القيس، وطرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى، وعنترة، والنابغة، والأعشى وغيرهم، هي الأرض التي يفترض فيها أن تقدم للأرض وللإنسانية الكلمة المعتدلة، والإبداع الذي ترتوي منه النفوس حبًا ورقة ويرتقي بها سلوكًا وخلقًا. |
الشخصية الثانية التي لعبت على مدى ربع قرن من الزمن دورًا رائدًا في نشر الكلمة وتشجيعها هي شخصية الأديب الأستاذ عبدالمقصود خوجه، وهو رجل عصامي انطلق من حلقات العلم في المسجد الحرام فلقد كان أحد طلاب العلاّمة المحدث السيد علوي المالكي، وتأثر بنهج والده الأديب الأستاذ محمّد سعيد خوجه، والذي أصدر مع رفيق دربه الأستاذ والشاعر الكبير عبدالله بلخير، أول بيان جماعي لأدباء هذه البلاد وهو كتاب "وحي الصحراء" والذي صدر عام 1355هـ، وسبقه كتاب "خواطر مصرحة" للأستاذ الكبير محمّد حسن عواد و"أدب الحجاز" من جمع وترتيب الأستاذ محمّد سرور الصبان، وكلاهما صدر، إن لم تخني الذاكرة، سنة 1344هـ. |
الأستاذ والإنسان عبدالمقصود خوجه يعترف دومًا بأثر جيل الرواد الذي خالطهم من أمثال الأساتذة: عبدالله بلخير، وعبدالله عبدالجبار، وعبدالقدوس الأنصاري، وأحمد عبيد المدني، ومحمّد حسين زيدان، وعبدالعزيز الرفاعي، وعلي وعثمان حافظ، وأحمد وصالح جمال وسواهم من الأدباء في مصر وسوريا ولبنان، فتلك الانطلاقة من رحاب البيت الذي تؤوي إليه النفوس المؤمنة، ونشأته في بيت أدب وعلم، ومجالسته للكبار في علمهم وأدبهم وسلوكهم، حبب إليه الكلمة فتعمقت في نفسه فبرز متممًا لدور الرائد الكبير الأستاذ محمّد سرور الصبان، الذي شجع كثيرًا من الأدباء على نشر إنتاجهم الفكري والأدبي، فكانت الاثنينية، ذلك الصالون الأدبي الذي احتضن كل الأجيال وشجع التواصل بينها، وتزامنًا مع الاحتفاء باختيار مكة عاصمة للثقافة، وهي موئل العلم والمعرفة طوال العصور ومنذ أن نزل الوحي بين جنباتها على سيد الأولين والآخرين عليه صلاة الله وسلامه، قام الأستاذ عبدالمقصود -جزاه الله خيرًا- بطباعة إنتاج الرواد من أمثال: حسين عبدالله سراج، وعبدالوهاب آشي، والسيد أحمد العربي، وعبدالحق نقشبندي، وعبدالحميد عنبر، وعزيز ضياء، ومحمّد حسين زيدان -رحمهم الله- وغيرهم من الأدباء المعاصرين من أمثال السيد عبدالله الجفري، ومحمّد صالح باخطمة، ومصطفى زقزوق، ومحمّد إسماعيل جوهرجي، إضافة إلى بعض الكتب الهامة في تاريخ مكة مثل: أخبار مكة للأزرقي والذي صدرت طبعته الأولى بتصحيح الأستاذ رشدي ملحس سنة 1352هـ. |
وتأتي هذه الإصدارات الأدبية الهامة امتدادًا لما سبق أن قام به الأستاذ عبدالمقصود من اهتمام بإنتاج عدد من الأدباء من داخل البلاد وخارجها، على امتداد رقعة العالمين الإسلامي والعربي، ويدخل في ذلك الأعمال الكاملة للأستاذ أحمد الشامي، وأعمال أدبية تخص الأساتذة: محمود عارف، وعبدالسلام حافظ هاشم، والدكتور زاهد حمد زهدي، ويحيى السماوي، وعبدالله بلخير، وزكي قنصل، ومحمّد إبراهيم جدع، وبدوي طبانه، والشيخ أحمد الزرقاء، ومحمّد حسن فقي، وخالد البرادعي، وعبدالعزيز الرفاعي، وفاروق بنجر، وسعد البواردي، وخالد القشطيني، وأحمد إبراهيم الغزاوي، وغادة الحوطي، وسواهم من أدباء ومؤرخين وكتّاب. |
ويحرص عزيزنا عبدالمقصود على أن يدوّن بنفسه الكلمات التي يرسم من خلالها وبأسلوب أدبي راق سيرة من يكرمهم من الرجال وأشفق عليه أحيانًا حيث يتحامل رغم ما يطرأ على صحته من عوارض على الجلوس بين الناس ومحاولة إرضائهم بالكلمات الطيبة والشعور الإنساني الصادق، ويسمع أحيانًا عن عارض يلم بالآخرين، وقد يكون خارج الوطن فيتصل مستفسرًا أو يكتب مواسيًا وهذا ما لمسته منه شخصيًا ومن معالي السيد زكي يماني، ولكن الجحود أو النكران يهبطان بالإنسان إلى الأدنى، وكثيراً ما تعرض الرجلان للسهام الطائشة من أقرب الناس، فكانا يقابلان ذلك بابتسامة عريضة وحلم واتساع صدر، فالجحود شذوذ في الفطرة الإنسانية بينما الوفاء هو الأصل في النفوس السوية والمؤمنة. |
اليوم.. هو يوم مكة.. ولنا في رسول الله أسوة حسنة عندما خاطب في عام الفتح بني قومه: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ فأتاه جوابهم: أخ كريم وابن أخ كريم، فكان الصفح المنبعث من النفس التي رباها مولاها وملأها حبًا وزكاها أصلاً وفطرة فنظر إلى وجوههم في المكان الذي أحب والأرض التي عشق بين الحجون إلى الصفا، فهتف في أسماعهم "اذهبوا فأنتم الطلقاء" بأبي أنت وأمي يا رسول الله ويا شفيعنا في يوم الميعاد، ويا من أنقذ الله بهديك النفوس من غيها وضلالها، فلتمتلئ النفوس بإذن بارئها حبًا وتسامحًا ولتلتق النفوس على صفاء تغذيه رشفات من ماء الطهر والقداسة من بئر زمزم، ويرتقي به أذان ينطلق ندياً من المقام، وآيات من الوحي الإلهي المنزه عن كل تحريف وتأويل، وذلك مشرب القوم جميعًا وما فطرت عليه نفس أهل الجوار عند الحطيم والركن أو بين جنان مثوى سيد الخلق ومصطفاهم عليه صلاة الله وسلامه. |
|
|